ما تزال الولايات المتحدة الأمريكية احدى أهم أهداف الجماعات الارهابية المتشددة المنتشرة في العديد من دول العالم، منها تنظيم داعش الارهابي الذي نجح في السنوات الاخيرة بتجنيد المئات من الشباب داخل وخارج أمريكا، ويرى بعض المراقبين ان تنظيم داعش الارهابي الذي تكبد خسائر كبيرة في سوريا والعراق، سيسعى الى الاستفادة من الخطاب العنصري لبعض الاحزاب والشخصيات المتطرفة، ومنها الرئيس الامريكي الجديد دونالد ترامب الذي فجّر عاصفة من الغضب اثناء حملته الانتخابية، بعد ان طالب بمنع المسلمين من دخول الولايات المتحدة، التي تعد وبحسب بعض المصادر، موطنًا لأكبر تنوع عرقي للدين الإسلامي في العالم، فهي تحتوي على ما يُقارب 27 مليون مسلم من مختلف الأعراق والألوان، وهو ما قد يُمكن تنظيم داعش الارهابي من تجنيد اعداد إضافية من الأفراد والكيانات التي تدعم توجهات وخطط هذا التنظيم الارهابي.
وفي وقت سابق حذر مدير الاستخبارات الوطنية الأمريكية جيمس كلابر من أن متطرفي الداخل يشكلون أكبر تهديد ارهابي للولايات المتحدة، وكان هذا التصريح خلال تقديم تقريره السنوي "تقييم أجهزة الاستخبارات للتهديد العالمي". وقال كلابر أن التهديد العالمي الذي يشكله تنظيم "داعش" لا يزال يتزايد مؤكدا أن متطرفي الداخل يشكلون "أكبر تهديد إرهابي سني"، واكد في حديث اخر ان تنظيم داعش، سيظل مصدر التهديد الإرهابي "المهيمن" على الولايات المتحدة حتى بعد أن تزول ما وصفها "دولة الخلافة" التي أعلن المتشددون إقامتها في العراق وسوريا.
دعوة للتجنيد
وفي هذا الشأن يعتزم الجهاديون أن يستغلوا فوز دونالد ترامب الصادم في الانتخابات الرئاسية الأمريكية كأداة دعاية لتجنيد مقاتلين جدد. ويقول قادة من حركة طالبان وأنصار تنظيم داعش إن خطاب ترامب ضد المسلمين الذي كان جزءا من حملته الانتخابية - والذي دعا فيه عند مرحلة ما لمنع المسلمين بالكامل من دخول الولايات المتحدة - سيساهم بشكل مثالي في تعزيز مساعيهم للتجنيد ولاسيما بين الشباب الساخط في الغرب.
وقال أبو عمر خرساني وهو قيادي كبير لتنظيم داعش "هذا الرجل مجنون تماما. كراهيته المطلقة للمسلمين ستسهل علينا مهمتنا لأننا نستطيع تجنيد الآلاف." واتخذ ترامب موقفا صارما من الجماعات المتشددة في حملته ووعد بهزيمة "الإرهاب الإسلامي المتطرف مثلما فزنا في الحرب الباردة." وخفف الرئيس المنتخب لاحقا من حدة دعوته لمنع دخول المسلمين بالكامل إلى البلاد ليقول إنه سيعلق بشكل مؤقت الهجرة من دول "لها تاريخ في تصدير الإرهاب".
لكنه لم يقدم تفاصيل كثيرة بشأن خططه لمحاربة العديد من الجماعات المتطرفة بما في ذلك تنظيم الدولة الإسلامية وحركة طالبان وتنظيم القاعدة والتي تمثل طيفا واسعا من الآراء السياسية. وشهدت الولايات المتحدة عددا من الهجمات المستوحاة من جماعات إسلامية متشددة بما في ذلك مذبحة في يونيو حزيران قتل خلالها 49 شخصا في ملهى ليلي بمدينة أورلاندو وكانت من تنفيذ مسلح اتصل بمحطة تلفزيونية ليبايع تنظيم داعش بالإضافة لقتل 14 شخصا في وكالة للخدمات الاجتماعية بمدينة سان برناردينو في كاليفورنيا في ديسمبر كانون الأول الماضي.
وحذر مسؤولون أمريكيون من أن البلاد ستواجه على الأرجح خطرا أكبر بشن هجمات مماثلة فيما يحث تنظيم داعش أنصاره على شن هجمات في الداخل بدلا من الانضمام لمعركته في الشرق الأوسط. وقال خرساني "زعماؤنا كانوا يتابعون الانتخابات الأمريكية باهتمام لكن لم يكن متوقعا أن يحفر الأمريكيون قبورهم بأيديهم وقد فعلوا." ووصف خرساني الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته باراك أوباما بأنه "كافر معتدل" يتمتع بشيء من المنطق مقارنة بترامب.
ولم يعقب تنظيم القاعدة - الذي أثبت أنه قادر على الصمود بعد أكثر من 15 عاما من شن هجمات 11 سبتمبر أيلول على نيويورك ووزارة الدفاع (البنتاجون) - على فوز ترامب في الانتخابات. وقال هاشم الهاشمي الذي يقدم المشورة للحكومة العراقية بشأن الحركات السنية الجهادية إن من المرجح أن يعقب التنظيم المتشدد بعد أول خطاب لترامب عقب تنصيبه ليتمكن من استغلال تصريحاته لنيل التأييد. وقال "القاعدة معروفة باستراتيجيتها للتجنيد والتي تقتبس بقوة من خطابات البيت الأبيض وخطابات مسؤولين غربيين آخرين."
وحتى إذا خفف ترامب من حدة لهجته ضد المسلمين عندما يتولى منصبه في يناير كانون الثاني فإن محللين يقولون إن تصريحاته خلال الحملة الانتخابية كافية لتأجيج آلة الدعاية لدى المتشددين. وقال ماثيو هينمان مدير مركز (أي.إتش.إس جين) لشؤون الإرهاب والتطرف "سيستخدم المتشددون هذه الاقتباسات". وتابع قوله "الشيء الأساسي الذي تعول عليه الجماعات المتشددة ولاسيما داعش والقاعدة بهدف التجنيد هو إقناع المسلمين في العالم الغربي بأن الغرب يكرههم ولن يقبلهم قط جزءا من مجتمعاته."
وذكر قيادي كبير في طالبان أن الحركة التي يعطل صعودها من جديد مساع لإنهاء أطول حرب خاضتها الولايات المتحدة تحتفظ بكل خطابات ترامب وتصريحاته ضد المسلمين. وقال القيادي المتشدد الذي طلب عدم نشر اسمه بسبب سياسة طالبان الصارمة التي تنص على أن المتحدث الرسمي باسمها فقط هو الذي يستطيع الإدلاء بتصريحات "إذا قام بما حذر منه في حملته الانتخابية فأنا على ثقة أن هذا سيستفز أمة المسلمين في جميع أنحاء العالم والمنظمات الإسلامية قد تستغل ذلك." بحسب رويترز.
وبعد انتصار ترامب بفترة قصيرة استخدم عدد من المتعاطفين مع الجهاديين وسائل التواصل الاجتماعي لإعلان أن فوزه فرصة للنهوض بقضيتهم. وكتب مستخدم يكتب الكثير من التغريدات المؤيدة للدولة الإسلامية "فوز الكلب ترامب في الانتخابات الأمريكية مغنم للمسلمين لا مغرم عليهم لو عرفوا كيف يستثمرونه." وفي الجزائر كتب أحد أنصار داعش واسمه على تويتر محمد الجزائري "مبروك على الأمة الإسلامية فوز السفيه ترامب. تصريحاته الغبية وحدها تخدمنا."
من جانب اخر اصدرت وزارة الخارجية الاميركية تحذير سفر لرعاياها قبيل فترة اعياد رأس السنة ونبهت الاميركيين الى "مخاطر مرتفعة بوقوع هجمات ارهابية في مختلف انحاء اوروبا". وقالت الوزارة في تحذير تنتهي مدته في 20 شباط/فبراير ان على المواطنين الاميركيين "توخي الحذر في احتفالات الاعياد والمناسبات الاخرى والاسواق التي تقام في الهواء الطلق". واضافت ان جماعات متطرفة "لا تزال تخطط لهجمات ارهابية في اوروبا مع التركيز على فترة الاعياد المقبلة والمناسبات المرتبطة بها". وتابعت الخارجية الاميركية "على المواطنين الاميركيين ان يكونوا متيقظين لاحتمال شن مناصرين للمتطرفين او متشددين انتقلوا الى التطرف هجمات خلال هذه الفترة بدون سابق انذار". ولم تعط تفاصيل اضافية. وكان تنظيم داعش اعلن مسؤوليته عن سلسلة هجمات ارهابية في فرنسا وبلجيكا منذ كانون الثاني/يناير 2015 خلفت اكثر من 250 قتيلا ومئات الجرحى.
هجوم ارهابي
على صعيد متصل كشفت شبكة إخبارية أمريكية، أن منفذ عملية دهس وطعن عدد من طلاب جامعة في ولاية "أوهايو"، شمال شرقي الولايات المتحدة، لاجئ صومالي يبلغ من العمر (18 عاما). ونقلت شبكة "إن بي سي" الأمريكية عن مصادر أمنية خاصة (لم تسمها)، أن "منفذ حادثة دهس وطعن طلاب في جامعة (أوهايو)، لاجئ صومالي يدعى (علي ارتان)، مقيم بشكل دائم في الولايات المتحدة، يبلغ من العمر (18 عاما)، وطالب في ذات الجامعة". وفي وقت سابق، قال مدير شرطة الحرم الجامعي، كريغ ستون، في مؤتمر صحفي متلفز، إن الحادث الذي وقع في الجامعة "متعمد"، نافيا معرفته بدافع الجريمة.
وأضاف "ستون": "كان ضباطنا موجودون في موقع الحادث وخلال أقل من دقيقة أنهوا التهديد، بعد أن اشتبكوا (لم يحدد إن كان الاشتباك مسلاحا أو بالإيدي) مع المنفذ وأردوه قتيلا". من جانبها، قالت مديرة شرطة مدينة كولومبوس، كيم جاكوبس، حيث وقعت العملية، إن الحادث "قد يكون عملا إرهابياً". وتعرض عدد من طلاب جامعة أوهايو إلى حادث دهس بسيارة تلاه تنفيذ السائق لعمليات طعن عشوائي "بسكين" استهدفت عدد من الطلاب، ما أدى إلى إعلان حالة الطوارئ داخل الجامعة، وإغلاق عدد من طرقاتها، وإلغاء الدروس فيها. وتسبب الحادث في جرح 9 أشخاص، تم نقلهم إلى مستشفيات قريبة، دون أن يكون بينهم إصابات خطيرة، بحسب تصريح لمايكل دريك، رئيس جامعة "أوهايو".
احكام قضائية
الى جانب ذلك قالت وزارة العدل الأمريكية إن ثلاثة أمريكيين من أصل صومالي في مينيسوتا حكم عليهم بالسجن بتهم التآمر لتقديم الدعم لتنظيم داعش. وكان الرجال الثلاثة ضمن مجموعة أكبر تضم تسعة أمريكيين من أصل صومالي في مينيسوتا يمثلون للمحاكمة بتهم محاولة دعم داعش. واجتذب التنظيم المتشدد متعاطفين وعناصر من مختلف أنحاء العالم نفذوا عمليات إطلاق نار وتفجيرات استهدفت المدنيين. وقالت وزارة العدل إن حمزة أحمد (21 عاما) حكم عليه بالسجن 15 عاما.
وفي نوفمبر تشرين الثاني 2014 أوقفت السلطات أحمد في مطار جون كنيدي الدولي في نيويورك بينما كان يسعى للسفر إلى تركيا. وأدين أحمد في فبراير شباط 2015 بتهم التآمر لتقديم الدعم داعش والكذب على ضباط اتحاديين. وفي أبريل نيسان أقر أحمد بأنه مذنب. ونقلت صحيفة منيابوليس ستار تريبيون عن أحمد قوله في المحكمة "أريدكم أن تدركوا أنني تغيرت تماما. أنا أمر بعملية تغيير لكن لا أحد يتغير بين عشية وضحاها. أنا أحاول كل يوم."
وبعد جلسة الحكم على أحمد حكم على هناد مصطفى موسى (21 عاما) بالسجن عشر سنوات. واتهم ممثلو الادعاء موسى بمحاولة مغادرة الولايات المتحدة مرتين للانضمام للتنظيم الأولى كانت في نوفمبر تشرين الثاني 2014 في نيويورك والثانية في أبريل نيسان 2015 عندما ألقي القبض عليه في مينيسوتا. وأقر بأنه مذنب في تهم محاولة دعم داعش في سبتمبر أيلول 2015. بحسب رويترز.
وحكم على عدنان فرح (20 عاما) بالسجن عشر سنوات. وقضت المحكمة أيضا بخضوع الثلاثة للمراقبة لمدة 20 عاما. واعتقل فرح في أبريل نيسان 2015 وأقر بالذنب بعد عام. وقال ريتشارد ثورنتون من مكتب التحقيقات الاتحادي "الأحكام الصادرة تعكس خطورة جرائم المتهمين... خيانة الوطن والسفر للخارج والانضمام في نهاية المطاف لمنظمة إرهابية تقتل الأبرياء." وأضاف "نأمل في أن تكون هذه الأحكام رسالة قوية مفادها أن أولئك الذين يدعمون الإرهاب سيواجهون العدالة."
القائمة السوداء
في السياق ذاته أدرجت الولايات المتحدة على قائمتها السوداء لـ"الارهابيين الاجانب" فرنسيا مغربيا من تنظيم داعش، على صلة باعتداءات باريس في تشرين الثاني/نوفمبر 2015 وبروكسل في اذار/مارس 2016. واعلنت وزارة الخارجية الاميركية إدراج "عبد الاله حميش، المعروف ايضا بكنية ابو سليمان الفرنسي" على قائمتها السوداء، مشيرة الى انه "مقاتل ارهابي اجنبي وقيادي في العمليات الخارجية (...) لتنظيم داعش". ويخضع الأشخاص المدرجون على قائمة الارهاب لعقوبات مالية وقانونية.
من جهتها، اوضحت وزارة الخزانة الاميركية المكلفة تطبيق هذه العقوبات بحق الافراد المعنيين (تجميد اصول ومنع اي اميركي من القيام باي تعاملات معهم) ان عبد الاله حميش ولد في تشرين الثاني/نوفمبر 1989 في المغرب وهو يحمل الجنسية الفرنسية. واكد مصدر قضائي فرنسي ان حميش يحمل الجنسيتين الفرنسية والمغربية. ويفيد المركز الفرنسي لتحليل الارهاب ان حميش "مغربي في السادسة والعشرين عاش في فرنسا لعشرة اعوام (وتحديدا) في لونيل (جنوب البلاد) قبل ان يغادر الى سوريا في شباط/فبراير 2014".
وتعتبر الخارجية الاميركية انه شكل لحساب تنظيم داعش "خلية من المقاتلين الاجانب الاوروبيين امنت منفذي هجمات في العراق وسوريا والخارج"، لافتة الى ان مجموعته "ضمت في مرحلة معينة ما يصل الى 300 عنصر". وترى واشنطن ايضا ان الفرنسي "ضالع بحسب معلومات في التخطيط لاعتداءات تشرين الثاني/نوفمبر 2015 في باريس واذار/مارس 2016 في بروكسل". بحسب فرانس برس.
وادرجت الخارجية الاميركية على القائمة السوداء نفسها ل"الارهابيين الاجانب" عبدالله احمد المشهداني، وهو عراقي ينتمي الى تنظيم الدولة الاسلامية مكلف استقبال "مقاتلين ارهابيين اجانب" و"نقل مرشحين لتنفيذ اعتداءات انتحارية"، اضافة الى باسل حسن المتهم بانه اطلق النار في شباط/فبراير 2013 على الصحافي الدنماركي لارس هيديغارد.
اضف تعليق