المكانة العظيمة للعالم في توجيه مصير الأمة، وهذا هو تأثيره الحاسم في توجيههم، فأما أن يأخذ بأيديهم نحو الصلاح إذا كان عالما من الصالحين، وأما أن يحدث العكس، وقد عايشنا تجارب من هذا النوع، ورأينا كيف كان تأثير العلماء الصالحين الأجلاء حاسما في بناء الأمم الناجحة...

(العلم طاقة عظيمة جبّارة بل هو من أعظم الطاقات التي تحرك التأريخ)

سماحة المرجع الشيرازي دام ظله

يشترك العلم والعلماء في وضع الأسس القوية والصحيحة لبناء الأمم والدول، وقد حل العلماء الصالحون من حيث المنزلة بعد مكانة ومنزلة أئمة الهدى الأطهار مباشرة، أي أنهم يأتون بالمرتبة الثانية بعد أئمة أهل البيت في الهداية والتنوير ونسف كتل الجهل والظلام وإبعادها عن أدمغة الناس، والحقيقة يستحق العالم الصالح هذه المكانة لأنه ينتشل الناس من قيعان الظلام، ويرتفع بهم إلى أروقة النور وفضاءاته.

 ولهذا وُصف العلماء الصالحون بأنهم خير خلق الله بعد الأئمة الأطهار عليهم السلام، أما العلماء الفاسدون فإنهم يحتلون مرتبة الشر التي تأتي مباشرة بعد إبليس والمارقين المرَدَة، هذه المكانة لم يحددها شخص عادي وإنما ثبّتها الإمام علي عليه السلام في حديث شريف نقله الإمام الحسن العسكري عليه السلام.

هذه هي مرتبة العلماء الصالحين، وهذا هو الدور المصيري الذي يمكن أن يقوموا به تجاه الأمم والشعوب والدول، والحقيقة إنهم قادرون على القيام بهذا الدور الكبير جدا، بل إن قدرتهم على انتشال الأمم من براثن الجهل والظلم تأتي في قمة الأدوار التي يتصدون لها، فينقذون الناس، خصوصا البسطاء منهم، الذين لا تتوفر لهم فرص الاطلاع والتعلّم.

والمشكلة التي تعاني منها مجتمعات المسلمين ودولهم، عندما يتخلى العالم عن منزلته الصالحة، ويكون منتسبا لألوية الفساد والظلم ومدافعا عنها، هنا يفقد منزلته الكبرى، ويفقد تأثيره الجيد في الناس بل على العكس يعمي بصائرهم وعقولهم أكثر فأكثر.

سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، يقول في إحدى محاضراته القيمة التي وردت ضمن سلسلة محاضرات نبراس المعرفة وهي بعنوان: العلماء الصالحون والفاسدون:

(روي عن الإمام الحسن العسكري صلوات الله عليه أنه قال: قيل لأمير المؤمنين صلوات الله عليه: مَن خير خلق الله بعد أئمة الهدى؟، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: العلماء إذا صلحوا. فقيل يا أمير المؤمنين: من شر الخلق بعد إبليس وفرعون ونمرود؟، فقال أمير المؤمنين صلوات الله عليه: اَلْعُلَمَاءُ إِذَا فَسَدُوا).

يصف المرجع السيد صادق الشيرازي العلم بأنه طاقة عظيمة وجبارة، وأنه من أعظم الطاقات التي تحرك التاريخ، وهذا هو الواقع الحقيقي الملموس الذي أنجزته البشرية عبر قرون وقرون من السعي العلمي الحثيث، من خلال علماء أجلاء صالحين أسسوا لكثير من المنجزات التي طوَّرت البشرية وجعلتها في مراتب أعلى يوما بعد آخر.

الدور الحاسم للعلم في تطوّر الأمم

وثبت أن العلم هو الأهم والأقوى من كل المؤثرات الأخرى التي تأخذ بيد الناس إلى التطور، لاسيما إذا كان هذا العلم صالحا ومصدره من المصادر الصالحة، ويشرف عليها العلماء الصالحون الذين يجازفون بالغالي والنفيس كي يفتحوا نوافذ النور أمام البشرية، حتى تنزاح من أمامها كتل الجهل والظلام.

وهذه المكانة العظيمة للعلم هي التي جعلت من كلام أمير المؤمنين (عليه السلام)، أما سلبا أو إيجابا بالنسبة للعلم والعالم، فحين يكون كلاما صالحا وفي الصميم، ويكشف الظلم والظالمين ويثبت ذلك بالشواهد والبراهين المثبتة، فإنهم يمقتون هذا الكلام ويجعلونه معاديا لهم لأنه يفضحهم، أما العلماء والأشخاص الصالحون فإنهم يستثمرون كلام الإمام علي لكي يصنعوا منه خرائط طريق للنهوض بالإنسان وبالعالم.

يقول سماحة المرجع الشيرازي دام ظله: 

(العلم طاقة عظيمة جبّارة بل هو من أعظم الطاقات التي تحرك التأريخ، وتأثيره أكثر من المال ومن الحكم ومن كل المؤثرات البشريّة، ولهذا كان كلام أمير المؤمنين صلوات الله عليه إيجاباً وسلباً بالنسبة للعلم والعالم).

وهكذا ثبت أيضا بأن منزلة العلماء الصالحين تأتي بعد منزلة الأئمة الأطهار عليهم السلام، كونهم صوت الهداية والتنوير، في حين أن مكانة العلماء الفاسدين تحتل المرتبة الثانية بعد إبليس والطغاة المعروفين عبر التاريخ وهم كل من فرعون ونمرود وغيرهم من المستبدين الذين كفروا بالعلم وبالعلماء وساندهم في ذلك علماء فاسدون في ذلك العصر.

وهكذا يستحق العلماء إذا فسدوا المرتبة البائسة التي تأتي بعد مرتبة الشيطان وفرعون ونمرود، لأن هذا النوع من الفساد هو الذي يديم سلطات الظالمين، ويسهّل لهم سلب حقوق الناس.

حيث يؤكد سماحة المرجع الشيرازي هذه النقطة في قوله:

(فبعد مرتبة أئمة الهدى الأطهار الذين هم بمستوى القمم الشامخة في التأريخ تحلّ مرتبة العلماء والصالحين بالمرتبة الثانية، بينما تأتي بعد مرتبة إبليس وفرعون ونمرود في السقوط إلى الهاوية مرتبة العلماء إذا فسدوا).

تأثير العلماء الصالحين الأجلّاء

ولهذا لا غرابة ولا عجب في قول سماحة المرجع السيد صادق الشيرازي الذي يرى بأن العلماء الصالحين هم الذين أصلحوا العالم، فيما أفسد العلماء الفاسدون من انساق وراء أفكارهم الضالة، وانحدروا نحو الهاوية، لهذا من أخطر الأسباب والعوامل التي تجر الأمم نحو الفساد والانحراف هم العلماء الفاسدون لاسيما إذا وجدوا لهم مكانا ودعما من قبل الحكام الطغاة.

فبعض المصالح الخاصة قد تجعل من بعض العلماء غير المخلصين وغير الحقيقيين أدوات للفساد في أيدي الأنظمة الفاسدة، والحاكم المستبد يقرّب العلماء الفاسدين لأنهم يساعدونه على تحقيق أهدافه في خداع الناس ومواصلة جهلهم.

من هنا يؤكد سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) على:

(إن العلماء الصالحين هم من يصلح التأريخ والفاسدون هم من يُفسد التأريخ والأمة برمتها).

لماذا يحصل العالِم على هذه المكانة الحاسمة والمؤثرة أما إيجابا أو سلبا، الجواب يأتي في شقّين: الأول عندما يكون العالم صالحا، فإن الناس سوف يصلحون، لماذا لأن العالم في الغالب يكون النموذج الذي يسير وراءه الناس ويتعلمون منه ويستمعون إليه، ويطبقون ما يقوله من توجيهات وأحكام تحافظ على الناس من الانحراف.

وفي حالة يكون الحاكم فاسدا فإن الناس أيضا سوف تقتدي به فيكونوا فاسدين، لماذا، لأنه النموذج بالنسبة لهم، فما يقوله وما يفكر به وما يدعو إليه سوف يؤمنون به كونه نموذجهم، فإن قال لهم بأن هذا الحاكم يستحق الدعم سوف يدعمونه حتى لو كان حاكما سلطويا ظالما، وحتى لو رأوا ظلمه بأمّ أعينهم فطالما أن العالم قال لهم هذا الحاكم جيد فإنهم يصدقون بقول العالم الذي يقول مثل هذا الكلام عن الحاكم المستبد، لأنهم يرون في العالم قدوة لهم.

وهكذا يسير الناس وراء المنحرفين حتى لو جار عليهم الحاكم الفاسد، وسرق حقوقهم وتسبب في حرمانهم وقام بتجويعهم، لأنهم يؤمنون بنموذجهم.

يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله):

(الناس يعتبرون العلماء قدوة لهم فيتعلمون منهم ويسيرون على خطاهم، فإذا صلُح العالم صلُحت الأمة، فهم مسيرة العلم ومسيرة الصلاح ومسيرة الخير ومسيرة الفضيلة والإنسانية. أما إذ كان العالم فاسداً فيسير قسم كبير من الناس خلفه وتكون المسيرة مسيرة فساد ومسيرة ضلال ومسيرة مظالم ومسيرة هضم للحقوق وإبادة للخيرات والثروات).

هذه هي المكانة العظيمة للعالم في توجيه مصير الأمة، وهذا هو تأثيره الحاسم في توجيههم، فأما أن يأخذ بأيديهم نحو الصلاح إذا كان عالما من الصالحين، وأما أن يحدث العكس، وقد عايشنا تجارب من هذا النوع، ورأينا كيف كان تأثير العلماء الصالحين الأجلاء حاسما في بناء الأمم الناجحة.

اضف تعليق