ثورة الإمام الحسين لازالت مملوءة بالدروس والعبر، لأنها كانت ذات قيم ومبادئ عظيمة، تشكل امتدادا لمبادئ الدوحة المحمدية، وبلا شك إن الامام الحسين عليه السلام لديه تلك الطاقة الكافية لإنقاذ العالم من الضياع، لذلك عن طريق الحسين (ع) والتمسك بنهجه والوقوف في وجه الظالمين....
ما أجمل الحب حين يشمل بأجوائه وكيانه كل الوجود، وما ألطف الدنيا حين نجد كلمة الحب الإلهي تملأ الدنيا وما فيها فيقال عن ذلك إنه الحب الخالد، ربما ليمسك الجميع بتلك الأساطير التي كتبت بأقلام الكتاب والعشاق، وتلك الأبيات الشعرية التي نُظمت لأجل إرسال رسالة الحب إلى العالم والبشرية كلها، ربما لأن لغة الحب أقرب إلى قلوب البشر، لذلك يظل حضوره وضداه يردد تلك الكلمات والقصص التي ترد له الروح وتنعش ذاكرته المرهفة.
يا ترى ما هذه القدرة العظيمة التي أودعها الله تعالى في الحب؟ ومن هم أسياد الحب الذين بسببهم رُزق الورى وبيمن وجودهم ثبتت الأرض والسماء؟، أولئك الذين هم سبب خلق السماء والأرض وما فيهما وما بينهما، حيث يقول اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: يامَلائِكَتِي، وَيا سُكَّانَ سَماواتِي، إِنِّي ما خَلَقْتُ سَماءً مَبْنِيَّةً، وَلا أَرْضاً مَدْحِيَّةً، وَلا قَمَراً مُنِيراً، وَلا شَمْساً مُضِيئَةً، وَلا فَلَكاً يَدُورُ، وَلا بَحْراً يَجْرِي، وَلا فُلْكاً يَسْرِي، إِلاَّ فِي مَحَبَّةِ هؤُلاءِ الخَمْسَةِ الَّذِينَ هُمْ تَحْتَ الكِساءِ.
هؤلاء هم السادة الذين فاق فضلهم جميع من في الوجود، فكانوا محلاً للتجليات الربانية، لذلك فإن اليراع يقف خائفاً متردداً عن الخوض في فضلهم وكبر مقامهم وعلو شأنهم.
أحب الخلق لأهل السماء
ما أعظم السعادة في اليوم الثالث من شعبان، في ذلك البيت المبارك الذي يعدّ مهبط الوحي وموئل الرحمة، حيث تتحرك أفواج من الملائكة قاصدة زيارة ذلك المولود الطاهر، خامس أصحاب الكساء، راجين رحمته فهو أحب الخلق لأهل السماء.
وقد روي عن الإمام الرضا عليه السلام عن آبائه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله من أحب أن ينظر إلى أحب أهل الأرض إلى أهل السماء فلينظر إلى الحسين عليه السلام.
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله مشيراً إلى الإمام الحسين عليه السلام: (أيها الناس.. هذا حسين بن علي فاعرفوه.. والذي نفسي بيده إنه في الجنة ومحبيه في الجنة ومحب محبيه في الجنة).
حين يتصل الحب بنبع الكرامات وسادة الأمم، يكون أجمل وأنقى بكثير مما يكون، لأنه عندما يكون في حرام سوف يحترق، ويفقد مفعوله السحري، لذلك يأمرنا الله باتباع أهل العلم والمعرفة وأسياد العالم، كي يحصل الإنسان على النورانية ويتخذ الطريق الأوفى والأصلح إلى بر الأمان، ولكن هناك درجات للحب، أحيانا يحب الإنسان بقلبه وأحيانا يظهر ذلك على ملامحه، والمحبة الكاملة لا تكون إلا من خلال القلب والعمل.
وهذا ما طلبه الإمام علي عليه السلام في رسالته إلى عثمان بن حنيف عامله على البصرة، حيث قال: وإن لكل مأموم إمام يُقتدى به، ويستضيء بنور علمه؛ ألا وإن إمامكم قد اكتفى من دنياه بطمريه، ومن طُعمه بقرصيه، ألا وإنكم لا تقدرون على ذلك ولكن أعينوني بورع واجتهاد وعفة وسداد فو الله ما كنزت من دنياكم تبراً ولا ادخرت من غنائمها زفراً ولا أعددت لبالي ثوبي طمراً ولا حرزت من أرضكم شبراً).
وهناك مراحل متعددة لمحبة المعصومين عليهم السلام، ونصرتهم والتمسك بهم من خلال القول والفعل والعمل.
كيف نتمسك بسفينة النجاة؟
لاشك إن الحسين عليه السلام هو مصباح هدى وسفينة نجاة كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله، وهذا ما نشاهده بعيوننا العمياء في هذه الدنيا، والآخرة خير من الأولى بلا شك، ولكن عالم الآخرة يُخفى عنا، وقد وصلتنا الأخبار عن فضل وكرامات الحسين عليه السلام، فمنذ ولادته تحرر فطرس ورزق بكرامة سيد الشهداء وإلى يومنا هذا هناك كرامات ومعاجز تحدث بيمن وجوده المبارك، ويهتدي به المهتدون، ولأجل الإبحار بأمان لابد أن نكون في الركب الصحيح كي ننجو من المهلكات.
كيف نربّي النفس؟
عندما يحب الإنسان أي شخص يقوم بكثير من الأفعال التي تكون مقبولة عند محبوبه كي يرضى عنه، لذلك يقول الامام الصادق عليه السلام: (معاشر الشيعة كونوا لنا زيناً ولا تكونوا علينا شيناً قولوا للناس حسناً واحفظوا ألسنتكم وكفّوها عن الفضول وقبح القول).
فالحب لا يتحقق بالقول فقط، بل يتحقق بالتمسك ومعرفة المعصومين، وتزكية النفس وممارسة دائمة لأعمال الخير وترويض النفس بالتقوى، بعد أن يسعى الإنسان إلى تربية نفسه وترويضها، ثم ينتقل الى المرحلة الثانية وهي العمل على صعيد أوسع، ونعني به العمل الاجتماعي كي يسلك الفرد والمجتمع طريق مولاه، حيث يقول الامام الصادق عليه السلام في زيارته للإمام الحسين عليه السلام: (وبذل مهجته فيك)..
والمهجة هي آخر شيء يبذله الانسان وأصعب شيء فهي بمثابة دم القلب الذي اذا نزف سينتهي الانسان، فالامام بذل كل حياته في سبيل الله والباعث في ذلك هو حب الله، والشوق الى لقائه تعالى، ثم يقول الامام الصادق عليه السلام: ليستنقذ عبادك من الجهالة وحيرة الضلالة...
لهذا فإن ثورة الإمام الحسين لازالت مملوءة بالدروس والعبر، لأنها كانت ذات قيم ومبادئ عظيمة، تشكل امتدادا لمبادئ الدوحة المحمدية، وبلا شك إن الامام الحسين عليه السلام لديه تلك الطاقة الكافية لإنقاذ العالم من الضياع، لذلك عن طريق الحسين (ع) والتمسك بنهجه والوقوف في وجه الظالمين، سوف يتم محاربة سياسة الاستبداد والديكتاتورية وإعطاء كل ذي حق حقه، وتقديم المشورة والرشد الفكري في المجالات الاقتصادية والسياسية لنقل المجتمع إلى مرحلة عليا من التقدم، لهذا نستطيع ان نكون ممن ينصرون الحسين عليه السلام، بالألسنة والأفعال.
فما أجمل الحب حين يترسخ بحذافيره في خلايا الوجود، وما ألطف الدنيا حين نجد كلمة الحب الإلهي تملأ الدنيا وما فيها، وما أخلد الحب حين يكون للحسين وبإسم الحسين فهو مصباح الهدى وسفينة النجاة.
اضف تعليق