ان تتصدي فاطمة للانقلابين وخطابها (عليها السلام) في مسجد ابيها محمد (صلى الله عليه واله) احتجاجاً على غصب «فدك» كان اعلانا الهيا ربانيا مقدسا من ام ابيها الرسول الاعظم صلى الله عليه واله، من النطفة الطاهرة والبنت المطهرة من الرجس، من التي يغضب الله لغضبها ويرضى لرضاها صلوات الله عليها وعلى ابيها وبعلها وبنيها.. كان التصدي والخطاب يتضمن الغايات السامية التالية:
1- صرخة مدوية في التاريخ والى الابد في وجه الظلم والانحراف في وجه من انقلبوا على اعقابهم: (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ (ال عمران - 144)
2- كان خطاب فاطمة صلوات الله عليها تعرية للمنهج الخاطئ الذي تصدى له الحزب الشيطاني لحرف رسالة ابيها محمد صلى الله عليه واله. حيث اظهرت جرأتهم على الغصب واعتذارهم بالكذب. ففضحت جهلهم وتآمرهم على الاسلام وعلى رسوله لخسة معدنهم الرديء ونفاقهم وخيانتهم الصحبة لرسول الله مما ينبئ بخطر داهم اسلموا له الامة.
3- كان خطابها صلوات الله عليها انذارا للأمة التي لم تكن تدري ما ينتظرها من ويلات على يد ابناء هذا الحزب. ولقد أخبرنا التاريخ ان كل ما انذرت به الزهراء سلام الله عليها كان كما انذرت به وكما وصفت عليها السلام.
مما يؤكد ان امر الانقلاب كان مبيتا من قبل المنقلبين؛ وهو تعجيلهم في الاستيلاء على فدك بشكل أدرك معه كل المتابعين للوضع بعد انتقال الرسول الكريم صلى الله عليه واله الى ربه، أن مسألة «غصب فدك» لم تكن مسألةً عادية، فقد سعوا إلى هذا الغصب قبل أن يُحكموا قبضتهم على الخلافة، فقد استدعوا المرتب من قبل فاطمة على ضيعة فدك واخذوا مفاتيحها قبل أن تغيب شمس ذلك اليوم وهذه نقطة مهمة في فهم نوايا ابناء الحزب المبيتة للانقلاب على الرسالة ووصايا الرسول في الثقلين الكتاب والعترة(1).
وقد انبرت ابنة الوحي والرسالة ببطولة منقطعة النظير فتصدت للانقلاب غير مكترثة للضجة المفتعلة بهذا الخصوص، وبينت ما ستفرزه هذه الفضيحة الكبيرة من نتائج، فقد استمرت في تصميها، واحتجت على «غصب فدك» من خلال خطبة غراء ألقتها أمام المهاجرين في مسجد ابيها لتضع الامة امام مسؤولياتها ولتبين الحقائق التالية:
• كانت هذه الخطبة بمثابة تحذير مروع لأولئك الذين سعوا إلى حرف الحكومة الإسلامية وخلافة الرسول (صلى الله عليه وآله) عن مسيرها الحقيقي وتضييع تلك الجهود التي تحملها لأكثر من عقدين.
• كانت خطبتها «ناقوس الخطر» لأولئك الذين ينبض قلبهم بعشق الاسلام، ويخافون على مستقبل هذا الدين الطاهر.
(أفتجمعون إلى الغدر اعتلالاً عليه بالزور) تقول السيدة فاطمة (عليها السلام) قد جمعتم بين جريمتين: جريمة الغدر وهي غصب فدك، وجريمة الكذب على رسول الله (صلى الله عليه وآله).
• فدك ؛ وان كانت هي جنة او بستان او ضيعة ؛ وما اكثر البساتين في الدنيا، الا انها في حقيقتها ليس الا حزمة نور اطلقتها فاطمة صلوات الله عليها في وقتها لتبقى خالدة في التاريخ تبين للمسلمين ان الاسلام انحرف عن مساره في السقيفة وبعد موت الرسول صلى الله عليه واله مباشرة، وان الامام علي عليه السلام هو الوصي لرسول الله صلى الله عليه واله، وان الخليفة ليس الا منتحلا لصفة هو غير مؤهل لها، ولا مندوب لحملها والا، فليس لفاطمة التي اثبتت سيرتها انها تقدم كل ما تملكه صدقة لوجه الله، يؤيدها الله تعالى في كتابه العزيز (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا (8) إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا)(2)، فضلا ان تعترض (عليها السلام) على صدقة قدمها ابوها نبي الرحمة للمسلمين!! ثم كيف يمكن ان تدعي فاطمة المعصومة (صلوات الله عليها) ما ليس لها؟!
ومن كواشف حزمة النور المرسلة من فدك عن طريق فاطمة نتبين؛ ان الامامة سنة كونية مهيمنة مستطيلة حاكمة نافذة، فهي احدى قوائم العرش العظيم في المخلوقات، حزمة حاسمة في خيارات فعل النسق الكوني، والإمام الحق المكلف من قبل الله تعالى كحجة على الناس، هو مصداق لتلك الهيمنة والاستطالة والحاكمية، واي فعل للمخلوق لا يخرج عن تلك الاستطالة او تلك الحاكمية، ومما يؤكد استطالة الامام الحق والشواهد عليها في واقع الناس هي قضية فدك.
فما هي فدك؟ وكيف برزت في التاريخ؟ وكيف صارت هذه القضية بوصلة توجه الضالين؟ وما اهميتها كضابط في صحة الدين؟ وكيف صارت فدك من كواشف الحق لطالبيه وللذين ينشدونه؟
فدك بستان كبير كقرية ممتازة بخيار الشجر والثمر حوالي المدينة المنورة، نحلها الله تعالى لفاطمة الزهراء عليها السلام، فهي تملكها سواء بالنحلة او بالإرث عن ابيها، او لوضع اليد عليها وإدارتها من قبل فاطمة كما يعلم الجميع بما فيهم المتخلفين. وان قصد الغصبية متوفر عند الغاصب حين امر.
وخارجا على السنن الكونية ومنها الامامة، فكر الناكثون للإمامة بالانقلاب على الرسالة والاستيلاء على خلافة الرسول صلى الله عليه واله؛ وهم يعلمون جيدا ان عليا عليه السلام سيكون الخصم الاكيد لنكثهم ولمشروعهم الانقلابي، فقرروا ان يجردوه من كل مصادر المال التي قد توفر له القوة ة والأتباع ومنها فدكا، ولذا فقد بادروا مباشرة وبدون اي فاصل زمني بعد الاستيلاء على سلطة الخلافة بسحب فدك من يد فاطمة صلوات الله عليها.
وبسبب استطالة سنة الامامة وحاكميتها صار هذا الفعل سلاحا وضعه الانقلابيون بيد الامامة، فنشطت به فاطمة صلوات الله عليها، لأنه مما تبرز به استطالة الامامة وهيمنتها.
فأهل البيت عليهم السلام – وكما يعلم الجميع - ممن يعطون ما يملكون ويبيتون طاوين جوعا، وكانوا دوما ممن يؤثرون على انفسهم ولو كان بهم خصاصة، والقران يشهد بذلك في سورة الدهر ومطالبتهم بفدك لا تعني حبهم للتملك والحيازة بل كان كشفا لزيف الانقلابيين وانحرافهم عن الاسلام.
ومما يؤكد وظيفة فدك هذه هو أن عليا عليه السلام حين استلم الخلافة لم يعيد فدك الى نفسه وولده، لان فدكا قد ادت رسالتها في فضح الادعياء المتخلفين الناكثين واعادتها يجعل منها غاية وهي في الحقيقة ليست كذلك ولذا نراه عليه السلام يقول: ((بلى كانت في أيدينا فدك، من كلّ ما أظلّته السّماء، فشحّت عليها نفوس قوم (أي الخليفة الاول والثاني) وسخت عنها (أي زهدت بها) نفوس قوم اخرين، ونعم الحكم اللّه. وما أصنع بفدك، وغير فدك والنّفس مضانّها في غد جدث (أي قبر) تنقطع في ظلمته آثارها، وتغيب أخبارها، وحفرة لو زيد في فسحتها، وأوسعت يدا حافرها، لأضغطها الحجر والمدر، وسدّ فرجها التّراب المتراكم. وإنّما هي نفسي أروضها بالتّقوى لتأتي آمنة يوم الخوف الأكبر، وتثبت على جوانب المزلق (كناية عن الصراط). ولو شئت لاهتديت الطّريق إلى مصفّى هذا العسل، ولباب هذا القمح، ونسائج هذا القزّ. ولكن هيهات أن يغلبني هواي.. الحديث))(3).
اضف تعليق