معركة الفلوجة التي تخوضها قوات الجيش العراقي مع قوات الحشد الشعبي والعشائري ضد تنظيم داعش الارهابي، تعد من اهم المعارك فهي وبحسب بعض الخبراء مصيرية وصعبة وستكون اختبارا لعزم ومثابرة القوات العراقية، التي حققت تقدما ميدانيا مهما في بعض المناطق منذ بدء مرحلة اقتحام المدينة وكبدت تنظيم داعش خسائر فادحة، الامر الذي اجبره على اتخاذ خطط خبيثة من اجل اعاقة تقدم الجيش العراقي، ومنها اتخاذ المدنيين دروعا بشرية واعتماده أسلوب زرع الألغام، اضافة الى اعتماد حرب اعلامية مضادة من اجل تشويه سمعة الجيش والحشد الشعبي، من خلال العزف على وتر الطائفية والترويج لوجود انتهاكات بحق المدنيين في معركة الفلوجة، وهو ما نفاه قادة الحشد العشائري من ابناء السنة، الذين اكدوا على عدم وجود مثل هكذا انتهاكات بحق المدنيين وان ما يثار هو مجرد تشويه لسمعة الحشد العشائري والشعبي والقوات الامنية.
من جانب اخر اكد بعض المراقبين ان معركة تحرير الفلوجة تعد ايضا تحدي مهم للحكومة العراقية، التي تواجه جملة من الازمات والمشكلات الامنية والاقتصادية وسياسية، بسبب تفاقم الخلافات الداخلية التي قد تستغلها بعض الجهات والحكومات الداعمة لداعش، من اجل تغير نتائج المعركة او تخفيف الضغط على هذا التنظيم.
وفيما يخص اخر تطورات هذه المعركة فقد اعلن مسؤول عسكري عراقي رفيع استعادة اكبر احياء مدينة الفلوجة من سيطرة تنظيم داعش الذي اصبح محاصرا في هذه المدينة الخاضعة لهيمنته منذ اكثر من عامين، وقال الفريق عبد الوهاب الساعدي قائد عملية الفلوجة، ان "قوات مكافحة الارهاب والجيش وشرطة الانبار تمكنت من تحرير حي الشهداء الاولى من سيطرة تنظيم داعش الارهابي". وقالت قيادة العمليات المشتركة ان حي الشهداء الاولى هو اكبر احياء الفلوجة، واشار الساعدي قائد وحدات النخبة الى "وجود مقاومة لتنظيم داعش في جنوب الفلوجة". ولفت الى ان "تحرير هذه المنطقة (الحي) سيخفف الهجمات التي كان داعش يشنها انطلاقا منه ضد قواتنا، وسيمكن من الوصول الى مركز الفلوجة" (50 كلم غرب بغداد). والشهداء الاولى هي ثالث حي يتمكن جهاز مكافحة الارهاب من استعادته داخل المدينة التي تحاصرها قوات الجيش والشرطة والحشد الشعبي من جميع الجهات.
ممرات امنة
من جانب اخر قال الجيش العراقي إنه تمكن من تأمين أول مسار خروج للمدنيين الذين يحاولون مغادرة مدينة الفلوجة وقالت جماعة إغاثة نرويجية إن آلاف الأشخاص استخدموه بالفعل للفرار في أول يوم يُفتح فيه. وشن العراق عملية كبيرة لاستعادة الفلوجة معقل تنظيم داعش. وقال العميد يحيى عبد الرسول المتحدث باسم قيادة العمليات المشتركة إنه تم تأمين طريق الخروج الجديد المعروف باسم تقاطع السلام إلى الجنوب الغربي من الفلوجة. وأضاف "هناك طرق أخرى أعدت مسبقا لكن هذا الممر هو الأول الذي تم تأمينه بالكامل وهو طريق آمن نسبيا".
وقال كارل تشيمبري المتحدث باسم المجلس النرويجي للاجئين في العراق والذي يساعد السكان على الفرار من المدينة إن نحو أربعة آلاف شخص فروا خلال 24 ساعة عبر تقاطع السلام. وأضاف "نتوقع أن يتمكن الآلاف الآخرين من المغادرة خلال الأيام المقبلة." وقال عبد الرسول إنه جرى تأمين تقاطع السلام بعد أن طردت القوات العراقية المسلحين من مناطق واقعة على الضفة الغربية لنهر الفرات في الناحية الأخرى من وسط مدينة الفلوجة على الضفة الشرقية. ولم يذكر عدد المدنيين الذين تمكنوا من الفرار حتى الآن.
وقالت الأمم المتحدة في الثامن من يونيو حزيران إن أكثر من 20 ألف شخص تمكنوا من الفرار من المدينة والمنطقة المحيطة منذ أن بدأ الجيش العراقي هجومه في 23 مايو أيار. ولكن نقص الطرق الآمنة جعل فرارهم صعبا وخطيرا للغاية. وأفادت تقارير أن عشرة أشخاص على الأقل غرقوا أثناء عبور نهر الفرات. وقال من تمكنوا من الوصول إلى المناطق الواقعة تحت سيطرة الحكومة إنهم ساروا لأيام لتفادي نيران القناصة والعبوات الناسفة التي زرعها مسلحو تنظيم داعش على طول الطرق لتأخير تقدم الجيش. بحسب رويترز.
وقال مسؤول حكومي إن المتشددين يدافعون بشراسة عن المدينة التي طالما كانت معقلا للتمرد والتي خاضت فيها القوات الأمريكية أشرس معارك أثناء احتلالها للعراق الذي استمر من عام 2003 وحتى عام 2011. ويقول رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي إن القوات تتقدم بحذر من أجل حماية المدنيين. ويتلقى الجيش دعما جويا من قوات التحالف بقيادة الولايات المحتدة ودعما بريا من قوات الحشد الشعبي ومقاتلين قبليين سنة. وانتشر مقاتلو الحشد خلف خطوط الجيش ولم يشاركوا بشكل مباشر في الهجوم على المدينة لتفادي تأجيج المشاعر الطائفية. ويجري هجوم الفلوجة في نفس الوقت الذي يحرز فيه مقاتلون تدعمهم الولايات المتحدة وقوات حكومية سورية مدعومة من روسيا تقدما في سوريا على الجانب الآخر من الأراضي التي يسيطر عليها تنظيم داعش.
دروع بشرية
على صعيد متصل تقول الأمم المتحدة إن المتشددين يستغلون المدنيين كدروع بشرية مثلما حدث في مواقع أخرى من العراق، وقالت الأمم المتحدة إن 20 ألف طفل على الأقل محاصرين داخل المدينة يواجهون مخاطر التجنيد الإجباري أو الانفصال عن أسرهم. وفي ملجأ قرية الكرمة قال بعض السكان الهاربين إن المتشددين فصلوهم إجباريا عن أقاربهم.
وقالت عراقية تدعى أم سلام (40 عاما) كانت تحتضن رضيعا بين ذراعيها إن مقاتلي تنظيم داعش استخدموا الرجال في قريتها كدروع بشرية مع اقتراب الجيش منهم. وأضافت أم سلام إن المتشددين نقلوها هي وأسرتها إلى منزل آخر في القرية "وظللنا محاصرين في البيت خمسة أيام بلا طعام." وتم إطلاق سراحهم عندما سيطرت القوات العراقية على القرية.
وقال حسن فرحان صالح وهو ناظر مدرسة عمره 45 عاما إنه مع اشتداد حدة نقص السلع في الفلوجة في الشهور الأخيرة ضغط المتشددون على السكان لتزويدهم بالمال والطعام. وأضاف "طلبوا منتجات من المزارعين وماشية من أصحاب القطعان." وهزت مجموعة من الرجال الأكبر سنا كانوا يجلسون مع صالح داخل مدرسة الكرمة رؤوسهم إقرارا بصحة ما يقول. وأضاف أن المتشددين أخذوا منه ذات مرة 4000 دولار كان سيشتري بها سيارة مستعملة.
وقال رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي في وقت سابق إن العراق أبطأ الهجوم على مدينة الفلوجة بسبب مخاوف على سلامة المدنيين بينما توقفت القوات على مشارف المدينة. وقال العبادي للقادة العسكريين في غرفة العمليات قرب الجبهة في لقطات بثها التلفزيون الرسمي "كان من الممكن أن تحسم المعركة بسرعة لو لم يكن حماية المدنيين ضمن خطتنا الأساسية."
وقال بيتر هوكينز ممثل يونيسيف بالعراق في بيان "نشعر بالقلق إزاء حماية الأطفال في مواجهة العنف الشديد." وأضاف "يواجه الأطفال خطر التجنيد القسري في القتال" داخل المدينة المحاصرة "والانفصال عن أسرهم" إذا تمكنوا من المغادرة. وقال برنامج الأغذية العالمي في بيان إن الوضع الإنساني يتفاقم مع نفاد مخزونات الغذاء لدى الأسر وهو ما أدى لارتفاع الأسعار إلى مستويات لا تستطيع تحملها سوى قلة. وقال البيان "يتعذر إدخال المساعدات إلى المدينة وشبكات توزيع الأغذية في الأسواق لا تزال معطلة." وأضاف "الطعام الوحيد المتاح لا يأتي من الأسواق بل من المخزونات التي ما زالت لدى بعض الأسر في منازلها." بحسب رويترز.
من جهة اخرى نقلت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة عن شهود قولهم إن تنظيم داعش يستخدم مئات من العائلات كدروع بشرية في مدينة الفلوجة. وقال وليام سبيندلر المتحدث باسم المفوضية لدينا عدة تقارير عن استخدام مئات العائلات كدروع بشرية من قبل داعش في وسط الفلوجة." وقالت المتحدثة باسم المفوضية أريان روميري إن الشهادات جاءت من نازحين تحدثوا إلى موظفي المفوضية الميدانيين.
وأضافت "معظم الفارين كانوا يقطنون في مناطق على أطراف الفلوجة. ولبعض الوقت كان المتشددون يسيطرون على الحركة. نعلم أن مدنيين مُنعوا من الفرار. وهناك أيضا تقارير من أشخاص غادروا خلال الأيام الأخيرة بأنهم (المدنيين) يجبرون على التحرك مع أعضاء التنظيم داخل الفلوجة."
الى جانب ذلك قالت نائبة برلمانية تمثل الأقلية اليزيدية في العراق إن القوات العراقية أنقذت اثنتين من نساء اليزيديين من قبضة تنظيم داعش في الفلوجة خلال هجوم لاستعادة المدينة. وشكرت النائبة فيان دخيل الجيش لإنقاذه المرأتين على حسابها الرسمي على تويتر وكتبت "أدعو لإنقاذ الباقين". وأسر المتشددون الذين اجتاحوا منطقة سنجار في شمال غرب العراق خلال صيف عام 2014 أكثر من خمسة آلاف يزيدي أغلبهم من النساء والأطفال. ويعتبر تنظيم داعش الأقلية اليزيدية عبدة للشيطان.
ومنذ ذلك الوقت فر أكثر من ألفي يزيدي أو أُفرج عنهم بعد دفع فدية أو جرى إنقاذهم إلا أنه لا يعرف أي شيء عن الباقين. ونقل الأسرى اليزيديون إلى بلدات ومدن في مناطق مختلفة يسيطر عليها التنظيم في العراق وسوريا بما في ذلك الرقة والموصل معقلا التنظيم. وأشارت دخيل في تغريدة أخرى إلى أن الكثير من اليزيديين محتجزون في سجون هناك.
تجميد الخلافات
في السياق ذاته دعا رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي السياسيين إلى "تجميد" خلافاتهم بشأن إصلاحاته التي تهدف لمكافحة الفساد والاتحاد خلف الجيش في معركته مع تنظيم داعش في الفلوجة. ويكافح العبادي أزمة سياسية منذ فبراير شباط ولم يتمكن من حشد دعم الكتل الرئيسية في البرلمان لخطته لمكافحة الفساد والتي تشمل تعديلا وزاريا.
وأمر العبادي في 22 من مايو أيار بشن الهجوم على الفلوجة بعدما تحولت الأزمة السياسية إلى عنف دموي داخل وحول المنطقة الخضراء شديدة التحصين في بغداد وبعدما ضربت سلسلة من التفجيرات- أعلن تنظيم داعش مسؤوليته عنها- أحياء شيعية في العاصمة. وقال العبادي عبر التلفزيون الرسمي خلال زيارة لخط الجبهة قرب الفلوجة "أدعو (السياسيين) إلى تجميد كل الخلافات إلى حين تحربر الأرض." وأضاف "أكبر فساد هو فساد داعش والذي يؤخرنا عن قتال داعش هو الفاسد." بحسب رويترز.
ومنذ بدء الهجوم على الفلوجة لم يحاول المتظاهرون اقتحام المنطقة الخضراء التي تضم البرلمان ومقار الحكومة وسفارات. وكان محتجون بينهم أتباع رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر الذي يتمتع بنفوذ قوي قد اقتحموا المنطقة مرتين في 30 أبريل نيسان و20 مايو أيار للضغط من أجل الإصلاحات. وتعهد العبادي في ديسمبر كانون الأول أن يكون 2016 عام النصر النهائي على المتشددين وتوقع انتزاع السيطرة على الموصل معقلهم الرئيسي بشمال العراق، والفلوجة هي ثاني أكبر مدينة عراقية بعد الموصل لا تزال تحت سيطرة تنظيم داعش وكانت أول مدينة عراقية يسيطر عليها التنظيم وذلك في يناير كانون الثاني 2014.
اضف تعليق