تواجه باكستان كغيرها من الدول الاخرى، من تنامي خطر الجماعات المتشددة، وخصوصا تنظيم داعش الارهابي، الذي سعى في الفترة الأخيرة بعد أن مني بهزائم فادحة في سوريا والعراق ، الى استقطاب مقاتلي طالبان وباقي التنظيمات الإرهابية الأخرى في أفغانستان وباكستان، حيث حذرت بعض الجهات وجود داعش وتنامي قوته في هذه المنطقة، التي تعاني من وجود وانتشار الجماعات المتطرفة وفرع تنظيم القاعدة. وسبق أن اعتبر عدد من الساسة الباكستانيين وكما نقلت بعض المصادر، أنّ وجود داعش في باكستان أخطر من طالبان ومن الجماعات المسلّحة التي تنشط في البلاد منذ أعوام. وترفض الحكومة الباكستانية، التي أمرت أجهزة أمنها، حسب تسريبات صحافية، بجمع المعلومات حول وجود التنظيم، الاعتراف رسمياً بأنّ لـ "داعش" كياناً حقيقياً في البلاد. ويؤكّد وزير الداخلية شودري نثار أنّه "لا وجود لأي كيان لداعش في باكستان، ووجود بعض المتعاطفين معه لا يعني وجود التنظيم في بلادنا".
ويستبعد الجيش الباكستاني بدوره أن يشكل داعش أي تهديد لباكستان، في وقت يشير المتحدث باسمه الجنرال عاصم باجوا إلى أنّ "هناك جماعات مسلحة نسبت نفسها إلى داعش في الآونة الأخيرة، لكن ذلك لا يعني أن هناك وجوداً له في باكستان. وعلى الرغم من نفي الحكومة والجيش، لكن ثمة مؤشرات تنذر بوجود داعش في هذا البلد، وتشير الى أنه يعمل حالياً على تشكيل كيان تابع له، لا في باكستان وحدها بل في المنطقة كلها. ومن هذه المؤشّرات، رسالة وجّهتها الحكومة المحلية في إقليم بلوشستان إلى الداخلية الباكستانيّة، وسرّبتها وسائل الإعلام.
وتؤكد الرسالة أنّ داعش بدأ ينظّم صفوفه في باكستان، وشكّل لجنة من عشرة أشخاص، موضحة أن العديد من مقاتلي الجماعات المسلحة انضموا إلى التنظيم في المقاطعات القبليّة الباكستانيّة. من جهته، يحذر وزير الداخلية السابق رحمن ملك من أنّ "داعش" يجنّد الباكستانيين من دول أوروبية وغربيّة، كأستراليا وألمانيا وغيرهما، معرباً عن خشيته من إرسال هؤلاء إلى باكستان واستخدامهم في تنظيم صفوفه، مشدداً على أن لديه أدلة تثبت وجود "داعش" في باكستان على الرغم من إنكار الحكومة.
وفي السياق ذاته، يعتبر زعيم "الحركة القوميّة المتحدة" إلطاف حسين، أنّ وجود "داعش" في باكستان أمر لا يمكن إنكاره، وعلى الحكومة الباكستانيّة أن ترسم خطة، وتوحّد صفوف القوى السياسيّة والدينيّة لمواجهة هذا الخطر. وأكدت وسائل إعلام باكستانية في وقت سابق، ان تنظيم داعش شكل فرعاً له في المنطقة، سماه فرع خراسان، الذي يشمل باكستان وأفغانستان ومناطق من الهند وإيران ودول آسيا الوسطى.
هجوم جديد
وفي هذا الشأن يقول محللون إن ثاني هجوم قاتل تعلن قيادة تنظيم داعش الاهابية مسؤوليتها عنه في باكستان يسلط الضوء على صعود سريع للتنظيم من خلال مشاركة جماعات طائفية محلية وذلك رغم أن مسؤولا نفى أن للتنظيم وجودا في باكستان. فقد أعلنت نشرة إخبارية باللغة العربية يصدرها التنظيم في الشرق الأوسط المسؤولية عن تفجير مزار إسلامي أسفر عن مقتل 52 شخصا وإصابة العشرات في إقليم بلوخستان بجنوب غرب باكستان.
وقع الانفجار في ضريح شاه نوراني بمنطقة نائية تبعد حوالي 100 كيلومتر شمالي مدينة كراتشي أثناء وجود المئات داخله. وجاء هذا التفجير في أعقاب هجوم على أكاديمية للشرطة في 24 أكتوبر تشرين الأول في الإقليم نفسه أعلن التنظيم المسؤولية عنه بالمشاركة مع فصيل عسكر جنجوي العالمي. ولم يعلن الفصيل مشاركته المباشرة في الهجوم الأخير لكن متحدثا باسمه أكد أنهم يتعاونون مع قيادة تنظيم داعش وحركات متشددة أخرى.
وقال المتحدث علي بن سفيان "حاليا في باكستان وخاصة في المدن وقتما تقع أي هجمات يتعاون عسكر جنجوي العالمي معهم سواء بشكل مباشر أو غير مباشر." ويعد استخدام وكلاء محليين من المسلحين المتشددين شكلا متفردا لدخول التنظيم إلى باكستان. ففي أفغانستان المجاورة على النقيض من ذلك حول متشددون من حركتي طالبان الأفغانية والباكستانية ولاءهم وأطلقوا على أنفسهم صفة المقاتلين في صفوف تنظيم داعش. أما في باكستان فيبدو أن التنظيم راض عن السماح لحلفاء محليين بالعمل بهوياتهم مقابل السماح للتنظيم بإعلان المسؤولية عن العمليات الملفتة للنظر.
وقال زاهد حسين المحلل الأمني الباكستاني "تنظيم داعش قد لا يكون له هيكل رسمي في باكستان لكن من المؤكد أنه يحظى بالتأييد بين بعض الجماعات المحظورة المتشددة وخاصة الجماعات الطائفية السنية" مثل عسكر جنجوي العالمي. وأضاف "نحن نشهد شكلا من أشكال الأواصر التي تجمع بين الجماعات الجهادية العالمية والجماعات الطائفية المحلية."
غير أن المسؤولين الباكستانيين يصرون على نفي تطوير التنظيم أي عمليات ذات مغزى في البلاد التي توجد فيها تنظيمات متشددة أخرى بما يشمل طالبان وتنظيم القاعدة وعسكر طيبة. وقال سرفراز بوجتي وزير الداخلية في بلوخستان "لا وجود له في بلوخستان. إعلان التنظيم المسؤولية زائف." وقال إن الهجمات الأخيرة التي أعلن التنظيم مسؤوليته عنها نفذتها جماعة عسكر جنجوي العالمي لكنها نقلت معلومات عن المهاجمين للتنظيم بهدف الإضرار بسمعة باكستان و"عزلها في المجتمع الدولي".
وأضاف أن تلك الجماعة تعمل بأوامر من الهند ألد خصوم باكستان لكنه لم يفسر كيف تسهل الهند الاتصال بتنظيم داعش. وعادة ما يتهم المسؤولون الباكستانيون الهند بأنها على صلة بهجمات المتشددين في بلوخستان. وجاء الهجومان في بلوخستان بعد أشهر فحسب من إعلان المتحدث العسكري الرئيسي في باكستان في إفادة صحفية أن خطط تنظيم داعش لنشر نشاطها في البلاد قد أحبطت.
لكن المحلل الأمني حسين قال إن ثمة علامات واضحة الآن أن المتشددين في باكستان على اتصال مباشر بالقيادة المركزية للتنظيم والمقاتلين الموالين للحركة وعددهم بالمئات في شرق أفغانستان. وقال "بالطبع هناك علاقة... هذا ليس مجرد عنوان دعائي. هناك صلة وبعض الاتصالات." واتفق معه أمير رانا المحلل الأمني الباكستاني أيضا أنه "لا يمكن إنكار" الوجود المتنامي لتنظيم داعش. وقال "يبدو أن التنظيم وجد حليفا في باكستان هو على الأرجح عسكر جنجوي العالمي." وأضاف أن هذا يفسر سبب وقوع الهجومين اللذين أعلن التنظيم مسؤوليته عنهما في إقليم بلوخستان لأن به بعضا من أقوى أنشطة الحركة. بحسب رويترز.
ويشبه نشاط التنظيم في باكستان الضربات التي تمت بإيعاز من التنظيم في الغرب والتي ركزت على أهداف سهلة بدلا من محاولة الاستيلاء على أراض مثلما فعل التنظيم في أفغانستان والشرق الأوسط. ويرجع ذلك في جانب منه إلى القوة النسبية للجيش الباكستاني التي تجعل من الصعب على التنظيم الاحتفاظ بالأراضي.
التعاون مع داعش
الى جانب ذلك قال المتحدث باسم جماعة عسكر جنجوي إن مجموعة تابعة للجماعة تعاونت مع تنظيم داعش في هجوم على أكاديمية للشرطة أسفر عن مقتل 63 شخصا. وسيؤجج التأكيد بوجود صلة بين الجماعتين المتشددتين مخاوف من أن تنظيم داعش المتمركز في الشرق الأوسط يوجد له موطئ قدم في باكستان بالتحالف مع جماعات محلية متشددة منشقة.
وأعلن التنظيم مسؤوليته عن هجوم في مدينة كويتا بجنوب غرب باكستان ونشر صورا يظهر فيها من يبدون أنهم مسلحون لاحقوا وقتلوا طلاب أكاديمية الشرطة خلال الهجوم الذي استمر قرابة خمس ساعات. لكن السلطات الباكستانية التي قالت في سبتمبر أيلول إنها سحقت مساعي داعش لدخول باكستان وألقت باللوم في الهجوم على مجموعة تابعة لعسكر جنجوي.
وقال المتحدث الإقليمي أنوار الحق كاكار إن عدد القتلى من الهجوم ارتفع إلى 63 وإن إعلان داعش المسؤولية "جزء من مخطط هندي للإساءة إلى باكستان (بالقول) إن هذه الجماعة الإرهابية ظهرت في أراضينا." وسبق أن اتهمت باكستان الهند بتأجيج الاضطرابات في إقليم بلوخستان وعاصمته كويتا. وقال متحدث باسم وزارة الخارجية الهندية "نرفض هذا الزعم الذي لا أساس له على الإطلاق." ويتنامى القلق في باكستان من أن داعش ستسعى إلى إلهاب التوتر الطائفي الموجود منذ فترة طويلة في البلاد والذي تفجر في السنوات الأخيرة. بحسب رويترز.
ونفذت حركة عسكر جنجوي السنية بعضا من أسوأ الهجمات الطائفية في تاريخ باكستان ومنها العديد من التفجيرات الكبرى في كويتا وكثيرا ما استهدفت أقلية الهزارة الشيعية. ويتوقع محللون منذ فترة طويلة أن تقيم داعش شراكة مع عسكر جنجوي حتى على الرغم من انتماء الجماعة للقاعدة. وأعلنت عسكر جنجوي مسؤوليتها عن مجموعة كبيرة من الهجمات في كراتشي العاصمة التجارية لباكستان بيد أن مسؤولين يشكون في أن جميع هذه المزاعم حقيقية. وأعلنت باكستان في أغسطس آب عن مكافأة قدرها خمسة ملايين روبية (48 ألف دولار) لمن يقدم معلومات تقود إلى اعتقال سيد سافدار قائد المجموعة التابعة لعسكر جنجوي والذي ينادى بالاسم الحركي يوسف خراساني.
عملية انتقامية
في السياق ذاته قال مسؤول إقليمي في أفغانستان إن من يشتبه في أنهم مقاتلون تابعون لتنظيم داعش جمعوا عشرات المدنيين وقتلوهم في إقليم غور النائي انتقاما لمقتل أحد قادتهم. وتأتي أعمال القتل في أعقاب هجوم شنه المتشددون قرب فيروز كوه عاصمة الإقليم. وحتى الآن تركزت معظم أنشطة التنظيم في إقليم ننكرهار بشرق البلاد.
وذكر عبد الحي خطيبي المتحدث باسم حاكم الإقليم "قتلت الشرطة الأفغانية قياديا في داعش في إقليم غور خلال عملية لكن مقاتلي داعش خطفوا نحو 30 مدنيا وقتلوهم جميعا بالرصاص ثأرا." وفي تغريدة عبر موقع التواصل الاجتماعي تويتر نفى المتحدث باسم حركة طالبان مسؤولية الحركة عن قتل المدنيين في غور.
وقد اقر الجيش الباكستاني، في وقت سابق بوجود تنظيم داعش في البلاد. لكنه قال انه اعتقل مئات من عناصره، وحال دون تنفيذهم اعتداءات كبيرة. وقال المتحدث باسم الجيش الجنرال عاصم باجوا ان "الجيش أحبط هجمات خطط لها التنظيم، ونجح التنظيم في إيجاد موطئ قدم له في باكستان في مطلع 2015، عندما أعلن ستة من قادة حركة "طالبان" الباكستانية مبايعتهم له وانشقاقهم عن تنظيم "القاعدة". لكنه لم يتمكن من تحقيق اختراق كبير منذ ذلك الحين.
ويقاتل الجيش الباكستاني عددا من الفصائل الإسلامية التي تمردت بعد تحالفه مع الولايات المتحدة، اثر غزوها لأفغانستان العام 2001. العام 2007. وقال المتحدث باجوا خلال مؤتمر صحافي: "حاول "داعش" التسلل الى باكستان. لكن تم اعتقال القسم الاكبر من عناصره". واضاف ان "الجيش نجح في تطويق التنظيم عبر اعتقال 309 من مقاتليه من كتيبة التخطيط وكتبية مباشر (كتيبة القتال)، بينهم امير التنظيم. اول هجوم كبير تبناه التنظيم كان الاعتداء على باص في كراتشي في ايار 2015، وقد اسفر عن مقتل 46 شخصا. لكن باجوا قال ان احد الضالعين في الاعتداء اعلن مبايعة التنظيم بعد اعتقاله.
اضف تعليق