هناك في دهاليز الظلمات الموحشة إنعقد حبه في خلايا جسدي، أخذ بيدي إلى بر الأمان، كان ملجأ الحياة و(باب حطة) الذي من دخله كان آمناً، كل قطرة لبن كانت تدخل إلى جسدي النحيف ترسم أجمل لوحة فنية في وجودي، ومع مرور الزمن وجدت إبداع الخالق يسري في شراييني كسريان الدم، كان الحب ينور دربي لأرى إبداع ربي في كل شيء حولي بل وأكثر من ذلك، أبدع حين جعل فضائل لا تعد ولا تحصى في علي، فصار شخصه مقياس الخير والشر، من تبعه نجى ومن تخلف عنه هوى، نقش إسمه رويداً على جدران قلبي الذي أصبح كبيراً لأنه تشرف بأن يكون مهبط حبه.
فجأة جاء وقت الرحيل واقتُطِفتُ من ذلك العالم كأقحوانة خجلة حسبت إنه تركني هناك عند منعطف الوجود، ظننت بأنني تهت في خارطة الهموم ولكن كلما تعثرت وأسرتني الجروح مددت بذكره وحلقت في سماء النبوغ كلما شعرت بحلاوة حبه في صدري دعوت لتلك المخلصة الوفية، لا عذب الله أمي إنها شربت حب الوصي وغذتني به مع اللبن، كلما كبرت أصبحت أجول أكثر فأكثر في بحار الكتب، تشبثت بحبه أكثر لأن عقلي وقلبي أمراني بذلك وفوق ذلك كله وجدت حبه عنوان صحيفة المؤمن:
كما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): عنوان صحيفة المؤمن حبُّ علي ابن ابي طالب*1
روى العلامة ابن المغازلي الشافعي في «المناقب»*2 قال: بإسناده عن الزهري قال: سمعتُ أنَس بن مالك يقول: والله الذي لا إله إلاّ هو لسمعتُ رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: عنوان صحيفة المؤمن حبّ عليّ بن أبي طالب.
حديث عائشة
روى العلامة المولوي محمّد مبين الهندي: وفي الصواعق أخرج أبو يعلى في مسنده وأخرج الحافظ أبو محمّد عبد العزيز بن محمود المعروف بابن العصر في «معالم العترة» عن فاطمة، والطبراني في الكبير وابن منذر عن رافع مَولى عائشة: (عنوان صحيفة المؤمن حبّ عليّ بن أبي طالب عليه السلام) *3.
وللناشئ الصغير البغدادي في مدح مَولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) قال:
بآل مَحمّد عُرِفَ الصَّوابُ***وفي أبياتِهمْ نَزَلَ الكِتابُ
وهُمْ حُجَجُ الإلهِ على البَرايا***بِهمْ وبَجدِّهِم لا يُستَرابُ
ولا سِيَّما أبُو حَسن عَليّ***لَهُ في الحَربِ مرتبةٌ تُهابُ
لم يكن في كلام رسول الانسانية وأقربائه فقط بل عجب القريب والبعيد المحب والمبغض من شخصه العظيم بعض أقوال المشاهير في حق علي (ع)
قال جبران خليل جبران: مات على بن ابي طالب (ع) عظمته مات والصلاة بين شفتيه .
ميخائيل نعيمة وهو كاتب لبناني مسيحي منصف يقول: ان التاريخ لم يعرف رجلين ترافقا في طريق النور والخير مثل ترافق النبي محمد (ص) والامام علي بن ابي طالب (ع) ويذكر ايضا في مقدمة كتابه الامام علي (ع) صوت العدالة الانسانية: بطولات الامام ما اقتصرت يوما ميادين الحرب فقد كان بطلا في صفاء رأيه وطهارة وجدانه وسحر بيانه وعمق انسانيته وحرارة إيمانه وسمو دعوته ونصرته للمحروم والمظلوم من الخارج والظالم وتأييده للحق اينما تجلى له الحق .
الخليل بن احمد الفراهيدي: احببت عليا لانه امام المتقين احتياج الكل اليه واستغناؤه عن الكل دليل على انه امام الكل.
الشيخ محمد عبده وهو صاحب كتاب شرح نهج البلاغة المعروف يقول لبعض تلاميذه: اذا رمت ان تكون كاتبا فخذ الامام علي (ع) امير المؤمنين استاذا واتخذ من اقواله في ظلمات ليلك نبراسا.
الغزالي: أما العلوم فان علي فيها الامام المتبع والرئيس المقتفى .
جورج جرداق: علي بن ابي طالب صوت الانسانية العظيم ومحرر النفوس من الرق.
ابن سينا: كان علي من العلوم في المحل الذي لا تختلف عليه البشر .
ابن رشد: ان في كلام علي من عجائب البلاغة ونواقب الحكم ما لا يوجد في كلام .
الشافعي: رجل اخفت اعداؤه فضائله حسدا واخفت اولياؤه فضائله خوفا عليه وقد شاع مابين ذلك ما ملأ الخافقين .
الكاتب الفرنسي روسو: ما وجدت في التاريخ ما يستحق كلمة استاذ بتمام مفهومها سوى رجل واحد هو على بن ابي طالب .
توماس كارليل: أما علي فانه اشجع من ليث ولكنها شجاعة ممزوجة بلطف ورقة حنان .
من حكمه في كتاب نهج البلاغة
* خالطوا الناس مخالطة: إن متم معها بكوا عليكم، وإن عشتم حنوا إليكم.
* إذا وصلت إليكم أطراف النعم فلا تنفروا أقصاها بقلة الشكر.
* ما اضمر أحد شيئاً إلا ظهر في فلتات لسانه، وصفحات وجهه.
* أفضل الزهد إخفاء الزهد.
* إذا كنت في إدبار والموت في إقبال فما اسرع الملتقى.
* لسان العاقل وراء قلبه، وقلب الاحمق وراء لسانه.
* الغنى في الغربة وطن، والفقر في الوطن غربة.
ينحني قلمي إجلالاً لذلك العظيم الذي لا يحصي فضائله غير الله كما قال ابن عباس عن رسول الله (ص): لو أن الغياض أقلام والبحر مداد والجن حساب والأنس كتاب ما أحصوا فضائل علي بن أبي طالب.*4، ولكن أرفع رأسي شرفاً وشموخاً لأن حبه عنوان صحيفتي.
اضف تعليق