عندما واجهوا هذه التحديات واختاروا طريق الانتهازية والمقامرة والمراهنة على خيارات مفتوحة، وقعوا في نتائج كارثية خطيرة وهي الفتنة. يزعمون خوفهم من الوقوع في الفتنة، أي أنهم حتى لا يقعوا في الفتنة يقومون بهذا العمل، ولكنهم في الواقع وقعوا في الفتنة، عندما اختاروا هذه المغالطة السيئة، وهي مغالطة الفتنة...
في مقالنا الجديد هذا، نستكمل قراءتنا وتأملاتنا وتحليلنا لخطبة السيدة الزهراء (عليها السلام)، تلك الخطبة العظيمة التي أرستْ نور الحقيقة، وسلطت الضوء على الطريق المستقيم الذي لابد للبشرية أن تسلكه من أجل الوصول إلى الغايات الكبرى، والوصول إلى طريق الازدهار والسعادة، وإلى الوصول الآمن إلى الآخرة، وعبور الدنيا عبورا صحيحا سالما غانما.
وصلنا في هذه التأملات إلى مفهوم المغالطة، عندما قالت السيدة الزهراء (عليها السلام) في خطبتها: (لا أقول غلطا ولا أفعل شططا)، فالمغالطات التمويهية تقوم بتحريف الحقيقة، وتحريف المسار عن الطريق المستقيم، وتتلاعب بالتاريخ فتؤثر على حياة كثير من الناس في الماضي والحاضر والمستقبل.
مغالطة الذات
التحريف عن الطريق المستقيم هو السبب الذي يقف وراء كل المشكلات والبؤس الذي يعيشه الإنسان، وقد ذكرنا بعض المفاهيم عن المغالطة، وذكرنا بأن المغالطة هي الوصول إلى نتائج معينة بقياسات غير مترابطة منطقيا يخيل للبعض بأنها تمثل الحقيقة، ولكن هذا الربط بين القياسات وبين القواعد للوصول إلى حقيقة معينة، يختلقها المغالِط من أجل تضليل الآخرين، وحتى من أجل تضليل نفسه وخديعة ذاته لتحقيق شيء معين يحسبه بأنه صحيح وأنه يمكن أن يحقق له غنيمة أو يطفئ قلقه من الغموض الذي يلف حوله.
من أهم النقاط التي سلطت السيد فاطمة الزهراء (عليها السلام) الضوء عليها هي قضية الفتنة، حيث قالت: (ابتداراً زعمتم خوف الفتنة، ألا في الفتنة سقطوا وإنّ جهنّم لمحيطة بالكافرين)، فتحدثت عن الفتنة التي نستطيع أن نقول عنها بأنها أساس ومحور المغالطات التي يقع فيها البشر ويقع فيها الإنسان في معظم حياته.
التحديات، والفرص، والنتائج
ولكن لابأس أن نسلط الضوء في مقدمة عن مفاهيم يبتلي بها الإنسان في حياته، وتشكل نمط حياته وطريقة تفكيره في الحياة، واسلوب حياته، ومن هذه القضايا التي يواجهها الإنسان في حياته هناك ثلاثة أشياء وهي: التحديات، والفرص، والنتائج.
فكل إنسان يواجه في حياته تحديات، وهذه التحديات تخلق له فرصا، وهذه الفرص التي يتفاعل معها ويتعامل معها بطريقة معينة، سوف تخلق له نتائج، فأما يستطيع أن يفهم هذه التحديات، ويستوعبها أو لا يفهمها، فإذا فهمها واستوعبها فسوف تتوفر له الفرص، وإذا لم يفهمها فسوف يضيعها ويخسر في هذه التحديات.
وإذا استوعب التحديات التي تواجهه في حياته سوف يستثمر فرصه بشكل جيد، مثلا أحد التحديات لابد للإنسان أن يدرس ويتعلّم، وهذا التحدي يخلق له فرصا منها أن يصبح صاحب مهارة وقدرة في الحياة يستطيع من خلال دراسته أن يحسّن حياته ويطوّرها.
انقلاب التحديات والفرص الى مخاطر
وهناك من لايفهم اهمية التحدي الذي يواجهه ولايستوعبه فلا يستثمر الفرص بصورة صحيحة، وقد يضيع طريقه في الحياة، على الرغم من أنه يستجيب للتحدي ومن ثم يستثمر الفرصة غير المناسبة له، مثلا أن يدخل في تجارة فاشلة، ويتصور أن هذه التجارة ناجحة، ولكن تكون النتائج خاسرة، أو قد يدخل في الفرصة بصورة صحيحة ويستثمرها بشكل مناسب فتكون نتائجه سليمة نسبيا حسب مستوى قدرته على إدارة الاستثمار في الفرص.
لهذا لابد للإنسان الذكي العاقل الذي تنقضي لحظات عمره، أن يفهم التحديات ويستوعب العمر، وبالنتيجة يحقق النتائج الجيدة، حتى لا تضيع منه الفرص، أو ربما تنقلب عليه وتصبح ضده، وتتحول هذه الفرص إلى مخاطر، وهذه المخاطر تحوم حول التحديات والفرص والنتائج، وتأتي قدرة الإنسان على استيعاب المخاطر من خلال فهمه ووعيه وادارته الحكيمة.
لماذا لا يستطيع النجاح في هذا الأمر، ولماذا قد تتحول الفرص إلى نتائج غير جيدة من خلال هذه الآلية التي تتم بين التحديات والفرص والنتائج؟، فقد تتحول إلى مخاطر كارثية بالنسبة لبعض الناس، وبعض الأمم، وبعض المجتمعات، أو على العالم كله، وهذه المخاطر نتائجها نسبية، فقد تكون قليلة أو متوسطة أو كثيرة، أو تكون كارثية من العيار الثقيل، وذلك لأسباب عديدة ومنها:
أولا: الاستعجال في تحقيق المكاسب
حيث يريد بعضهم أن يصبح تاجرا كبيرا جدا، في أيام معدودات، فيضع رأسماله كله، وكل أمواله في تلك التجارة، هذا الاستعجال فيه مخاطر حقيقية وقد يتعرض لخسارة كبيرة، فهذا الاستعجال في تحقيق المكاسب، الاستعجال في الوصول إلى السلطة، وتحصيل كثير من المغانم في الحياة، يمكن أن يكون مصدر خطر على الإنسان.
ثانيا: الخروج عن الخطوط الأخلاقية والقواعد الشرعية
حيث لا يلتزم الإنسان بالقيم الأخلاقية والضوابط الشرعية، فتراه يعبر هذه الحدود ويتجاوز وينتهك هذه القواعد من أجل الوصول السريع إلى الربح السريع.
ثالثا: الانتهاز الأعمى
الانتهازي يكون أعمى دائما، لأنه يتصوّر ويتوقع بأنه سوف يربح في تجارته أو مشاريعه، ولكنه سوف يخسر كما ذكرنا ذلك عن الإنسان الذي يدخل المتاجرة في الحرام، أو في تجارة ممنوعة وغير قانونية، فيحاول أن ينتهز هذه الفرصة انتهازا أعمى، وبالنتيجة تجعله يقع في مخاطر كبيرة جدا، وترتفع نسبة المخاطرة فيها، لأن الانتهازي الأعمى يكون متهورا ومقامرا دائما بلا علم ولا فهم او استشارة، وعدم وجود دراسة وتخطيط مسبق.
رابعا: الأوهام التي تعشعش في الأذهان وفي الأفكار
هذه أيضا من النقاط التي تجعل الإنسان يضيّع الفرص، أو أنها تنقلب ضدّه، مثلا إذا فتح محلّا (متجرا) معيّنا وهو لا يمتلك الخبرة الكافية، لكنه يخلق في ذهنه وهما معينا بأنه إذا فتح هذا المتجر، أو هذا المحل أو هذا المشروع، فإنه سوف يربح ربحا كبيرا، لأنه نظر إلى نموذج آخر، لكن ذلك النموذج نجح لأنه عمل بالأسباب الصحيحة، ولكنه ينظر إلى المظاهر التي تحولت إلى أوهام اختلقها ذهنه الساذج وأنه سيربح ربحا سريعا وكبيرا، فتؤدي به هذه الأوهام إلى الوقوع في مخاطر كبيرة، وبالنتيجة تضيع منه الفرص الحقيقية المهمة.
خامسا: الطمع والحرص
إن الطمع يعد من المشاكل الكبيرة التي تواجه الإنسان، لأنه يطمع في ربح المال الكثير، وغنائم المنصب والسلطة، ويصبح مسؤولا في مجال معين، ويبدأ بالفساد والنهب والسلب طمعا بجمع المال، لكنه لا يعلم بأنه يدمّر بلده ومجتمعه، وبالتالي يدمر نفسه وعائلته بهذا السلوك غير الأخلاقي، فالطمع وحب الدنيا والحرص عليها من أخطر المخاطر التي يمكن أن نجدها في مجال تضييع الفرص الحقيقية.
وعن الإمام علي (عليه السلام): (غش نفسه من شربها الطمع).
وعن الإمام علي (عليه السلام) -وقد سئل عن الحرص ما هو؟-: (هو طلب القليل بإضاعة الكثير).
سادسا: الوقوع في التضليل الغيْري والذاتي
هذا النوع من الناس، دائما يستمع إلى آراء الآخرين المضلِّل له، كأن ينخدع بما يقرأه في شبكات التواصل الاجتماعي، أو بما يقرأه عن كتّاب غير جيدين، أو بعض الكتب الرديئة، أو يستمع لبعض الناس الذين ليس لديهم علم ولا فهم حقيقي، فيكون خاضعا للتضليل، وقد تأتيه رسالة في البريد الإلكتروني (الإيميل) أو في مواقع التواصل الاجتماعي تقول له أدخل معنا في هذا المشروع التجاري وسوف تحقق ربحا كبيرا، فيدخل في هذه التجارة دون أن يستشير أحدا أو أن يتعلم أو يسأل، فيتعرض إلى خسارة كبيرة جدا.
هذا التضليل الذي يأتي إلى الإنسان من الغير، يسبقه تضليل ذاتي، فالتضليل الحقيقي ليس مصدره الغير بشكل كامل، وإنما نصفه من الغير ونصفه من الذات التي تستقبل هذا التضليل، فالذات العالمة والتي تمتلك الوعي والمعرفة لا تقبل التضليل، أما إذا كانت هذه الذات فاقدة للوعي وفاقدة للإدراك الصحيح والسليم فسوف تكون قابلة للتضليل الغيْري.
سابعا: الشك وعدم اليقين
وهم هؤلاء الذي يشكّون ويرتابون كثيرا، حيث يرتابون في الله سبحان وتعالى، ويشكون في وجود العقاب والحساب، ويشكون في وجود الجزاء، بالنتيجة هذا الشك الذي أصابهم سوف يتلاعب بأذهانهم فيجعلهم لا يؤمنون بشيء، فالإنسان المصاب بالشك يثق بداخله بأنه لا وجود للقواعد والأخلاقيات والالتزامات، فهذا الشك يجعله منفتحا على كل الخيارات في الحياة.
بالتالي يجعله ذلك يقوم بكل الأشياء التي تشتمل على تجاوزات، وبهذا يعدّ هذا الرجل مقامرا ومراهِنا في تجارب محرّمة –لا سمح الله- وغير قانونية متأملا بأنه سوف يحقق ربحا سريعا، والوقوع في مخاطر كبيرة دون ورع وتقوى.
عن الامام علي (عليه السلام): (مَنِ اقْتَحَمَ اللُّجَجَ غَرِقَ وَمَنْ دَخَلَ مَدَاخِلَ السُّوءِ اتُّهِمَ وَمَنْ كَثُرَ كَلَامُهُ كَثُرَ خَطَؤُهُ وَمَنْ كَثُرَ خَطَؤُهُ قَلَّ حَيَاؤُهُ وَمَنْ قَلَّ حَيَاؤُهُ قَلَّ وَرَعُهُ وَمَنْ قَلَّ وَرَعُهُ مَاتَ قَلْبُهُ وَمَنْ مَاتَ قَلْبُهُ دَخَلَ النَّارَ).
نتائج الخيارات المفتوحة
فمن لا يمتلك الورع والتقوى، يقع في الشك والارتياب وعدم اليقين وتكون خياراته مفتوحة على كل القرارات السيئة، والأشياء الشريرة، وهذه من أسوأ الامور التي يقع فيها الإنسان حيث يكون مراهنا ومقامرا على الفساد، على الشر والباطل، والجريمة، والانحراف، حسب مستوى خياراته السيئة.
السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) تسلط الضوء على هذه القضية، التحديات والفرص والنتائج، (ابتدارا زعمتهم خوف الفتنة..)، فعندما واجهوا هذه التحديات واختاروا طريق الانتهازية والمقامرة والمراهنة على خيارات مفتوحة، وقعوا في نتائج كارثية خطيرة وهي الفتنة.
وهكذا فإنهم يزعمون خوفهم من الوقوع في الفتنة، أي أنهم حتى لا يقعوا في الفتنة يقومون بهذا العمل، ولكنهم في الواقع وقعوا في الفتنة، عندما اختاروا هذه المغالطة السيئة، وهي مغالطة الفتنة.
معاني الفتنة
ومعنى الفتنة هو الابتلاء والامتحان والاختبار، ومن معانيها أيضا، اختلاف الناس بالآراء، حيث تحدث الفتنة عندما لا تتميز الأشياء فيما بينها، وعندما لا تتوضح الحقائق، كذلك عندما يقوم البعض بخلط الحقائق، وخلط الحق بالباطل، وخلط الصادق بالكاذب، كل هذه الأمور تشكل معنى الفتنة وبالتالي تكون امتحانا للناس.
حتى هذا الخلط الذي يحصل، فإن الإنسان حر في حياته، ويقف أمام خياراته، وهي خيارات متعددة، لذا هو يُفتَن في خياراته، فهل يختار طريق الخير أم يختار طريق الشر؟، لكنه طمعا بالمال، والدنيا، والسلطة والمنصب يختار طريق الشر.
الفتنة في التأويل
ومن معاني الفتنة أيضا، قيل الفتنة في التأويل، فإن تأويل وتحريف الحقائق سوف يؤدي إلى الظلم، وإن أصل كلمة الفتنة مأخوذ من الفضة والذهب إذا اذابتهما بالنار لتميّز الرديء من الجيد، بمعنى يُفتَن الذهب أو يُفتن الفضة حتى يتميز، أي تتميز الشوائب من الذهب المخلوط عن الذهب الأصلي.
(وفي الكافي، عن معمر بن خلاد قال: سمعت أبا الحسن –الكاظم- عليه السلام يقول: "ألم، أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون" ثم قال لي: ما الفتنة؟ قلت: جعلت فداك الذي عندنا الفتنة في الدين، فقال: يفتنون كما يفتن الذهب، ثم قال: يخلصون كما يخلص الذهب).
فالفتنة، هي الاختبار والامتحان حتى يتميز الإنسان، وتُختبَر إرادته في اختيار طريق الخير أو طريق الشر.
ومغالطة الفتنة هي المغالطة الأساسية في مختلف المغالطات الاخرى، حيث اختار البعض أن ينحرفوا عن طريق رسول الله (صلى الله عليه وآله)، والانحراف عن وصيته في ولاية الإمام علي (عليه السلام)، وهذا ما أرادت أن تبينه السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام)، في معنى الفتنة.
أولئك الذين انقلبوا على طريق الله سبحانه وتعالى وتوحيده، فوقعوا في الفتنة وسقطوا في الامتحان، وتسبب ذلك بنتائج كارثية خطيرة، عندما يواجه الإنسان الفتنة ولا يختار الطريق الصحيح، بل يختار الطريق السيّئ، حيث يدرك انه في مخاض الفتنة ولكنه لخبث قلبه وسوء سريرته، وطمعه في الدنيا والسلطة، ينحرف نحو الطريق السيّئ ثم يسقط.
فمن وجوه المغالطة بالفتنة:
1- خوف الوقوع في الفتنة يؤدي الى الفتنة:
ومن وجوه المغالطة في الفتنة، حين يفر من الفتنة الى الفتنة، حيث يختلق هذا التبرير حتى يوهم الآخرين، فهذا الخوف المزعوم من الوقوع في الفتنة هو الفتنة بحد ذاتها.
مثلا يقوم الحاكم الظالم المستبد الجائر بتخويف الناس من الفوضى، ومن ثم يقوم بعملية قمع وتنكيل للهيمنة على الناس والاستيلاء على السلطة وظلم الناس وجباية الضرائب بالقوة والإكراه، ومصادرة أموالهم بعنوان حماية الناس من الفوضى وترسيخ الامن.
لكن بالنتيجة ما يقوم به هذا الحاكم الطاغية من تخويف الناس من الفوضى، يقود الناس إلى فوضى كبيرة وحروب طاحنة، وقد لاحظنا هذا في سيرة الحكام المستبدين على مدى التاريخ، وقد قاموا بتخويف الناس بالقمع والإكراه والقتل والتعذيب والسجن، فأدى ذلك إلى اختلال الأمن، وانشطار المجتمع وتفككه، وتدمير الأمن الأخلاقي.
في الآية القرآنية: (وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ ائْذَن لِّي وَلاَ تَفْتِنِّي أَلاَ فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُواْ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ) التوبة 49. فيقول لا تفتني خوفا من أن أقع في الذنب.
في واقعة حدثت مع رسول الله (صلى الله عليه وآله)، حين أراد أن يخرج في حرب، فإن أحد المنافقين أراد الفرار من الحرب، فقال أنا لا أذهب إلى الحرب خوفا من أن أقع في "ذنب معين"، فلا تفتنّي. فنزلت الآية (ألا في الفتنة سقطوا وإن جهنم لمحيطة بالكافرين).
لماذا يتضخم الظالم؟
وهذا يتشابه مع الإنسان الذي لا يجابه الظلم ولا ينصر الحق، في مواجهة الظالمين خوفا أو تذرعا بشيء آخر، خوفا على نفسه وعائلته ورزقه، أو خوفا من حدوث أشياء أخرى حسب ما يتصور في ذهنه، ولكن نتيجة لمثل هذه المواقف يتضخم الظالمون بسبب خوف الناس إلى أن يؤدي إلى تحطيم المجتمع تحطيما هائلا، ويقودهم إلى حروب مدمّرة وجبارة، تؤدي إلى قتل أبنائهم وضياع أموالهم واندثار أملاكهم وتحطّم أنفسهم ومجتمعاتهم.
كل هذا حدث لأنهم تذرعوا بالخوف من مواجهة الظالم، أو برروا عدم المواجهة، ولكن هذه النتائج تراكمت مع مرور الزمن حتى أصبحت كبيرة وأدت إلى سقوطهم.
فتنة الفرار من الالتزام الديني
البعض يتذرع بعدم الالتزام بالدين، ويقول إن الالتزام بالدين يلزمني بالواجبات الشرعية، ولكن لماذا يفعل المتدينون هكذا وهكذا، إذًا فأنا لا ألتزم بالدين.
أي أنه يتذرّع بشيء معين كي لا يلتزم بالدين، ولكن الفتنة الحقيقية تكمن في الدين، عندما يتخلى الإنسان عن الالتزام الديني، تارة عبر التخلي المباشر وعدم الالتزام، أو يتم ذلك بأشكال أخرى، فيحرّف الدين من أجل قضايا معينة يقوم بها.
وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله): (كفى بالمرء في دينه فتنة أن يكثر خطأه، وينقص عمله، وتقل حقيقته، جيفة بالليل، بطال بالنهار، كسول هلوع رتوع).
كثير الخطأ، أي أنه يتجرأ على ارتكاب الأخطاء، لا يعمل أو ينقص عمله، فهو عطّال بطال، ولا توجد حقيقة في كلامه، أو أنه يحرّف الكلام، وفي الليل يفعل الأمور السيئة، ولايسكن إلى أهله وأولاده.
بطال في النهار، فهو لا يعمل على الرغم من وجود العمل، لأنه كسول متبطر، وغير جاد في حياته، هلوع خائف دائما، ورتوع يعني يحب دائما أن يتنعّم ويستأنس ويلتذّ ويتمتع في حياته، هذه القضايا هي نوع من الفتنة في الدين، وهذا اختبار للإنسان، وهذه كلها مبررات يقوم بها الإنسان، فيكثر خطأه، ويبرر خطأ ولا يعترف بارتكابه له، ولا يتوب لله سبحانه وتعالى.
ينقص عمله لأن العمل لا يعجبه، ويغلف ذلك بحجج واهية، فيقول هذا العمل لا يناسبني فلا أحبه، ولا يناسب شخصيتي، ولا يناسب روحي ونفسي، فتجده دائما عندما يقع في أخطاء ويقع في نواقص في عمله، تنكشف حقيقته، لأنه يحاول دائما أن يبرر فشله، ويستمر في ذلك بشكل دائم، لذا فإن جيفة في الليل تعني بأنه إنسان مكتئب وغير مرتاح، إنسان يقضي وقته باللذات والمتع فيكون بالنتيجة كسلان وخواف ويحب التنعم المفرط في الحياة، وليس عنده جدية في الحياة، هذه هي الفتنة في الدين.
الدين يصنع النجاح
إذا خلت حياة الإنسان من هذه السلبيات، فهذا يعني بأنه ناجح، أما إذا تواجدت هذه الأمور في حياته فهذا يعني بأنه فاشل في حياته، لذلك فإن الإنسان هو الذي يختار النجاح او الفشل في حياته.
الدين هو الطريق الذي يخلق لنا النجاح، عندما نلتزم به التزاما صادقا، وعندما نواجه مغالطة الفتنة، مواجهة صحيحة وسليمة، ولا نبرر ذلك، فنحن من نخضع للمغالطات، ونحن من نبرر للكذب عندما لا نواجه المغالطة بشكل صحيح، لذا علينا أن نواجه المغالطة بالصدق والحق والجدية وبالعمل الصالح، ونستثمر الفرص الصالحة لنحصد النتائج الجيدة.
اضف تعليق