شهدت مصر التي تعاني من تفاقم الأزمات السياسية والاقتصادية الداخلية، في السنوات الأخيرة تصاعد وتيرة اعمال العنف والعمليات الإرهابية التي ازدادت بشكل كبير بعد عزل الرئيس السابق محمد مرسي المنتمي الى جماعة الإخوان المسلمين، التي صنفها القانون المصري فيما بعد بأنها منظمة إرهابية، بعد ان دخلت في صراع مباشر مع الحكومة الحالية، وهو ما أسهم أيضا وبحسب بعض المراقبين بظهور بعض الجماعات المتطرفة ومنها تنظيم "أنصار بيت المقدس" في سيناء (شمال شرق)، وحركة "حسم" وغيرها من الحركات المتطرفة الاخرى، التي تتبنى أفكار تنظيم داعش الإرهابي. الذي اعلن مسؤوليته عن مجموعة من العمليات الإرهابية في مناطق مختلفة من مصر كان أخرها، تفجير كنيسة قبطية في القاهرة أسقط عشرات القتلى والجرحى. ويمثل المصريون الأقباط، أكبر تجمع للمسيحيين في منطقة الشرق الأوسط، وتشير تقديرات إلى أن عددهم يصل إلى 10 % من إجمالي عدد سكان البلاد، الذي يزيد على 90 مليون نسمة. وتعرض الأقباط على مدار العقود الماضية لأحداث عنف واعتداءات، استهدفت أشخاصا ممتلكات وكنائس، لأسباب مختلفة بعضها عقائدي والآخر جراء خلافات حول بناء الكنائس ومعاملات تجارية وكذلك علاقات عاطفية مع مسلمين.
هذا الهجوم الإرهابي ربما سيثير أيضا أزمة جديدة بين مصر وبعض ودول الخليج العربي، خصوصا بعد ان وجهت مصر اتهاماً صريحاً الى قطر، بدعم وتمويل هذه الحركات الإرهابية وخصوصا جماعة الإخوان المسلمين، التي تستخدمها قطر لتهديد الأمن والاستقرار و التآمر من أجل إسقاط أنظمة الحكم. والدعم القطري للإخوان كما تنقل بعض المصادر دعم مفتوح، يقضي بمصاحبة الإخوان إلى حين الفوز في الانتخابات داخل البلدان التي تعتمد صناديق الاقتراع قاعدة للتداول على الحكم، أو دعمهم بالسلاح في البلدان التي يقتضي تغيير الأنظمة فيها عملا عسكريا حاسما كما حدث في ليبيا ويحدث في سوريا. وفي الوقت الذي تستضيف فيه قناة الجزيرة القطرية الشيخ يوسف القرضاوي، الذي يعتبر الزعيم الروحي العالمي لتيار الإخوان، ليقدم فتاوى في قضايا الدين والسياسة وثورات الربيع العربي وغيرها من الفتوى التحريضية الأخرى.
اتهامات مصرية
وفي هذا الشأن اتهمت وزارة الداخلية المصرية قادة جماعة الإخوان المسلمين المقيمين في قطر بتدريب وتمويل منفذي التفجير الانتحاري الذي استهدف كنيسة في القاهرة، وأوقع 25 قتيلا، وذلك بهدف "إثارة أزمة طائفية واسعة" في البلاد. وكان الرئيس عبد الفتاح السيسي كشف في كلمة مقتضبة ألقاها أثناء مشاركته في تشييع جثامين الضحايا أن مرتكب الاعتداء "محمود شفيق محمد مصطفى، يبلغ من العمر 22 عاما، وفجر نفسه بحزام ناسف" في الكنيسة الملاصقة لكاتدرائية الأقباط الأرثوذكس، التي تشكل مقرا لبابا الأقباط في وسط العاصمة المصرية.
وأكدت وزارة الداخلية في بيان أن الانتحاري، واسمه الحركي "أبو دجانة الكناني"، سبق وأن اعتقل في مطلع 2014 بتهمة تأمين مسيرات للإخوان المسلمين باستخدام سلاح ناري، قبل أن يخلى سبيله بعد شهرين تقريبا. ولاحقا حاولت السلطات القبض عليه مجددا للتحقيق معه في قضيتين أخريين تعودان للعام 2015 ومرتبطتين بجماعات تكفيرية، لكنه توارى عن الأنظار.
كما أكدت الوزارة في بيانها أن "نتائج المضاهاة للبصمة الوراثية لأسرة المذكور (دي إن إيه) مع الأشلاء المشتبه فيها والتي عثر عليها بمكان الحادث أسفرت عن تطابقها". وعثر المحققون في مخبأ تابع للانتحاري وشركائه على "عدد 2 حزام ناسف معد للتفجير وكمية من الأدوات والمواد المستخدمة في تصنيع العبوات المتفجرة". وأضاف البيان أن قوات الأمن اعتقلت في هذا المخبأ كلا من رامي عبد الغني (33 عاما) المتهم بأنه "المسؤول عن إيواء انتحاري العملية وتجهيزه وإخفاء المواد المتفجرة والأحزمة الناسفة"، ومحمد عبد الغني (37 عاما) المتهم بتوفير "الدعم اللوجستي وتوفير أماكن اللقاءات التنظيمية لعناصر التحرك"، ومحسن قاسم (34 عاما) وهو شقيق قائد المجموعة الملقب بالدكتور والمتواري عن الأنظار، وتهمته بحسب الوزارة هي "نقل التكليفات التنظيمية بين شقيقه وعناصر التنظيم والمشاركة فى التخطيط لتنفيذ عملياتهم العدائية".
كما اعتقلت السلطات إضافة إلى الرجال الثلاثة، امرأة تدعى علا حسين محمد علي (31 عاما) وهي زوجة رامي عبد الغني ومتهمة بـ"الترويج للأفكار التكفيرية من خلال وسائل التواصل الاجتماعي ومساعدة زوجها في تغطية تواصلاته على شبكة المعلومات الدولية". أما المتهم الرئيسي في هذه الشبكة، والذي لا يزال فارا، فهو بحسب الوزارة "مهاب مصطفى السيد قاسم (30 عاما)، وهو طبيب واسمه الحركي الدكتور" وقد ثبت "اعتناقه الأفكار التكفيرية للإخواني المعدم سيد قطب، وارتباطه في مرحلة لاحقة ببعض معتنقي مفاهيم ما يسمى بتنظيم أنصار بيت المقدس".
وأضاف البيان أن التحقيقات أكدت "سفره إلى دولة قطر خلال عام 2015، وارتباطه الوطيد هناك ببعض قيادات جماعة الإخوان الإرهابية الهاربة، الذين تمكنوا من احتوائه وإقناعه بالعمل بمخططاتهم الإرهابية، وإعادة دفعه للبلاد لتنفيذ عمليات إرهابية بدعم مالي ولوجستي كامل من الجماعة في إطار زعزعة استقرار البلاد وإثارة الفتن وشق الصف الوطني". كما أكد البيان أنه "عقب عودته (الدكتور) للبلاد، اضطلع وفق التكليفات الصادرة إليه بالتردد على محافظة شمال سيناء وتواصله مع بعض الكوادر الإرهابية الهاربة هناك، حيث قاموا بتنظيم دورات تدريبية له على استخدام السلاح وتصنيع العبوات التفجيرية لفترة أعقبها عودته لمحل إقامته" في القاهرة.
كما أكدت تحقيقات الوزارة أن المتهم بقي على "تواصل مع قيادات الجماعة الإرهابية بقطر، وتم تكليفه عقب مقتل القيادي الإخواني محمد محمد كمال بالبدء في الإعداد والتخطيط لعمليات إرهابية تستهدف الأقباط، بهدف إثارة أزمة طائفية واسعة خلال الفترة المقبلة دون الإعلان عن صلة الجماعة بها". وأضافت الوزارة أن قوات الأمن رصدت "إصدار ما يطلق عليه المجلس الثوري المصري، أحد الأذرع السياسية للجماعة الإرهابية بالخارج، بيانا يتوعد قيادة الكنيسة الأرثوذكسية بسبب دعمها للدولة"، مشيرة إلى أن "الدكتور" اضطلع "بتشكيل مجموعة من العناصر المتوافقة معه فكريا (...) وأعد لهم دورات تدريبية بأحد الأوكار بمنطقة الزيتون بمحافظة القاهرة استعدادا لتنفيذ بعض العمليات الإرهابية". بحسب فرانس برس.
ووقع التفجير داخل الكنيسة خلال قداس وهو الأكثر دموية ضد الأقباط في مصر منذ اعتداء كنيسة القديسين في الإسكندرية في ليلة رأس السنة الميلادية عام 2011 والذي أوقع 21 قتيلا. وواجه الأقباط الذين يشكلون 10% من عدد سكان مصر البالغ 90 مليون نسمة، تمييزا أثناء السنوات الثلاثين لحكم الرئيس الأسبق حسني مبارك، الذي أطاحته ثورة كانون الثاني/يناير 2011. وتعرضوا لاعتداءات عدة خلال السنوات الأخيرة.
نفي واستنكار
على صعيد متصل نفت قطر أي تورط لها في الهجوم الذي استهدف الكنيسة البطرسية الملاصقة لكاتدرائية الأقباط الأرثوذوكس في القاهرة واتهمت السلطات المصرية بالسعي إلى "الزج باسم دولة قطر" في "اعتداء إرهابي مدان ومستنكر"، وفق بيان نشرته وكالة الأنباء القطرية. وأعربت وزارة الخارجية بدولة قطر عن "شجبها واستنكارها الشديدين للعمل الإرهابي"، مؤكدة على "موقف دولة قطر الثابت قيادة وحكومة وشعبا على رفض هذه الأعمال الإرهابية مهما كانت دوافعها ومبرراتها". ونفت جماعة الإخوان المسلمين ضلوعها في الاعتداء الذي تبناه تنظيم داعش.
وتابع بيان الخارجية أن "العلاقات الأخوية التي تربط الشعب القطري بالشعب المصري الشقيق ستظل راسخة دون أن تهتز بسبب أية ادعاءات عارية لا سند لها". وأضاف "تعرب وزارة الخارجية عن استنكارها ورفضها الكامل الزج باسم دولة قطر والادعاء المغرض بشأن هذا العمل الإرهابي المدان والمستنكر بذريعة قيام المشتبه به المدعو مهاب مصطفى بزيارة دولة قطر عام 2015".
وقال السفير أحمد الرميحي مدير المكتب الإعلامي بوزارة الخارجية "إن مثل هذه التصريحات بالزج باسم دولة قطر تحت أي ذريعة من الذرائع بهدف تغطية أي قصور لدى السلطات المختصة في جمهورية مصر العربية، تؤجج المشاعر الإنسانية بين الشعوب الشقيقة ولا تساعد على ترسيخ وشائج الروابط والعلاقات الأخوية بين الدول الشقيقة". وأوضح الرميحي "أن واقعة دخول المشتبه به إلى دولة قطر قد تمت بتاريخ 3-12-2015، وأن المدعو مهاب غادر قطر عائدا إلى القاهرة بعد انتهاء مدة الزيارة بتاريخ 1-2-2016" مؤكدا "أن السلطات القطرية لم تتلق أي طلبات من السلطات المصرية الأمنية أو من الشرطة الجنائية العربية أو الدولية تحول دون السماح للمذكور بدخول دولة قطر أو القبض عليه". وكانت العلاقات بين مصر وقطر تدهورت بعد عزل الجيش للرئيس الإسلامي محمد مرسي في تموز/يوليو 2013.
من جانب اخر ابدى مجلس التعاون الخليجي "انزعاجه" و"رفضه" الزج باسم قطر في اعتداء على كنيسة قبطية في القاهرة، وعبر الامين العام للمجلس عبد اللطيف الزياني في بيان نشر "عن انزعاج دول مجلس التعاون من الزج باسم دولة قطر، الدولة العضو في مجلس التعاون، في تفاصيل هذه الجريمة البشعة، باعتباره أمرا مرفوضا". بحسب فرانس برس.
واضاف "أن التسرع في إطلاق التصريحات دون التأكد منها يؤثر على صفاء العلاقات المتينة بين مجلس التعاون وجمهورية مصر العربية" مؤكدا "ضرورة التواصل في مثل هذه القضايا الامنية وفق القنوات الرسمية لتحري الدقة، قبل نشر بيانات أو تصريحات تتصل بالجرائم الارهابية، لما في ذلك من ضرر على العلاقات العربية - العربية". ويضم مجلس التعاون الخليجي السعودية والامارات وسلطنة عمان والكويت وقطر والبحرين. وكانت قطر نفت اي صلة بالاعتداء الدامي في القاهرة.
استهداف الشرطة
الى جانب ذلك قالت وزارة الداخلية المصرية إن ستة من رجال الشرطة بينهم ضابطان قتلوا وأصيب ثلاثة آخرون في انفجار وقع بمحافظة الجيزة المجاورة للقاهرة. وأعلنت حركة إسلامية متشددة تطلق على نفسها اسم حركة سواعد مصر (حسم) مسؤوليتها عن الهجوم في بيان نشر على الإنترنت بعنوان "بلاغ عسكري رقم 8" في إشارة إلى هجمات سابقة أعلنت مسؤوليتها عنها.
وتقول وزارة الداخلية إن حسم جناح مسلح لجماعة الإخوان المسلمين التي حكمت مصر بعد انتفاضة 2011 والمحظورة حاليا. وقالت وزارة الداخلية في بيان بصفحتها على فيسبوك إن الأجهزة الأمنية تكثف جهودها للوقوف على ملابسات الهجوم الذي استهدف نقطة تفتيش أمنية في شارع الأهرام المؤدي إلى أهرامات الجيزة. وكانت مصادر أمنية قالت إن الانفجار أصاب سيارة شرطة وأوقع أيضا أربعة مصابين من المواطنين جروحهم طفيفة. وينشط في مصر إسلاميون متشددون يمثلون تحديا أمنيا للحكومة.
وقالت المصادر إن بعض رجال الشرطة كانوا في إحدى سيارتي شرطة في المكان بينما كان البعض الآخر خارجها عندما انفجرت العبوة الناسفة التي كانت في صندوق قمامة قريب من السيارة أو خارجه. وقال شاهد العيان أحمد الديب إنه وآخرين كانوا يقفون على مسافة تصل إلى 150 مترا من مكان الانفجار. وأضاف "بنبص لقينا مش شايفين حاجة قدامنا. من الأرض لحد السما تراب. مش باين حاجة خالص." ومضى قائلا "جينا (إلى مكان الانفجار بعد توافر إمكانية الرؤية)... قابلنا اتنين عساكر.. لقينا واحد فيه شظية هنا في قلبه وفيه واحد تاني بين الحياة والموت... أول ما دخلنا (أكثر) بصينا لقينا فيه عسكري واقع جنب العربية مرمي في الأرض بس فيه الحياة يعني عايش." وتابع "بين العربيتين فيه عسكري ميت.. ورا العربيتين فيه ضابط رجله مقطوعة وعسكري جنبيه (بجواره) رجله مقطوعة."
والهجوم هو الأحدث في سلسلة هجمات وقع معظمها في محافظة شمال سيناء التي ينشط فيها إسلاميون متشددون موالون لتنظيم داعش. وكانت قوات الأمن في محافظة أسيوط بجنوب البلاد قد قتلت ثلاثة مسلحين في مداهمة لمخبأ كان يستخدمه من قالت وزارة الداخلية إنهم أعضاء في حسم. وأعلنت حسم مسؤوليتها في سبتمبر أيلول عن محاولة اغتيال النائب العام المساعد. وقال بيان الحركة إن ما سماها "فرقة المتفجرات المركزية" بالحركة نفذت الهجوم باستخدام عبوة ناسفة شديدة الانفجار. بحسب رويترز.
وأطلق متشددون النار على ضابط كبير في الجيش قرب منزله بشمال سيناء في الرابع من نوفمبر تشرين الثاني وأردوه قتيلا وأعلن التنظيم مسؤوليته عن الهجوم. وكان القتيل ثاني ضابط كبير بالجيش يقتل بالرصاص قرب منزله في عضون أسبوعين. وقتل مئات من رجال الجيش والشرطة في هجمات بشمال سيناء في السنوات الثلاث الماضية. وكان المتشددون في المحافظة قليلة السكان قد كثفوا هجماتهم بعد عزل الرئيس السابق محمد مرسي المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين في منتصف 2013 إثر احتجاجات حاشدة على حكمه الذي استمر عاما.
محاكمة عسكرية
على صعيد متصل اصدرت محكمة عسكرية مصرية احكاما بالسجن تراوح بين عام واحد و25 عاما على 305 اسلاميين دينوا بالتحريض والمشاركة في اعمال عنف وقعت في مدينة الاسماعيلية عام 2013، بحسب احد اعضاء هيئة الدفاع عن المتهمين. وقال المحامي عبد المنعم عبد المقصود ان المحكمة العسكرية في الاسماعيلية "قضت بحبس 305 متهمين لمدد تراوح بين 25 عاما وسنة واحدة وبرأت 6 متهمين".
وردا على سؤال قال المتحدث الرسمي باسم القوات المسلحة العميد احمد سمير انه " لا يستطيع تأكيد هذه المعلومات على الفور". واضاف عبد المقصود ان المحكمة عاقبت المرشد العام لجماعة الاخوان المسلمين محمد بديع و3 من قيادييها هم محمد البلتاجي وصفوت حجازي ومحمد وهدان بالحبس 10 سنوات لكل منهم بعدما دانتهم ب "التحريض على اعمال العنف" التي وقعت في الاسماعيلية (على قناة السويس).
وتم خلال تلك الاعمال، بحسب قرار الاتهام، اقتحام مجمع محاكم المدينة واضرام النيران فيه يوم 14 اب/اغسطس 2013 تزامنا مع فض قوات الشرطة والجيش اعتصامي انصار الرئيس الاسلامي السابق محمد مرسي في القاهرة ما اسفر عن مقتل اكثر من 700 من انصاره. وتابع المحامي ان المحكمة قضت بحبس "83 متهما 25 عاما و205 متهمين 15 عاما ومتهمين اثنين 5 سنوات و8 متهمين 3 سنوات ومتهمين اثنين سنتين ومتهم واحد سنة". بحسب فرانس برس.
وفي تشرين الاول/اكتوبر 2014 صدر قرار جمهوري قضى باحالة المتهمين في قضايا تتعلق بالاعتداء على منشآت عامة على القضاء العسكري. واحيل الاف الاسلاميين على المحاكمة منذ اطاحة مرسي في تموز/يوليو 2013 وصدرت احكام غير نهائية بالاعدام بحق مئات من بينهم مرسي نفسه.
اضف تعليق