لا يخفى على أحد تأثير الدعاء وما يستطيع فعله من معجزات.. لذلك يحث الله عز وجل عباده على قراءة الدعاء حيث يقول: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ).
وليس هباءً عندما يقول النبي صلى الله عليه وآله: الدعاء مخ العبادة.
لذلك التجأ الآن أكثر الناس إلى الدعاء ليتخلصوا من همومهم والسلبيات الموجودة في حياتهم، حيث يقول علماء النفس فلتكونوا ممتنين لكل شيء يحدث في حياتكم وتمنوا الأفضل دائما واطلبوا ما تريدون لأنكم في هذه الحالة ستحصلون على ما تريدون.
وألقى غبطة البطريرك "جان حنا" كلمات قال فيها: إن الحوار وسيلة لصياغة الفكر ونمو الإنسان، ولكن الحوار مع الله حوار من نوع آخر، فالصلاة والدعاء في الحقيقة متنفس روحي للإنسان المؤمن، لذلك نجد الدعاء بمثابة السلاح الأعظم في القضاء على كل شيء سيء ليس في هذا العالم فقط، بل في عالم البرزخ والقيامة وما إلى ذلك، كما نلاحظ في آيات تدل على ذلك منها:
(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ).
أو كما ورد في آية أخرى: (رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ).
هنا ربما يتضح السبب الذي جعل الإمام زين العابدين (ع) يلتجئ إلى الدعاء وكيفية محاربة أعدائه بهذه الطريقة الذكية، حيث بين جميع الأحكام بل وحتى الآداب لشيعته الذين كانوا في أشد الظروف وأحلكها حيث لم يكن باستطاعتهم التقرب إلى إمامهم وسؤاله عن واجباتهم بسهولة، ومن يعود إلى الصحيفة السجادية وأدعية الإمام عليه السلام، سوف يجد أنجح مخطط في العالم لنيل السعادة البشرية، حيث يبين الإمام (ع) جميع الحقوق الواجبة منها والمستحبة، من حق الله سبحانه وتعالى إلى حق النفس والجوارح ويرشد الناس إلى العيش بسلام، وإيجاد الأجواء الجميلة لعلاقات خالصة لله، والصفاء الروحي القائم على الحبّ والبغض في الله، من خلال اهتمامه بحقوق الوالدين والأقرباء بل وحتى الجيران.
حيث أن أدعيته عليه السلام، تمثل إرشاداته إلى الناس بثّ لهم فيها أهدافه ورسالته، ومن يقرأ الصحيفة السجادية سيكتشف درر التهذيب والدعوة إلى الإصلاح وإقامة حدود الله وتفعيل مضامينه سبحانه بين العباد، وقد أعادت هذه الأدعية الحياة إلى عروق المجتمع الميت آنذاك لمواجهة موجات الهبوط التي تعرض لها المجتمع الإسلامي، وأصبحت هذه الأدعية تراثاً ربانياً فريداً للسالكين، ومنهجا متكاملا لمن يرغب في معرفة الحق، ويبحث عن سلسلة أخلاقية سامية في التهذيب.
حيث يتناول الإمام ثلاثة مضامين أساسية ويسعى إلى ترسيخها في أذهان الأمّة وهي:
1- المضامين الأخلاقية: حيث يضرب الإمام (ع) أروع الأمثلة في الخلق الرفيع ويجسد الشخصية الإسلامية الرفيعة والمتألقة، ويقتل الأنا في النفس البشرية ويحث الإنسان على الابتعاد عن التكبر وحب الذات والاهتمام ببني جلدته حيث يقول: وأجرِ للناس على يدي الخير، ولا تمحقه بالمنّ، وهب لي معالي الأخلاق، واعصمني من الفخر. اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد ولا ترفعني في الناس درجة إلاّ حططتني عند نفسي مثلها.
2- المضامين العقائدية حيث يجسد علاقة العبد مع ربه ويبين عظمة الخالق حيث يقول في دعائه: (الحمدُ لله الذي خلق الليل والنهار بقوته، وميّز بينهما بقدرته، وجعل لكلِّ واحدٍ منهما حدّاً محدوداً وأمداً ممدوداً.. اللهمَّ فلك الحمدُ على ما فلقت لنا من الإصباح، ومتّعتنا به من ضوء النهار، وبصّرتنا فيه من مطالب الأقوات...).
3- المضمون العبادي: كلما يسمع المرء كلماته عليه السلام يشعر بتقصيره ويسعى إلى تهذيب نفسه عندما يقول عليه السلام:
أصبحت مطلوباً بثمان: الله يطالبني بالفرائض، والنبي بالسُنّة، والعيال بالقوت، والنفس بالشهوة، والشيطان بإتّباعه، والحافظان بصدق العمل، وملك الموت بالروح، والقبر بالجسد.. فأنا بين هذه الخصال مطلوب.
إنَّ كل يوم يمر على الإنسان هو يوم عظيم، وجميل أن يبث الإنسان الحيوية في خطواته ويعرف حتى وان كان الليل طويلاً فإن الصبح قريب، ويغتنم الفرص ويتمسك بأي شيء من الممكن أن يكون سببا في خلاصه، وإرسال رسالته إلى الآخرين، كما اغتنم الإمام "الدعاء" فرصة للنيل من أعدائه وإرسال رسالته.
سيغسل الصبح كل الآلام بحيوية ويقضي على ظلام الليل الحالك، ليبعث الحيوية والنشاط إلى النفوس، فحتى وإن ضاقت بالإنسان الأرض وما فيها هناك قوة باستطاعتها خرق السماوات وهي الدعاء حيث يجيء الصبح الذي قضى على تلك الليالي الحالكة، وتلك الأمة الظالمة التي فعلت ما فعلت بابن بنت رسول الله صلى الله عليه وآله، وكان هدفهم أن يمسحوا اسم الله وأهل بيت النبي من قائمة الدهر. لكن لم يعرفوا إن الله متم نوره واسم على وأهل بيته عليهم السلام موجود منذ الأزل وسبب بقاء الأرض ومن فيها.
وكان الدعاء سببا في الخلاص من ظلم بني أمية، والصبح الذي بعث النور والحيوية إلى النفوس، ليس في ذلك الوقت فقط بل إلى يومنا هذا وكان الدعاء أحد أساليب إيصال الرسالة المحمدية الى الأجيال اللاحقة، وسبب طلوع الصبح الذي يقضي على البؤس في هذا العالم لذلك يقول مولانا الحجة عليه السلام: ادعوا لتعجيل الفرج فإن في ذلك فرجكم...
اضف تعليق