تواجه تركيا التي تدخلت بشكل مباشر في الحرب السورية، تحديات كبيرة في العملية العسكرية التي تقوم بها في هذا البلد من اجل تأمين مصالحها الخاصة والحصول على موطئ قدم لتأمين حدودها. واستطاعت عملية "درع الفرات" التي يدعم فيها الجيش التركي فصائل سورية معارضة موالية لانقرة وكما نقلت بعض المصادر السيطرة على مدن حدودية عدة، وهي تسعى للعمل على انتزاع مدينة الباب من قبضة داعش رغم الخسائر الجسيمة التي تتعرض لها قواتها التي أضعفتها الاعتقالات بين صفوفها بعد محاولة الانقلاب في تموز/يوليو.
والسيطرة على الباب تبدو مهمة صعبة جدا للجيش التركي الأمر الذي قد يدخله في حرب جديدة مع جهات مختلفة، خصوصا بعد التقدم العسكري الكبير الذي حققه الجيش السوري بعد تحرير مدينة حلب، يضاف الى ذلك التقدم الميداني للقوات الكردية المدعومة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، والتحديات الأخرى ومنها تعدد أطراف الصراع في هذا الجزء من الأرض السورية وهو ما قد يعيق خطط تركيا ويدخلها في مشكلات وأزمات جديدة.
في حين توقع المسؤولون الاتراك خلال الاسابيع الماضية السيطرة سريعا على المدينة، لم تظهر في الافق أي نهاية واضحة للعملية. وبحسب إحصاء خاص لبعض المصادر قتل 48 جنديا تركيا على الاقل في العملية حتى الآن، معظمهم في المعارك لاستعادة الباب التي بدأت في 10 كانون الاول/ديسمبر.
واكد الرئيس رجب طيب اردوغان ان تركيا "ستنهي مهمتها" في الباب، موضحا ان لا ضرورة بعد ذلك للتوغل اكثر داخل الاراضي السورية. ولطالما شكت أنقرة من عدم تلقي دعم من حلفائها في حلف شمال الاطلسي خلال العملية رغم انها حصلت على بعض الدعم مؤخرا من حليفتها الجديدة موسكو. الا ان ثاني أكبر جيش في الحلف يخوض هذه المعركة بعديد اقل جراء حملة التطهير التي اعقبت محاولة الانقلاب في تموز/يوليو الماضي وأدت إلى اعتقال ستة آلاف جندي و168 ضابطا.
وفي مؤشر الى استمرار تداعيات محاولة الانقلاب على الجيش، لم يتمكن العديد من الجنود من المثول امام محكمة اسطنبول بسبب مشاركتهم في المواجهات عند جبهة الباب. ورأى ارون شتاين من مركز رفيق الحريري للشرق الاوسط ان انقرة تعاني "نقصا في الموارد" موضحا ان "مقاتلي المعارضة الذين تقاتل تركيا إلى جانبهم غير مدربين بشكل جيد واظهروا خلال السنوات الماضية انهم غير قادرين على السيطرة على حد ادنى من المناطق". وفي حين تقع جرابلس على الجانب الاخر من الحدود مع تركيا، تبعد الباب 25 كلم من الحدود والسيطرة عليها أصعب بكثير من الناحية اللوجستية. وتسعى تركيا من تدخلها في شمال سوريا إلى منع المقاتلين الاكراد الذين تدعمهم واشنطن من اقامة معقل لهم. وترغب انقرة حتى في الوصول إلى منبج حيث تمكن الاكراد من طرد عناصر تنظيم داعش.
اندفاع الجيش السوري
وفي هذا الشأن يهدد التقدم السريع للجيش السوري نحو مدينة الباب بإطلاق شرارة مواجهة مع تركيا بينما تسعى دمشق لمنع أنقرة من التوغل لمسافة أعمق في منطقة ذات أهمية استراتيجية في شمال سوريا. وشمال سوريا من أكثر ميادين القتال تعقيدا في الحرب السورية المتعددة الأطراف إذ يحارب الجيش السوري وتركيا وفصائل المعارضة المتحالفة معها وتحالف من الفصائل السورية المدعومة من الولايات المتحدة جميعها تنظيم داعش هناك في الوقت الحالي.
وفي أقل من أسبوعين وصلت وحدات الجيش السوري لمسافة تبعد ستة كيلومترات من الباب وهي مدينة تستهدفها أيضا حملة للجيش التركي وحلفائه من الجماعات التي تقاتل تحت راية الجيش السوري الحر. وأبلغ مصدر في التحالف العسكري الذي يقاتل دعما للرئيس بشار الأسد أن الجيش السوري يستهدف الوصول إلى الباب وإنه "مستعد بالتأكيد للاشتباك مع الجيش السوري الحر" الذي يقاتل إلى جانب الجيش التركي.
بيد أن المصدر وهو غير سوري قال إن الهدف الأساسي هو إحباط الطموحات التركية "وامتلاك ورقة قوية في لعبة ذلك المحور." وتشن روسيا أقوى حليف للأسد غارات جوية تستهدف داعش في الباب دعما لكلا الجانبين مما يسلط الضوء على التغيرات الكبرى في المشهد الدبلوماسي. وتحدث المصدر العسكري غير السوري طالبا عدم نشر اسمه لأنه ليس متحدثا رسميا باسم التحالف المؤيد للأسد. وأضاف المصدر الموالي للأسد أن الهجوم تقوده قوة النمر الخاصة في الجيش بدعم مخابراتي من مركز قيادة في حلب يشارك في إدارته مستشارون إيرانيون. وتتلقى حملة الجيش "تغطية روسية من الجو حين الطلب".
وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان الذي يراقب الحرب من مقره في بريطانيا إن القوات المدعومة من تركيا حققت تقدما جديدا إلى الجنوب الغربي من الباب واصفا ذلك بالمسعى الرامي لوقف مكاسب قوات الحكومة السورية. وبدأت تركيا حملتها في سوريا التي تعرف باسم "درع الفرات" من أجل تأمين حدودها مع داعش ووقف تقدم قوات حماية الشعب الكردية السورية القوية. ولم تعد مساعدة المعارضة للإطاحة بالأسد أولوية بالنسبة لأنقرة.
فحملة درع الفرات أقامت منطقة عازلة فعالة تسيطر عليها جماعات معارضة تساندها تركيا مما عرقل خطط وحدات حماية الشعب الكردية للربط المناطق التي يسيطر عليها الأكراد في شمال شرق وشمال غرب سوريا. وتعتبر تركيا وحدات حماية الشعب الكردية جماعة إرهابية وتهديدا لاستقرارها.
وتتلقى وحدات حماية الشعب الكردية والفصائل المسلحة المتحالفة معها دعما جويا من تحالف تقوده الولايات المتحدة لأنها تقاتل أيضا داعش التي أعلنت مساحات شاسعة من الأرض في سوريا "خلافة" لها تمتد أيضا إلى العراق. وانتقدت تركيا التحالف لما تراه دعما جويا غير كاف للهجوم البري في حين رحبت بالغارات الجوية التي تشنها روسيا بالتنسيق معها في منطقة الباب. وقال الرئيس التركي رجب طيب إردوغان "نبذل جهودنا مع قوات التحالف وروسيا تقدم الدعم الجوي من وقت لآخر أيضا."
وتقع الباب على بعد 40 كيلومترا إلى الشمال الشرقي من حلب حيث هزم الأسد المعارضة المسلحة في ديسمبر كانون الأول في أكبر انتصار له في الحرب. وكان الأسد قد تعهد باستعادة سوريا بالكامل بيد أن مناطق كبيرة خارجة عن نطاق سيطرته في وقت لا يزال يعتمد فيه بشدة على الدعم العسكري من حلفائه الأجانب. وتقول تركيا إن التقدم الذي حققته فصائل المعارضة المتحالفة معها في الباب أبطأته جهود لتجنب إيقاع ضحايا مدنيين. بيد أن المرصد ينحي باللائمة على القصف التركي في وقوع خسائر بشرية كبيرة. بحسب رويترز.
وتوقع إردوغان في نوفمبر تشرين الثاني أن تسقط الباب سريعا وقال إن داعش تكبدت "خسائر كبيرة في الدماء" هناك. وأضاف "يجب أن ننجز المهمة في الباب سريعا وألا نذهب لمسافة أبعد. الجهود تسير في هذا الاتجاه." وكبدت المقاومة الضارية لداعش بما في ذلك الهجمات بسيارات ملغومة القوات التركية خسائر فادحة. وقال مسؤول أمني تركي كبير إن الحملة لا تسير ببطء ولكن وفق الخطة الموضوعة لها. وأضاف المسؤول "الظروف تتغير كلما توغلنا." وأضاف "لسنا في عجلة من أمرنا في الباب. هناك ظروف عديدة علينا التفكير فيها مثل الطقس وحقيقة أن هذه تضاريس جديدة على قواتنا. نفضل أن تمضي ببطء لكن بقوة وبحد أدنى من الخسائر."
اول مواجهة
في السياق ذاته تدخلت روسيا لوقف اشتباك بين القوات الحكومية السورية وقوات معارضة مدعومة من تركيا في شمال سوريا حسبما ذكرت مصادر من الطرفين في أول مواجهة بينهما في معركتهما مع تنظيم داعش في المنطقة نفسها. ويواجه التنظيم هجوما في حملتين منفصلتين في شمال سوريا من قبل القوات الحكومية المدعومة من روسيا ومقاتلي المعارضة المدعومين من تركيا.
ويدل الاشتباك الذي دار بالقرب من مدينة الباب التي يهيمن عليها تنظيم داعش على خطورة اشتعال قتال جديد بين الحكومة وخصومها المعارضين. وتدعم روسيا وتركيا أطرافا متصارعة في الحرب السورية لكنهما بدأتا في الآونة الأخيرة بالتعاون في الملف السوري وتوسطتا في هدنة بين القوات الحكومية وقوات المعارضة وتعملان سويا في محاولة إحياء محادثات السلام. وقال مسؤولون من المعارضة إن الاشتباك دار في قرية جنوب غربي مدينة الباب. وأكد مسؤول في تحالف عسكري يقاتل دعما للحكومة السورية وقوع اشتباك. وقال المصدر الذي رفض الكشف عن هويته "تدخل الروس وضبطوا الوضع."
واتهم مسؤولان بالمعارضة القوات الحكومية بالتسبب في إشعال الاشتباك. وذكر أحدهما أن القوات الحكومية تحركت نحو مراكزهم بدبابات. وقال مسؤول المعارضة الأول "المسلحون أطلقوا النار لتحذيرهم من الاقتراب لكن الدبابات ردت واندلع الاشتباك." وقال المسؤول "لاحقا تدخلت روسيا لتهدئة الوضع. هذا الحادث كله بدا وكأنه اختبار."
وقال مسؤول ثان في المعارضة وهو قيادي في منطقة الباب "أطلقوا النار وجرى الرد على النار." وقال مسؤولا المعارضة إن مقاتلي المعارضة استولوا على عربة مدرعة من القوات الحكومية. وأقامت تركيا وحلفاؤها المعارضون في الجيش السوري الحر منطقة عازلة بحكم الأمر الواقع في شمال سوريا في مناطق انتزعوها من تنظيم داعش منذ أغسطس آب في عملية "درع الفرات". وهم يقاتلون من أجل السيطرة على مدينة الباب منذ ديسمبر كانون الأول ولكنهم صعدوا من هجومهم وسيطروا على مشارف المدينة. بحسب رويترز.
وفي الوقت نفسه كثف الجيش السوري هجومه باتجاه مدينة الباب وتقدم بشكل سريع في الأسابيع القليلة الماضية وبات على بعد بضعة كيلومترات من مشارفها الجنوبية. وقال رئيس الوزراء التركي بن علي يلديريم في وقت سابق إنه أمكن تجنب وقوع اشتباكات مع القوات السورية بفضل التنسيق الدولي بما في ذلك التنسيق بين تركيا وروسيا.
الغرب يدعم الارهابين
الى جانب ذلك اعتبر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إن الغرب نكث بوعوده في سوريا، متهما شركاء أنقرة بدعم "تنظيمات إرهابية" بينها تنظيم داعش. وقال أردوغان في مؤتمر صحافي مع الرئيس الغيني ألفا كوندي في أنقرة إن "قوات التحالف الدولي ويا للأسف لا تلتزم بوعودها". وأضاف "سواء فعلوا ذلك أو لم يفعلوا، سنواصل هذا المسار بطريقة حاسمة. لا تراجع عن المسار الذي وضعناه".
وتواجه تركيا أشرس مقاومة خلال حملتها في معركة الباب، الواقعة على بعد حوالى 25 كيلومترا إلى جنوب الحدود التركية. واشتكى أردوغان من أنه بدلا من دعم تركيا، فإن الغرب يدعم وحدات حماية الشعب الكردية وحزب الاتحاد الديموقراطي، اللذين يحظيان بدعم الولايات المتحدة على الأرض في سوريا، وأيضا تنظيم داعش. وقال الرئيس التركي "إنهم يدعمون كل التنظيمات الإرهابية، وحدات حماية الشعب وحزب الاتحاد الديموقراطي، وأيضا داعش". وأضاف "الأمر واضح جدا، واضح تماما"، لافتا إلى أن تركيا قادرة على تقديم الدليل بالصور والفيديو.
وسبق لأردوغان أن وجه اتهاما مماثلا خلال زيارة لباكستان في تشرين الثاني/نوفمبر، قائلا إن "الغرب يقف إلى جانب داعش الآن" وأسلحة التنظيم غربية الصنع. لكن الرئيس التركي أعرب عن ثقته بالهجوم التركي قائلا إن "تنظيم داعش الإرهابي محاصر حاليا من أربع جهات في الباب". وأضاف "نعم لدينا شهداء (...) لكن الآن لا مكان للتراجع". بحسب فرانس برس.
ولم يتطرق أردوغان إلى شريط الفيديو الذي قال التنظيم انه يظهر إحراق جنديين تركيين حتى الموت في سوريا. وفي وقت سابق، قال نائب رئيس الوزراء التركي نعمان كورتولموش إنه لم يتم بعد التأكد من صحة شريط الفيديو. واوضح أردوغان إن تركيا، الى جانب روسيا، تدعم خطة لجمع أطراف النزاع السوري مع القوى الكبرى في محادثات سلام في العاصمة الكازاخستانية. وشدد على أن "التنظيمات الإرهابية" يجب الا تشملها هذه العملية، وأن أنقرة تريد انخراط حليفتيها الخليجيتين، السعودية وقطر.
روسيا وتركيا
من جانب اخر قال الجيش التركي إن ضربات جوية روسية قتلت بطريق الخطأ ثلاثة جنود أتراك وأصابت 11 آخرين خلال عملية ضد داعش في سوريا مما يسلط الضوء على خطر اندلاع اشتباكات غير مقصودة بين القوى الخارجية العديدة المشاركة في الصراع المستمر منذ ستة أعوام. وأضاف الجيش في بيان "خلال عملية نفذتها طائرات روسيا الاتحادية ضد أهداف لداعش في منطقة عمليات درع الفرات في سوريا سقطت قنبلة بطريق الخطأ على مبنى تستخدمه وحدات الجيش التركي".
وقال الكرملين إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اتصل بنظيره التركي رجب طيب إردوغان وقدم تعازيه وأنحى باللائمة في توجيه ضربة بطريق الخطأ على ضعف التنسيق بين موسكو وأنقرة. وإلى جانب روسيا وتركيا تشارك في الحرب جماعة حزب الله اللبنانية وفصائل مدعومة من إيران بالإضافة إلى الدول أعضاء التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ضد داعش. وروسيا حليف رئيسي للرئيس السوري بشار الأسد في حين تدعم تركيا المعارضة التي تسعى للإطاحة به. وفي 2015 أسقطت تركيا طائرة حربية روسية قالت إنها دخلت مجالها الجوي رغم أن موسكو نفت حدوث ذلك. بحسب رويترز.
وتحسنت العلاقات بين البلدين بعد ذلك وقال الكرملين في بيانه إن زعيمي البلدين اتفقا على تعزيز التنسيق العسكري ضد تنظيم داعش. وقال مكتب رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم إن مايك بنس نائب الرئيس الأمريكي عبر له عن تعازيه في القتلى الأتراك أثناء اتصال هاتفي بحثا خلاله التعاون في محاربة الإرهاب.
اضف تعليق