المنقذ الحقيقي للبشر من كل ذلك هو العقيدة الصحيحة التي تُبنى على الأصول والقواعد المحقة كما بيَّنها الله في كتابه، والرسول الأكرم في سيرته وسُنَّته، وهذا يُعطينا البصيرة النافذة، والوعي بمجريات الأحداث والأمور والاعتبار بالماضي، كدروس للحاضر والمستقبل، مع ما أعطى الله الإنسان من فطرة سليمة...
تقديم فكري
الباحث والدارس، بل المتأمل في تاريخ الأنبياء (ع)، والعظماء من بني البشر، والقادة المميَّزون فيهم يجد أن هناك مسألة في غاية الوضوح، والرسوخ، وقد تصل إلى حدِّ البديهية؛ ألا وهي أن لكل نبي وصي، ولكل عظيم، أو قائد تاريخي ناجح يُربي وصيَّاً ويُوصي له، وحتى في كل الجيوش والقادة لا بد من نائب للقائد، وتعيينه وتحديده مكانه من أهم واجبات القائد التي يُبيِّنها في أمر القتال قبل بدء المعركة.
ورسول الله (ص) عظيم العظماء، تجده في كل معركة أو غزوة كان يُعيِّن خليفة له في المدينة المنورة، وقائداً بعده يُعطيه اللواء وكان حامل لوائه في كل غزواته أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب (ع) عدا غزوة تبوك عام 9ه، ومن إبداعاته الملاحظة وعبقريته القيادية العسكرية أنه عندما أرسل قائداً واحتمل شهادته عيَّن له نائبين كما في مؤتة، قال (ص): (إن أصيب زيد بن حارثة فجعفر بن أبي طالب فإن أصيب جعفر فعبد الله بن رواحة) (رواه البخاري ومسلم)
فهذا من سيرة العقلاء قاطبة، ومسيرة الأنبياء في أممهم وأقوامهم، فهي عادة وعبادة، عادة اعتادها العقلاء في حياتهم الاجتماعية، وعبادة لأن الله تعالى أمر بها أنبياءه الكرام بأن يُبيِّنوا للناس عامة، وللأمة خاصَّة الوصي، وله كل ما للنبي من مكانة، وشأن وعظمة وعصمة، إلا الوحي والتكليم المباشر من الروح الأمين جبرائيل (ع)، فهما شريكان في الرسالة فالنبي يتلقى الوحي والتنزيل ويُبلِّغه للأمة مدة حياته، والوصي يُطبِّق ويفسر ويؤوِّل لها ما أشكل عليها ويقودها من بعد نبيها إلى ما أراد الله وأمر.
ولذا كانت مسألة الوصية هي من بديهيات الدين الإسلامي الحنيف، ومَنْ يقرأ آيات القرآن الحكيم يجد صدق ما نقول، وذلك حين يأمر بالطاعة، ولزوم الانقياد للباري تعالى فيقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا) (النساء: 59)
فهذا الترتيب في الطاعة هو ترتيب أراده الله وأمر به، فله الطاعة بالأصالة، ولرسوله الكريم لأن طاعته هي طاعة لله تعالى، بلا أدنى شك أو ريب في ذلك، ولكن من بعد الرسول (ص) تكون الطاعة للولي، والوصي، فطاعته هي طاعة للرسول، وطاعة لله تبارك وتعالى، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (قال الله عز وجل: "لأعذبنَّ كلَّ رعية في الإسلام أطاعت إماماً جائراً ليس من الله عز وجل وإن كانت الرَّعية في أعمالها برَّة تقية، ولأعفونَّ عن كل رعيَّة في الإسلام أطاعت إماماً هادياً من الله عز وجل وإن كانت الرَّعية في أعمالها ظالمة مسيئة) (ثواب الأعمال. 198)
التأثير والأثر الاجتماعي
لكل رسالات السماء، وبعثة الأنبياء (ع) أثر اجتماعي بحت، لأن الله تعالى يُريد الهداية للناس، وليس الغواية لهم، والرحمة بهم، والعفو عنهم، وغفران الذنوب والخطايا التي يرتكبونها، فالخالق سبحانه خلق الخلق بالحب، ويُعاملهم بالرحمة قال تعالى: (إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ) (هود: 119)
فالمجتمع هو صاحب المصلحة الأولى والأخيرة في التشريع الإلهي الذي يُنزله على رسله الكرام، فكل مَنْ يُحاول أن يُصوِّر الدين ليس له جنبة اجتماعية هو واهم، أو عدو ناقم على الدين ويُريد أن يعزله عن حياة الناس كما فعلوا في الرسالة المسيحية، ويُحاولون الآن في الرسالة الإسلامية الخاتمة، من قبل دُعاة العولمة والمجتمع المدني، ويرفعون نفس شعارات النصارى في الغرب (دع ما لله لله، وما لقيصر لقيصر)، و(الدِّين في المساجد، والحياة في الأسواق).
فالله تعالى يُنزل الرسالات، ويبعث الأنبياء ليستنقذوا العباد من الشياطين (الإنسية والجنية)، ويعيدوهم إلى الله بالطاعة والعبادة والانقياد بالخضوع والخشوع، فالله الخالق يأمر بطاعته وطاعة رسوله، والرسول يُبلِّغ ويجب أن يُطاع ويُطاع وصيه ووليه في أمته، ولهذا كان يُشير إلى هذه المسألة الضرورية في كل حين ويُبيِّن وصيَّه من اللحظة الأولى لبعثته، لأن أمر الوصي كأمر النبي تماماً لا دخل للبشر باختياره بل هو أمر إلهي وخيرة ربانية بامتياز يقصر البشر عن بلوغها أو أي شيء منها، ولو كان للبشر اختيار لاختار كل منهم نفسه وقاتل غيره لخطورة هذا المنصب، الذي قال عنه الشهرستاني: (أعظم خلاف بين الأمة خلاف الإمامة إذ ما سُلَّ سيف في الإسلام على قاعدة دينية مثل ما سُلَّ على الإمامة في كل زمان)، فلو تُرك الأمر للبشر لتطاولوا عليه جميعاً، و(كلٌ يُضمر ما أظهره فرعون) حيث قال: (أنا ربكم الأعلى).
البصيرة والوعي والعقيدة
والمنقذ الحقيقي للبشر من كل ذلك هو العقيدة الصحيحة التي تُبنى على الأصول والقواعد المحقة كما بيَّنها الله في كتابه، والرسول الأكرم (ص) في سيرته وسُنَّته، وهذا يُعطينا البصيرة النافذة، والوعي بمجريات الأحداث والأمور والاعتبار بالماضي، كدروس للحاضر والمستقبل، مع ما أعطى الله تعالى الإنسان من فطرة سليمة، وعقل مثار بالوحي السماوي، الذي يُميِّز فيه بين الحق والباطل، والخير والشر، والنور والظلمة، والسليم من السَّقيم.
وجميل ما يقوله الإمام الشيرازي الراحل (رحمة الله عليه ورضوانه): " إنّ صاحب البصيرة النافذة إذا أعطيت له حرية الاختيار بين الحق والباطل، ورفعت عنه جميع العقبات والحواجز، فإنه -وبلا شك- سوف يختار طريق الحق؛ لأنّ اتباع الحق يؤدي به إلى السعادة في الدنيا، والى الجنة والنعيم الدائم في الآخرة.
وطبيعة الإنسان العاقل أن يختار طريق الأمان والسلام، الذي هو طريق الحق، على طريق الهلكة والهوان، الذي هو طريق الباطل.. بالإضافة إلى ذلك فإنّ الله عز وجل يحفظ الإنسان الذي يتبع الحق والحقيقة من النسيان والضمور، ويجعله في مأمن منها رغم تعاقب الأجيال، وتقلّبات الأيام، ويخلّد ذكره ليبقى قدوة للخير والفضيلة، والأمثلة على ذلك كثيرة." (عيد الغدير أعظم الأعياد في الإسلام: السيد محمد الشيرازي: ص39)
الوصية والوصي في التاريخ الإسلامي
والدِّين الإسلامي الحنيف الخاتم لرسالات السماء هو ليس بدعة من الرسالات ليقول القائل: "أن رسول الله (ص) انتقل إلى الرفيق الأعلى ولم يوصِ لأحد من بعده بل تركها شورى"، فهذا المنطق يُخالف منطق الرسالات، وسيرة العقلاء في كل زمان ومكان، فكيف بالرسول الأعظم (ص) الذي اقترنت حياته الشريفة، ورسالته المباركة بابن عمه الإمام علي بن أبي طالب (ع) من قبل البعثة، واستمرَّت حتى وسَّده في ملحودته روحي لهما الفداء، فالعجب العُجاب من أولئك الأعراب الذين يفترون على الله ورسوله الكذب.
فقضية التربية التي حظي بها النبي الأكرم في بيت عمِّه أبي طالب (ع) والسيدة فاطمة بنت أسد لا تخفى على أحد، ثم أخذه لابن عمه علياً (ع) منذ الطفولة وتربيته في حجره بينه وبين أم المؤمنين الأولى السيدة خديجة (ع) مما تواترت به الأخبار، ولا يُنكره أو يجحده حتى الكفار، فكان النبي (ص) يحب علياً (ع) أكثر من ولده، كما يصفه عمه العباس.
وهو يصف لنا لحظة نزول الوحي بالقرآن في خطبته القاصعة الرائعة حيث يقول: (وَلَقَدْ كَانَ يُجَاوِرُ فِي كُلِّ سَنَةٍ بِحِرَاءَ فَأَرَاهُ وَلَا يَرَاهُ غَيْرِي وَلَمْ يَجْمَعْ بَيْتٌ وَاحِدٌ يَوْمَئِذٍ فِي الْإِسْلَامِ غَيْرَ رَسُولِ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) وَخَدِيجَةَ وَأَنَا ثَالِثُهُمَا أَرَى نُورَ الْوَحْيِ وَالرِّسَالَةِ وَأَشُمُّ رِيحَ النُّبُوَّةِ وَلَقَدْ سَمِعْتُ رَنَّةَ الشَّيْطَانِ حِينَ نَزَلَ الْوَحْيُ عَلَيْهِ (صلى الله عليه وآله) فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا هَذِهِ الرَّنَّةُ فَقَالَ هَذَا الشَّيْطَانُ قَدْ أَيِسَ مِنْ عِبَادَتِهِ إِنَّكَ تَسْمَعُ مَا أَسْمَعُ وَتَرَى مَا أَرَى إِلَّا أَنَّكَ لَسْتَ بِنَبِيٍّ وَلَكِنَّكَ لَوَزِيرٌ وَإِنَّكَ لَعَلَى خَيْرٍ) (نهج البلاغة: خ92)
فمن اللحظة الأولى كان عليٌّ وزيراً لمحمدٍ، فكيف يقولون: ليس له وصي ووزير أهل التحوير؟
فالحقيقة التاريخية التي يُحاول البعض تجاهلها، أو طمسها، وتشويهها لتظهر في عيون الأمة على الصورة غير الحقيقية لها، لأن كل القرائن والروايات والأحاديث المتواترة تؤكد على حقيقة أن الإمام علي (ع) هو الوصي والوزير والخليفة والأخ والناصر والولي والمعين له في رسالته التي ما قامت إلا بسيفه ومال السيدة خديجة (ع)، كما هو معروف لدى عامَّة الأمة الإسلامية.
وهذا ما نعلمه من آيات القرآن الحكيم مباشرة، إذ من المتواترات في الأمة قوله (ص) لعليٍّ (ع): (أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي من بعدي)، وعندما يمَّمنا وَجهنا إلى القرآن الحكيم لنعرف مكانة هارون (ع) من موسى، وجدناهم يروون أحاديث منها حديث أصدق الصحابة أبو ذر الغفاري حيث يقول: (عليٌّ قائدُ البررةِ، وقاتلُ الكفرةِ، فمنصورٌ من نصره، ومخذولٌ من خذَله، أما إني صليتُ مع رسولِ اللهِ (صلَّى اللهُ عليه وآله) يومًا صلاةَ الظهرِ، فسأل سائلٌ في المسجدِ، فلم يعطِه أحدٌ شيئًا، فرفع السائلُ يدَه إلى السماءِ، وقال: اللهمَّ إنك تشهدُ أني سألتُ في مسجدِ رسولِ اللهِ (صلَّى اللهُ عليه وآله) فلم يُعطني أحدٌ شيئًا، وكان عليٌّ راكعًا، فأومأ بخنصرِه اليمنى، وكان متختِّمًا فيها، فأقبل السائلُ حتى أخذ الخاتمَ، وذلك بعين النبيِّ (صلَّى اللهُ عليه وآله)، فلما فرغ من صلاتِه رفع رأسَه إلى السماءِ، وقال: اللهمَّ إنَّ موسى سألك و(قال رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي (25) وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي (26) وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي (27) يَفْقَهُوا قَوْلِي (28) وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي (29) هَارُونَ أَخِي (30) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (31) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي) (طه: 25 – 32)، فأنزلت عليه قرآنًا ناطقًا: (سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ) (القصص: 35)، اللهمَّ وأنا محمدٌ نبيُّك وصفِيُّك ، اللهمَّ فاشرَحْ لي صدري، ويسِّرْ لي أمري، واجعلْ لي وزيرًا من أهلي، عليًّا أَشددْ به ظَهري)؛ قال أبو ذرٍّ: فما استتمَّ كلامَ رسولِ اللهِ (صلَّى اللهُ عليه وآله) حتى نزل عليه جبريلُ من عند اللهِ فقال: يا محمدُ اقرأْ؛ قال: وما أقرأُ؟ قال: اقرأ (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ) (المائدة: 55)
يا أمة الإسلام إذا كان هارون بني إسرائيل معروفاً ومعلوماً لديكم، فأين هارونكم، ولماذا جهلتموه وجحدتم حقَّه كما فعل بنو إسرائيل بهارونهم حين تركهم موسى وذهب بأعيانهم إلى ميقات ربه وأوصى إلى هارون (ع) فتركوه وعبدوا العجل الذهبي الذي صنعه لهم السامري من ذهبهم وحُلي نسائهم وبناتهم؟ حتى قال موسى (ع): (وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِنْ قَبْلُ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي (90) قَالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى (91) قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا (92) أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي (93) قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي) (طه: 94)، وأنتم اتبعتموهم على ضلالتهم وتركتم هارونكم وحيداً فريداً يدور في الشوارع والأزقة حاملاً زوجته وأبناءه الطاهرين، ويدعوكم إلى الله والوفاء بحق البيعة التي بايعتموه في أكثر من موطن، فعن عبد الله بن عبيد الله بن أبي رافع، عن أبيه، عن أبي رافع قال: دخلت على رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو نائم أو يوحى إليه، وإذا حيَّةٌ في جانب البيت فكرهتُ أن أقتلها فأوقظه فاضطجعت بينه وبين الحيَّة حتى أن كان منها سوء يكون إلىَّ دونه، فاستيقظ وهو يتلو هذه الآية: (إِنَّمٰا وَلِيُّكُمُ اَللّٰهُ وَرَسُولُهُ وَاَلَّذِينَ آمَنُوا اَلَّذِينَ يُقِيمُونَ اَلصَّلاٰةَ وَيُؤْتُونَ اَلزَّكٰاةَ وَهُمْ رٰاكِعُونَ)، ثم قال: الحمد لله الذي أكمل لعليٍّ مُنيته وهنيئاً لعلي بتفضيل الله إياه.. ثم التفتَ فرآني إلى جانبه فقال: ما أضجعك هاهنا يا أبا رافع؟ فأخبرته خبر الحيَّة، فقال: قم إليها فاقتلها، فقتلتها، ثم أخذ رسول الله (صلى الله عليه وآله) بيدي، فقال: يا أبا رافع كيف أنت وقوم يقاتلون علياً وهو على الحق وهم على الباطل، يكون حقاً في الله جهادهم، فمَنْ لم يستطع جهادهم بيده فبقلبه، فمَنْ لم يستطع فليس وراء ذلك شيء، فقلتُ: ادع لي إن أدركتهم أن يعينني الله ويقوِّيني على قتالهم، فقال: اللهم إن أدركهم فقوه وأعنه ثم خرج إلى الناس، فقال: يا أيها الناس، مَنْ أحبَّ أن ينظر إلى أميني على نفسي وأهلي فهذا أبو رافع أميني على نفسي).
وذلك ليس في موطن واحد بل في عشرة مواطن كما في رواية الإمام التاسع من أئمة المسلمين فالصحيح أن النبي (ص) أخذ البيعة لعلي (ع) في (١٠) مواطن كما قال الإمام الجواد (ع)، فعن عمير، عن أبي جعفر الثاني (عليه السلام)، في قوله تعالى: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)، قال: (إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) عقد عليهم لعلي (عليه السلام) بالخلافة في عشرة مواطن، ثم أنزل: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) التي عقدت عليكم لأمير المؤمنين (ع). (البرهان ج ٢، ص ٢١٦)
فليس هناك بيعة واحدة كانت لأمير المؤمنين الإمام علي (ع) كإمام ووصي وولي وخليفة لرسول الله (ص) على أمته بل هي وقعت في عشر مواطن كما يشهد له حفيده معجزة الإمامة الإمام التاسع من أئمة المسلمين (ع)، وهذا منطقي وواقعي عاشته الأمة وبايعت له وذلك ابتدأ في يوم الدار حيث أنزل الله تعالى: (وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) (الشعراء: 214)
وكان آخرها في يوم الغدير الأغر حيث أخذ له (ع) بيعة عامَّة حضرها أكثر من (124 ألف) كانوا مع رسول الله (ص) في حجة الوداع وأمرهم أن يُبلِّغ الشَّاهد الغائب على هذا الأمر المهم والضروري والاستراتيجي جداً للأمة والدين ببيان القيادة الشرعية الحقيقية لهم حتى لا يضلوا عن دينهم الحنيف.
اضف تعليق