يفترض عدم فرض الضريبة ابتداءً إلا بقانون، وان السلطة التشريعية المنتخبة من قبل الشعب هي الجهة الوحيدة القادرة على تقرير الضرورة الحتمية التي تستدعي فرض الضريبة من عدمه، لأسباب مالية أو تنظيمية، فقد يكون الغرض منها تعظيم موارد الدولة وفي أحيان معينة يكون الغرض منها تنظيم مسألة محددة...

تغيرت وظائف الدولة في وقتنا الراهن وتحولت وأصاب التطور مفاهيم لطالما ارتبطت بمفهوم الدولة سابقاً بوصفها حارسة أو غير متدخلة، حيث برزت الضريبة حينها بوصفها أداة أو وسيلة لتمويل نفقات الدولة المحدودة آنذاك المتمثلة في تسيير مرافقها الأمنية والقضائية وضمان حماية الحدود الخارجية للدولة.

ويرى الفقه الاقتصادي ان نظام الحكم الجيد هو الذي يتمكن من تسيير الشؤون العامة بأقل تكلفة، بيد أن الأزمات الاقتصادية والحروب العالمية الأولى والثانية وبروز المتغيرات الدولية والصراعات الأيدلوجية بين الدول الكبرى قادت إلى تطور وظيفة الدولة وتحولت من الانكفاء على تسير شؤون الحكم إلى التدخل في الشأن الاقتصادي والاجتماعي والثقافي فتزايدت المصروفات العامة وتضاعفت بشكل كبير وخطير جداً النفقات.

 وبرز دور الضريبة بوصفها فريضة نقدية، تقتطعها الدولة أو من ينوب عنها بصفة نهائية دون ان يقابلها نفع خاص محدد، أو هي مبلغ من المال تفرضه الدولة أو من يمثلها على الأشخاص طبيعيين كانوا أو معنويين، بصفة نهائية، وفقا لمقدرتهم المالية دون ان يعود عليهم بالذات نفع خاص محدد، وتفرض الضرائب من الناحية المالية لعدة أهداف اقتصادية بالدرجة الأساس وتعد أحد أهم مصادر تمويل الخزينة العامة للدولة، ولذا تحمل الضرائب العديد من الخصائص في مقدمتها:

أولاً: الضريبة مبلغ نقدي، حيث تجبى من المكلفين نقداً وليس بشكل عيني.

ثانياً: الضريبة فريضة قسرية، أي أنها ملزمة وليس المكلف مختاراً بدفعها من عدمه بوصفها تطبيقاً لمبدأ سيادة الدولة وإلزامية قواعدها القانونية.

ثالثاً: أنها تكليف وطني، بوصفها تطبيقاً ومثالاً بارزاً لتحمل الأفراد من مواطني الدولة التكاليف العامة التي تقتضيها متطلبات المواطنة الصالحة ومقتضيات التكافل الاجتماعي بوصفه من الأسس التي يقوم عليها المجتمع السياسي.

رابعاً: أنها اقتطاع نقدي نهائي، حيث لا تسترد لمصلحة المكلف.

خامساً: الضريبة تدفع بلا مقابل، فليس هنالك علاقة بين دفع الضريبة وبين حصول المكلف على أي نفع أو مقابل من الدولة.

 وتمتاز الضريبة بالمفهوم القانوني بأنها تخضع لمبدأ قانونية الضريبة، أو مبدأ مشروعية الضريبة وهو ما أشار إليه الدستور العراقي النافذ للعام 2005 في المادة (28/ أولاً: لا تفرض الضرائب والرسوم ولا تعدل ولا تجبى، ولا يعفى منها، إلا بقانون)، حيث يفترض عدم فرض الضريبة ابتداءً إلا بقانون، وان السلطة التشريعية المنتخبة من قبل الشعب هي الجهة الوحيدة القادرة على تقرير الضرورة الحتمية التي تستدعي فرض الضريبة من عدمه، لأسباب مالية أو تنظيمية، فقد يكون الغرض منها تعظيم موارد الدولة وفي أحيان معينة يكون الغرض منها تنظيم مسألة محددة كما لو اقتضت المصلحة العامة الحد من استهلاك بضاعة معينة فالضريبة تصلح ان تكون أداة لرفع سعرها ما يسهم في الحد من الطلب عليها، وبخلاف ما تقدم يعد إجراء الإدارة باقتضاء أي مبالغ من الأفراد باطلاً.

 ويشار إلى ان الضرائب الأبرز في العراق هي ضريبة الدخل المنظمة بالقانون رقم (113) لسنة 1982، وقانون ضريبة العقار رقم (162) لسنة 1959، وكل منهما صدر في ظل أنظمة شمولية لا تمت إلى الإرادة الشعبية بصلة، لذا فهي تفتقد إلى السند الشرعي في صدورها بيد أن الدستور العراقي أسبغ عليها الشرعية بموافقة الشعب العراقي على مجمل الدستور ومنه ما ورد في المادة (130)((تبقى التشريعات النافذة معمولا بها، ما لم تلغ أو تعدل وفقا لأحكام هذا الدستور)).

 ومما يؤسف له ان مجلس النواب والحكومة العراقية لم تتخذ الخطوات اللازمة لتقنين الضرائب والحد من أثارها السيئة على المواطن العراقي، إذ ألزم الدستور العراقي بإعفاء بعض الفئات وجرى النص بأن (28/ثانياً: يعفى أصحاب الدخول المنخفضة من الضرائب بما يكفل عدم المساس بالحد الأدنى اللازم للمعيشة، وينظم ذلك بقانون)، وإمعانا في تجاهل الفلسفة الدستورية ومراعاة العراقيين البسطاء منح قانون المحافظات غير المنتظمة في إقليم رقم (21) لسنة 2008 الهيئات المحلية سلطة فرض ضرائب محلية بموجب المادة (44) من القانون بالنص على أنه ((تتكون الموارد المالية للمحافظة مما يأتي: أولاً: ما تخصصه الموازنة الاتحادية للمحافظة. ثانياً: الإيرادات المتحققة في المحافظة عدا النفط والغاز وتشمل: الضرائب والرسوم والغرامات المفروضة وفق القوانين الاتحادية والمحلية النافذة ضمن المحافظات، الضرائب التي يفرضها المجلس على الشركات العاملة فيها تعويضاً عن تلوث البيئة وتضرر البنى التحتية))، ويبدو مما تقدم ان المشرع العراقي منح المحافظات سلطة الإنفاق وتحصيل الإيرادات المحلية امتثالاً لما ورد في الدستور العراقي لسنة 2005 الذي ينص في ماده (122) على أن ((تمنح المحافظات التي لم تنتظم في إقليم الصلاحيات الإدارية والمالية الواسعة، بما يمكنها من إدارة شؤونها على وفق مبدأ اللامركزية الإدارية، وينظم ذلك بقانون)) ومن مقتضيات الصلاحية المالية الواسعة ان يكون للهيئة المحلية ان تعظم ايرادتها المحلية، وليس بالضرورة ان يكون ذلك من بوابة فرض ضرائب محلية تتباين من محافظة إلى أخرى وتتسبب بإثقال كاهل المواطن العراقي.

ومن الواضح ان شكل الدولة يؤثر على الاختصاص بفرض الضرائب حيث يختلف الأمر ان كانت الدولة بسيطة أو فيدرالية (اتحادية) وهل ان تنظيم السلطة التنفيذية قائم على توزيع الاختصاصات بين المركز والهيئات المحلية على نحو الشراكة الحقيقية أو الصورية والمرجع في كل ذلك هو دستور الدولة، ومن ثم فان الأمر يستلزم صدور قانون صريح عن البرلمان يفرض ضريبة أو يخول الهيئات المحلية فرض مثل هذه الضريبة على اعتبار ان المحافظة لا تقارن بالإقليم الذي له وبموجب المادة (121) إنشاء سلطات تشريعية وتنفيذية وقضائية حيث ورد النص على أن ((لسلطات الأقاليم الحق في ممارسة السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية وفقا لأحكام هذا الدستور، باستثناء ما ورد فيه من اختصاصات حصرية للسلطات الاتحادية)).

 وبالعودة إلى المادة (110) التي بينت الاختصاصات الحصرية للسلطات الاتحادية نلحظ ان الدستور لم يصرح بجعل الضرائب شأن اتحادي وبما ان الإقليم يمتلك سلطة تشريعية فمن المتوقع ان تصدر عنها القوانين الإقليمية المتضمنة فرض أنواعاً من الضرائب المحلية أو الإقليمية، علما ان قانون إدارة الدولة للمرحلة الانتقالية أورد نصاً خاصاً في المادة الرابعة والخمسين يتضمن الإقرار الصريح لإقليم كردستان بفرض الضرائب والرسوم داخل حدود الإقليم، أما الدستور العراقي النافذ فلم يتضمن مثل هذا النص الصريح.

 وبما إننا انتهينا ان المادة (110) حصرت بيد السلطة المركزية رسم وتنفيذ السياسة المالية للدولة وكذا السياسة النقدية بيد أنها جعلت من إدارة شؤون الكمارك شأناً مشتركاً نظمت أحكامه المادة (114) لذا يمكن القول ان الضريبة ليست شأنا اتحاديا خالصا بل هو اختصاص غير منظم ووفق أحكام المادة (115) فان القانون الإقليمي يغلب ويقدم على القانون الاتحادي الصادر عن مجلس النواب العراقي في حدود إقليم كردستان إذ تنص المادة المذكورة على ((كل ما لم ينص عليه في الاختصاصات الحصرية للسلطات الاتحادية يكون من صلاحية الأقاليم والمحافظات غير المنتظمة في إقليم والصلاحيات الأخرى المشتركة بين الحكومة الاتحادية والأقاليم تكون الأولوية فيها لقانون الأقاليم والمحافظات غير المنتظمة في إقليم في حالة الخلاف بينهما))، بيد ان مكمن الصعوبة يبرز عندما نبحث عن سلطة المحافظة أو مجلس المحافظة بفرض الضرائب.

 ويشار إلى أنه سبق ان أقرت المحكمة الاتحادية العليا العراقية للمحافظات غير المنتظمة في إقليم سلطة فرض الضرائب والرسوم المحلية نزولا عند رغبة المشرع الدستوري حينما لم يجعل مسالة فرض الضريبة والرسم سلطة حصرية بيد جهات المركزية، وبما ان الدستور العراقي أيضا أوجب في المادة (27) ان لا تفرض الضرائب والرسوم إلا بقانون فذلك تخويل السلطة التنفيذية الاتحادية أو السلطة الإدارية المحلية في المحافظات في ان تجبي أو تفرض ضرائب بناءً على تخويل من المشرع وهذا ما فعله المشرع في قانون المحافظات كما سبق منا القول، ونرى ان هذا التخويل ليكون منتجاً لابد من مراعاة الآتي:

أولاً: منع وقوع المكلف تحت طائلة الازدواج الضريبي حينما يقرر المشرع الضريبي الاتحادي فرض ضريبة عليه وكذلك المشرع المحلي بفرض ضريبة أخرى على ذات مصدر الدخل أو ما يسمى بالوعاء الضريبي.

ثانياً: منع وقوع الفئات الأشد ضعفاً (كالفقراء والعاطلين عن العمل والنساء من الأرامل والأيتام والمشردين وغيرهم) تحت طائلة الضرائب المحلية التي يمكن ان تثقل كاهلهم أو تمنع استفادتهم من بعض الخدمات العامة.

ثالثاً: الحذر من تحول الضرائب في العراق إلى معوق للتنمية وإصلاح الأوضاع العامة، ويمكن ان تتسبب في تراجع الاستثمار وتزايد معدلات البطالة، والحذر من تعرض دافع الضريبة إلى الابتزاز بسبب الطرق البدائية في تقدير واستيفاء الضرائب في العراق، كما وان المغالاة في فرض الضريبة المحلية سيكون سببا في التهرب الضريبي بلا شك.

..........................................

** مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات/2009-Ⓒ2025

هو أحد منظمات المجتمع المدني المستقلة غير الربحية مهمته الدفاع عن الحقوق والحريات في مختلف دول العالم، تحت شعار (ولقد كرمنا بني آدم) بغض النظر عن اللون أو الجنس أو الدين أو المذهب. ويسعى من أجل تحقيق هدفه الى نشر الوعي والثقافة الحقوقية في المجتمع وتقديم المشورة والدعم القانوني، والتشجيع على استعمال الحقوق والحريات بواسطة الطرق السلمية، كما يقوم برصد الانتهاكات والخروقات التي يتعرض لها الأشخاص والجماعات، ويدعو الحكومات ذات العلاقة إلى تطبيق معايير حقوق الإنسان في مختلف الاتجاهات...

http://ademrights.org

ademrights@gmail.com

https://twitter.com/ademrights

اضف تعليق