يسعى تنظيم داعش الارهابي الذي مني بخسائر كبيرة على يد القوات العراقية المشتركة في معركة تحرير الموصل، والتي أسفرت عن تطهير العديد من الاحياء والمناطق المهمة في هذه المدينة، الى اعتماد اساليب جديدة لتغطية على خسائره البشرية والمادية الكبيرة خصوصا بعد مقتل وهروب قادة التنظيم الى سوريا وغيرها من المناطق الأخرى، حيث أكد بعض الخبراء ان تنظيم داعش يعتمد اليوم على خطط واساليب مختلفة تتمثل باستخدام أبشع أساليب القتل بحق أهالي الموصل لمنعهم من الخروج من المدينة بهدف استخدامهم كدروع بشرية والاحتماء بهم بعد انهياره وعدم قدرته على مواجهة القوات الأمنية، وبتنفيذ عمليات انتحارية في مدن ومناطق أخرى بهدف تخفيف الضغط عن عناصره المنكسرة المتواجدة في الموصل، والتي طالبها بالصمود والمقاومة.
ويرى بعض المراقبين ان الضغط المتنامي والخسائر المتواصلة، التي يتعرض لها التنظيم الذي فقد اليوم اكثر من نصف الأراضي التي كان يستحوذ عليها في العراق، ونحو 20 % من تلك التي يسيطر عليها في سورية، كما خسر اكثر من 30 % على الأقل من إنتاج النفط الذي يشكّل نصف إيراداته. قد دفع قادته العسكريين إلى تغير طبيعة وأساليب عمل التنظيم الإرهابية. كذلك، يخشى بعض المسؤولين الأميركيين وكما نقلت بعض المصادر من تحوّل التنظيم، مع خسارته الاض في مناطق مختلفة، إلى تكتيكات عسكرية أقل تقليدية وأن يوجّه ويحرّض على تنفيذ المزيد من الهجمات ضد أهداف "ناعمة" في أوروبا والولايات المتحدة ومناطق أخرى من العالم. وقال الخبير في شؤون الإرهاب في جامعة جورج تاون في واشنطن بروس هوفمان إن التنظيم يعوّل على المهاجمين المنفردين الذين يطلَق عليهم وصف "الذئاب المنفردة" في ملاحقة خصومه بتهديدات ينفّذها بالفعل.
وفي هذا الشأن فقد حث المتحدث الرسمي الجديد باسم تنظيم داعش الارهابي المتعاطفين مع التنظيم حول العالم على شن موجة جديدة من الهجمات وخص بالذكر المصالح الدبلوماسية والعسكرية والمالية التركية كأهداف مفضلة. كما طالب أبي الحسن المهاجر- الذي كشف النقاب عن دوره كناطق بلسان التنظيم للمرة الأولى - مقاتلي داعش بالتشبث بمدينة الموصل آخر معقل كبير للتنظيم في العراق.
وفي رسالة تنطوي على التحدي نشرت على الإنترنت وصف المهاجر الخسائر العسكرية للتنظيم هذا العام بأنها انتكاسات. وقال إن أنصار التنظيم سيستهدفون "مفاصل الحكومة التركية العلمانية المرتدة في كل مكان .. الأمنية والعسكرية والاقتصادية والإعلامية بل كل سفارة وقنصليه تمثلها في بلدان العالم أجمع". وأضاف في التسجيل الصوتي الذي نشر على الإنترنت "دمروا آلياتهم ..اقتحموا عليهم .. أفجعوهم في ملاجئهم ليذوقوا بعضا من بأسكم ولا تحدثوا أنفسكم بالفرار."
تطبيقات التواصل
على صعيد متصل طلب تنظيم داعش الارهابي من أعضائه التوقف عن استخدام تطبيقات الاتصالات عبر الانترنت مثل واتس آب وتيليجرام على الهواتف المحمولة اعتقادا منه بأن التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة يستخدمها لتعقب قادته وقتلهم وذلك بعد مقتل عدد كبير من قيادات التنظيم. وحتى وقت قريب كان التنظيم الذي يواجه حملات عسكرية بقيادة الولايات المتحدة في العراق وسوريا وليبيا يعتمد بشكل كبير على تلك التطبيقات للتواصل مع عناصره وأنصاره وإرسال تكليفات إلى متشددين في الخارج بينهم من قتلوا 130 شخصا في باريس في نوفمبر تشرين الثاني 2015 وفق ما ذكره مسؤولون فرنسيون.
لكن بعد مقتل أكثر من 20 قياديا بالتنظيم خلال الفترة الماضية في ضربات شنها التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ومنهم المتحدث الرسمي باسمه أبو محمد العدناني نشر التنظيم مقالا عبر وسائل إعلامه الرسمية حذر فيه مقاتليه ومؤيديه مما بات الآن يصفها بأنها "معصية مستعصية". وقال التنظيم "الفهم السليم لآلية عمل الهاتف المحمول يسهل على الأخ المجاهد اتخاذ قرار لا رجعة فيه بترك الهاتف حتى لا يورد نفسه واخوانه في المهالك... ومن المشاهد أن الصليبين يحافظون على جواسيسهم الإلكترونيين أكثر بكثير من جواسيسهم من البشر."
وأضاف "عندما تدخل شبكة الانترنت يبدأ تشخيصك والتعرف عليك فإذا دخلت من الموصل مثلا في أي حساب لبرنامج تواصل مثل واتس اب وتيليجرام أو غيرهما وتواصلت مع أي شخص مرصود فهذه المعلومة بالنسبة للصليبيبن تصلح لبدء التفكير بك وبمن حولك وبهذا يتم تحديد الهدف وتبدأ حسابات المخابرات الخاصة بدرجة أهميتك ومدى اتساع دائرة اتصالاتك وهل يمكن الوصول لإخوة آخرين من خلالك أو تحديد مواقع المقرات من تتبع هاتفك."
وجاءت التعليمات الجديدة بعد توقف شبه كامل لعناصره ومؤيديه عن استخدام موقع تويتر للتدوينات القصيرة الذي استغله قبل نحو عامين أو ثلاثة لنشر فكره واستقطاب عناصر جديدة. وانسحب الأمر نفسه على مواقع أخرى بينها تيليجرام الذي يملك التنظيم عليه حسابا رسميا بات الآن يغلق وينشط أكثر من مرة خلال اليوم الواحد. ودأبت الحسابات المؤيدة للتنظيم على تيليجرام على تذكير القراء بأن تيليجرام لتبادل الرسائل فقط بين الأنصار و"ليس منصة إعلامية (للدعوة) لكل المسلمين والغرب" أو بمعنى آخر ليس لتجنيد متعاطفين للانضمام إلى قضيتهم.
وثمة عشرات التطبيقات الأخرى للتراسل تتيح درجات متفاوتة من الغموض والتأمين لكن الهواتف اللازمة لاستخدامها تثير مخاطر بشكل متزايد.
ودعت المقاتلين إلى إغلاق هواتفهم الذكية قبل دخول أي مقرات للتنظيم تجنبا لخطر استهداف التحالف لهم بضربات جوية. "يجب عليك أن لا تشغل الهاتف بعد الانتهاء من الاتصال أبدا واحذر من المعصية الأكبر وهي تشغيل هاتفك في أحد المقرات فإن هانت عليك نفسك فاتق الله في إخوتك المجاهدين فإن الهاتف يتجسس عليكم جميعا طالما في داراته شحن ينبض." وتأتي القيود الأخيرة التي فرضها التنظيم على عناصره بعد منعه سكان المناطق التي يسيطر عليها من امتلاك أي شرائح هواتف خوفا من استخدامها في مساعدة أعدائه.
وقال سكان في مناطق خاضعة لسيطرة التنظيم إن امتلاك شريحة هاتف الآن أو أي وسيلة اتصال إلكتروني أخرى معناه حكم تلقائي بالإعدام. وذكروا أن التنظيم أقام حواجز أمنية يفتش المسلحون فيها الناس ويداهمون بانتظام المناطق التي قصفتها الضربات الجوية الأمريكية لأن مسؤولي التنظيم يفترضون أن سكانا محليين ساعدوا في تحديد الأهداف. وقال ضباط في المخابرات العراقية إن التنظيم أعدم 42 شخصا من عشائر محلية بعد أن ضبطوا ومعهم شرائح هواتف. بحسب رويترز.
ويحظر واتس آب نشاط أنصار داعش بسبب سلسلة من الانتهاكات لبنود الخدمة. غير أن تحديد هوية المنتهكين في محادثات خاصة صعب نظرا لأن الشركة المملوكة لفيسبوك طبقت إجراءات تشفير صارمة في وقت سابق هذا العام. وتقول تيليجرام- التي لها تاريخ طويل من المعارك المناهضة للرقابة مع حكومات في أنحاء العالم- إن سياستها هي غلق القنوات الإرهابية المفتوحة للعامة وغير ذلك من المحتوى العام غير القانوني. ولا يتم حجب الاتصالات الخاصة بين الأفراد على الخدمة نظرا لأن تلك المحادثات مشفرة أيضا.
الصناعة العسكرية لداعش
الى جانب ذلك ومع تقدم القوات العراقية في منطقة الموصل، يمكن العثور على مصانع للذخائر أو شارع تحول الى سلسلة لإعداد السيارات المفخخة، كاشفة عن حجم صناعة الاسلحة التي أقامها الجهاديون. واكد خبراء ان تنظيم داعش الارهابي، الذي سيطر لاكثر من عامين على مناطق واسعة في العراق، اقام شبكة منظمة للغاية لا يمكن لحركات متطرفة اخرى ان تضاهيها. وقدرات الانتاج هذه كانت احدى ابرز نقاط القوة لابقاء سيطرتهم على الاراضي التي احتلوها في العراق في 2014 وايضا في سوريا.
والضوء الذي القي على هذه الترسانة مع تقدم القوات العراقية والكردية، المدعومة من قوات التحالف الدولي، يعطي معلومات ثمينة قد تساهم في احباط هجمات جديدة في دول غربية. وقال جيمس بيفان مدير مجموعة "كونفليكت ارمامنت ريسرتش" ومقرها بريطانيا "انه ابتكار من نواحي الحجم والتنظيم ومركزية القيادة ودقة الانتاج". واضاف "لا اعرف اي مجموعة مسلحة اخرى تنتج (اسلحة) بهذا الحجم وعلى هذا المستوى من التنسيق".
وزار بيفان مع فرقه العراق لتفقد مصانع الذخائر التابعة لتنظيم داعش. واستنتاجاتهم التي نشرت تكشف عن نظام تجميع متطور لعشرات الاف قذائف الهاون والصواريخ والعبوات الناسفة كانت نوعيتها تخضع لاختبار بانتظام. وعلى الارض ذكر هاشم علي الخبير في نزع الالغام في الجيش العراقي بالتفصيل ما عثر عليه على طول شارع مارت شموني في قرقوش. وتقع مدينة قرقوش التي تم استعادتها في تشرين الاول/اكتوبر من تنظيم داعش في جنوب شرق الموصل.
وكان تنظيم داعش استولى على قرقوش في 2014 ما حمل السكان وغالبيتهم من المسيحيين على الهرب، وحول الشارع الى مصنع لانتاج اسلحة. وفي المكان الذي كانت الشاحنات تفرع فيه حمولاتها من السلع التركية للمتاجر، كان الجهاديون يصنعون سلاحهم الاقوى، السيارات المفخخة. وفي مبنى اول كانوا يفككون السيارات وفي الثاني كانوا يجهزون لوحات معدنية لتصفيحها. وعلى مسافة قريبة كان الجهاديون ينتجون متفجرات ثم يحملونها بعشرات الكيلوغرامات في سيارات متوقفة في الشارع.
وقال هاشم علي ان الجهاديين "منظمون بشكل جيد. واذا منحوا القليل من الوقت يجدون وسيلة جديدة لمفاجأتنا". وتستهدف القوات العراقية يوميا بالسيارات المفخخة التي تتكدس هياكلها في شمال العراق. وكانت الاسلحة اليدوية الصنع تنتج في مصانع استولى عليها تنظيم داعش بمعدات كانت موجودة فيها اصلا. وفي مصنع قديم للاسمنت في قرية العريج جنوب الموصل استخدمت المعدات الموجودة لانتاج قذائف الهاون والصواريخ. وفي مكان آخر حول مستودع سابق لتخزين الوقود الى مركز لانتاج العبوات المتفجرة. ولوضع اللمسات الاخيرة كان تنظيم داعش يضع شعاره على الاسلحة التي ينتجها.
وفي ساحة المعركة الاسلحة التي ينتجها تنظيم داعش الذي يضم في صفوفه اعضاء سابقين في القوات والمخابرات العراقية، اثبتت فعاليتها وتضاف الى تلك التي تم الاستيلاء عليها خصوصا في مخازن القوات النظامية. وقال بيفان "اليوم وفيما يضيق الخناق حول تنظيم داعش فان المعلومات التي يتم جمعها حول هذا الانتاج قد تسمح بمعرفة بشكل افضل التهديد الذي يمثله خارج الاراضي الواقعة تحت سيطرته والتصدي له. بحسب فرانس برس.
ومن فرنسا الى مصر مرورا ببلجيكا او تركيا شن التنظيم او جهات موالية له هجمات دامية في 2015 و2016. وفي كانون الاول/ديسمبر حذرت وكالة الشرطة الاوروبية (يوروبول) من ان الجهاديين قد يصيبون اهدافا في اوروبا بسيارات مفخخة. وقال بيفان "باتت سوريا والعراق مواقع لانتاج اسلحة اكثر تطورا لم يشهد لها مثيل اطلاقا". واضاف ان "تهديدها بات يمتد خارج هذه الاراضي لانه اذا طرد تنظيم داعش من الموصل ومن مناطق واسعة في سوريا فان مقاتليه سيتوزعون وبينهم صانعو القنابل".
طرق وحشية للتعذيب
من جانب اخر سكت عبد الرزاق جلال عن الكلام لبرهة وبدت عليه الصدمة لدى سؤاله عن كيفية تعذيب تنظيم داعش له في سجن بالموصل لإجباره على الإعتراف بأنه جاسوس. قال "لم أعترف مطلقا. كنت أعرف أن العقاب سيكون الموت." وألقى التنظيم المتشدد القبض على جلال (39 عاما) في قريته قرب الموصل في شمال العراق في وقت سابق هذا العام متهما إياه بالتجسس لصالح القوات الكردية.
وبعد ست ليال وسبعة أيام من الضرب وإساءة المعاملة والتهديد بالقتل يقول إن المتشددين تركوه يمضي لحال سبيله بعدما حكم القاضي أنه لا توجد أدلة كافية لإصدار حكم عليه. وكان جلال محظوظا أن نجا بحياته. فقد أعدمت داعش عشرات الأشخاص الذين اتهمتهم بالتجسس في الموصل في الأسابيع الأخيرة وحدها مع تقدم القوات العراقية المدعومة من الولايات المتحدة في الموصل معقل التنظيم.
وعلى الرغم من التئام الجروح الجسدية- حيث استعرض جلال صورا تعود لشهور على هاتفه لكدمات وجروح في جميع أنحاء جسمه- فالمحنة لا تزال محفورة في ذاكرته. وقال جلال "علقوني رأسا على عقب من قدمي وضربوني لساعتين. كان هذا في الليلة الأولى. و"استخدموا أسلاكا وعصيا خشبية وأحدهم- فقد كان هناك ثلاثة أو أربعة- ضربني بمسدس مرارا على رأسي." وأضاف أن المتشددين وجميعهم من مناطق محيطة بالموصل حاولوا حمله على الاعتراف بالتجسس لصالح قوات البشمركة الكردية.
وعندما رفض زادوا من انتهاكاتهم وتهديداتهم. وقال "في اليوم الثاني طرحوني أرضا على وجهي وقيدوا يدي خلف ظهري. أحدهم وقف على ساقي وآخر على رأسي وبدآ في رفع يدي. ظننت أن صدري سينكسر." وقبل محاكمته ألبسه المتشددون سترة برتقالية - وهي الملابس التي تقتل فيها داعش عادة ضحاياها - وأبلغوه أنه سيحكم عليه بالإعدام بقطع رأسه. وأضاف أن اثنين من نزلاء زنزانته الذين كان يزيد عددهم على 40 قتلا بهذه الطريقة بعدما اعترفا تحت الإكراه بتقديم معلومات لتوجيه ضربات جوية ضد مقاتلي داعش.
وقال جلال إنه لا يعرف لماذا ألقي القبض عليه. وكان عضوا محليا بحزب سياسي كردي لكنه أنكر التجسس. وأضاف في هدوء "كانوا يعرفون كل التفاصيل عني وعن عائلتي. لابد أنهم حصلوا عليها من مخبرين محليين في القرية." وكان جلال يشعر بخوف شديد من إلقاء القبض عليه مرة أخرى. فلدى عودته إلى الفضيلية بعد سجنه أبلغ القرويين أنه تلقى معاملة جيدة خشية أن ينقل جواسيس داعش كلامه إلى التنظيم. بحسب رويترز.
بالنسبة له فقد انتهت المحنة لكن آخرين في الفضيلية يشكون من أن أقارب لهم لا يزالون يعانون من مصير مشابه أو أسوأ. فقد ألقي القبض على عدين (25 عاما) شقيق عبد الإله جاسم عند نقطة تفتيش تابعة لداعش خارج القرية مباشرة منذ أكثر من عامين. ولم تصل عنه أي أنباء منذ ذلك الحين. وقال جاسم (45 عاما) الذي فقد شقيقه الآخر عام 1988 في الحرب العراقية الإيرانية "ذهبت إلى قسم للشرطة تابع لداعش. قالوا إن عدين قُتل لكنهم لم يقدموا لي دليلا - لا جثة ولا حتى أوراقا تقول إنه أعدم." وأضاف في إشارة إلى عدين "أنا على يقين أنه لا يزال حيا. كل يوم أسأل الناس في المنطقة عما إذا كانوا قد سمعوا شيئا جديدا. لا يوجد شيء حتى الآن."
اضف تعليق