(فرانس24): أصدرت دار الإفتاء المصرية تقريرا يشير إلى تنامي ظاهرة الإلحاد في عدد من الدول الإسلامية. تقرير دق ناقوس الخطر لما اعتبره ارتفاع نسب الإلحاد في الدول الإسلامية التي تمر بمتغيرات سياسية واجتماعية عميقة. ويوجه التقرير أصابع الاتهام للجماعات الإسلامية المتشددة، التي يتهمها بنشر صورة "وحشية" و"خاطئة" عن الإسلام تعتمد على الترهيب والعنف والقتل، وتدفع إلى النفور من هذا الدين.
يأتي التقرير الرسمي لهيئة الإفتاء المصرية، التي تعتبر من أبرز الهيئات التي تعتمد البحوث الفقهية في العالم الإسلامي، ليؤكد المنحى الذي تتبناه اليوم عدد من صفحات مواقع التوصل الاجتماعي في عدد من الدول العربية، خصوصا في مصر وتونس والجزائر والمغرب. والتي يتبنى أصحابها مواقف معادية للإسلام، والتي تروج لفكرة الإلحاد بعد ظهور تنظيمات إسلامية متشددة يتقدمها تنظيم" الدولة الإسلامية" في المشهد العام العربي والإسلامي اليوم. وتبني مثل هذه التنظيمات المتطرفة نهجا متشددا للإسلام، وارتكابها فظاعات باسم الدين الإسلامي تعتمد أشد أنواع العنف والقتل والتعذيب، صدم جانبا كبيرا من الرأي العام العربي والإسلامي، فيما رأى آخرون في هذه الممارسات تطبيقا حرفيا لما جاءت به هذه الديانة، ولا يرون في ذلك مغالاة ولا تطرفا.
فهل يمكن تحميل مسؤولية هذه الموجة من الإلحاد في هذه الدول العربية فقط إلى تنظيم الدولة الإسلامية وأخواته؟ وأي مسؤولية لمواقع التواصل الاجتماعي في نشر هذه " الموضة" الجديدة التي بدأت تأخذ شكلا جديدا وانتشارا ملحوظا؟ وهل من المشروع اعتبار موجة الإلحاد خطرا يهدد فعلا صورة الإسلام في هذه الدول الإسلامية والعربية؟
الإلحاد لتحقيق توازن مع الفكر المتطرف
الخبيرة في علم النفس مريم صمود قالت في تصريح لفرانس 24، إن هذه النزعة من الإلحاد تفسر هروب هذه الفئات الاجتماعية من أقصى اليمين، الذي تمثله الجماعات الإسلامية المتشددة، والتي تعتبر نفسها تمثل الدين الإسلامي، ولجوء هؤلاء إلى الضد في هذه الحالة. والضد في هذا المستوى هو رفض الدين وكل المعتقدات التي تحيط به، وبالتالي يكون الإلحاد. وهو تبني لهذا الموقف الرافض لهذا الفكر التفكيري الذي تحمله الجماعات المتشددة.
إذن بحسب المنظور النفسي فإن هذه الظاهرة تعتبر طبيعية في المجتمعات التي شهدت تجليات الفكر المتطرف التكفيري المتشدد. هؤلاء الذين يتبنون الإلحاد في هذه الدول العربية والمسلمة يبحثون على تحقيق نوع من التوازن الإيديولوجي مع المتشددين والفكر المتطرف.
الخبيرة النفسية تعتقد أن هذه الظاهرة تعتبر رد فعل موقت، لكن من الصعب تحديد وقتية ذلك، طالما أن سبب ظهوره لا يزال قائما، ونقصد هنا وجود الفكر التكفيري وهذه التنظيمات المتشددة. إذن الأمر قد يستغرق سنوات أو عشرات السنين، يصعب التنبؤ بذلك".
وتضيف الخبيرة النفسية بأن "مواقع التواصل الاجتماعي توفر منبرا للأشخاص الذين يحملون آراء تؤسس للإلحاد والكفر بالمعتقدات الإسلامية، فهم يجدون في هذه المواقع، وفي التواجد خلف شاشات كومبيوتر، ووراء "بروفايلات" مزيفة ، فرصة التعبير عن الآراء الشخصية حتى الأشد تطرفا منها بكل ثقة دون خوف، طالما أن مجال التحرك هو عالم الإنترنت الافتراضي ، والذي يوفر أيضا مجال لإشباع "فانتازما" المحظورات الاجتماعية والدينية والثقافية، والإلحاد يندرج ضمن هذه المحظورات. وهو ما يفسر مثلا انتشار هذه الظاهرة أكثر على الإنترنت، فليس من الشائع مثلا أن يخرج هؤلاء للعلن بمواقفهم المشككة في الدين وإعلان إلحادهم خشية ردود فعل الآخرين التي قد تتسم بالعنف.
هل تهدد ظاهرة الإلحاد الإسلام؟
أما الحديث عن مستقبل هذه الظاهرة وتأثيرها على الإسلام، فلا تبدو الخبيرة متأكدة من مآلها ومدى تأثيرها على الإسلام كدين ومرجع فكري وعقائدي. وتقول "يصعب التنبؤ بمستقبل هذه النزعة وحصر تأثيرها على الإسلام طالما أن الحركات الجهادية تواصل استعراض سياسات الترهيب والخوف، وطالما لم تظهر مراجعات جدية وثورية لجوانب من الدين الإسلامي تمنحه نفسا تقدميا يقطع مع الظلامية والانغلاق الذي تؤسس له الجماعات التكفيرية.
كما تشير الباحثة في علم النفس إلى نقطة أخرى تتمثل في إمكانية فقدان الثقة في الدين الإسلامي باعتباره يوفر الطمأنينة والسكينة للإنسان بسبب هذه الجماعات التي تقدم مبررات وتفسيرا فقهيا لأعمال العنف الشديدة التي تمارسها. حيث أن الناس الذين يؤمنون بالدين ويجدون فيه ملاذا نفسيا في حال وفاتهم ليقينهم بوجود حياة بعد الموت وجنة وما إلى ذلك، قد ينفرون من هذا الدين كما يصوره التكفيريون الذين يدعون أنهم يطبقون الشريعة الإسلامية بحذافيرها. وبالتالي يندثر الدين كمنظومة وجدانية توفر الأمن والتوازن النفسي وتتسبب في الهروب من الدين باعتباره يشكل تهديدا على سلامتهم وحياتهم بسبب الصورة القاتمة التي تسوق لها المجموعات الإسلامية والتكفيرية المتطرفة.
اضف تعليق