معركة تحرير الموصل من سيطرة تنظيم داعش الارهابي، تشهد وبحسب بعض المراقبين تطورات ميدانية مهمة حيث ما تزال القوات العراقية المشتركة وبإسناد مباشر من طيران الجيش العراقي، تواصل تقدمها في المعارك الجارية ضد هذه العصابات الارهابية المسلحة التي منيت بخسائر كبيرة في الارواح والمعدات، وقد اعطت المؤشرات الميدان كما تقلت بعض المصادر، تفاؤلا بأن زمن حسم معركة تحرير الموصل سيكون قصيرا، لاسيما ان جانب المدينة الشرقي اصبح محاصرا بالكامل، الى جانب احكام السيطرة على الكثير من القرى والاهداف المهمة على ضفتي نهر دجلة شمال القيارة ضمن المحور الجنوبي، فضلا عن تحقيق تقدم واضح على المحاور الاخرى من قبل القطعات المندفعة باتجاه مدينة الموصل مركز محافظة نينوى.
وقد اكد قائد جهاز مكافحة الإرهاب الفريق الركن عبد الغني الأسدي ان قواته تبعد نحو 7 كم عن عمق مدينة الموصل بعد انجاز عملية تحرير ناحية برطلة شرق المدينة والسيطرة على القرى المحيطة بها بزمن قياسي. وقال: ان عمليات تحرير الموصل مستمرة، ولا تفصلنا عنها سوى 6.5 – 7 كم باتجاه عمق المدينة، لافتا الى ان ناحية برطلة التي انجز تحريرها بعملية خاطفة وسريعة، اذ تعد خط الصد الأول للدواعش باتجاه الموصل.
وأضاف الأسدي ان عصابات “داعش” أنشأت الكثير من التحصينات والمواضع الاصطناعية في برطلة وكانت تعد نفسها لمعركة طويلة حسب اعتقادها، لكنها لم تجد نفعا ودفعت ثمنا باهظا اذ تم قتل الكثير من الارهابيين خلال هذه المعركة، مؤكدا ان المعركة لن تطول. فقد قال المتحدث باسم وزارة الداخلية العميد سعد معن: ان معركة الموصل لن تطول وان الجانب الشرقي للمدينة اصبح محاصرا من قبل قواتنا بالكامل. ووصف اياها بأنها معركة عراقية 100 بالمئة، مشيرا الى ان هناك شبه بركان ثورة من قبل اهالي الموصل للانتفاض ضد ارهابيي داعش.
وضمن المحور الجنوبي اكدت قيادة الشرطة الاتحادية، تحرير عشرات الكيلومترات باتجاه مدينة الموصل، وتضييق الخناق على الدواعش في ناحية الشورة. كما احكمت بمساندة الحشد الشعبي والعشائري السيطرة على الكثير من قرى الجانب الشرقي لنهر دجلة المقابلة لشمال القيارة وتأمين ابار النفط فيها.
ويرى بعض الخبراء ان معركة الموصل وعلى الرغم من الانتصارات الكبيرة التي حققتها القوات العراقية، ستحمل ايضا العديد من المخاطر والتحديات، خصوصا ان هذه المدينة تعد آخر واهم معاقل لداعش في العراق، لذا فسيعمد هذا التنظيم الارهابي الى اعتماد خطط واساليب متنوعة في سبيل عرقلة تقدم الجيش العراقي، منها استخدام الهجمات المفاجئة والدامية او الاعتماد على الخلايا النائمة وفتح جبهات في مناطق اخرى، هذا بالإضافة الى أن مجاميع داعش الإجرامية ستحاول استخدام المدنيين كدروع بشرية في مدينة الموصل.
تقدم سريع
وفي هذا الشأن قال رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي إن الحملة لاستعادة مدينة الموصل من تنظيم داعش تجري بسرعة أكبر من الخطة المعدة فيما شنت القوات العراقية والكردية عملية عسكرية جديدة لتطهير القرى الواقعة على مشارف المدينة. ووسط أصوات اسلحة آلية وانفجارات تحركت عشرات من عربات الهمفي السوداء التابعة لجهاز مكافحة الإرهاب العراقي والمزودة بمدافع آلية باتجاه برطلة وهي الهدف الرئيسي للهجوم على الجبهة الشرقية وسط نيران المدافع الآلية والانفجارات. وبرطلة قرية مسيحية فر سكانها بعد أن سيطر تنظيم داعش على المنطقة.
وقال قيادي بجهاز مكافحة الإرهاب إن المتشددين يستخدمون سيارات ملغومة في عمليات انتحارية ويزرعون قنابل على الطرق ويستخدمون القناصة في محاولة لصد الهجوم ويقصفون المناطق المجاورة بقذائف المورتر. وبعد ذلك بساعات قال الفريق الركن طالب شغاتي قائد القوات الخاصة العراقية للصحفيين في مركز القيادة قرب جبهة القتال إن القوات طوقت برطلة ودخلت إلى وسط القرية. وأضاف أن جنديين أصيبا بينما لم يقتل أحد من القوات التي تمكنت من قتل 15 متشددا على الأقل. وأضاف أن الموصل هي الهدف التالي بعد برطلة.
وغطت سحابة دخان أسود بعض القرى على الخطوط الأمامية نتجت على الأرجح عن حرائق نفطية وهو تكتيك يستخدمه المتشددون لمراوغة طائرات الاستطلاع. ونقل التلفزيون العراقي الرسمي في وقت لاحق عن متحدث باسم جهاز مكافحة الارهاب قوله إن حوالي 80 متمردا قتلوا في القتال في برطلة وجرى تدمير 11 سيارة ملغومة كانت معدة لشن هجمات انتحارية. وقال العبادي لمسؤولين كبار مجتمعين في باريس عبر دائرة تلفزيونية مغلقة "القوات المقاتلة تتقدم نحو المدينة أفضل من الجدول الذي أعددناه والجدول الزمني الذي افترضناه قبل بداية الهجوم."
وعلى الجبهة الشمالية أسقطت مدافع قوات البشمركة الكردية طائرة بدون طيار كانت قادمة من جهة خطوط داعش. ولم يتضح ما إذا كانت الطائرة التي يتراوح عرضها بين متر ومترين كانت تحمل متفجرات أم أنها كانت في مهمة استطلاع. وقال هلجورد حسن أحد المقاتلين الأكراد الموجودين في موقع يطل على سهول شمالي الموصل "كانت هناك أحيان أسقطت فيها متفجرات."
وضبط علي عوني وهو ضابط كردي موجة جهاز لاستقبال الإشارات اللاسلكية على تردد تستخدمه الدولة الإسلامية وقال "إنهم يحددون أهدافا لقذائفهم المورتر." وأضاف "تحرير الموصل مهم من أجل أمن كردستان... علينا أن نحاربهم فكريا أيضا كي نهزم أيديولوجيتهم." وحتى الآن تقدمت القوات الكردية عبر قرى خارج المدينة وعثرت على منازل مهجورة ملغمة بالمتفجرات وخنادق تحت الأرض. وفي بعض الحالات بدا أن مقاتلي داعش فروا دون قتال.
وقال أحمد مدحت عبد الله -وهو أحد جنود البشمركة في قرية ناوران شمالي الموصل وهي منطقة يتقدم فيها رتل من العربات المدرعة التابعة للأكراد إنهم لم يواجهوا مقاومة وإن عناصر داعش تتراجع إلى داخل الموصل وإلى سوريا. وقالت القيادة العسكرية العامة الكردية في بيان إن الهدف هو تطهير عدد من القرى القريبة والسيطرة على مناطق استراتيجية لتقييد تحركات مقاتلي داعش. والمنطقة المحيطة بالموصل من أكثر المناطق المتنوعة عرقيا ودينيا في العراق وأبدت الدول الغربية التي تساند العملية قلقها من ألا تشعر المجتمعات المختلفة بالأمان لدى تقدم القوات الحكومية وتأمل في تجنب وقوع هجمات انتقامية أو أعمال عنف عرقية أو طائفية اثناء طرد مقاتلي داعش.
وقال العبادي إن التقدم نحو الموصل أظهر أن العراقيين من مختلف الطوائف يمكنهم القتال في قضية مشتركة. واضاف قائلا "لأول مرة في تاريخ العراق تقاتل قوات البشمركة مع القوات الاتحادية العراقية جنبا إلى جنب بتعاون وتنسيق كاملين... ويشتركان معا في تحرير الأراضي وفي حماية السكان المدنيين ..ولأول مرة منذ 25 عاما تدخل قوات اتحادية عراقية إلى إقليم كردستان بموافقة الإقليم وبالتعاون الكامل بين الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم." وقال العبادي "هذه القوات ... تغيرت بالكامل وأصبحت تشتمل على كل العراقيين ويقاتلون جنبا إلى جنب .. والوحدة العراقية اليوم على أشدها والعراق اليوم أقرب من أي وقت من التوحد والعزيمة على تطهير هذه الأرض." ومضى قائلا "إن الذي يقاتل على الأرض العراقية هي قوات أمنية عراقية فقط وأي قوات أجنبية موجودة على الأرض ليست قوات مقاتلة بل قوات مساندة." بحسب رويترز.
ونشر تنظيم داعش تسجيلا مصورا يظهر مقاتلين ملثمين يسيرون في طابور في شارع أثناء الليل تحت غطاء من الأشجار في حين تعهد رجل لم تعرف هويته يبدو أنه قائدهم بهزيمة الولايات المتحدة في العراق. ويأمل الرئيس الأمريكي باراك أوباما في تعزيز إرثه باستعادة أكبر قدر ممكن من الأراضي من التنظيم المتشدد قبل أن يترك السلطة في يناير كانون الثاني. وقال أوباما إن التنظيم "سيهزم في الموصل" متوقعا أن تكون المعركة صعبة. ويقول مسؤولون عراقيون وسكان من الموصل إن التنظيم يمنع الناس من مغادرة المدينة وإنه يستخدمهم كدروع بشرية لتعقيد الضربات الجوية والتقدم البري للقوات المهاجمة.
مهاجمة كركوك
على صعيد متصل شن تنظيم داعش هجوما مضادا على مدينة كركوك العراقية في الوقت الذي واصلت فيه القوات العراقية والكردية عملياتها للسيطرة على أراض حول الموصل استعدادا للهجوم على آخر معقل رئيسي لا يزال في قبضة التنظيم المتشدد بالعراق. وذكر مصدر في مستشفى أن هجوم داعش في كركوك التي تقع في منطقة منتجة للنفط أسفر عن استشهاد 18 من أفراد قوات الأمن والعاملين في محطة للطاقة خارج المدينة من بينهم إيرانيان.
ولم تستهدف منشآت إنتاج النفط الخام ولم تنقطع إمدادات الكهرباء في المدينة. وتقع كركوك شرقي الحويجة وهي جيب لا يزال تحت سيطرة داعش بين بغداد والموصل. ووفقا لبيانات من قيادات عسكرية أمريكية وعراقية سيطرت القوات العراقية وقوات التحالف بقيادة واشنطن على ثماني قرى في جنوب وجنوب شرقي الموصل. وتهاجم القوات الكردية من الشمال والشرق أيضا للسيطرة على عدة قرى. ومن المتوقع أن يكون الهجوم الذي بدأ لاستعادة الموصل أكبر معركة تدور في العراق منذ الغزو الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003.
وهاجم التنظيم عدة مبان تابعة للشرطة ومحطة كهرباء في الساعات الأولى من صباح الجمعة وظل بعض المهاجمين متحصنين داخل مسجد وفندق مهجور. وقطع المتشددون الطريق بين المدينة ومحطة الكهرباء على بعد 30 كيلومترا إلى الشمال. وشارك عشرات في الهجوم وفقا لمصادر أمنية لم تؤكد مزاعم داعش بأنها أسرت ضابط شرطة كرديا. وقال الفريق الركن طالب شغاتي قائد القوات العراقية الخاصة من أحد خطوط القتال شرقي الموصل إن المهاجمين في كركوك جاءوا من خارج الموصل.
وعقب المتحدث باسم الخارجية الإيرانية بهرام قاسمي على مقتل المواطنين الإيرانيين في كركوك قائلا إن هذه الهجمات هي "النزع الأخير للإرهابيين". وقالت مصادر إن ما لا يقل عن ثمانية متشددين قتلوا إما بتفجير أنفسهم أو في اشتباكات مع قوات الأمن. وأضافت أن القوات الكردية طردت المتشددين من كل مباني الشرطة والحكومة التي سيطروا عليها قبل الفجر. وأظهرت لقطات بثتها قناة (إن.آر.تي) التلفزيونية الكردية نيران مدافع رشاشة تصيب مبنى من طابقين كان فندقا فيما سبق وكذلك سيارات تحترق في شارع قريب. وأعلن التنظيم المسؤولية عن الهجمات في بيانات على الإنترنت وأعلنت السلطات حظر التجول في المدينة حيث جرى إرسال تعزيزات للقوات الكردية. وسيطرت قوات البشمركة الكردية على كركوك عام 2014 بعد أن انسحب الجيش العراقي من المنطقة. بحسب رويترز.
وعلى خط الجبهة إلى الجنوب من الموصل تصاعد دخان أسود كثيف من آبار نفط أشعل التنظيم المتشدد النار فيها لعرقلة المراقبة من الجو بمنطقة القيارة. واستعاد الجيش والتحالف بقيادة الولايات المتحدة المنطقة في أغسطس آب ويستخدمان قاعدتها الجوية كمركز لدعم الحملة على الموصل. وعلى حائط قرب نقطة تفتيش تابعة للجيش هناك كتبت عبارة "عاش العراق.. الموت لداعش".
من جانبه قال وزير الدفاع الأمريكي آشتون كارتر إن تركيا والعراق توصلا لاتفاق من حيث المبدأ قد يسمح بدور تركي في حملة الموصل. وبعد محادثات مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان في أنقرة قال كارتر إن التفاصيل لا تزال بحاجة للاتفاق عليها. وما زالت تركيا تعتبر الموصل ضمن مجال نفوذها وفي الوقت نفسه ينظر العراق بارتياب إلى التحركات العسكرية التركية على أراضيه. وتقول الأمم المتحدة إن الموصل قد تحتاج أكبر عملية إغاثة إنسانية في العالم وتشير أسوأ الاحتمالات إلى نزوح ما يصل إلى مليون شخص. ولقي جندي أمريكي حتفه جراء جروح أصيب بها في انفجار عبوة ناسفة بدائية قرب المدينة. ويقول مسؤولون إنه يوجد نحو خمسة آلاف جندي أمريكي في العراق. وانضم أكثر من مئة منهم إلى القوات العراقية وقوات البشمركة الكردية حيث يقدمون المشورة للقادة ويساعدون في ضمان أن تصيب الضربات الجوية للتحالف الأهداف الصحيحة. لكن القيادة العسكرية الكردية شكت من أن الدعم الجوي لم يكن كافيا.
مساعدات ومخاوف
في السياق ذاته عبّر باتريك هاملتون نائب مدير اللجنة الدولية للصليب الأحمر للشرق الأدنى والشرق الأوسط عن خشية البعض من أن تثير العملية العسكرية لتحرير مدينة الموصل العراقية من تنظيم داعش إلى نزاع طائفي في المستقبل مع بدء خروج العائلات العراقية من القرى الواقعة على مسار الهجوم. وقال هاملتون إن اللجنة الدولية للصليب الأحمر مستعدة لتقديم المساعدات إلى 800 ألف شخص قد يفرون من المعركة التي تلوح في الأفق في الموصل بما في ذلك احتمال أي استخدام للأسلحة الكيميائية.
واستخدم متشددو التنظيم عناصر كيميائية محظورة في السابق ضد القوات العراقية الكردية. وجال هاملتون في شمال العراق هذا الشهر للإشراف على عمليات المنظمة الدولية للصليب الأحمر قبل بدء الحملة العسكرية. وتشارك في الهجوم القوات الحكومية والجماعات الكردية المتحالفة معها وجماعات شيعية بغية إخراج التنظيم من ثاني أكبر مدينة في العراق. وقال هاملتون "ما صدمني هو على ما يبدو الشعور بالقلق والخوف مما سيأتي." وأضاف "ليس فقط على صعيد المستقبل القريب في مرحلة ما بعد العملية وما يمكن لذلك أن يسبب بل أيضا على مستوى المستقبل البعيد وعما سيبدو عليه العراق نفسه بعد الموصل وما سيكون مصير هذه المجتمعات المختلفة التي تشكل العراق اليوم وكيف ستجد أو تحاول أن تعثر على طريقة للمضي قدما معا."
ويغلب السنة على سكان الموصل التي أعلن منها التنظيم قيام خلافته الإسلامية قبل عامين في حين يهيمن الشيعة على القوات التي تتحرك لتحريرها. وتعتبر المنطقة حول الموصل من أكثر المناطق تنوعا عرقيا ودينيا في العراق وعبرت الحكومات الغربية التي تدعم العملية العسكرية عن اهتمامها بالحفاظ على أمن هذه المجتمعات بينما تتقدم القوات الحكومية وذلك لتجنب الهجمات الثأرية أو العرقية وسفك الدماء في نزاع طائفي أثناء محاولة طرد المقاتلين المتشددين من المنطقة. بحسب رويترز.
وتصاعدت المخاوف بين المسؤولين العراقيين وعمال الإغاثة من العمليات الانتقامية الطائفية بعد انتشار أقاويل عن مشاركة مقاتلين غير نظاميين شيعة في اقتحام مدينة الحويجة الأصغر حجما من الموصل في شمال العراق. وقال هاملتون "من الواضح أننا قلقون للغاية حيال ما يجري داخل وحول الموصل لكن علينا ألا ننسى أيضا أن هناك عمليات عسكرية تنطلق لمحاولة استعادة الحويجة. "ستكون هناك أو تنشب بالفعل معركة كبيرة على منطقة الحويجة حيث يوجد ما ين 200 و300 ألف مدني يواجهون واقع أنهم محاصرون بين الجبهات الأمامية." كما خزنت المنظمة الدولية التي تتخذ من جنيف مقرا لها معدات لعلاج جرحى الحرب وتضم معدات طبية للطوارئ. وتنشر المنظمة 900 شخص في العراق في ثالث أكبر عملية لها في العالم بميزانية سنوية تبلغ نحو 121.07 مليون دولار.
اضف تعليق