الحقيقي عند الامام محمد الباقر عليه السلام هو التقوى بمفهومه الإيجابي والدقيق في متابعة الاستباق إلى الخيرات وإغاثة الملهوفين، والقيام بأمر الله تعالى لا تأخذهم في ذلك لومة لائم، فهو يقول: إن أهل التقوى أيسر الناس مؤونة وأكثرهم معونة إن نسيت ذكروك وإن ذكرت أعانوك قوالين للحق قوامين بأمر الله فأجعل الدنيا كمنزل نزلت به وارتحلت عنه
اختار أحدهم بأن ينعزل عن الآخرين لأسباب معينة، جلس في غرفة صغيرة وبدأ يعبد الله، فيما ذهب شخص آخر إلى السعي وراء الرزق الحلال، فأصبح عنده أموال طائلة وأراض واسعة استخدمها في طاعة الله، حيث كان يتصدق بأمواله، ولا يفكر بأي شيء آخر سوى رضا الله، ومع وجود الخدم والحشم لكنه لم يكن يهتم إلا بآخرته، ولم يتمسك بشيء من دنياه، أما ذلك المنعزل فكان يعيش بملابس مندرسة على الحصير، ولكنه كان يحب ذلك الحصير أكثر من أي شيء آخر في حياته، وكان متعلقاً به أشد التعلق، و يفكر كيف يستطيع ان يفارق هذه الغرفة وهذا الحصير!.
فقد يظن البعض إن الزهد هو أن يلبس المرء ثيابا مرقعة ولا يأكل الطعام الجيد ويبتعد عن الآخرين، كما ذهب إليه بعض الطوائف وهم مبتعدون عن احكام الله والدين الحنيف، ولكن الزهد الحقيقي هو أن يكون القلب وعاء لطاعة ومعرفة، الله فالقرآن يدعو الانسان إلى الوسطية أي عدم الإسراف والتنعم بنعم الله جل وعلا.
قال الله عزّ وجلّ: ﴿ وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنسَ نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين. ﴾ القصص: 77.
كما قالوا عن الزهد: ان الزهد في الدنيا قصر الأمل.
والزهد ترك ما يشغل عن الله.
إن الله سبحانه وتعالى لا يُرغب الانسان عن الدنيا بل يرغب عن حرامها، و "الاسلام لا يُزهد الناس في الدنيا ليتركوها بالكلية وينقطعوا إلى الآخرة، ولا يرغبهم في الآخرة ليقبلوا عليها بالكلية ويتركوا الدنيا؛ بل يتخذ بين ذلك سبيلا، هو الجمع بين خيري الدنيا والآخرة. أما زهد النساك الذين انقطعوا عن الدنيا بالكلية، ورغبوا في الآخرة فهذه نافلة فرضوها على أنفسهم ولم يفرضها الله عليهم. فالزهد الحقيقي هو الكف عن المعصية وعما زاد عن الحاجة،وحضارة الإسلام لم تقم على الزهد في الدنيا والانقطاع للآخرة بل مزجت الدنيا بالآخرة فآتت أكلها طيبا."
فقد اتخذ بعض الزهاد الزهد حجة للفرار وسبيلا يبعدهم من الحياة السياسية والحياة الطبيعية بينما نجد حث أهل البيت عليهم السلام باتخاذ الزهد سبيلاً إلى الآخرة لا غير، وكان هذا منهج رسول الله صلى الله عليه وآله واهل بيته عليهم أفضل الصلاة والسلام، فقد سئل الامام أبو جعفر عن أشد الناس زهداً فقال: من لا يبالي الدنيا في يد من كانت، فقيل له: من أخسر الناس صفقة؟ فقال من باع الباقي بالفاني فقيل من أعظم الناس قدراً؟ فقال من لا يرى الدنيا لنفسه قدراً، وملاك الزهد الحقيقي عند الامام محمد الباقر عليه السلام هو التقوى بمفهومه الإيجابي والدقيق في متابعة الاستباق إلى الخيرات وإغاثة الملهوفين، والقيام بأمر الله تعالى لا تأخذهم في ذلك لومة لائم، فهو يقول: إن أهل التقوى أيسر الناس مؤونة وأكثرهم معونة إن نسيت ذكروك وإن ذكرت أعانوك قوالين للحق قوامين بأمر الله فأجعل الدنيا كمنزل نزلت به وارتحلت عنه....
الدين يهتم بسعادة الانسان ويحفظ كرامته ويحتفل بالقيم والمثل الخلاقة ويرفض حياة السرف ويقف في وجه العابثين والمسرفين ويبشر الصابرين و يحفز الإنسان إلى العمل لأجل النعيم الأبدي و الإخلاص في طاعة الله سبحانه وتعالى كما كانت سيرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسيرة الأئمة الطاهرين مناراً للزهد الحقيقي والرصين وكانوا يسعون إلى القضاء على المجاعة بين الناس، كانوا عليهم السلام يواسون الجياع ولكن في المقابل كانوا يدعوهم إلى العمل وقد خصص الرسول صلى الله عليه وآله وامير المؤمنين علي عليه السلام حقوقا للفرد المسلم من بيت المال، كانوا يعطفون على البؤساء، وفي المقابل يمهدون لهم سبل التغيير، فالزهد لا يعني أن يبتعد الانسان عن الساحة الإجتماعية والسياسية بحجة العبادة والتقرب إلى الله، ويروض نفسه ويقوم بأعمال شاقة، نعم يجب أن يمتنع الإنسان نفسه عن إشباع رغباتها "إنما نفسي أروضها بالتقوى"، ولكن يجب أن يتذكر بأن القلب وعاء الزهد فإذا كان فيه ذرة من حب الدنيا لا يستطيع أن ينجو بملابس مندرسة "فإعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً" كما يقول الإمام الباقر لجابر بن يزيد الجعفي: يا جابر إني لمحزون وإني لمشتغل القلب.
- ما حزنك وما شغل قلبك؟
الامام: يا جابر إنه من دخل قلبه صافي دين الله عز وجل شغله عما سواه يا جابر ما الدنيا؟ وما عسى أن تكون؟ هل هي إلا مركب ركبته؟ أو ثوب لبسته؟ أو امرأة أصبتها.
وهو يوصي أحد أصحابه: أنزل الدنيا كمنزل أنزلته وارتحلت عنه أو كمال أصبته في منامك فاستيقظت وليس معك منه شيء.
فالانعزال لا يقرب أي أحد إلى الله إذا كان القلب منشغلاً بذكر الآخرين والأهواء والشهوات، فأصل الزهد يبدأ من ثنايا الروح والقلب ومن ثم يظهر على ظاهر الإنسان، ويصبح انساناً بسيطاً يعيش جمال الدنيا ويذهب إلى ربه راضياً مرضياً
اضف تعليق