الاقتداء برسولنا الكريم يعطي الانسان دفعة معنوية هائلة للتقدم نحو الامام وكسب المزيد من نقاط القوة الإيجابية التي تساهم في تطوير قدراته ومهاراته وصفاته. لقد رسم لنا الطريق نحو السعادة الدائمة والراحة والتصالح مع الذات ومع الاخرين، ركز على معرفة الانسان لقدراته الهائلة التي اودعها الله فيه...
ان القدرة على التغيير الذاتي للفرد، والانتقال من الحالة الساكنة السالبة الى الحركة الإيجابية، يحتاج الى قدرات مميزة ودوافع طموحة وتوقعات عالية، ومع الإصرار والعزيمة والصبر يمكن الوصول الى الهدف المنشود والنجاح في عملية التغير وتطوير الذات الانسانية، رغم ما يتخلل هذه المسيرة من صعاب وعقبات وعثرات حتى تحقيق الهدف.
اما امتلاك القدرة على صنع التأثير الإصلاحي في الاخرين، (افراد/ جماعات/ مجتمعات)، وتفعيل طاقاتهم الكامنة، واحداث نقلة نوعية في مستويات مختلفة من مداركهم العقلية والفكرية والثقافية والأخلاقية والاجتماعية، فهي من الأمور التي لا يمتلكها الا القلائل قطعاً، لانها تحتاج الى إمكانيات وقدرات وصفات خاصة، لذلك يخلدهم التأريخ ويصفهم بالعظماء والحكماء والقادة المصلحون.
ان سيد العظماء والحكماء والقادة المصلحون على مر التأريخ، وبشهادة الأعداء قبل الأصدقاء، هو النبي الكريم محمد بن عبد الله (صلى الله عليه واله)، الذي سعى طوال عمره الشريف: "لإنقاذ الإنسان من براثن العبودية والظلم والجهل والاستغلال والفقر والمرض والجشع والفوضى"، وقد مثلت اخلاقه العالية ورحمته اللامحدودة ورأفته ونصحه للأخرين وامانته وعلمه الواسع وحكمته بعضاً من المميزات التي تمتع بها رسول الله حتى أصبحت "المثل الأعلى" للأخرين للاقتداء والاتباع كما يعبر عنها الامام الراحل الشيرازي (رحمه الله): إن سيرة الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله) وأهل بيته الأطهار (عليهم السلام) وتعاملهم مع الناس هي المثل الأعلى في كافة ميادين الحياة الاجتماعية".
عندما تعيش في مجتمع يعاني الظلم والقسوة والتمسك بالعادات الجاهلية والإصرار على التخلف والضلال وتغييب العقل، فإنك تعيش في مجتمع اشبه بالغابة، مجتمع لا ناصر فيه سوى الاموال ومنطق القوة والغلبة والانساب والعشيرة، وحيث ينقسم المجتمع فيه الى طبقة مالكة متحكمة وأخرى مملوكة ومستعبدة لا حول لها ولا قوة، وبذلك تنعدم فيه قيمة الانسان ويتحول الى سلعة تباع وتشترى في الأسواق، ليسود الظلم والجور والاستغلال في المجتمع بدلاً من قيم العدالة الاجتماعية والأخلاق والتكافل الإنساني.
هذا هو الواقع الذي عاش فيه رسول الله (صلى الله عليه واله)، وتحمل فيه اشد أنواع الأذى في سبيل انتشالهم من ظلمات الجهل والتخلف والعصبية الى نور العلم والحرية والأخلاق يقول تعالى: (اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ۖ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ).
لقد أسس الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله) خلال مسيرة كفاحه الطويل المثل والقيم العليا لإسعاد كل الإنسانية وتكريمها وتوفير الحياة السعيدة لها، لذلك: "فإن السعي وراء مفاهيم وأخلاقيات الرسول الأعظم صلى الله عليه واله، كفيل بالأمان من الهلكة، وكفيل بالفوز والنجاة من لهب الجحيم، وكفيل بالعيش الهانئ والحياة الرغيدة في الدنيا أيضاً، وعلينا السعي وراء الخلق الرفيع ما استطعنا، كما علينا ألا نقصر في ذلك".
ان أبرز المحطات التي أسس لها رسول الله محمد (صلى الله عليه واله) كانت تتجلى في:
1. الرحمة المطلقة والرأفة، والعفو عمن ظلمه، واللين مع الجميع، هي الأسس التي شيدها رسول الله (صلى الله عليه واله) لإحلالها في مجتمع يغلب عليه القسوة والغلظة والبطش: (لَقَد جاءَكُم رَسولٌ مِن أَنفُسِكُم عَزيزٌ عَلَيهِ ما عَنِتُّم حَريصٌ عَلَيكُم بِالمُؤمِنينَ رَءوفٌ رَحيمٌ).
2. نبذ الرذائل والأخلاق السيئة التي تشكل المصدر الأساسي لشقاء الانسان وسبب تعاسته، وضرب المثل الأروع في التحلي بالفضائل والاخلاق العظيمة: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ).
3. التأسيس لمبدأ اللاعنف ونبذ العنف بكل اشكاله وصورة، وقد شكلت الأمثلة التي سطرها الرسول الكريم (صلى الله عليه واله) في مواجهة العنف بالسلام والعداوة بالصلح في حل المشاكل والصراعات، منهاج جديد في التعامل الإنساني لم يكن مألوفا قبله: (ادعُ إِلى سَبيلِ رَبِّكَ بِالحِكمَةِ وَالمَوعِظَةِ الحَسَنَةِ وَجادِلهُم بِالَّتي هِيَ أَحسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبيلِهِ وَهُوَ أَعلَمُ).
4. الدعوة لترك الخلافات والمشاكل التي سببت المزيد من الصراعات والبغضاء والفرقة بين الانسان وأخيه الانسان، والتمسك بما يحافظ على احلال السلام والمحبة والسعادة داخل المجتمع الإسلامي والإنساني: (فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ).
5. التأسيس لمبدأ الوحدة والاخوة الإسلامية والإنسانية، وهو من اهم القيم العليا التي استطاع الرسول الكريم محمد (صلى الله عليه واله) التأسيس لها وبناءها وتطبيقها في المجتمع الإسلامي والإنساني على حد سواء: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى)، (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ).
6. مكافحة الخرافة والجهل والتخلف بالعلم والمعرفة، حيث دعا الى ضرورة التعليم والمعرفة والتفكر والدراسة، وخلق أجيال واعية ومثقفة تساهم في تطوير مجتمعاتها بما يخدم رفاهيتها وسعادة افرادها: (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ)، (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ)
7. تحقيق مبدأ المساواة والعدالة والتكافل الاجتماعية الإنساني على نطاق واسع كبديل للعبودية والاستغلال والطبقية السائدة في ذلك الوقت: (كُونُوا قَوَّامِينَ للهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْم عَلَى ألاَّ تَعْدِلُوا إِعْدِلُوا هُوَ أقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)، (يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين، إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما، فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا، وإن تلووا أو تعرضوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا)، (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ)، (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا)
8. محاربة الاستبداد والديكتاتورية واحلال الشورى كنظام اجتماعي يحفظ حقوق وكرامة وحرية الانسان، بعيداً عن قيود التفرد بالسلطة والقرار والحكم المطلق: (وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّـهِ إِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ)، (وأمرهم شورى بينهم).
يقول تعالى: (لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّـهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّـهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّـهَ كَثِيرًا)، والاقتداء برسولنا الكريم (صلى الله عليه واله) يعطي الانسان دفعة معنوية هائلة للتقدم نحو الامام وكسب المزيد من نقاط القوة الإيجابية التي تساهم في تطوير قدراته ومهاراته وصفاته.
لقد رسم لنا الطريق نحو السعادة الدائمة والراحة والتصالح مع الذات ومع الاخرين، ركز على معرفة الانسان لقدراته الهائلة التي اودعها الله (عزوجل) فيه، وكيف السبيل الى تطويرها والاستفادة منها، لقد شكلت سيرته الفذة الأنماط الاجتماعية المثالية التي يمكن الاقتداء بها في معالجة الانحرافات التي يعاني منها الافراد والمجتمعات في الوقت الراهن.
اضف تعليق