السيدة خديجة بنت خويلد -سلام الله عليها مدرسة في تحمل المسؤولية والقيادة والعمل والعطاء والتعاون والتضامن والتضحية والوفاء، وما أحوج الإنسان وبالخصوص المرأة في هذا الزمن وهذا العصر.. إلى استحضار هذه الشخصية العظيمة السيدة خديجة (سلام الله عليها- لتكون قدوة وأسوة حسنة...
أول امرأة آمنت بالله ورسوله
كانت السيدة خديجة بنت خويلد أول امرأة آمنت بالله ورسوله وصدقت رسول الله (ص)، فيما جاء به عن ربه وآزرته على أمره، فكان لا يسمع من المشركين شيئاً يكرهه من ردٍ عليه وتكذيبٍ له، إلا فرَّج الله عنه بها، تثبته وتصدقه وتخفف عنه، وتهوّن عليه ما يلقى من قومه، انها أسوة حسنة لكل امرأة تبحث عن الخلود والرفعة، تلجأ الى باب خديجة لتتعلم معنى الإيثار والوفاء، ليس النساء فقط بل موقفها الرصين كان يفوق قدرة عشرات الرجال.
السيدة خديجة من أوائل الناس وأول النساء إيمانا بالرسالة المحمدية، وبيتها شهد نزول الوحي على النبي (ص)، وشهد أول مكان لتأدية الصلاة لسنوات قبل الإعلان عن الرسالة الإسلامية، حيث لا يوجد على وجه الأرض من يصلي خلف النبي (ص) إلا السيدة خديجة والإمام علي عليهم السلام... واستمر ذلك لسنوات وهم يحافظون على سرية وكتمان العقيدة والرسالة الإسلامية إلى أن يأتي الأمر الإلهي بنشر والجهر بالدعوة.
حبيبة وشريكة النبي الأكرم
تقاسمت السيدة خديجة -عليها السلام- مع النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم المعاناة والحصار والجوع رغم انها السيدة الأكثر ثراءا في المجتمع القرشي وخاصة في مكة المكرمة... وماتت في اليوم العاشر من شهر رمضان المبارك من عام الحزن في شعب ابي طالب أثناء الحصار والجوع في السنة العاشرة من البعثة النبوية، ودفنت في مقبرة الحَجُون في مكّة المكرّمة، ونزل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في قبرها، وكفنها برداء له، ثم برداء من الجنة.
شخصية قيادية وأسوة حسنة
السيدة خديجة بنت خويلد -سلام الله عليها مدرسة في تحمل المسؤولية والقيادة والعمل والعطاء والتعاون والتضامن والتضحية والوفاء، وما أحوج الإنسان وبالخصوص المرأة في هذا الزمن وهذا العصر.. إلى استحضار هذه الشخصية العظيمة السيدة خديجة (سلام الله عليها- لتكون قدوة وأسوة حسنة، فهي من أفضل نساء الجنّة، قال رسولُ اللّه (صـلى الله علـيه وآله وسلم) : أفضل نساء الجنة أربع : خديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمَّد ومريم بنت عمران وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون.
السيدة خديجة الشخصية الناجحة
القيادة، تحمل المسؤولية، الحكمة رجحان العقل، وكانت ثرية جدا، إذ كانت تتكون قافلة تجارتها العشرات من آلاف الجمال... ولديها مكانة شريفة ورفيعة في المجتمع ومنزل من أكبر وأعظم منازل مكة.
تحظى السيدة خديجة بجمال الروح العفة والشرف والطهر والنقاء والكرم والوفاء.. بالإضافة إلى الجمال الخارجي فهي من أجمل نساء الحجاز وأميرة مكة المكرمة.. جمعت كل الصفات لتكون محل رغبة عند الشرفاء لنيل شرف الزواج بها:
من تملك هذه الصفات حتما فهي أمنية كل من يبحث عن الشرف والعز والفخر بالتقدم إليها و هذا طبيعي. وبذلك من الصعب الجزم بما جاء في بعض كتب التاريخ خول تأخر زواجها لعقود... أو القول بانها كانت متزوجة أو لديها بنات..؛ فهي ام سيدة نساء العالمين بضعة النبي السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام وهي طاهرة من أرحام مطهرة.
الشرف والكمال
لقد تحقق الكمال والرقي بمواصفات الخالق -عز وجل- بزواج السيدة خديجة من سيد البشرية وخاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد -صلى الله عليه واله وسلم- وتملك قلبه لتكون الاحب إلى قلبه.. وتكون اما لولده وجدة لاحفاده.
فهي قدمت كل ما تملك ووهبته إلى زوجها الحبيب حبيب الله المصطفى صلى الله عليه واله وسلم.
سلام على حبيبة وشريكة وام عيال الرسول الأعظم صلى الله عليه واله وسلم، والدة السيدة فاطمة الزهراء -عليها السلام- وجدة الأئمة الأطهار عليهم السلام، السيدة خديجة بنت خويلد.
ما بلغت السيدة خديجة بنت خويلد، سلام الله عليها، الكمال لتزهو بشخصيتها في صفحات التاريخ، بقدر ما حازت هذه المرتبة لتكون نموذجاً رائعاً لبنات حواء عبر التاريخ في طريقة التعامل مع أهم جاذب نفسي لهنّ وهو؛ المال الذي يُعد من أبرز عناصر القوة في حياة المرأة، والوسيلة للوقاية من نوائب الزمن وما يخفيه القدر لها، لذا يكون المال أحد أبرز وأهم مواصفات الرجل الخاطب، وكلما كانت ثروته كبيرة –حسب الرؤية المجتمعية الراهنة- كان أسرع في انجاز مشروع الزواج.
ولكن! تقف السيدة خديجة أمام التاريخ والاجيال لتغيّر هذه النزعة النفسية، وتحول النظرة الى المال من المادة الى الروح، ومن التفاخر والتظاهر، الى التسامي والتكامل عبر قيم السماء.
من هي وما أسماؤها وألقابها عليها السلام؟
خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزّى بن قصّي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر، جدّها «خويلد» كان بطلاً مغواراً دافع عن حياض الكعبة المشرّفة في يوم لا ينسى.
والدتها «فاطمة» بنت زائدة بن أصمّ بن رواحة بن حجر بن عبد بن معيص بن عامر بن لؤي بن غالب بن فهر، كانت سيّدة جليلة مشهود لها بالفضل والبرّ.
إذن، فهذه السيّدة العظيمة خديجة الكبرى سلام الله عليها تنتسب إلى قبيلة قريش، ويلتقي نسبها بنسب الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله عند جدّها الثالث من أبيها، وعند جدّها الثامن من أمّها.
للسيّدة خديجة عليها السلام ألقاب كثيرة تعكس عظيم نبلها وشديد قدسها، من هذه الألقاب: الصدّيقة، المباركة، أمّ المؤمنين، الطاهرة، الراضية، المرضية ...إلخ.
كانت تعطف على الجميع، وتحنو عليهم كأمّ رؤوم بأولادها، فكانت «أمّاً لليتامى»، و«أمّاً للصعاليك» و«أمّاً للمؤمنين»، وهي كوثر الخلق، وسمّيت أيضاً «أمّ الزهراء» أو ينبوع الكوثر.
أول سيّدة في الإسلام
لقد كانت السيّدة خديجة عليها السلام على دين أبيها إبراهيم عليه السلام وذلك قبل أن يُبعث الرسول الكريم صلى الله عليه وآله، وكانوا يُعرفون بالحنفاء، وقد آمنت في اليوم الأول من بعثة المصطفى صلى الله عليه وآله، كما جاء في الحديث الشريف: أوّل من آمن بالنبي صلى الله عليه وآله من الرجال علي عليه السلام ومن النساء خديجة عليها السلام.
عندما رجع الرسول الكريم صلى الله عليه وآله من غار حراء وهو ينوء بثقل الرسالة العظيمة، كانت السيّدة خديجة عليها السلام في استقباله حيث قالت له: أيّ نور أرى في جبينك؟ فأجابها: إنّه نور النبوّة، ومن ثمّ شرح لها أركان الإسلام، فقالت له: «آمنت وصدّقت ورضيت وسلّمت.
أول سيّدة مصلّية
كانت السيّدة خديجة أول سيّدة في الإسلام تصلّي، إذ أنّه لسنوات طويلة انحصر الإيمان بالدين الإسلامي بخديجة عليها السلام والإمام علي عليه السلام، وكان الرسول الأعظم يذهب إلى المسجد الحرام ويستقبل الكعبة وعلي عليه السلام إلى يمينه وخديجة خلفه، وكان هؤلاء الثلاثة هم النواة الأولى لأمّة الإسلام، وكانوا يعبدون معبودهم الواحد إلى جانب كعبة التوحيد.
أوّل مؤمنة بالولاية
كان الإمام علي عليه السلام منذ سنينه الستّ في بيت النبي وتحت ناظري السيّدة خديجة عليها السلام ورعايتها، لذلك كان لها حقّ في رقبته هو حقّ الأمومة. وعندما شرح الرسول الكريم صلى الله عليه وآله لزوجه مفهوم الولاية وموقعها السامي، وطلب إليها أن تؤمن بولاية أمير المؤمنين علي عليه السلام، استجابت فوراً حيث قالت بصراحة ووضوح: آمنت بولاية علي وبايعته.
كانت السيدة خديجة عليها السلام تفيض بالحنان والعطف على الإمام علي عليه السلام، لدرجة أنّها قالت فيه: إنّه أخي، وأخو النبي، أعزّ الناس إليه، وقرّة عين خديجة الكبرى عليها السلام.
أول سيّدة تأكل من فاكهة الجنّة
نعم، إنّها أول سيّدة مسلمة تأكل من فاكهة الجنّة حيث ناولها الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله بيده الشريفة عنقوداً من عنب الجنّة.
الزوجة الوحيدة
السيّدة خديجة عليها السلام هي الزوجة الوحيدة من بين أزواج النبي الكريم صلى الله عليه وآله التي أنسلها واستمرّ نسلها الطاهر حتى يومنا هذا. لقد ارتأت المشيئة الإلهية أن تكون السيّدة خديجة وعاءً لأنوار الإمامة وضيائها. والرسول الكريم صلى الله عليه وآله في معرض بيان عظم منزلة هذه السيّدة الجليلة، نجده يخاطب ابنته الأثيرة على قلبه الزهراء البتول عليها السلام بقوله: يا ابنتي، إنّ الله تعالى جعل خديجة وعاء لنور الإمامة.
إنّ الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله لم يتزوّج على السيّدة خديجة في حياتها أبداً حتى ماتت، لقد كانت كوثر النبوة الصافي أفاضت على العالمين بما يقرب من 80 مليون سيّداً علوياً جميعهم ينتمي إلى الدوحة المحمدية الوارفة، وهم مظاهر الخير العميم ومصاديق الكوثر الوفير، عطايا الرحمن لحبيبه خير الأنام وسيّد البشر النبي المصطفى صلوات الله عليه وعلى آله. في اللحظات الختامية من عمر هذه السيّدة الجليلة، بشّرها زوجها الحاني بأنّها ستكون زوجه في الجنّة أيضاً.
حكيمة قريش
اشتهرت السيّدة خديجة عليها السلام بالجمال والكمال والثروة والشرف الرفيع والعلم والحلم وصلابة في اتّخاذ القرار، ودقة في الرأي، ورأي سديد، وعقل راجح وفكر صائب، ومن الطبيعي أنّ من تجتمع لها صفات الكمال والفضل يتسابق الرجال إلى خطبتها والزواج بها، وهذا ما كان مع السيّدة خديجة حيث سارع رؤوس بني هاشم وأقطابها، لا بل وصل الأمر إلى ملوك اليمن وأشراف الطائف، الذين سعوا عبر إغداق الأموال والهدايا للفوز بقلبها، والتربّع على قمّة الشرف والمجد، لكنّها خذلتهم جميعاً، ووقع اختيارها على أمين قريش ومؤتمنها لكي يفوز بقلبها.
الخطبة والزواج
حضر هذه المراسيم أبو طالب عليه السلام وكان أول المتكلمين إذ ألقى خطبة ذكر فيها عظمة منزلة النبي الكريم صلى الله عليه وآله وشرفه وفضله، ثمّ خطب خديجة للنبي من والدها خويلد، الذي خيّرها، بعدها استأذنت خديجة عمّها «عمرو بن أسد» كبير قومه، فأعلنت موافقتها وقالت بأنّ مهرها سيكون من مالها. ثم قام عمّها فخطب في الحاضرين خطبة بليغة ختمها بقوله: زوّجناها ورضينا به. بعد ذلك أعلنها على الملأ بكل صراحة: من ذا الذي في الناس مثل محمد.
وقال خويلد في مراسيم الخطبة: يا معشر العرب، لم تظلّ السماء ولم تقلّ الأرض رجلاً أفضل من محمد، فاشهدوا أنّي أنكحته ابنتي وأنّي لأفخر بهذا الارتباط المقدّس.
بعد ذلك أرسلت السيّدة خديجة عليها السلام إلى أبي طالب أموالاً وأغناماً وقوارير العطور وأنواع اللباس ليعدّ لوليمة العرس. ولم يأل أبو طالب عليه السلام جهداً في التحضير لأعظم مأدبة، حيث أطعم أهالي مكة وأطرافها لثلاثة أيام متتالية. وكانت أول وليمة يعدّها الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله.
ثروة السيّدة خديجة
لسنوات طويلة كانت القوافل التجارية للسيّدة خديجة عليها السلام من أكبر قوافل قريش، وقد ربحت من تجارتها ثروات طائلة، وضعتها جميعها تحت تصرّف الرسول الكريم صلى الله عليه وآله، لينفقها فيما يراه مناسباً.
يقول العلامة المامقاني: لقد وصلنا بالتواتر عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله أنّه قال: ما قام الدين إلاّ باثنتين: سيف عليّ وأموال خديجة.
حكمة السيّدة خديجة
يكفي في رجاحة رأيها وصلابة فكرها ما رواه المؤرّخون من أنّ النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم كان يشاورها في جميع أموره.
كان عليه الصلاة والسلام يتطلّع إلى أن تُسلم قريش لتنجو من عذاب الله وسخطه، فكان يجابه بعنادهم ورفضهم وإصرارهم على باطلهم، فيعتصر قلبه الشريف ألماً وحزناً، في تلك اللحظات العصيبة كان يلجأ إلى بيت العطف والرسالة فيشكو بثّه ومعاناته إلى زوجه وشريكة همّه السيّدة خديجة عليها السلام، فكانت تواسيه وتشدّ من أزره بكلماتها الحكيمة ونظرات العطف والحنان، فتسكن من آلامه وأحزانه.
في مراحل الشدّة والمشقة والحصار الاقتصادي في شعب أبي طالب، كان لأموال السيّدة خديجة عليها السلام الدور الكبير والحاسم في التخفيف من آثار الحصار الجائر الذي فرض على آل أبي طالب، فكانت هذه السيدة الجليلة تشيع الأمل والفرح في قلوب القوم وترفع الحزن والشقاء عن كاهلهم. وعلى الرغم من أنّ الله تعالى كان سنداً وظهيراً لنبيه الكريم ولم يقطع عنه حبل كرمه ولطفه طيلة تلك الفترة العصيبة، إلاّ أنّ وجه السيّدة خديجة عليها السلام المضيء والمشرق، ونظراتها المتفائلة كانت تجعله أكثر إصراراً وعزماً على مواجهة قدره والاستعداد لأيّام أصعب وأقسى.
أم فاطمة
خديجة لم تتزوج قبل النبي فلم تجد القرين الذي يهفو إليه قلبها وتشتاقه روحها حتى رأت محمداً وكل بنت نسبت إلى النبي غير فاطمة فهي ربيبته وليست ابنته. فزينب ورقية وأم كلثوم هنّ بنات هالة أخت خديجة احتضنتهنّ خديجة وهنّ صغيرات بعد موت أبيهنّ ومن ثم أمهنّ فرعاهنّ النبي بعد زواجه من خديجة وأصبحن ربائبه.
مع الدعوة
خديجة رافقت بواكير نزول القرآن، فتوضأت بنداه واستنشقت شذاه ورددت صداه : يا محمد، إن الله يُقرئك السلام..، ويقول إني باعثك نبياً ومرسلاً وهادياً ونذيراً
وكانت زمزم على موعد مع أيدي محمد وخديجة وعلي فدافوا فيه روح السماء وبثوا فيه أنفاس الدعوة وكانت مكة لما تزل عاكفة على الحجر
وحتى النهاية
خديجة .. محمد .. لم يعرف التاريخ اسمان تعانقا في البشرية كهذين الاسمين.. محمد الذي اصطفاه الله لنشر دينه في الأرض، وخديجة أول من آمن به، وأول من توضأ وصلّى فما إن بدأت الدعوة حتى كانت خديجة الرفيق والمعين والسند والشريك لمحمد في دعوته فوقفت بصلابة أمام طغيان قريش وجحودها وتكذيبها للنبوة وعانت وهي ابنة العز والجاه مع بني هاشم في شعب أبي طالب الجوع والمرض لمدة ثلاث سنين وقد أنهكت جسمها الآلام وأضعفت قلبها الحوادث لكن روحها بقيت تنبض بالإيمان والصبر وتزداد صلابة في موقفها المساند لزوجها العظيم يوما بعد يوم وما فُك الحصار حتى دبَّ في جسدها المرض ففاضت روحها إلى بارئها بعد ثلاثة أيام من وفاة أبي طالب فترك هذان الفقدان صدعين في قلب رسول الله وسمي بعام الحزن.. وكان هذا الحزن شديداً جداً على قلب محمد وفاطمة.
اضف تعليق