الأحداث الإرهابية الأخيرة التي تعرضت لها فرنسا ادخلت البلاد في حالة من الإرباك والذعر بخصوص ملف مواجهة الإرهاب، حيث اكدت هذه الهجمات كما يقول بعض الخبراء ضعف الاجراءات والخطط الامنية للسلطات الفرنسية التي تواجه اليوم انتقادات كبيرة في الحد من تمدد التطرف والارهاب، كما ان هذه الهجمات دفعت بعض الاطراف اليمينية الى المطالبة بضرورة تقوية الإجراءات القانونية تجاه المشتبه بتطرفهم، وقد دعت زعيمة حزب الجبهة الوطنية الفرنسية ماريب لوبن في وقت سابق، الدولة بعدم تتردد في استخدام سلطتها لمحاربة الإرهاب، داعية الى طرد كل شخص يهدد أمن البلاد في حال كانت لديه جنسية أخرى.
وقالت الحكومات المتعاقبة على عهدي الرئيسين السابق نيكولا ساركوزي والحالي فرنسوا هولاند لم تتعامل بشكلٍ جدي مع مسألة الإرهاب واليوم وصلنا الى ما نحن عليه، حكومة رئيس الوزراء مانويل فالس تأخرت جداً في اتخاذ الإجراءات المناسبة لمحاربة الإرهاب.
والجدير بالذكر أن الأحداث الإرهابية الأخيرة التي شهدتها العديد من دول العالم فرنسا وألمانيا وقبلها بلجيكا وغيرها من دول العالم، فرضت وكما تنقل بعض المصادر، على أجهزة الأمن الأوروبي إعادة النظر في خططها الأمنية، لتحتاط بما يكفي لدرء أي أخطار قد تتعرض لها، علماً بأن قوات الأمن الأوروبية، أكدت أكثر من مرة، أن عناصرها ووحداتهما على أتم الاستعداد لإجهاض أي عملية إرهابية، وهو ما دحضته الأشهر الأخيرة، إذ تعيش دول الاتحاد الأوروبي، نوعا من القلق الأمني بسبب الإرهاب الذي يضرب بدون استئذان، في عقر دارها، وفي قلب عواصمها، بالرغم من الإجراءات والتدابير الأمنية المتخذة من قبل الأجهزة الأمنية فيها.
من جانب اخر ذكرت صحيفة واشنطن بوست الأميركية أن الحرب التي يشنها تنظيم داعش الإرهابي على أوروبا يبدو أنها دخلت مرحلة جديدة أكثر خطورة، وهو ما تجلّى في التحول من شن العمليات المنسقة على درجة كبيرة في الشوارع الكبرى في باريس وبروكسل لتنفيذ اعتداءات على أيدي هواة متعاطفين مع التنظيم في المناطق النائية التي تتحول فجأة إلى هدف.
وقالت الصحيفة في تقرير لها بثته على موقعها الإلكتروني، أن أسلوب إطلاق النار السريع الذي تميزت به الهجمات التي تعرضت لها أوروبا أربك بالفعل أجهزة الاستخبارات الأوروبية في وقت تحولت فيه استراتيجية التصدي للإرهاب إلى خوض حرب برية تقودها الشرطة المحلية، وأضافت أن آخر اعتداء شهدته أوروبا وهو ما تمثل في ذبح كاهن بلدة صغيرة في فرنسا بطريقة وحشية أوضح وكأن تنظيم داعش بدأ انتفاضة بين أوساط المتعاطفين معه في الغرب لم تشهدها أوروبا منذ سنوات". وأشارت إلى أن المهاجمين شمل أفراداً مختلين عقليا ولكنهم أبدوا ولاءهم للتنظيم، الذي زاد خلال الأشهر الأخيرة من دعواته لتحفيز "الخلايا الفردية" أو "الذئاب الوحيدة"، بيد أن بعض المهاجمين احتفظوا على الأقل بعلاقات غير مباشرة مع التنظيم، ومع ذلك، ومما زاد من حدة الفوضى، فإن أوروبا شهدت هجومين على يد مسلحين لم تحركهم دوافع سياسية على الإطلاق، ومن بينهم المراهق الإيراني الذي أطلق النار بشكل عشوائي في مدينة ميونيخ الألمانية.
وأردفت الصحيفة تقول: "إن هناك 4 هجمات نُفذت في أوروبا تبناهم تنظيم داعش اثنان منها في ألمانيا واثنان في فرنسا من بينهما ذبح الكاهن ولكنها كانت مختلفة بشكل كبير في أهدافها وطريقة تنفيذها، وحتى في أسلحة المهاجمين، حيث تنوعت بين السكين والقنبلة والفأس والشاحنة". كما اختلفت في ضحاياها: من المحتفلين بالألعاب النارية يوم الباستيل وركاب على متن إحدى القطارات ومن المارة في مهرجان موسيقى وكاهن، بينما اختلفت مواقع هذه الهجمات: من بلدات صغيرة إلى كبريات المدن الساحلية مثل نيس. وفي هذا، أبرزت واشنطن بوست قول بعض الخبراء والمحليين السياسيين بأن عشوائية هذه الهجمات تُصعب الأمور على الأجهزة الأمنية للقيام بواجبها على أكمل وجه بسبب عدم تحديد الأهداف المحتملة، وكذلك وسائل وهويات المعتدين.
انتقادات كبيرة
واجهت الحكومة الفرنسية انتقادات لسجلها الأمني في أعقاب الكشف عن أن أحد المهاجمين الذين ذبحوا قسا في مذبح كنيسة جهادي مفترض معروف يخضع لمراقبة الشرطة، والتقى الرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند بزعماء دينيين في مسعى لتعزيز الوحدة الوطنية. لكن سلفه ومنافسه المحتمل في انتخابات رئاسية العام المقبل نيكولا ساركوزي قال إن على الحكومة اتخاذ خطوات أكثر قوة لتعقب المتعاطفين مع الإسلاميين.
وقطع مهاجمو قداسا في كنيسة وأجبروا القس بالكنيسة الكاثوليكية الأب جاكيه هاميل على أن يجثو على ركبتيه في المذبح وذبحوه. ولدى خروجهم من الكنيسة وترديدهم "الله أكبر" بادرتهم الشرطة وقتلتهم بالرصاص. وجاء الهجوم بعد أقل من أسبوعين من قيام من يشتبه بأنه إسلامي آخر بدهس حشد بشاحنة في يوم الباستيل فقتل 84 شخصا. ورد الساسة المعارضون على الهجمات بانتقادات قوية للسجل الأمني للحكومة الاشتراكية خلافا لما فعلوه العام الماضي عندما عبروا عن وحدتهم بعدما قتل مسلحون ومفجرون 130 شخصا في باريس في نوفمبر تشرين الثاني وهاجموا صحيفة ساخرة في يناير كانون الثاني.
وقال ساركوزي المتوقع أن يخوض الانتخابات التمهيدية للمحافظين من أجل خوض الاقتراع الرئاسي العام المقبل لصحيفة لوموند "كل هذا العنف وهذه الهمجية شلت اليسار الفرنسي منذ يناير 2015." وأضاف "فقد اتجاهاته ويتشبث بعقلية لا صلة لها بالواقع." ومع تحذير ساسة محافظين من "حرب أديان" سعى أولوند إلى تجنب الانقسامات في اجتماع مع زعماء مسيحيين ويهود ومسلمين وبوذيين.
ودعا ساركوزي لاعتقال أو وضع علامات إلكترونية لكل المشتبه بأنهم متشددون إسلاميون حتى لو لم يرتكبوا أي جريمة. وتمتلك المخابرات الداخلية الفرنسية ملفات سرية لنحو 10500 مشتبه بأنهم متشددون. لكن وزير الداخلية برنار كازنوف رفض اقتراح ساركوزي قائلا إن سجنهم سيكون غير دستوري كما أنه سيؤدي لنتائج عكسية. وقال على محطة يوروب وان الإذاعية "إن الذي أنجح جهود فرنسا لتفكيك عدد كبير من الشبكات الإرهابية هو وضع ملفات هؤلاء الناس تحت المراقبة. وهو الأمر الذي يمكن هيئات المخابرات من العمل دون أن يشعر هؤلاء الأفراد." ولاحقا أبلغ كازنوف الصحفيين بأن مهرجانات الصيف التي لا تفي بالإجراءات الأمنية المشددة سيجري إلغاؤها معلنا عن في نشر عشرة الاف جندي موجودين بالفعل في الشوارع قائلا إنه سيرسل المزيد إلى الأقاليم. بحسب رويترز.
وقال المدعي الفرنسي الخاص بمكافحة الإرهاب إن أحد المهاجمين يسمى عادل كرميش (19 عاما) وكان خاضعا لمراقبة مشددة بعد محاولتين فاشلتين للوصول إلى سوريا. وأطلق سراح كرميش من الاحتجاز انتظارا لمحاكمته بسبب عضويته المزعومة في منظمة إرهابية في مارس آذار. واضطر لوضع علامة إلكترونية وتسليم جواز سفره ولم يكن مسموحا له بمغادرة منزل والديه إلا لساعات قليلة في اليوم. ولم ترسل العلامة الالكترونية إنذارا لأن الهجوم وقع خلال الفترة المسموح له فيها بالخروج. ووفقا لوزارة العدل فإن هناك 13 مشتبها بأنهم إرهابيون وشخصا مدانين لصلتهم بالإرهاب يعلقون شعارات في ملابسهم مثل التي كان يعلقها كرميش. وأفرج عن سبعة بكفالة انتظارا للمحاكمة. وأدين الستة الآخرون لكنهم يضعون أساور إلكترونية بدلا من قضاء أحكام بالسجن. ومنذ هجوم يوم الباستيل في نيس وقعت موجة من الهجمات في ألمانيا أيضا مما أثار قلقا أكبر في أوروبا التي تئن بالفعل تحت وطأة هجمات العام الماضي في فرنسا وهذا العام في بروكسل.
وبث تنظيم داعش شريط فيديو يظهر شابين قدمهما كمنفذي الهجوم على كنيسة في شمال غرب فرنسا، يبايعان ابو بكر البغدادي. ويظهر الفيديو الذي نشرته وكالة اعماق المقربة من التنظيم شابين بجوار راية التنظيم، احدهما يقرأ بصعوبة نصا بالعربية لمبايعة "أمير المؤمنين". وقدم الشابان الملتحيان اللذان عرفا عن نفسيهما باسمي ابو عمر وابو جليل الحنفي المبايعة على "السمع والطاعة" للبغدادي رافعين ايديهما. وقتل اثنان من الجهاديين كاهنا ذبحا واصابا شخصا بجروح خطيرة خلال احتجاز رهائن في كنيسة سانت اتيان دو روفريه في شمال غرب فرنسا.
عبد المالك بوتيجان
في السياق ذاته تمكنت اجهزة الاستخبارات الفرنسية من رصد عبد المالك بوتيجان المنفذ الثاني للاعتداء الذي قتل فيه الكاهن جاك هاميل ذبحا في كنيسة سانت اتيان دو روفريه، قبل اقل من شهر على الهجوم فيما يؤكد اقاربه انه شاب لم تكن له مشاكل. وكتب عبد المالك الفرنسي البالغ 19 عاما في اخر رسالة نصية ارسلها الى والدته "لا تقلقي. كل شيء على ما يرام. اذهبي للنوم. احبك". وقتل هذا الشاب الذي كان في نفس سن شريكه المتحدر ايضا من اصل جزائري عادل كرميش، على بعد 700 كلم من منزل اسرته في ايكس لي بان (الب) برصاص الشرطة.
وتم التعرف رسميا على هويته بانه المنفذ الثاني للاعتداء الذي وقع في كنيسة سانت اتيان دو روفريه (شمال غرب) وقتل فيه الكاهن البالغ 86 عاما. واعلن تنظيم داعش تبنيه لهذا الاعتداء غير المسبوق في مكان للعبادة في فرنسا.
وكان عبد المالك حاز شهادة في التجارة في العام 2015 ويعمل بشكل مؤقت في مطار شامبري (شرق) او في متجر بعد سلسلة من اعمال التدرج على المبيعات. وكتب عبد المالك في سيرته المهنية انه يهوى افلام الخيال العلمي والعاب الفيديو والموسيقى والملاكمة الانكليزية. واذا كانت كرميش انتقل للتطرف منذ زمن واوقف بسبب محاولته التوجه الى سوريا في العام 2015، الا ان عبد المالك لم يكن معروفا من القضاء مما اخر تحديد هويته اذ لم تكن بصماته او عينة حمضه الريبي النووي موجودة في اي ملف كما ان وجهه تشوه برصاص الشرطة.
الا ان الاستخبارات رصدت انتقاله مؤخرا للتطرف وادرجته على قائمة في 29 حزيران/يونيو بعد ان حاول التوجه الى سوريا مرورا بتركيا. وعبد المالك يشبه الى حد كبير صورة رجل يشتبه في انه خطط لاعتداء في فرنسا ونشرت في 22 تموز/يوليو دون هوية الى الاستخبارات الفرنسية بعد بلاغ من الخارج. وفي الحي المتواضع الذي كان يقيم فيه عبد المالك، يسود شعور بالتشكيك لدى السكان الذين يتحدثون عن شاب عادي. وفي شقتها حيث يتوافد الصحافيون بعد ساعات على عملية مداهمة قامت بها اجهزة مكافحة الارهاب، لا تزال يمنية بوكزولة ترفض ان تصدق ان نجلها ذو الملامح الطفولية مسؤول عن مثل هذه الجريمة.
وقالت يمينة قبل ساعات فقط على التاكيد ان عبد المالك هو المنفذ الثاني للاعتداء "انه مواطن فرنسي صالح ولطيف. انا اعرف ابني وهو ليس متورطا ابدا". ولد عبد المالك في سان دييه دي فوج (شرق) في 14 تشرين الثاني/نوفمبر 1996، ونشا مع شقيقتيه اولا في شرق فرنسا ثم في مونلوسون (وسط) وسينو (الب) قبل الاستقرار اخيرا في ايكس لي بان. وكان عبد المالك يقصد مسجد الحي وقد تعرف عليه رئيس الجمعية المكلفة الاشراف على المسجد في التسجيل الذي بثه تنظيم داعش ويبدو فيه عبد المالك وكرميش ملتحيين وهما يعلنان الولاء بالعربية للتنظيم الجهادي. بحسب فرانس برس.
وتساءل جمال تازغات رئيس الجمعية "كنت اقدره كثيرا ولم نواجه اي مشاكل معه في المسجد. لم يدل باي ملاحظات مريبة وكان دائم الابتسام... امر لا يصدق! كل المؤمنين يشعرون بالصدمة لانهم كانوا يعرفون لطافته وهدوءه. لم نلحظ ابدا اي اشارة على التطرف. ما الذي خطر له؟". وافاد حكيم (17 عاما) الذي قال انه من اصدقاء عبد المالك "من الصعب تصديق الامر. كان ضد داعش ولم يكن متطرفا ابدا". وتقول والدته ان عبد المالك غادر مع شخص اخر على متن سيارة للالتحاق باحد الاقارب في نانسي (شرق)، كما قال لها. وكانت هذه الام تتمسك بصورة الابن الذي تعتقد انها تعرفه وارسلت اليه اخر رسالة نصية كتبت فيها "مالك انا والدتك، لا اعلم اين انت. لدي اخبار سيئة. اتصل بي. الشرطة اتت وقالت كلاما فارغا. امل الا يكون اصابك شيء. احبك وانا مشتاقة اليك جدا".
عادل كرميش
من دانب اخر وفور بلوغه سن الرشد حاول الفرنسي عادل كرميش احد مرتكبي اعتداء كنيسة سانت اتيان دو روفريه مرتين التوجه الى سوريا. وتشير عدة شهادات الى ان كرميش الذي يعاني من اضطرابات في السلوك كان "قنبلة موقوتة" تشكل سوريا هاجسه الابرز. ولد كرميش في 25 آذار/مارس 1997 في منطقة النورماندي شمال غرب فرنسا حيث شن الاعتداء، وهو يتحدر من اسرة جزائرية كثيرة العدد لا مشاكل لها، بحسب الجيران والاقارب. وبحسب ممثل للمسلمين في المدينة فان العائلة كشفت تطرفه وابدت قلقها من المستوى الذي انحدر اليه ابنها.
ولم تخل مسيرة كرميش من العثرات. وبحسب صحيفة لوموند الفرنسية خضع لمتابعة نفسية منذ سن السادسة وادخل مرات عدة خلال فترة المراهقة حيث امضى في احداها 15 يوما في جناح الاضطرابات العقلية. وذكرت صحيفة "لو باريزيان" ان كرميش "المفرط النشاط" في طفولته، طرد من المدرسة في سن 12 عاما بسبب "اضطرابات في السلوك". ووصفه احد شبان حيه بانه "قنبلة موقوتة". وقال الشاب الذي يقيم في الحي نفسه لاذاعة "ار تي ال" انه "كان يتحدث عن الاسلام وانه سيقوم باشياء من هذا القبيل. وقال لي قبل شهرين ساهاجم كنيسة ولم اصدقه، (اذ) كان يقول الكثير من الاشياء".
وقالت آني جيزلان بعد وصولها لمواساة عائلة كرميش لكنها وجدت الباب مغلقا ان "هذا الطفل كان يعاني مشاكل نفسية". وعاش الشاب مع والديه في منزل يبعد حوالي كيلومترين من الكنيسة حيث اقدم مع مهاجم آخر على احتجاز ستة اشخاص خلال القداس قبل ان يقتلا الكاهن. ومن ثم تقتلهما قوات الامن. وتابعت جيزلان "كان شابا غير مستقر نفسيا. وفرت عائلته كل تعاطف ومحبة لمنع طفلها من الانحراف". لكنهم "فشلوا في اعادة ابنهم ليسلك سلوكا اعتياديا"، حسب قولها.
من جهته، قال فرانسيس دو سيلفا ان عادل كرميش "لم يكن الام تيريزا، لكنه لم يكن من اصحاب الجنح". واضاف صاحب المتجر المجاور لمنزل عائلة كرميش ان عادل كان "في الاعوام الاخيرة يسهر خارجا ويشتري الكحول". وكان الفرنسي كرميش عند وقوع الجريمة يحمل سوارا الكترونيا يتيح للقضاء تتبعه باستمرار. ومع ان اي حكم لم يصدر بحق كرميش الا انه كان معروفا لدى اجهزة مكافحة الارهاب منذ 2015 ووجه اليه الاتهام في آذار/مارس وايار/مايو 2016 لمحاولته مرتين التوجه الى سوريا. واكد الشاب نفسه لصحيفة لو باريزيان "لم نعد نحتمل وجوده. لم يكن على لسانه سوى سوريا وحلمه بقتل جنود (الرئيس السوري) بشار" الاسد، في اشارة الى كرميش. بحسب فرانس برس.
وبعد محاولة اولى في آذار/مارس 2015 للسفر الى سوريا، اوقف في المانيا وسلم لفرنسا. وقال محمد وهو احد جيران كرميش ان هذا الاخير "عاد الى الحي متباهيا" و"كان الجميع يعرف انه يريد العودة" لمحاولة السفر الى سوريا. واعاد الكرة بعد شهر ونصف واوقف في تركيا. وبعد تسليمه للسلطات الفرنسية وجهت اليه تهمة الانضمام لعصابة اشرار على صلة بعمل ارهابي ووضع قيد الحجز الاحتياطي قبل ان يتم اخضاعه للمراقبة عبر سوار الكتروني. وكان يحق لكرميش الخروج بين الساعة 08,00 و12,00 من الاثنين الى الجمعة ومن 14,00 الى 18,00 في نهاية الاسبوع، بحسب النائب العام بباريس فرنسوا مولانس. ونفذ جريمته الدامية اثناء الساعات المسموح له فيها بالخروج.
تعزيز الإجراءات الأمنية
الى جانب ذلك صرح عميد المسجد الكبير في باريس دليل بوبكر بعد اجتماع في مقر الرئاسة أن ممثلي الديانات في فرنسا طلبوا من الرئيس فرنسوا هولاند إيلاء أماكن العبادة "اهتماما أكبر" في مجال الأمن. وقال بوبكر غداة مقتل كاهن في كنيسة في شمال فرنسا: "عبرنا عن رغبتنا العميقة في أن تكون أماكن عبادتنا (اليهودية والمسيحية والمسلمة) موضع اهتمام أكبر، اهتمام دائم بما أن أبسط أماكن العبادة يتعرض لاعتداء". واقترح "إصلاحا في المؤسسات الإسلامية" في فرنسا معتبرا أنه "حان الوقت ليعي المسلمون ما هو ليس على ما يرام في الرؤية العالمية للإسلام، ولأن يبادر مسلمو فرنسا إلى القيام بتأهيل أكثر دراية لرجال الدين".
وعبر عميد مسجد باريس "باسم مسلمي فرنسا عن الحزن العميق الذي يشعرون به والصدمة النفسية التي يشعرون بها أمام هذا الانتهاك التجديفي للحرمات المخالف لكل تعاليم ديانتنا". من جهته، اعتبر رئيس أساقفة باريس المونسنيور فان تروا أن على المؤمنين في فرنسا "ألا يتورطوا في اللعبة السياسية" لتنظيم "داعش" الذي "يريد تحريض الواحد ضد الآخر، أطفال العائلة نفسها". بحسب فرانس برس.
وكان رئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس اعتبر أنه "عبر مهاجمة كاهن في الكنيسة الكاثوليكية، نرى جيدا ما هو الهدف: تأليب الفرنسيين ضد بعضهم البعض ومهاجمة ديانة من أجل التسبب بحرب أديان". وعقد هولاند أيضا اجتماعا مع مجلس الأمن والدفاع للنظر في الإجراءات الجديدة الممكنة لحماية أماكن العبادة ودعا الفرنسيين إلى التضامن. وهذه هي المرة الأولى التي يهاجم فيها جهاديون مكان عبادة كاثوليكيا في أوروبا.
في السياق ذاته من أعلن الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند رفضه لدعوات المعارضة من اليمين واليمين المتطرف لتشديد قوانين مكافحة الإرهاب بعد الاعتداء على كنيسة، معتبرا أن القوانين التي تم التصويت عليها منذ العام 2015 تمنح السلطات "القدرة على التحرك". وصرح هولاند في كلمة متلفزة من القصر الرئاسي الفرنسي "أن التضييق على حرياتنا والانتقاص من قوانينا الدستورية لن يعطي فاعلية في مكافحة الإرهاب، وسيضعف التماسك اللازم لأمتنا". وتابع أن "الحكومة تطبق وستطبق بأكبر حزم ممكن القوانين التي قمنا بالتصويت عليها والتي تعطي القضاء والمديريات وقوى الأمن القدرة على التحرك ويعززها تمديد وتشديد حالة الطوارئ".
من جهته اعتبر رئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس أنه "عبر مهاجمة كاهن في الكنيسة الكاثوليكية، نرى جيدا ما هو الهدف: تأليب الفرنسيين ضد بعضهم البعض ومهاجمة ديانة من أجل التسبب بحرب أديان". ومنذ اعتداء نيس يوم العيد الوطني الفرنسي، تواجه الحكومة الفرنسية انتقادات في البلاد بسبب الثغرات المفترضة في إجراءات مكافحة الإرهاب. وكان الرئيس السابق نيكولا ساركوزي طالب في وقت سابق الحكومة الفرنسية "بتغيير طريقة ردها" بشكل جذري.
وتابع الرئيس الفرنسي أن "هذه الحرب ستكون طويلة. المستهدف هو ديمقراطيتنا. هي الهدف وستكون درعنا" داعيا الفرنسيين إلى الاتحاد وقال "هكذا سنربح الحرب ضد الحقد والتعصب. أؤكد لكم أننا سننتصر في هذه الحرب". وكما حصل بعد اعتداء نيس، سارعت المعارضة من اليمين إلى مهاجمة الحكومة الاشتراكية بعد الاعتداء على الكنيسة، متهمة إياها بالتراخي وعدم الكفاءة في عملية مكافحة الإرهاب. ونددت زعيمة الجبهة الوطنية مارين لوبن على حسابها على موقع "تويتر" ب"كل الذين يحكموننا منذ ثلاثين عاما".
دعاوى قضائية ضد الدولة
على صعيد متصل سجل القضاء الفرنسي 4 دعاوى على الأقل وأخرى لا تزال قيد النظر ضد الدولة الفرنسية وبلدية نيس (جنوب شرق) من عائلات ضحايا الاعتداء الذي وقع في نيس (جنوب شرق) في 14 تموز/يوليو ، على خلفية التقصير أمنيا، بحسب ما أفاد مصدر قضائي. وقال النائب العام في نيس جان ميشال بريتر إنه "تم تسجيل أربع دعاوى، وأخرى لا تزال قيد النظر". والمدعون هم أشخاص كانوا على مقربة من مكان وقوع الاعتداء أو من أهالي القاصرين الذين كانوا متواجدين في المكان.
ويذكر أن مساء 14 تموز/يوليو دهس تونسي يبلغ من العمر 31 عاما بشاحنة مبردة مئات الاشخاص الذين أتوا لحضور عرض للألعاب النارية على جادة البروموناد ديزانغليه موقعا 84 قتيلا وأكثر من 350 جريحا. ومنذ ذلك اليوم، ورغم نفي رئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس أي تقصير للأجهزة الأمنية المكلفة تأمين الحماية للاحتفالات بالعيد الوطني الفرنسي، لم يتراجع الجدل حيال الموضوع. ويدور الجدل خصوصا حول الانتشار الأمني - قوات الشرطة الوطنية والبلدية - الذي لم يكن كافيا على الحواجز التي أقيمت مبدئيا باستخدام عربات للشرطة لقطع الطريق ومنع دخول السيارات إلى الجادة. بحسب فرانس برس.
وفي مقابلة مع صحيفة "لوجورنال دو ديمانش" قالت ساندرا برتان المسؤولة عن كاميرات المراقبة لدى الشرطة البلدية في مدينة نيس إنها تعرضت لضغوط في الخامس عشر من تموز/يوليو من قبل شخص "أرسل" من وزارة الداخلية. وأوضحت أنه طلب منها أن تؤكد في تقريرها عن الصور التي التقطتها كاميرات المراقبة، وجود عناصر من الشرطة البلدية "والتأكيد أيضا على وجود الشرطة الوطنية في نقطتين في إطار الإجراءات الأمنية" التي كانت متخذة بمناسبة الاحتفالات بالعيد الوطني الفرنسي. وسارع وزير الداخلية برنار كازنوف المعني مباشرة بهذه الاتهامات، إلى نفي ما قالته المسؤولة في الشرطة تماما وأكد أنه قدم دعوى قضائية ضدها بتهمة "التشهير".
اضف تعليق