كيف يستطيع الإنسان أن يوفر في نفسه القابليات الجيدة، حتى يصل إلى مرحلة معينة يكون فيها قريبا من الإمام الحجة ويكون لائقا بأن يكون من أصحابه، ويكون لائقا بأن يكون منتظِرا حقيقيا، هذا هو بناء الاستعداد النفسي والذاتي والفكري والعقلي، حتى يصل الإنسان إلى تلك المرحلة...
في مقال سابق طرحنا موضوع عالمية الإمام المهدي، وناقشنا معنى وفلسفة الانتظار، في هذا المقال نناقش الواجبات التي يجب على كل مسلم القيام بها في عصر الانتظار.
فما هي هذه الواجبات التي يجب علينا القيام بها؟
كل شيء يحتاج إلى مقدمات، وعملية بناء تراكمي، ونحن في عصر الغيبة والانتظار، لابد أن نعرف ونتعلم ما هي واجباتنا ومسؤولياتنا في الانتظار، وفي بناء عملية التراكم، هذا العصر هو عصر الامتحان والتحديات والاختبار، وهو عصر تحدي الإنسان لنفسه وقدرته على أن يكون قريبا من الإمام الحجة المنتظر (عجل الله فرجه الشريف).
كيف تكون قريبا من الإمام الحجة (ع)؟
كيف يستطيع الإنسان أن يوفر في نفسه القابليات الجيدة، حتى يصل إلى مرحلة معينة يكون فيها قريبا من الإمام الحجة ويكون لائقا بأن يكون من أصحابه، ويكون لائقا بأن يكون منتظِرا حقيقيا، هذا هو بناء الاستعداد النفسي والذاتي والفكري والعقلي، حتى يصل الإنسان إلى تلك المرحلة.
البناء اليومي لتكامل الإنسان
أولا: الكمال والتكامل، من ضمن النقاط المهمة في عملية بناء الانتظار في عصر الغيبة، هو السير في طريق الكمال والتكامل، فلابد للإنسان أن يكون لديه الرؤية حول كيف يكون متكاملا في حياته، وأن تكون غايته الكمال وأسلوبه التكامل، فكيف يمارس عملية التكامل حتى يصل إلى مرتبة قريبة من الإمام الحجة المنتظر (عجل الله فرجه الشريف).
وذلك يتطلب أن يحاسب نفسه يوميا على أعماله، فماذا فعل اليوم، وماذا أنجز، وبماذا أخطأ، وماذا قدم لنفسه؟، لأن النفس مثل بناء البيت، يُبنى حجرا على حجر، إلى أن يكتمل البناء، كذلك الحال مع النفس، النفس الإنسانية والفكر الإنساني يحتاج إلى عملية بناء وترميم وإصلاح حتى يتصاعد البناء.
يقول الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليهما السلام): (من استوى يوماه فهو مغبون، ومن كان آخر يوميه شرهما فهو ملعون، ومن لم يعرف الزيادة في نفسه فهو في نقصان، ومن كان إلى النقصان فالموت خير له من الحياة)، هذه هي عملية التصاعد في البناء، وخطوات التكامل في الإنسان الذي لابد أن يرتفع درجةً درجة حتى يصل إلى الأعلى، لا يمكن أن يقفز ولا يمكن أن يرجع إلى الوراء ولا يمكن أن يبقى راكدا وساكنا في مكانه.
وهذا الكلام حول الكمال والتكامل مطلوب من الإنسان مع كل الأئمة (عليهم السلام)، ولكن نحن ننتظر الإمام الحجة (عجل الله فرجه الشريف)، ونريد أن نصل إلى أن نكون من خدّام الإمام الحجة ومن جنوده، ومن الموالين للإمام الحجة المنتظر (عجل الله فرجه الشريف).
الانسان الحي
السير في طريق الكمال والتكامل، لابد أن تكون هناك حركة إلى الأمام في كل يوم، فهو بناء يومي في تكامل مستمر، والإمام الكاظم (عليه السلام) يعطينا الرؤية في عملية التكامل، (من استوى يوماه فهو مغبون)، ماذا تعني كلمة مغبون؟، تعني خسران ومخدوع، وهو الذي يخدع نفسه، فإذا كان يومه اللاحق نفس اليوم السابق، فهذا يعني أنه لم يفعل شيئا في حياته.
(وَالْعَصْرِ، إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ، إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) سورة العصر. إن الإنسان في حالة خسران مستمر، لماذا؟، لأنه يخسر عمره، فمن يكون يوماه متساويان السابق واللاحق فهو إنسان مغبون لأنه خسران، فإذا كان يومه أقل من أمسه فهو ملعون، بمعنى هو مطرود من رحمة الله، ملعون ليس بالمعنى الذي نعرفه نحن، وإنما من باب أنه خسر الرحمة الإلهية بأن فرط في النعم والفرص المتوفرة له.
لذلك لابد للإنسان أن يكون نموهُ متكاملا، ولا يكون شجرة جدباء ميتة، ومن كان في نقصان فالموت خير له من الحياة. فهو كالميت حاله حال الإنسان الميت، لأن الإنسان الذي لا ينمو ولا يتطور ولا يتقدم هو في الواقع إنسان ميت، أما الإنسان الذي يتقدم ويتطور وينمو ويتكامل، فهو إنسان حي، مثلما يريده الأئمة (عليهم السلام) لنا لنعيش حالة البناء والتكامل والتطور الشامل في حياتنا.
هذا النضج يشمل جميع المستويات، ومنها النضج النفسي والعقلي والتقدم الفكري والثقافي، بحيث يصبح الإنسان شخصية لها قابليات مستمرة في النمو، وقد جعل الله سبحانه وتعالى في كل إنسان قابليات كثيرة.
لكن هذه القابليات تحتاج من الإنسان أن يستثمرها ويحركها وأن يعمل ويفكر ويتعلم، حتى تتحرك هذه القابليات لكي تنمو نموا كبير وعظيما في حياته ويرتقي ويتقدم إلى الأمام.
روح البحث والاستكشاف
ومن ثم نحن نحتاج إلى قضية روح البحث والاستكشاف في حياتنا، الغيبة تعني الغموض، أي أن الأشياء غامضة، وإذا كانت الأشياء واضحة فليس هناك مبرر لوجود اختبار وامتحان، فالغيبة تعني امتحان الإيمان، وامتحان للإنسان حتى يبحث ويستكشف ويصل إلى اليقين المطلوب في حياته، وهذه من صفات المؤمنين المعطائين المحسنين.
روح البحث والاستكشاف مهمة جدا، كي يبين الإنسان إن يومه اللاحق أفضل من يومه السابق، يظهر هذا من خلال الإنجاز الذي يحققه، ومن خلال الابتكار والابداع ومن ثم الانتاج، نحن اليوم نستهلك أكثر مما ننتج وان كنا لا ننتج اساسا، لذلك فإن قضية استمرار الاستهلاك وعدم الانتاج، تعني أننا أما مغبونين وأما ملعونين، وهذا من البلايا والمصائب التي نعيشها.
متى ما استطعنا أن نتقدم في الانتاج على الاستهلاك، ويكون لدينا حالة ابتكار وحالة انتاج وحالة إبداع ونتقدم في حياتنا وننهض ونضع التخلف وراء ظهورنا، في هذه الحالة سوف نحقق زيادة ويكون اليوم اللاحق أفضل من اليوم السابق، لذلك فإن وجود روح البحث والعمل والاستكشاف مهمة جدا في الانسان لكي ينمو ويتطور.
قال الله سبحانه وتعالي في كتابه الكريم: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) العنكبوت 69. فالمطلوب من الإنسان أن يجاهد من أن أجل أن يتحرك وينتج، والجهاد ليس المقصود منه في الحرب فقط، وإنما الجهاد الأهم هو جهاد النفس، وجهاد الفكر، وجهاد الانتاج، أن يكون الإنسان منتجا في حياته، كذلك جهاد التعلّم والعلم.
هذا الجهد الذي يقوم به الإنسان في الحركة والبحث والاستكشاف والبناء، هو الذي يعطينا الهداية ونصل إلى طريق الإمام الحجة المنتظر (عجل الله فرجه الشريف)، فالمطلوب منا هو العمل وهو يعني الانتاج وهذا يعني الابتكار الذي يعني الإبداع، وأن لا نكون مستهلكين ولا متخلفين، وهذا هو معنى الإحسان.
والمحسن هو الإنسان الذي يكون عطاؤه وافرا دائما، سواء كان عطاؤه لنفسه أم عطاؤه لغيره، فعطاؤه لنفسه سوف يكون طريقا إلى عطائه لغيره، لذلك (إن الله لمع المحسنين)، وإن الله مع المتقدمين في الحياة والعاملين فيها، والمحسن هو قمة العمل والعطاء والانتاج، لذلك هذا هو طريق الهداية في عصر الانتظار، الجهاد والعمل والحركة.
الانسان العامل
ثانيا: الانسان العامل، قال الله تعالى في كتابه الكريم: (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ) التوبة 105. الإنسان العامل سوف يرى نتائج عمله، وإذا رأيت رجلا خائبا ليس عنده أية نتائج في حياته، فهذا الرجل لا يعمل بل هو كسول، فالإنسان العامل هو الإنسان الذي يحسم النتائج.
أولا سيرى الله تعالى عملكم، ورسوله والمؤمنون، وهم أئمة أهل البيت (عليهم السلام) وخصوصا الإمام الحجة المنتظر (عجل الله فرجه الشريف) فهو ينظر إلينا ويراقبنا كيف نعمل وكيف نفكر وكيف نسير، ويرانا هل نحن نعمل فعلا من أجل أن نحضر ونستعد لعصر الغيبة؟، أم لا.
الذنوب تحجب عن القرب
ثالثا: الورع عن محارم الله، فالذنوب تحجب عن القرب من الإمام (عجل الله فرجه الشريف)، البعض لديه استهانة بالذنوب، وهذه الاستهانة تعمل على تدمير الإنسان وشخصيته، وهي عملية تراجع للإنسان، وكلما يرتكب الإنسان ذنبا يتراجع إلى الوراء، وكلما يتورع الإنسان عن محارم الله تنمو فيه ملَكة التقوى، وبالنتيجة تتماسك شخصيته وتنضج، ويكون لديه قدرة كبيرة على أن تنمو شخصيته نموا صحيحا سليما.
إن الورع عن محارم الله تقرب الإنسان من الإمام الحجة (عجل الله فرجه الشريف)، لذلك عندما نفرح في ميلاد الإمام الحجة المنتظر لابد أن نفرح بمقدار ما تورعنا فيه عن الذنوب والمعاصي.
خطوات تحقيق التكامل المعنوي
رابعا: التكامل المعنوي، وهو أساس التكامل في كل قضايا الإنسان النفسية والفكرية والثقافية والعلمية، والإنسان الذي يقترب من المعنويات أكثر ويتخلى عن الماديات، سوف يكون أقدر على بناء شخصيته، لأن الماديات تحجب الإنسان وتمنعه عن التطور، وتكون حاجزا أمام تقدمه إلى الأمام، وتحركه نحو المستقبل.
هذه الماديات تعد من المشاكل الكبيرة والمعقدة التي يواجهها الإنسان، فالإنسان يتصور أن العيش في الماديات يجعله محصَّنا أو حصينا، لكن كلا، لا يجعله حصينا، قد يكون حصينا في فكره ونفسه، بمعنى ربما يكون تفكيره هكذا، ولكن هذا الأمر لا يجعله قادرا على أن يتجاوز مشاكله الذاتية والنفسية، فتحجبه عن التطور المعنوي، واذا احتجب عن التطور المعنوي سوف ينهار انهيارا شاملا.
فكلما دخل الإنسان في عالم المعنويات أكثر، وجعل من المادة مجرد وسيلة يسيطر عليها ولا تسيطر عليه، فسوف يقترب أكثر من الإمام الحجة المنتظر (عجل الله فرجه الشريف).
نزع الانانية والتسليم لمنهج الامام (عج)
خامسا: اقتلاع النزعة الأنانية، من نفس الإنسان، وهي تعد من المشاكل الكبيرة، لأن الإنسان الأناني له صور مختلفة، سواء كان مستبدا، أو طاغية، أو منعزلا، أو يعيش حياته الخاصة بعيدا عن الناس، من دون اهتمام وبعيدا عن تحمل المسؤولية، فهذه الأنانية والنرجسية تجعله بعيدا عن الإمام الحجة المنتظر (عجل الله فرجه الشريف).
لذلك فإن الإنسان الذي يريد أن يكون قريبا من الإمام الحجة المنتظر، لابد أن ينتزع الأنانية من نفسه، ويسلم نفسه إلى الله سبحانه وتعالى ويتمسك بمنهج الإمام المنتظر (عجل الله تعالى فرجه الشريف).
يقول المرجع الديني السيد صادق الشيرازي: (فإذا تراجعت «الأنا» عن الفرد وحلّ محلّها الإيثار، صار حقيقاً أن يصبح اللباس الخشن والناعم، والغذاء الجيد والعادي سيّان عند الإنسان)، فلا يوجد فرق بين اللباس الناعم والخشن عند الإنسان، والمهم أن يكون لديه لباس وكذلك بالنسبة للغذاء، وكلام سماحة المرجع يتعلق بالزهد في الماديات والذهاب نحو المعنويات، ونزع الأنا حتى يصبح الإنسان قريبا من الإمام الحجة المنتظر (عجل الله فرجه الشريف).
الصدق الكامل
سادسا: الصدق مع النفس ومع الآخرين، الصدق هو القرب من الواقع، وهو التعامل الصحيح والسليم مع قوانين وقواعد الحياة، ومع سنن الله سبحانه وتعالى في الكون، فعندما يكون الإنسان صادقا، فهو يقترب من الله سبحانه وتعالى، ويقترب من رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ومن الأئمة المعصومين (عليهم السلام) والإمام الحجة المنتظر (عجل الله فرجه الشريف).
كلما ارتفع مستوى الصدق عند الإنسان المؤمن، كلما اقترب نحو الإمام الحجة، وكلما ابتعد الإنسان عن الصدق، دخل في مراحل الكذب والنفاق، لأنهما عمليتان متلازمتان أو أمران متناقضان، الصدق والكذب، هناك مرحلة بين الصدق والكذب، فبعض الأحيان يكون صادقا وفي بعضها يكون كاذبا.
هذه العملية خطيرة جدا في الإنسان، لأنه بالنتيجة ما دام يعيش في هذه المرحلة الوسط، فهو يميل نحو الكذب والنفاق، فيجب عليه أن يقطع هذا التداخل ويدخل في مرحلة الصدق الكامل، لأن الصدق الكامل يجعل بصره بصيرة، وسمعه وعيا، ويكون قادرا على فهم الأمور.
أما التورط في عالم الكذب، فسوف يُسقطه في عالم من الأوهام والأشياء الكاذبة والتضليل، وهؤلاء الذين يكذبون كثيرا يصدقون أكاذيبهم، وفي مرحلة معينة سوف يقع التضليل الذاتي بسبب تضليله للآخرين، فلابد أن يكون الإنسان صادقا مع نفسه، وناقدا وناصحا لها، في عميلة بناء الصدق، وكلما كان صادقا كان قريبا من الإمام الحجة المنتظر (عجل الله فرجه الشريف).
(يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين) التوبة 119. فالصدق هو مرحلة كبيرة بالنسبة للإنسان، حتى ينتقل من مرحلة التخلف إلى مرحلة التكامل والكمال، والتقدم والنهضة في حياته.
بناء الاستعداد النفسي
سابعا: التغيير النفسي، وهي تتعلق ببناء الاستعداد النفسي، من أجل دخول مرحلة التقرب نحو الإمام الحجة المنتظر (عجل الله فرجه الشريف)، وعملية التغيير النفسي من أهم عمليات التكامل في الإنسان، ولابد للإنسان أن يراقب نفسه مراقبة شديدة، هل هو حسود؟، هل هو مغتاب؟، هل يتهم الآخرين؟، هل هو عنيف؟، هل هو خائن وغشاش؟، فلابد أن يبدأ بعملية بناء نفسه كي يتخلص من الرذائل.
وكلما تخلص من الرذائل كان أقرب للاستعداد النفسي، في التقرب للإمام الحجة المنتظر (عجل الله فرجه الشريف)، هذه النقطة، وكل النقاط التي ذكرناها تُسهم في عملية بناء الكمال والتكامل.
التعلّم والتعليم، والتفكّر والتفكير
ثامنا: التعليم والتعلّم، والتفكير والتفكّر، وهذه من النقاط التي تجعل الإنسان أكثر قدرة على أن يكون قريبا من الإمام الحجة المنتظر (عجل الله فرجه الشريف)، لأنها هي عملية تكاملية بين الجانب النفسي والفكري والعقلي والعقائدي، كلها يحتاجها الإنسان في عملية الاستعداد.
التعليم مهم بالنسبة للإنسان، وعليه أن لا يتوقف عن العلم وأن يعلّم الآخرين، لأن الإنسان لا يمكن أن ينهض لوحده، لابد أن تكون النهضة جماعية شاملة، تعليم وتعلّم، كذلك لابد للإنسان في قضية البحث والاستكشاف أن يكون مفكّرا، متدبّرا، حتى يتأمل ويعرف عالم الأسباب والمسببات، ويعرف عالم الطرق التي من خلالها يتقدم في حياته، ويعرف الأشياء التي توصله إلى النتائج الطيبة.
عليه أن يتأمل في قدرة الله سبحانه وتعالى، وفي عظمته، وفي منهج أهل البيت (عليهم السلام)، فالتأمل والتدبّر والتفكّر يجعله قادرا على أن يستفيد من عناصر الفكر في منهج أهل البيت (عليهم السلام).
لابد أن نجعل من العلم نهضة شاملة في حياتنا، لأن العلم هو زيادة للإنسان، وتقدم وتطور، أما الجهل فهو عملية خسران، وهو موت بالنتيجة، فإذا أردنا أن نسير نحو الحياة الحقيقية لابد أن نجعل العلم نهضة شاملة، لأن العلم يجعل الإنسان قريبا من العقل والنضج العقلي.
عن الإمام محمد الباقر (عليه السلام) يقول: (إذا قام قائمنا وضع يده على رؤوس العباد فجمع بها عقولهم)، يمكن أن يتم ذلك من باب الأثر التكويني، وقدرة الإمام المنتظر (عجل الله فرجه الشريف)، كذلك فإن الناس ربما أصبح لديهم الاستعداد العلمي لفهم رسالة الإمام المنتظر (عجل الله فرجه الشريف) فيجمع بها العقول.
كيف نمارس مسؤولياتنا وواجباتنا في عصر الانتظار؟
1- تحمل المسؤولية في حياتنا، وتعني الالتزام بالوظيفة الشرعية والواجب الانساني، الالتزام بالتقدم والنمو في الحياة، والالتزام بالتكامل، المسؤولية هي التي تحث الإنسان على عملية التواصل والتحرك نحو الأمام، والجهاد في سبيل الله، والعمل، والجهاد نحو العمل والاستكشاف والانتاج.
لذلك فإن المسؤولية بناء وثقافة يتربى عليها الإنسان في حياته، منذ نعومة أظفاره، فيبقى يشعر بأنه يحتاج إلى أن يؤدي واجباته ومسؤولياته دائما تجاه الآخرين، والمسؤولية عملية محرِّكة ودافع قوي للإنسان في عملية محاسبة نفسه، وعملية العطاء والبناء والإحسان.
وتحمل المسؤولية وأداء الواجبات هو العنصر العظيم في تقدم الإنسان بحياته، وهذا هو الغاية الكبرى، لأن الإنسان عندما يتحمل مسؤوليته، فهذه نفس الغاية من عبادة الله سبحانه وتعالى، وهو أن يكون الإنسان رشيدا وناضجا وفاهما وقادرا على الأداء الجيد.
تقديم الواجب على الرغبة
2- كثير من الناس يعيشون اليوم على الرغائب، أي يعيش على ماذا يرغب هو، ولا يعيش على ما يرغبه الإمام الحجة المنتظر (عجل الله فرجه الشريف)، هل يرغب أن تذهب للدراسة في الحوزة العلمية أم تذهب للدراسة في التجارة؟، الواجب غير الرغبة، لكن أغلب الناس يعيشون في إطار رغباتهم، وليس في إطار الواجبات.
على سبيل المثال، إذا كان كل فرد يريد أن يعيش في عالم الرغبات كما يعجبه، وليس في عالم الواجبات فإن الحياة سوف تختلّ -وهذا هو سبب اختلال الحياة-، لأنه لا يوجد تكامل في حياتنا، والتكامل يكمن في أداء الواجب، فكل شخص في مجتمعه لديه واجب أساسي يقوم به تجاه الآخرين وتجاه نفسه ومجتمعه، واتجاه ولائه لأهل البيت (عليهم السلام) وهو تحقيق البناء الإنساني.
اليوم أغلب الطلاب يريدون الدخول في كلية الطب كي يصبحوا أطباء، فهي رغبة في نفسه وليس بواجب، وهناك فرق بين الرغبة والواجب، وهذا يتضح في عملية أداء الطبيب، أو هناك من يدرس العلم لكي يصبح عالِما كبيرا، وبالنتيجة يقول الناس هذا عالِم، هذه تسمى رغبة، أو أدرس العلم سواء في الحوزة أو في الجامعة لكي أصبح صاحب رسالة وأقوم بواجبي في عملي البناء الثقافي والفكري والعلمي وتغيير المجتمع تغييرا إيجابيا حقيقيا.
هذا هو الفرق بين الواجب والرغبة، ولابد أن نسير وراء الواجب، وهذه العملية هي التي توازن بين المدخلات والمخرجات، فإذا كان هناك توازن بين الواجب والرغبة وبين المدخلات والمخرجات، يصبح المجتمع متكاملا سليما، بينما إذا ذهب كل الناس وراء الرغبة وتركوا الواجب، فهذا يعني حدوث اختلال اجتماعي كبير.
لذلك نلاحظ عدم وجود بعض المهن عندنا، هناك أناس يذهبون خارج البلاد للعلاج الصحي، أو كثيرا ما نحتاج إلى إرشاد فقهي، وإرشاد علمي وديني، أي أن الحوزات العلمية تحتاج إلى عدد أكبر من الطلاب، لكننا نلاحظ أن الإنسان يذهب وراء المهن التي توفر له المردود المالي وهذا من حقه، ولكن هذه رغبة، بينما الإنسان الذي يتجه نحو العلم وإرشاد الناس، فهذا يُعدّ في إطار الواجب يهدف لتعليم الناس وإرشادهم وتغيير حياته نحو الأحسن من الناحية العقائدية والإيمانية والأخلاقية والنفسية.
فالفارق بين الواجب والرغبة تبيَّن هنا، حيث يتم معرفة هل عندك اليوم واجب أمام الحجة المنتظر أم رغبة؟، وكلما تكون قريبا إلى الواجبات التي يحتاجها المجتمع، وبما قاله أئمة أهل البيت (عليهم السلام) من كلمات، سوف تكون أكثر قربا من الإمام الحجة المنتظر (عجل الله فرجه الشريف)، ومن الغايات الأساسية لغيبته ولانتظاره.
يقول سماحة المرجع الديني السيد صادق الشيرازي (دام ظله): (إن ما يريده الإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف)، من شيعته هو أن يسعوا لهداية الناس، حيث يحتاج الأمر إلى بعض الخطوات التمهيدية، منها حسن المعاشرة وطلب العلم وسلوك طريق المداراة مع العدو والصديق)، هذه نقاط مهمة جدا في بناء الاستعداد الذاتي للتقرب إلى الإمام الحجة المنتظر (عجل الله فرجه الشريف).
كيف نتأسى بسيرة الإمام المنتظر (عج)؟
3- إن التأسي يتم من خلال الآية المباركة (لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) الأحزاب 21. بأن يسير الإنسان بسيرة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وسيرة الإمام علي (عليه السلام)، فلابد أن نتأسى بمنهج وسلوك وأخلاقيات رسول الله والإمام علي (عليه السلام)، وبسيرة الإمام الحجة المنتظر وأن نكون من أتباعه الحقيقيين.
ومن التأسي ممارسة اللاعنف والرفق وحسن المعاشرة ومداراة الناس والأخلاق الحسنة وطلب العلم.
عن محمد بن مسلم عن الإمام الباقر سلام الله عليه، حيث سأله: إذا قام القائم: بأي سيرة يسير في الناس؟ فقال الإمام: (بسيرة ما سار به رسول الله صلى الله عليه وآله حتى يُظهر الإسلام)
وفي رواية أخرى أيضا: (إن قائمنا أهل البيت إذا قام لبس ثياب عليٍّ وسار بسيرة [أمير المؤمنين] عليٍّ).
عن ابن عباس عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: (التاسع منهم من أولاد الحسين سلام الله عليه من أهل بيتي ومهديّ أمّتي، أشبه الناس بي في شمائله وأقواله وأفعاله).
فحين نتأسى بما قاله رسول الله (صلى الله عليه وآله) وبما فعله وقاله الإمام علي (عليه السلام)، هذا يعني أننا نتأسى بسيرة الإمام الحجة المنتظر (عجل الله فرجه الشريف)، ومن المهم في حياتنا أن نتأمل في أحاديثهم ونقرأ رواياتهم ونطبقها في حياتنا حتى نكون من المنتظرين الحقيقيين في عصر الانتظار وعصر الغيبة.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (أبشّركم بالمهدي يُبعث في أمّتي على اختلاف من الناس وزلازل، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، يرضى عنه ساكن السماء وساكن الأرض، يقسم المال صحاحاً. فقال له رجل: وما صحاحا؟ قال: السوية بين الناس).
اضف تعليق