أكثر الناس يرغبون في الدنيا والمزيد منها، لا سيما في الأموال والمقتنيات، والجاه والقوة وأنواع السُّلطات، فتأخذهم في أحضانها وتُنسيهم ربَّهم، ومعادهم، وحسابهم، وعقابهم وبالتالي تُنسيهم أنفسهم حتى يأتيهم الموت وهو الحق القين الذي لا شك فيه، فيُرديهم في حفرة من النيران أعدوها لأنفسهم فيها أنواع...
مقدمة في العقل
العقل هو النور القدسي الذي يُؤيد الله سبحانه البشر به ليُحاسبهم بعد أن يُكلِّفهم، فعلى العقل يكون الثواب والعقاب، وعندما يسلبه من الإنسان فيكون مجنوناً، أو سفيهاً فيسقط عنه التكليف والحساب والعقاب، كما هو وارد في الكثير من الروايات المختلفة، كالحديث القدسي القائل: (لَمَّا خَلَقَ اَللَّهُ اَلْعَقْلَ اِسْتَنْطَقَهُ ثُمَّ قَالَ لَهُ أَقْبِلْ فَأَقْبَلَ ثُمَّ قَالَ لَهُ أَدْبِرْ فَأَدْبَرَ ثُمَّ قَالَ لَهُ: وَعِزَّتِي وَجَلاَلِي مَا خَلَقْتُ خَلْقاً هُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْكَ، وَلاَ أُكْمِلُكَ إِلاَّ فِيمَنْ أُحِبُّ؛ أَمَا إِنِّي إِيَّاكَ آمُرُ، وَإِيَّاكَ أَنْهَى، وَإِيَّاكَ أُعَاقِبُ، وَإِيَّاكَ أُثِيبُ).
وقَالَ الإمام أَبُو عَبْدِ اَللَّهِ الصادق (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) في حديث جليل عن جنود العقل والجهل: (إِنَّ اَللَّهَ خَلَقَ اَلْعَقْلَ وَهُوَ أَوَّلُ خَلْقٍ خَلَقَهُ مِنَ اَلرُّوحَانِيِّينَ عَنْ يَمِينِ اَلْعَرْشِ مِنْ نُورِهِ فَقَالَ لَهُ: أَدْبِرْ فَأَدْبَرَ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: أَقْبِلْ فَأَقْبَلَ، فَقَالَ اَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ: خَلَقْتُكَ خَلْقاً عَظِيماً، وَأَكْرَمْتُكَ عَلَى جَمِيعِ خَلْقِي)، فالحديث عن العقل في الأدبيات الإسلامية هو حديث عن ذلك النور الروحاني المخلوق لله سبحانه، وليس ما يعرفه البشر ويتحدَّثون به عن أنفسهم وما تحتويه رؤوسهم، فتراهم مختلفين فيه وهو الميزان لهم لأنهم ما عرفوه.
فقمَّة العقل طاعة الله وعبادته لأن الإنسان هذا المخلوق المكرَّم بالعقل والإرادة خُلق للطاعة والعبادة، وإذا عاش على هواه يكون قد هدم عقله واتبع شيطانه الذي يُغويه حتى يُرديه في حفرته، ثم يُجرجره إلى جهنم وبئس المصير، وكم هو جميل بيان الإمام الصادق (ع) الذي جاء إليه أحدهم وقال لَهُ: مَا اَلْعَقْلُ؟ قَالَ (ع): (مَا عُبِدَ بِهِ اَلرَّحْمَنُ وَاُكْتُسِبَ بِهِ اَلْجِنَانُ)، قَالَ قُلْتُ: فَالَّذِي كَانَ فِي مُعَاوِيَةَ؟، قَالَ: (تِلْكَ اَلنَّكْرَاءُ، وَتِلْكَ اَلشَّيْطَنَةُ، وَهِيَ شَبِيهَةٌ بِالْعَقْلِ، وَلَيْسَتْ بِعَقْلٍ)، فهذا الذي يُسمونه داهية هو شيطان بصورة إنسان، وهذا ما يُؤكده جده أمير المؤمنين برسالة له لواليه على الرَّي حيث كتب له يقول: (وَقَدْ عَرَفْتُ أَنَّ مُعَاوِيَةَ كَتَبَ إِلَيْكَ يَسْتَزِلُّ لُبَّكَ وَيَسْتَفِلُّ غَرْبَكَ فَاحْذَرْهُ فَإِنَّمَا هُوَ اَلشَّيْطَانُ يَأْتِي اَلْمَرْءَ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ، وَمِنْ خَلْفِهِ، وَعَنْ يَمِينِهِ، وَعَنْ شِمَالِهِ، لِيَقْتَحِمَ غَفْلَتَهُ، وَيَسْتَلِبَ غِرَّتَهُ).
ومن أجمل وأكمل ما كُتب وعُرِّف به العقل هي وصية الإمام موسى بن جعفر الكاظم (ع) لهشام بن الحكم، حيث فصَّل المسألة ببيان رائع، وجميل مستدلاً على كل كلمة بآية في كتاب الله الحكيم، فجاءت الوصية درَّة من دُرر الكلام التي من حقِّها أن تُكتب على جبين الشمس بالنور، لتكون شاهدة على عظمة هذا الإمام المسجون المظلوم الشهيد المسموم في سجون الطاغية هارون العباسي.
حقيقة الدنيا في الوصية الكاظمية
الحديث عن الدنيا هو حديثنا جميعاً، فنحن نتعلَّق بها بنسبة ما ونحبها ما دمنا فيها، ولكن القليل منَّا مَنْ عرف حقيقة الدنيا، فأنزلها بمنزلتها الحقيقية، وعاشها بواقعية، وحاول أن يُخرج منها سليماً، ونادراً ما تجد شخصاً كأمير المؤمنين الإمام علي بن ابي طالب (ع) الذي عرف حقيقة الدنيا فطلَّقها ثلاثاً، بقوله المعروف: (يَا دُنْيَا يَا دُنْيَا إِلَيْكِ عَنِّي أَ بِي تَعَرَّضْتِ؟ أَمْ إِلَيَّ تَشَوَّقْتِ؟ لاَ حَانَ حِينُكِ! هَيْهَاتَ! غُرِّي غَيْرِي لاَ حَاجَةَ لِي فِيكِ قَدْ طَلَّقْتُكِ ثَلاَثاً لاَ رَجْعَةَ فِيهَا! فَعَيْشُكِ قَصِيرٌ وَخَطَرُكِ يَسِيرٌ، وَأَمَلُكِ حَقِيرٌ.. آهِ مِنْ قِلَّةِ اَلزَّادِ وَطُولِ اَلطَّرِيقِ، وَبُعْدِ اَلسَّفَرِ، وَعَظِيمِ اَلْمَوْرِدِ!).
ولمَّا جاءته وصار حاكماً على دولة مترامية الأطراف، شاسعة واسعة، إلا أنه كبَّها على وجهها، وذلك حين قال: (أَنَا كَابُّ اَلدُّنْيَا لِوَجْهِهَا، وَقَادِرُهَا بِقَدْرِهَا، وَنَاظِرُهَا بِعَيْنِهَا)، وهذه الكلمة العجيبة بحقِّ الدنيا لم يسبقه إليها أحد إلا ما كان من السيد المسيح (ع) الذي رُوي أنه قال: (أنَا الَّذِي كَبَبْتُ الدُّنيَا عَلَى وَجهِهَا، لَيسَ لِي زَوجَة تَمُوتُ، وَلَا َبيتٌ يَخرَبُ، وِسَادِي الحَجَر، وَفَرَاشِي المَدَر (التراب)، وَسَرَاجِي (في الليل) القَمَر).
فأهل الآخرة هم خبراء بالدنيا وأحوالها وتقلباتها، فهي كالحيَّة السَّامة، كما يصفها حكيم الإنسانية أمير المؤمنين (ع) بقوله: (مَثَلُ الدُّنْيَا كَمَثَلِ الْحَيَّةِ، لَيِّنٌ مَسُّهَا، وَالسَّمُّ النَّاقِعُ فِي جَوْفِهَا، يَهْوِي إِلَيْهَا الْغِرُّ الْجَاهِلُ، وَيَحْذَرُهَا ذُو اللُّبِّ الْعَاقِلُ)، حقاً إنها جميلة لمَّاعة برَّاقة، ناعمة لطيفة، يحذرها الإنسان العاقل لما يعرفه من حقيقتها السامَّة ولدغتها المهلكة، ولكن الجاهل والغرَّ من الناس يراها فتُعجبه فيهوي إليها ليأخذها فتلدغه وتقتله، والدنيا هذه الحيَّة الرَّقطاء، ولكن أكثر الناس يغترون بها فتُهلكهم، لأنهم يأخذون منها دون تحرُّز، أو يشربون منها فتزيد من عطشهم لأنها كماء البحر المالحة.
ولذا تجد الوصية الخالدة لمولانا وإمامنا موسى الكاظم تُعرِّفنا حقيقة الدنيا بكلمات رائعة، وبلاغة واضحة، وبيان جميل، حيث يقول فيها: (يَا هِشَامُ؛ اَلصَّبْرُ عَلَى اَلْوَحْدَةِ عَلاَمَةُ قُوَّةِ اَلْعَقْلِ، فَمَنْ عَقَلَ عَنِ اَللَّهِ اِعْتَزَلَ أَهْلَ اَلدُّنْيَا، وَاَلرَّاغِبِينَ فِيهَا، وَرَغِبَ فِيمَا عِنْدَ اَللَّهِ، وَكَانَ اَللَّهُ أُنْسَهُ فِي اَلْوَحْشَةِ، وَصَاحِبَهُ فِي اَلْوَحْدَةِ، وَغِنَاهُ فِي اَلْعَيْلَةِ، وَمُعِزَّهُ مِنْ غَيْرِ عَشِيرَةٍ).
هذه الفقرة النورانية كم نحن بحاجة إليها في هذا العصر الأغبر المتلاطم الفتن، والمتتابع المحن علينا، حتى صار الحليم حيراناً، والأديب الأريب مبهوتاً، فمَنْ يتكلم بالحق مآله إما القبر أو السجن وهو مقبرة الأحياء، وإن سكت لم يسكتوا عنه، ويمطرونه بكل أنواع الفساد في كل شيء حتى صرنا نرتطم بالحرام ارتطاماً، ولكن الإمام الكاظم (ع) صاحب التجربة المرَّة والطويلة في السجون والمطامير الظالمة المظلمة للحكام والطغاة، يُعطينا مقياساً لنعرف أنفسنا بقوله: (اَلصَّبْرُ عَلَى اَلْوَحْدَةِ عَلاَمَةُ قُوَّةِ اَلْعَقْلِ)، وأنا وكل مَنْ خاض تجربة الإمام (ع) يعلم مدى تأثير وصدق هذا المقياس في الصبر على الوحدة والسجن.
وليس ذلك فقط بل؛ (مَنْ عَقَلَ عَنِ اَللَّهِ اِعْتَزَلَ أَهْلَ اَلدُّنْيَا)، فالعقل يكون عن الله سبحانه، وهو النور الكاشف للحقائق التي تُرى بالبصيرة لا بالبصر، والله سبحانه جعل الدنيا دار امتحان، واختبار، وابتلاء، حيث قال: (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ) (العنكبوت: 2)، ولكن هي مرحلة منقضية وفانية، وقنطرة يعبر منها الإنسان إلى الدار الباقية الخالدة، فهي دار عبور ومرور كمرحلة الرَّحم في بطن الأم، فهي أيام وأشهر تنقضي سريعاً ويأتي الإنسان إلى هذه الدنيا حيث يتحضَّر للدار الآخرة، وقد جاء في وصية الإمام علي (ع) لولده الإمام الحسن (ع) الرائعة قوله: (وَاِعْلَمْ يَا بُنَيَّ أَنَّكَ إِنَّمَا خُلِقْتَ لِلْآخِرَةِ لاَ لِلدُّنْيَا، وَلِلْفَنَاءِ لاَ لِلْبَقَاءِ، وَلِلْمَوْتِ لاَ لِلْحَيَاةِ، وَأَنَّكَ فِي قُلْعَةٍ، وَدَارِ بُلْغَةٍ، وَطَرِيقٍ إِلَى اَلْآخِرَةِ، وَأَنَّكَ طَرِيدُ اَلْمَوْتِ اَلَّذِي لاَ يَنْجُو مِنْهُ هَارِبُهُ، وَلاَ يَفُوتُهُ طَالِبُهُ).
ولكن أكثر الناس يرغبون في الدنيا والمزيد منها، لا سيما في الأموال والمقتنيات، والجاه والقوة وأنواع السُّلطات، فتأخذهم في أحضانها وتُنسيهم ربَّهم، ومعادهم، وحسابهم، وعقابهم وبالتالي تُنسيهم أنفسهم حتى يأتيهم الموت وهو الحق القين الذي لا شك فيه، فيُرديهم في حفرة من النيران أعدوها لأنفسهم فيها أنواع من الحيَّات والعقارب والعذابات المختلفة.
الحكمة في الاختيار الصحيح
وبما أن الدنيا بهذا الشكل من الخداع، والسَّرابية فلماذا يركض خلفها البشر طيلة حياتهم، وعلى امتداد أعمارهم؟، وذلك لأنهم فقدوا العقل والحكمة في هذه الحياة، لأن الحكيم العاقل هو الذي يضع الأشياء في مواضعها – كما عرَّفوه – وأما الجاهل السَّفيه فهو الذي يركض خلف السَّراب ويحسبه ماء، ولذا يقول الإمام الكاظم (ع): (يَا هِشَامُ إِنَّ اَلْعَاقِلَ رَضِيَ بِالدُّونِ مِنَ اَلدُّنْيَا مَعَ اَلْحِكْمَةِ، وَلَمْ يَرْضَ بِالدُّونِ مِنَ اَلْحِكْمَةِ مَعَ اَلدُّنْيَا فَلِذَلِكَ (رَبِحَتْ تِجٰارَتُهُمْ)، فالعاقل الذي يرضى بالحياة الدنيئة مع الحكمة فيها، ولا يرضى بالحياة المرفَّهة مع عدم الحكمة والتعقُّل، ولذا تراهم يربحون في تجارتهم ويشترون أنفسهم من الدنيا، ويفوزون في الآخرة والنعيم الدائم المقيم لأن ثمن أنفسنا الجنة ولا نبيعها بالرَّخيص.
ثم يقول الإمام الكاظم (ع) مبيِّناً: (يَا هِشَامُ إِنَّ اَلْعُقَلاَءَ تَرَكُوا فُضُولَ اَلدُّنْيَا فَكَيْفَ اَلذُّنُوبَ، وَتَرْكُ اَلدُّنْيَا مِنَ اَلْفَضْلِ، وَتَرْكُ اَلذُّنُوبِ مِنَ اَلْفَرْضِ)، وكم نشتبه في هذه المسألة الدقيقة التي يُشير إليها سيدنا ومولانا الكاظم (ع)، وهي أن ترك الفضُول والزوائد والكماليات في هذه الدنيا زهداً بها، وهي فضل وليست بفرض واجب، وأما ترك الذنوب والمعاصي فتركها واجب، وأكثر الناس يُضيِّعون الفرض ويتمسَّكون بالفضل أليس هذا من قلَّة العقل؟
الدنيا والآخرة بالعمل
والحقيقة الواقعية أن كل من الدنيا والآخرة لا تأتي إلا بالعمل، والكد، والتعب، والنصب، والكدح، كما قال سبحانه: (يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ) (الانشقاق: 6)
وقال تعالى: (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ) (البلد: 4)
أي بتعب وجُهد، وعلى الإنسان أن يكون بصيراً وعاقلاً، وهذا ما قاله الإمام الكاظم (ع): (يَا هِشَامُ إِنَّ اَلْعَاقِلَ نَظَرَ إِلَى اَلدُّنْيَا وَإِلَى أَهْلِهَا فَعَلِمَ أَنَّهَا لاَ تُنَالُ إِلاَّ بِالْمَشَقَّةِ، وَنَظَرَ إِلَى اَلْآخِرَةِ فَعَلِمَ أَنَّهَا لاَ تُنَالُ إِلاَّ بِالْمَشَقَّةِ، فَطَلَبَ بِالْمَشَقَّةِ أَبْقَاهُمَا)، كلاهما طالبة ومطلوبة فلماذا لا نطلب الباقية الدائمة، والخالدة الأبدية في كدِّنا وسعينا في هذه الدنيا، بل نضِّع كل حياتنا وجهودنا في هذه الدنيا الفانية المنقضية المليئة بالتعب والحسرات والأحزان، فأي عاقل وحكيم يفعل بنفسه ما نفعله نحن بأنفسنا؟
فأما العقلاء وأهل البصائر فإنهم عرفوا تلك الحقائق، وتبصَّروا بالدنيا وخداعها، وزينتها الزائلة فزهدوا فيها، ورغبوا عنها، وعملوا إلى تلك المرحلة الخالدة التي لا يُنغصها شيء، وأما هذه الدنيا فلا تجد لذة إلا ومعها ما يُنغِّصها، ولا فرحاً إلا وإلى جانبه ترحاً، هكذا ركَّبها الخالق تعالى، ولذا قال الإمام الكاظم (ع): (يَا هِشَامُ إِنَّ اَلْعُقَلاَءَ زَهِدُوا فِي اَلدُّنْيَا وَرَغِبُوا فِي اَلْآخِرَةِ لِأَنَّهُمْ عَلِمُوا أَنَّ اَلدُّنْيَا طَالِبَةٌ مَطْلُوبَةٌ، وَاَلْآخِرَةَ طَالِبَةٌ وَمَطْلُوبَةٌ، فَمَنْ طَلَبَ اَلْآخِرَةَ طَلَبَتْهُ اَلدُّنْيَا حَتَّى يَسْتَوْفِيَ مِنْهَا رِزْقَهُ، وَمَنْ طَلَبَ اَلدُّنْيَا طَلَبَتْهُ اَلْآخِرَةُ فَيَأْتِيهِ اَلْمَوْتُ فَيُفْسِدُ عَلَيْهِ دُنْيَاهُ وَآخِرَتَهُ).
حقيقة ولو لم يكن في هذه الدنيا إلا الموت الذي يطلب أهلها جميعاً لكفى به واعظاً عن طلبها والرَّغبة فيها، فالموت لا يدع لذَّة إلا هدمها، ولا فرحة إلا نغَّصها، لأنه يطلبنا ولا يأتي إلا بغتة ولا يُردُّ ولو اجتمعت عليه أهل الأرض.
وهذه الحقيقة بيَّنها الإمام الكاظم (ع) بقوله: (يَا هِشَامُ لاَ دِينَ لِمَنْ لاَ مُرُوَّةَ لَهُ، وَلاَ مُرُوَّةَ لِمَنْ لاَ عَقْلَ لَهُ، وَإِنَّ أَعْظَمَ اَلنَّاسِ قَدْراً اَلَّذِي لاَ يَرَى اَلدُّنْيَا لِنَفْسِهِ خَطَراً أَمَا إِنَّ أَبْدَانَكُمْ لَيْسَ لَهَا ثَمَنٌ إِلاَّ اَلْجَنَّةُ فَلاَ تَبِيعُوهَا بِغَيْرِهَا).
فالدنيا كلها وبأسرها لا تُساوي قيمة الإنسان فهو أغلى وأعلى وأشد خطراً منها، فإن ثمنه الجنَّة وأي سعر غيرها فهو بخس، ولكن الجميع يبيع نفسه بأتفه الأسعار للأسف الشديد.
السلام على سيدنا ومولانا وإمامنا موسى الكاظم المسموم، الشهيد، المظلوم ورحمة الله وبركاته وتحياته.
اضف تعليق