عن الإمام الصادق عليه السلام: \"لست أحب أن أرى الشاب منكم إلا غادياً في حالين، إما عالماً أو متعلماً، فإن لم يفعل فرَّط وضيّع، فإن ضيّع أثم، وإن أثم سكن النار والذي بعث محمداً بالحق\"، سلام على الذين يزرعون الخير، فكل مكان وزمان يترقبون نماء هذه البذور ويتنعمون بثمارها...
من أجمل الأحاسيس بعد عناء طويل هو ترقب النتيجة واللبنة النهائية، فعندما ينتظر المزارع ببالغ الشوق كي يرى البذور تسعى جاهدة لتخرج بثبات وقوة رغم ضعفها وتكافح لأجل الخروج من تحت التراب. إنه يترقب البذور كل يوم ليشاهد مدى نُموّها ويحلم بألف أمل كي ينسى الألم والتعب الذي عاناه عند زرعها.
وبعد أن يحصل على الثمار، سوف يبتسم ويعاود العمل رغم التعب لأنه لمس ثمار تعبه، وتلذذ بالنتائج المثمرة، إن الأطفال في المجتمع كتلك البذور التي تكافح تحت التراب كي تخرج الى النور وتخرق الأرض الصلبة وتنمو، وبعد أن يكبر الطفل يصل الى مرحلة الشباب حيث يصبح كبراعم صغيرة متفتحة لشجرة العالم، والشباب هي المرحلة التي تأتي بعد المكافحة لأجل البقاء والارتقاء والحياة تولد من رحم هذه البراعم التي تثمر عاجلا أم آجلاً.
الشباب هم جمال الحاضر وضمان المستقبل، حيث يضمنون النجاح والعلو لشجرة كبيرة أسمها المجتمع، فإن كان الشاب سالماً ومفيداً لن يجلب المتاعب للمجتمع، وعلى العكس إذا كان فاسداً، لذلك فإن مستقبل الأمة يرتبط بالشباب وبكيفية تفكيرهم، ومواقفهم وأفعالهم.
من هنا نجد أن الهجمات الفكرية تستهدف هؤلاء، والحرب الناعمة تحاول أن تقضي شيئاً فشيئاً عليهم الشباب وعلى النساء، لأنهم أهم أركان المجتمع وبإفسادهم سوف يستطيع العدو ان يصل الى ما يريد، فالشباب هم كنز المجتمع لأنهم من يقومون بتطويره وهم الذين يجددون الأوضاع من خلال القيادة الذكية وخلق المهارات والابتكارات مع حفاظهم على القيم الأصيلة.
تعزيز الثقة لدى الشباب
بما ان الشباب هم صناع المستقبل يجب أن يسلط الضوء عليهم عن طريق تفعيل ادوار هذه الفئة واحترامها، لأن الشاب اليوم أصبح بعيداً عن القيادة، ولا يستطيع أن يقف على رجليه في كثير من المواقف، وأصبح اتكالياً إلى أبعد الحدود، لذلك فتعزيز الثقة لدى الشباب سوف يساعد في نمو المجتمع من الناحية الاجتماعية والسياسية بل في كل صغيرة وكبيرة، حيث إنه يساعد في نمو الاقتصاد والاستقامة كي يستطيع الشاب أن يقود البلد بأفضل ما يمكن، وبهذه الحالة تكثر الأيادي العاملة الماهرة التي تعرف قدر نفسها وتأكل من كدِّها.
مرحلة القوة والقدرة
لا يخفى على أحد إن الإنسان في مرحلة الشباب يصل إلى أعلى المراتب من حيث الطاقة، ويصبح طاقة حيوية كبيرة، باستطاعته أن يغير العالم في طرفة عين، وربما يهدي بعض الخدمات ويساعد في نمو المجتمع، أو يحدث العكس فقد ينفجر ويقضي على الجميع، وذكر الله سبحانه وتعالى في كتابه هذه المرحلة حيث إنها القوة بعد الضعف:
(الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ).
يا ترى كيف يستطيع المجتمع أن يساعد على حفظ وتنمية هذه الطاقة كي يرى نتيجة تعبه ويستفاد من هذه الطاقات الهائلة؟.
الفطرة السليمة من مزايا الشباب
إن الفطرة السليمة بعيدة عن الملوثات الفكرية في المجتمع، فمن الأفضل أن يبقى الشباب دائما على فطرة الله التي فطر الناس عليها وهي حب الخير وإتباع الحق، لذلك نرى الشباب متطلّعاً للتغير ومتحفزّا لعمل الخير ومساعدة الآخرين، لأن الشخص الكبير في السن قد تأسره العادات القديمة ويؤثر عليه التراكم، ولكن الإنسان في بداية الرحلة يبحث كي يتعلم ويرتقي نحو الأحسن، لذلك يقول الإمام الصادق عليه السلام لأبي جعفر الأحول الذي كان من تلامذته، وكان يعمل على نشر مبادئ الإسلام وتعاليم أهل البيت عليهم السلام، "أتيت البصرة؟ قال: نعم، قال(ع): كيف رأيت مسارعة الناس في هذا الأمر (يقصد خطّ أهل البيت (ع)) ودخولهم فيه؟ فقال: والله إنّهم لقليل، ولقد فعلوا، وإنّ ذلك لقليل، فقال(ع): "عليكم بالأحداث فإنّهم أسرع إلى كلّ خير"*1
وفي حديث عن الإمام موسى بن جعفر عن آبائه (ع) قال: قال رسول الله (ص): "من تعلّم في شبابه كان بمنزلة الرسم في الحجر، ومن تعلّم وهو كبير كان بمنزلة الكتاب على وجه الماء".
الشباب والقدوة المثالية والصالحة
بما ان الشاب كالأرض الخالية كما وجد في بعض الروايات، فإنه يستقبل جميع الأشياء برحابة صدر، لذا يجب أن نهتم بهذه المرحلة أشد الاهتمام كي لا يسبقنا أحد في تزويده بالأفكار وزرع بذور القيم الخاطئة في أرض شبابنا، لأن الانسان في هذه المرحلة يبحث عن القدوة المثالية حيث هذه الرغبة تنتقل من مرحلة الطفولة الى مرحلة الشباب، ويريد أن يقلد الآخرين في طريقة اللباس والسلوك والكلام والأفكار، لذلك وجود القدوة الصالحة من أهم الأمور في حياة هذا الشاب كي يعرف كيف يسلك الطريق الصحيح، ويقتدي بمن ليس في قاموس حياتهم سوى الخير والبركة لأنه يستلهم الصفات والخصال من شخصية المقتدى به، إن الشباب أمانة في عاتق كل فرد يستطيع أن يقدم لهم الأفكار والخدمات المختلفة التي تصقل شخصياتهم نحو الأفضل، وتأخذ بهم نحو واقع أجمل وتصقل قدراتهم لينهضوا بالمجتمع.
خير قدوة هم محمد (ص) وآله
الاسلام بيّن للعالم بأنه رسالة سماوية ويحمل أجدد الأحكام لمضاعفة سعادة البشر، ولكن هذه الحالة التي وصل اليها المجتمع، ونقصد بها حالة التقهقر الحضاري هي بسبب ابتعادهم عن الاحكام الحقة والعمل حسب أهوائهم، لذلك من المفروض على كل شخص أن يعرف ضرورة ترشيد علاقة الشباب بالقدوة الصالحة ويعمل على الاقتداء بالقدوة الصالحة، ليس فقط كوجود خارجي بأن يعرف الشاب أن هناك نماذج صالحة، بل يتعرف على جميع الأفعال والسلوك وكيف تعامل هؤلاء الصالحين مع الأمور، كي ينطلق الشاب إلى مراحل متقدمة ويكون ارتباطه بالقدوة الصالحة على أتم وجه وأعمق أسلوب، كي يكون فاعلاً في تغيير حياة الشاب ومعه حياة الآخرين نحو الأفضل.
عن الإمام الصادق عليه السلام: "لست أحب أن أرى الشاب منكم إلا غادياً في حالين، إما عالماً أو متعلماً، فإن لم يفعل فرَّط وضيّع، فإن ضيّع أثم، وإن أثم سكن النار والذي بعث محمداً بالحق"2
سلام على الذين يزرعون الخير، فكل مكان وزمان يترقبون نماء هذه البذور ويتنعمون بثمارها.
اضف تعليق