حدثت قبل أيام، أكثر العمليات الارهابية دموية خلال العام الحالي في منطقة البياع جنوبي بغداد، حيث سقط على إثرها 55 شهيدا فضلا عن إصابة 65 مواطنين بجروح، في وقت يواصل الارهابيون يوميا، وبالتزامن مع تظاهرات مؤيدي التيار الصدري، عملياتهم الارهابية في بغداد، حيث جعلوا من العاصمة العراقية لوحة منقوشة بمظاهر القتل والحرق وتدمير الحياة الطبيعية للمواطنين.
وفي تحليل بسيط لمشاهد اختلاط التظاهرات مع التفجيرات الارهابية، فإنها تدل على الاضطراب السياسي، حيث تجاوز هذا الاضطراب المكونات المختلفة وتوغل الى داخل المكون الواحد، وأكثر من ذلك بدأ يولد صراعات شخصية في نفس المكون، هذا فضلا عن مغزاها الامني الذي يؤكد ضعف المؤسسات الأمنية في حفظ أمن المواطنين، ومن جانب آخر فإن ازدياد التفجيرات الارهابية مؤشر على ضعف القدرات العسكرية لداعش على أرض الواقع، حيث بدا واضحا أنه كلما ازدادت العمليات الارهابية، بات طرد داعش عمليا من العراق أقرب من أي وقت مضى، ويخسر المزيد من المناطق المحتلة.
ولكي نفهم هذه المعادلة بصورة عقلانية ونفتش خيوطها، ينبغي أن نقر بأننا حاليا أمام هذا المنطق (طرد داعش من الباب يعني دخوله مرة أخرى من النافذة)، وليس مهما تحت أي مسمى يدخل غير مسمى (الدولة الاسلامية-داعش)، فقبل حزيران 2014 المشؤوم، اعتادت أسماعنا على الأسماء المرادفة لداعش وقادتها الذين توغلوا آنذاك من نافذة بيت عراقي وأحلوا دماء وأعراض وأموال العراقيين، ولكن الشيء الأهم والأجدر بالتمعن هو التغيير الحاصل في خطة عمل داعش ومن لف لفهم، من خلال تكثيف التفجيرات الارهابية، حيث يتركون الموصل من الباب الذي دخلوا منه، ولكنهم يدخلون من نوافذ بغداد والمدن الاخرى، وهنالك جملة عوامل سياسية وأمنية واجتماعية واقتصادية تقف وراء ذلك، نذكر منها:
أولا- من الناحية السياسية: حيث يشتد العراك السياسي بين المكونات والقوى السياسية وعدم اتفاقها على المسائل المصيرية، فبقدر ما تنهمك القوى السياسية العراقية بالتآمر ضد بعضعها البعض، لا تنشغل بإعداد خطة ستراتيجية وطنية بعيدة المدى لمواجهة داعش وتهميشه، وقد يؤدي مؤتمر جنيف للسنة المقرر عقده قريبا الى تعميق الخلافات أكثر فيما بينهم، كما ينبغي ألا ننسى أن البيت الشيعي الحاكم يعيش تشرذما حادا، وقد تعمقت الخلافات داخل التحالف الشيعي مؤخرا بسبب المطالبة بتغيير أعضاء المفوضية العليا المستقلة للانتخابات واستمرار التظاهرات السياسية في ساحة التحرير ومحاولة اقتحام المنطقة الخضراء مجددا.
ثانيا- من الناحية الأمنية: يساهم ضعف وهشاشة الأجهزة الأمنية وسهولة تسلل الارهابيين الى المناطق المزدحمة والحساسة، وكذلك عجز تلك الأجهزة عن إيجاد مصادر الارهاب، في سهولة عودة داعش، كما إن الفساد المتفشي والروتينات وعدم توافر التنسيق والاتصال بين المواطنين والأجهزة الأمنية يصعب من مهمة كشف الخلايا الارهابية، حيث لايشعر المواطنون كثيرا أن القوات الأمنية جزء منهم وعليهم التعاون معها.
ثالثا- من الناحية الإجتماعية: لم تسنح الفرص اللازمة لمواجهة الفكر الارهابي والتطرف، بل إن التكوينة الاجتماعية العراقية بيئة مناسبة لبروز وانتعاش فكر التطرف والارهاب والتخويف، كما ان داعش تسبب في إلحاق أضرار بالإقتصاد العراقي تقدر بحوالي 35 مليار دولار، بحسب ما أشار اليه رئيس الوزراء الدكتور حيدر العبادي، ما أدى الى تدمير البنية التحتية الاقتصادية وانتشار الفقر، وهذا سبب رئيس وخاصة لدى شريحة الشباب، في الالتحاق بالجماعات والشبكات الارهابية.
رابعا- التدخل الخارجي: تظهر تأثيرات التدخل الخارجي ومصالح الدول الاقليمية والعالمية بوضوح، على المستجدات السياسية والأمنية والعسكرية في العراق، وهذا أثر سلبا في مساعدة داعش والارهاب على البقاء فترة أطول.
وختاما نقول: تنهمك القوات العراقية في طرد داعش من معاقلها الأخيرة غربي الموصل، وأغلب الظن أنها تنجح في ذلك، ولكن حتى نتخلص نهائيا من داعش وأمثاله، ينبغي معالجة النقاط المذكورة آنفا، وإلا فإن داعش دخل مجددا من النافذة، وقد تتكرر مشاهد البياع الدموية يوميا في أماكن أخرى.
اضف تعليق