ملف الارهاب والحوادث الدموية التي وقعت في العديد من دول العالم، لاتزال محط اهتمام كبير حيث سعت بعض الحكومات والمؤسسات العالمية وفي سبيل ابعاد شبح التهديدات الارهابية، التي تفاقمت بشكل خطير في السنوات الاخيرة الى تكثيف جهودها الامنية والمعلوماتية والعمل على مراقبة المجاميع المتطرفة، ودراسة الدوافع والأسباب التى تقف وراء شيوع ظاهرة الإرهاب، في ظل المتغيرات الدولية والتحديات الجديدة فقد اكدت بعض التقديرات الدولية أن تنظيم داعش الارهابي الذي يعد اليوم خطر تنظيم اجرامي، أصبح يتبعه في الوقت الحالي نحو 50 تنظيم ينتمون لحوالي 21 دولة في مختلف المسارح الدولية "الإفريقية، الأوروبية، الأسيوية، الأمريكية". وفي تقرير خاص عن الإرهاب في العالم لعام 2015، قالت وزارة الخارجية الأمريكية إن تنظيم داعش، استطاع هزيمة تنظيم القاعدة والتفوق عليه بتصدر الهجمات الإرهابية؛ بسبب تكتيك جديدهو استخدام أسلوب الذئاب المنفردة أو الذئب الوحيد lone wolf، الذي لا يعتمد على هجمات جماعية كما حدث في 11 سبتمبر وإنما بفرد واحد مقطوع الصلة عن الآخرين، بما يصعب مهمة تتبع المسؤولين عن الجرائم التي تقع.
والذئاب المنفردة اوالمستوحدة، كما تنقل بعض المصادر هم أشخاص اعتنقوا التطرف ذاتيًا، وينفذون عمليات إرهابية من دون أي صلة تربطهم بجماعات إرهابية، وبعضهم يتحرك بناء على قناعة بما يطلبه قادة داعش من قتل للأجانب أو الشيعة، ويلاحظ أن أغلب العمليات التي جرت قيل على لسان من نفذوها إنهم فعلوا هذا بناء على تكليف من قادة في داعش أو القاعدة دون أن يروهم أو يتصلوا بهم، ولكنهم علموا بما طالبوا به عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
وسبق أن حذرت من هذه الظاهرة العام الماضي السيناتورة دايان فينستسن، عضو لجنة الاستخبارات التابعة لمجلس الشيوخ الأمريكي، الذي قدر عدد المقاتلين بصفوف داعش ما بين 30 و40 ألفًا، لكنها قالت إن مشكلة الذئاب المستوحدة هي الأكبر؛ لأنهم أشخاص يقومون أو يخططون لعمليات إرهابية باسم جماعة متطرفة معينة دون الحصول على أي دعم أو صلة بها. وقالت أعتقد أن مسألة الذئاب المستوحدين مشكلة كبيرة، وأضافت السيناتورة دايان فينستسن: الطريقة الوحيدة لمواجهة ظاهرة الذئاب المستوحدين هي الاستخبارات، وهذا أمر صعب؛ لأنه يتطلب سبلًا تكنيكية والأمريكيون لا يستسيغون بالضرورة مثل هذه السبل.
ورغم التنامي المطرد والسريع لظاهرة الذئاب المستوحدة إلا أن تركيز الحكومات وأجهزة الشرطة والاستخبارات ومحاولة دراستها ومعرفة النمطية التي يعملون بها استمر ولا زال، ولم تأخذ فكرة دراسة ظاهرة الذئاب المستوحدة القدر الكافي من اهتمام الأجهزة. ولهذا طالب التقرير حكومات الدول المتحالفة في الحرب على الإرهاب بكل أشكاله أن تعطي اهتمامًا أكبر لدراسة هذه الظاهرة، خاصة أن خطرها أكبر ولها تأثيرًا أعمق على المجتمعات الديمقراطية والمدنية، وفي المستقبل المنظور ربما تشكل الذئاب المستوحدة خطرًا لا يستهان به.
كما خلص تقرير أعده ماثيو ليفيت وريان يوكيليس لـ معهد واشطن لسياسة الشرق الأدنى حول النتائج المستخلصة من التقرير السنوي لوزارة الخارجية الأمريكية عن تنامي تنظيم داعش، بأن المسؤولين عن مكافحة الإرهاب يواجهون مجموعة جديدة من المشاكل بفعل تزايد الهجمات الفردية، وأشار إلى أن استراتيجية داعش المخططة أدت بشكل منهجي إلى تناميه السريع، وما زالت هذه الاستراتيجية تُثبت نجاحها فنظام التمويل المعقد والمتنوع الذي تعتمده الجماعة، والتجنيد الفعال للمقاتلين الأجانب، وقدرة التنظيم على نشر أيديولوجيته، جميعها عوامل أدّت إلى تسهيل توسعه.
الفرنكفونية والتطرف الجهادي
في هذا الشأن يعتبر باحثان اميركيان درسا التيار السني المتطرف حول العالم ان القيم السياسية والثقافية الفرنسية تلعب للمفارقة دورا رئيسيا في التطرف الاسلامي، ما اثار اعتراضا شديدا من قبل سفير فرنسا لدى الولايات المتحدة. وكتب وليام ماكنتس وكريستوفر ميسيرول من معهد بروكينغز مركز الدراسات الاميركي المرموق ان الاعتداءات الاخيرة في بروكسل وتلك التي سبقتها في باريس "تكشف حقيقة مثيرة للقلق (وهي) ان الخطر الذي يمثله الجهاديون اكبر في فرنسا وبلجيكا مما هو في باقي اوروبا".
ولفت الباحثان في مقالة بعنوان "الرابط الفرنسي" نشرت في مجلة "فورين افيرز" الى انه رغم "ما يبدو الامر غريبا فان اربعا من الدول الخمس التي سجلت اكبر نسبة للتطرف في العالم هي فرنكفونية بينها الاثنتان الاوليان في اوروبا". وكتب السفير الفرنسي في الولايات المتحدة جيرار ارو في تغريدة على تويتر "ان هذا النص لا يحمل اي معنى منهجي. انه اهانة للذكاء من ادب (مارسيل) بروست الى داعش"؟ مضيفا ان "بلجيكا 45% فرنكوفونية كما ان ثقافتها السياسية مغايرة جدا لتلك المتبعة في فرنسا".
ويقول الكاتبان انهما درسا الظروف الاصلية للاجانب الذين انتقلوا الى الفكر الجهادي ليتوصلا الى هذه النتيجة "المذهلة" وهي ان العامل الاول ليس كونهم يأتون من بلد ثري ام لا او من بلد يحظى بمستوى ثقافي ام لا، كما انه لا يعود ايضا الى كونهم اغنياء ام لا او انه تتوفر لديهم امكانية تصفح الانترنت بسهولة ام لا، بل العامل الاول هو برأي الكاتبين انهم يأتون من بلد فرنكوفوني او من بلد تعتبر فيه الفرنسية لغة وطنية. والتفسير الذي يعطيه الباحثان يتلخص بثلاث كلمات وهي "الثقافة السياسية الفرنسية".
ولفت ماكنتس وميسيرول الى "ان المقاربة الفرنسية للعلمانية هي اكثر حدة، ان جاز القول، من المقاربة البريطانية. ان فرنسا وبلجيكا على سبيل المثال هما البلدان الاوروبيان الوحيدان اللذان حظرا ارتداء الحجاب الكلي (النقاب والبرقع) في المدارس العامة". ويؤكد الباحثان انهما يستندان الى اعداد الجهاديين في البلدان المعنية. ويقولان "بالنسبة للفرد المسلم تنتج بلجيكا عددا من المقاتلين الاجانب اكبر بشكل ملحوظ من المملكة المتحدة او السعودية".
وماكنتس مؤلف كتاب عن تنظيم داعش، خبير معروف بشؤون العالم الاسلامي لدى مركز سياسات الشرق الاوسط المتخصص في دور الولايات المتحدة في هذه المنطقة. كما ان وزارة الخارجية الاميركية تستمع الى نصائحه حول مسائل التطرف الديني. ويشدد ماكنتس وميسيرول ايضا على عامل ثانوي مهم وهو التفاعل بين نسب التمدن والبطالة لدى الشبان. فعندما تتراوح نسبة التمدن بين 60 و80 في المئة مع نسبة بطالة لدى الشبان بين 10 و30 في المئة، فتظهر حينها اندفاعة التطرف السني. وتلاحظ هذه الفرضيات خصوصا في بلدان فرنكفونية. بحسب فرانس برس.
والنتيجة كما يلاحظ الكاتبان هي ان بعض ضواحي باريس ومولنبيك في بلجيكا او بن قردان في تونس تنتج عددا "كبيرا للغاية" نسبيا من المرشحين للجهاد. وامام هذا الخليط بين الثقافة السياسية الفرنسية والتمدن والبطالة لدى الشبان توصل الكاتبان الى خلاصة يشددا فيها على "الظروف". ويعبران عنها بقولهما "نعتقد انه عندما تكون هناك نسب كبيرة من الشبان بدون عمل فان البعض منهم يرتمي في احضان الانحراف. وان كانوا يعيشون في مدن كبرى تتوفر امامهم فرص اكبر للالتقاء باناس لديهم عقيدة متطرفة. وعندما تقع هذه المدن في بلدان فرنكوفونية تتمسك برؤية حادة بشأن العلمانية، فان التطرف السني يبدو حينئذ اكثر اغواء".
الاشقاء والعمليات الارهابية
من جانب اخر أفادت التحقيقات الأمنية بعد وقوع عدد من الاعتداءات الإرهابية في العالم ضلوع أشقاء في عمليات التخطيط والتنسيق والتنفيذ. ففي بؤر التوتر كما في معسكرات القتال وفي صلب الخلايا الإرهابية، كثيرا ما يوجد عدد من الأشقاء. المتأمل في قائمة الجهاديين الذين نفذوا أو شاركوا في الإعداد لأعنف الهجمات الإرهابية في العالم، منذ اعتداءات 11 أيلول/سبتمبر 2001 التي نفذها تنظيم القاعدة وصولا إلى تفجيرات بروكسل (22 مارس/آذار) التي تبناها تنظيم داعش، يلاحظ أن أشقاء اشتركوا في تنفيذ هذه الاعتداءات الدموية.
فاعتداءات 11 سبتمبر/أيلول بالولايات المتحدة، شارك فيها ثلاثة أزواج من الإخوة الأشقاء يحملون جميعهم الجنسية السعودية، وكان من بين الانتحاريين الذين نفذوا تفجيرات قطارات مدريد في 11 مارس/أذار 2004 شقيقان من أصول مغربية، والأخوان الأمريكيان من أصول شيشانية تيمورلنك وجوهر تسارناييف نفذا تفجيرات مارثون بوسطن في 15 نيسان/أبريل 2013، والأخوان كواشي ارتكبا في 7 يناير/كانون الثاني 2015 الهجوم على أسبوعية "شارلي إيبدو" الساخرة بباريس، والأخوان إبراهيم وصلاح عبد السلام متورطان في اعتداءات باريس الأخيرة، ومؤخرا الأخوان البكراوي اللذان فجرا نفسيهما بمطار بروكسل ومحطة الميترو مالبيك بالحي الأوروبي.
ولئن اختلفت التنظيمات التي عملت تحت لوائها هذه العناصر الإرهابية، من القاعدة إلى القاعدة في اليمن إلى تنظيم داعش، فإن رابطة القرابة والدم بين هذه العناصر واحدة. ويبدو السيناريو وكأنه يعاد في كل مرة: أشقاء نسقوا واشتركوا في ارتكاب اعتداءات دموية عنيفة. غالبا ما تراهن التنظيمات الإرهابية على طابع السرية والثقة التي تربط بين عناصرها منذ مرحلة تنظيم خليات التجنيد وحتى النسيج الذي يكوّن قياداتها. نفس مبدأ الثقة والسرية يتوفر في صلب العلاقات داخل الأسر، فالعلاقات بين الأشقاء غالبا ما تتميز بالثقة لأنهم غالبا ما يتقاسمون نفس نمط الحياة والظروف الاجتماعية والثقافية وحتى الاقتصادية .
الخبير النفسي التونسي وحيد قوبعة يرى أن تفسير علم النفس لهذه الظاهرة يفسر بأن الأشقاء لديهم تكوينا نفسيا واحدا أو متشابه لدرجة كبيرة. وغالبا ما يتقاسم الأخوة نفس المبادئ ويتلقون نفس التربية ويملكون نفس القيم والمعتقدات وبالتالي قد يدافعون بنفس الشراسة على المبادئ والقضايا التي يؤمنون بها. ولذلك فإن إمكانية تأثير أحد الأشقاء على البعض الآخر تكون أيسر وأكثر فاعلية وبالتالي تصبح العلاقة بينهم مبنية على درجة أكبر من الانصهار.
وفي حال تمكنت المنظمات الجهادية من استقطاب أحد أفراد العائلة فمن الطبيعي أن يجر هذا العنصر معه الشخص الأقرب إليه في نشاطه الإرهابي وفي هذه الحالات يكون الأخ أو الأخت.
ويضيف الخبير بأن عاملي السن والمستوى الثقافي لا يؤثران كثيرا في تأثير الأشقاء على بعضهم البعض، بل يمكن أن يؤثر الأخ الأصغر على الأخ الأكبر أو أن يكون الشخص المُؤثر يتمتع بمستوى علمي وثقافي أقل من المؤثر عليه.
الخبير في الشؤون الأمنية ومكافحة الإرهاب علي الزاوي يؤكد أن خاصية السرية هي التي تميز العلاقات الأخوية-الجهادية لتبقى أنشطتهم في إطار من الكتمان التام وبالتالي الالتفاف على كل محاولات تدخل أجهزة الأمن والاستعلامات وأيضا التقليص من هامش الوشاية التي قد تعترض الجهاديين إذا ما ضمت خلاياهم عناصر جديدة من خارج الإطار الأسري. ويضيف الخبير الجزائري الزاوي بأن عامل استقطاب العناصر الجهادية يتم أيضا في محيط مهمش وعادة في الأحياء الفقيرة التي تعيش على هامش المجتمع، وحتى داخل الدول المتقدمة، وهي البيئة التي تلائم أكثر انتشار الأفكار المتطرفة لتضم النواة الإرهابية في مراحلها الأولى الأشقاء ثم الأقارب وبعد ذلك الأصدقاء المقربون وأبناء الحي. لذلك نجد أحيانا خلايا كاملة في مناطق النزاع كسوريا أو العراق مثلا أو حتى خلايا نائمة تتكون من أقارب وأصهار وآخرين تتفاوت درجات قرابتهم الأسرية من بعضهم البعض.
من جهة اخرى كشفت شبكة "إن بي سي" التلفزيونية الأمريكية أن اسمي الشقيقين خالد وإبراهيم البكراوي اللذين فجرا نفسيهما في مترو بروكسل ومطارها كانا مدرجين على القوائم الأمريكية لمكافحة الإرهاب. ونقلت الشبكة عن مسؤولين أمريكيين طلبا منها عدم نشر هويتهما أن اسمي الشقيقين كانا مدرجين على إحدى قوائم الاشخاص المشتبه بارتباطهم بالإرهاب، مشيرة إلى أن مصدريها "لم يحددا على أي قائمة تحديدا من هذه القوائم العديدة" للمشبوهين بالإرهاب ورد اسما الشقيقين البلجيكيين.
وحاولت "وكالة الأنباء الفرنسية" التحقق من هذه المعلومات من "المركز الوطني لمكافحة الإرهاب" المسؤول عن تبادل المعلومات بين كل أجهزة الاستخبارات الأمريكية في ما يتعلق بالبيانات المتعلقة بالمتطرفين المحتملين، إلا أن المركز لم يرد على أسئلة الوكالة. وكان إبراهيم البكراوي قد فجر نفسه في مطار بروكسل مع انتحاري ثان، في حين فجر شقيقه خالد نفسه في محطة مترو في العاصمة البلجيكية. وأكدت وزارة العدل الهولندية أن تركيا رحلت إبراهيم البكراوي إلى هولندا في تموز/يوليو الماضي. بحسب فرانس برس.
ويذكر أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أعلن أن أحد الانتحاريين الثلاثة الذين شاركوا في الاعتداء الدامي في مطار بروكسل كان اعتقل في جنوب تركيا في حزيران/يونيو 2015 وتم ترحيله إلى بلجيكا التي أطلقت سراحه. وفي حين لم يحدد اسم هذا الشخص، قال مسؤول تركي كبير إنه إبراهيم البكراوي.
بروكسل وباريس
في السياق ذاته فخالد البكراوي الذي ذكر أنه الانتحاري الذي فجر نفسه في مترو بروكسل هو الرابط الذي يشير إلى أن أعضاء في خلية إسلامية واحدة هم المسؤولون عن هجمات نوفمبر تشرين الثاني في باريس والتفجيرات التي وقعت في بروكسل وقتلت 31 شخصا. وربما توطدت العلاقة بين المجموعة داخل السجون البلجيكية وخلال القتال في سوريا. ويشكل المسلمون نحو خمسة بالمئة من سكان بلجيكا البالغ عددهم 11 مليون نسمة. وفي بلجيكا أكبر نسبة بين دول أوروبا من حيث عدد المواطنين الذين انضموا للمتشددين الإسلاميين في سوريا.
وكان خالد وأخوه إبراهيم الذي فجر نفسه في مطار بروكسل معروفان للسلطات لتورطهما في جرائم عنف. وحكم على خالد (27 عاما) بالسجن لخمس سنوات في 2011 في قضية سرقة سيارة. وسجن إبراهيم (30 عاما) في 2010 بعدما أطلق النار من بندقية كلاشنيكوف على الشرطة بعد سرقة. وأطلق سراحه في 2014 وكان يجري البحث عنه منذ منتصف 2015 بعدما انتهك شروط الإفراج عنه.
ووفقا لصحيفة (لا درنيير أور) البلجيكية استأجر خالد تحت اسم مستعار شقة في مدينة شارلروا التي استخدمها بعض مهاجمي باريس كقاعدة لهم. كما استأجر شقة أخرى في حي فورست في بروكسل والتي كانت مسرحا لإطلاق نار خلال ما كانت تعتقد الشرطة أنه تفتيش روتيني لمنزل. وثبت أن إطلاق النار الذي وقع يوم 15 مارس آذار كان لحظة فارقة في التحقيقات بشأن هجمات باريس وهو ما أدى إلى قيام قناص بالشرطة بقتل المسلح الجزائري محمد بلقايد المشتبه في أنه أحد منفذي هجمات باريس.
كما عثرت الشرطة على آثار لبصمات صلاح عبد السلام الذي اعتقل بعدها بثلاثة أيام وهو المشتبه به الوحيد في هجمات باريس الذي يلقى القبض عليه حيا. وعرف عبد السلام وبلقايد بعضهما البعض لشهور على الأقل. وأوقف الرجلان وشخص ثالث يدعى نجم العشراوي داخل سيارة مرسيدس في نقطة تفتيش أثناء عبورهم من المجر إلى النمسا في سبتمبر أيلول لكن أطلق سراحهم في وقت لاحق. وسافر العشراوي إلى سوريا في فبراير شباط 2013.
وفي ديسمبر كانون الأول وجهت الشرطة التي كانت تلاحق عبد السلام بالفعل نداء عاما لمساعدتها في إلقاء القبض على بلقايد والعشراوي ونشرت صورة لهما في متجر. وكان بلقايد يسافر باستخدام وثائق مزورة تحت اسم سمير بوزيد. واستأجر العشراوي وهو بلجيكي يبلغ من العمر 25 عاما منزلا باستخدام اسم مستعار في بلدة أوفوليه البلجيكية. وخضع المنزل للتفتيش يوم 26 نوفمبر تشرين الثاني. وعثر على آثار لحامضه النووي (دي.إن.إيه) في منازل استخدمها منفذوا هجمات باريس العام الماضي. ودرس العشراوي الهندسة الكهربائية ويشتبه في أنه صنع القنابل التي استخدمت في هجمات باريس وربما تلك المستخدمة في هجمات بلجيكا. بحسب رويترز.
وبعد أسبوع من إصدار النداء العام عثرت الشرطة على بقايا مصنع قنابل بما في ذلك آثار مادة بيروكسيد الأسيتون المتفجرة وأحزمة مصنعة يدويا في شقة في حي سكاربيك في بروكسل الذي نشأ فيه العشراوي. وبخلاف سفره مع عبد السلام يمكن ربط بلقايد بهجمات باريس من خلال العقل المدبر للهجمات وهو عبد الحميد أباعود وهو بلجيكي قتل مع ابنة عمه خلال مداهمة في ضاحية سان دوني في باريس يوم 18 نوفمبر تشرين الثاني. وكان بلقايد حول أموالا باستخدام اسم بوزيد إلى ابنة عم أباعود.
فرنسا والسجن المؤبد
من جانب اخر بدا رئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس منفتحا على فكرة تطبيق عقوبة السجن المؤبد فعليا على الأشخاص المتورطين في عمليات إرهابية، انسجاما مع المقترح الذي طرحته نتالي كوسيسكو موريزيه، القيادية في حزب الجمهوريين اليميني المعارض. ودعت النائبة عن إقليم "ليسون" (منطقة إيل دو فرانس) أمام نواب الجمعية الوطنية، الغرفة الأولى بالبرلمان الفرنسي) إلى تطبيق "فعلي" لعقوبة السجن المؤبد، وأوضحت في تصريح "لفرانس أنفو"، "أن الأحكام الصادرة بحق إرهابيين في عمر الشباب، تسمح لهم بالخروج من السجن في سن الأربعينات بعد مراجعة عقوبتهم بناء على سلوكياتهم في السجن".
وتابعت مفسرة، لنفس الإذاعة الفرنسية، أن هؤلاء المتورطين في عمليات إرهابية، "يظهرون بوجه مثالي أثناء قضائهم عقوبة السجن، ويخفون بذلك الوجه الآخر للإرهاب" حتى يستفيدوا، على حد قولها، من مراجعة عقوبتهم، ويتم الإفراج عنهم بعد قضائهم 22 عاما في السجن. كما أطلقت النائبة الفرنسية عريضة على الإنترنت لدعوة الفرنسيين إلى الدفع بالفكرة والضغط على السلطات المسؤولة للعمل بها، لاقت إقبالا كبيرا حتى أن بعض الموقعين تركوا تعليقات كثيرة، كان منها "هؤلاء الانتحاريون لا يخافون من الموت، لنقدم لهم إذا هذه الخدمة".
ورغم الانفتاح الذي أبداه رئيس الحكومة الفرنسية تجاه المقترح، اندلع نقاش حاد في الأوساط الفرنسية بين مؤيد ومعارض للفكرة، التي يبدو أنه من الصعب الذهاب بها بعيدا لتناقضها مع اتفاقيات حقوق الإنسان الأوروبية، التي تمنع عدم منح إمكانية إعادة النظر في أحكام السجن بالمؤبد للمدانين بها بمن فيهم المحكومون في قضايا الإرهاب. ويعتبر إدريس الكنبوري، الباحث المغربي في الجماعات الإسلامية والمسألة الدينية، أن "هذا الاقتراح لن يؤدي إلى أي نتيجة، لأن التركيز على الجانب القانوني والأمني وحده لا يكفي"، موضحا أن "وضع المتورطين بالإرهاب في السجن مدى الحياة قد يكون أسهل خدمة يمكن تقديمها لهم، لأننا نعرف أن السجون الفرنسية تنتشر فيها السلفية ويتمركز فيها الاستقطاب بين المعتقلين السلفيين والمعتقلين الآخرين".
ويشدد صاحب كتابي "الإسلاميون بين الدين والسلطة: مكر التاريخ وتيه السياسة"، و"شيوعيون في ثوب إسلامي: محطات في الإسلام السياسي والسلفية"، أن "هذا الاقتراح ينسى أن القضاء على التطرف والإرهاب، يجب أن يكون من خلال التعليم والتربية والإدماج وفك العزلة عن المناطق الهامشية التي يقطنها مسلمون داخل أوروبا بشكل عام". ويؤكد الكنبوري أن "الجانب التشريعي مهم في التصدي لمخاطر الإرهاب، ولكن لا ننسى أن الجماعات الإرهابية لديها القدرة على التحايل على التشريعات" والتدابير الأمنية، "فتفجيرات بروكسل مثلا حصلت بعد ساعات من رفع حالة التأهب الأمني مباشرة بعد اعتقال صلاح عبد السلام، واعتداءات باريس ليوم 13 نوفمبر حصلت في ظل تشديد أمني قوي، إذن يجب التركيز على الجوانب الأخرى".
ويرى الكنبوري أن أهم هذه الجوانب "إشراك المسلمين المهاجرين في السياسات الأوروبية والفرنسية الخاصة بالتطرف والإرهاب، وينبغي اعتبار هؤلاء المهاجرين جزءا من هذه السياسات، من خلال إشراكهم في مختلف البرامج التي تهم محاربة التطرف والإرهاب". ويلفت الكنبوري إلى أن المقاربات الناجعة في محاربة الإرهاب "تختلف باختلاف البلدان، ففي البلدان الأوروبية هناك خصوصيات، هذه الخصوصيات تتمثل في أن هناك مسلمين يعيشون في أوساط غير مسلمة، ويعتبرون أقلية وسط ثقافة غربية مسيحية مهيمنة، لذلك فإن المقاربة في هذه البلدان تكون مختلفة، وتتمثل في تطوير آليات الحوار بين المسلمين والغرب، وخلق قيم مشتركة يكون المسلمون جزءا منها، بدلا من القيم اليهودية ـ المسيحية التي صنعت النموذج الأوروبي، لأن المسلمين لم يكونوا موجودين عندما تم التوافق على هذه القيم، لكنهم اليوم يشكلون جماعات قوية ومؤثرة وهناك جيل جديد نشأ في قلب أوروبا".
ويعتقد الكنبوري أنه "من الضروري إعادة النظر في النموذج الثقافي الأوروبي". كما يشدد على أنه "على العلماء والمراكز الدينية صياغة فقه إسلامي جديد يساعد المسلمين على العيش وسط غالبية غير مسلمة، لأن الفقه التقليدي السائد لا يميز كثيرا بين أوضاع المسلمين بحسب ظروفهم". بحسب فرانس برس.
ويتابع في نفس السياق، أنه بالنسبة للدول العربية "فإن المقاربة مختلفة، وأعتقد أن التعليم يلعب دورا كبيرا في الحد من التطرف الديني الذي يتحول إلى إرهاب عنيف مع الوقت". ويشدد الكنبوري على ضرورة "إصلاح مناهج التعليم الديني ووضع خطاب إسلامي منفتح ومتطور يركز على قيم التسامح والتعايش والاعتراف بالتعدد". ويسمح في فرنسا للمحكومين بالسجن المؤبد في قضايا مختلفة بمراجعة العقوبة وطلب تخفيفها بعد قضائهم 22 عاما خلف القضبان. وألغت فرنسا عقوبة الإعدام في 1981 في عهد الرئيس الاشتراكي الراحل فرانسوا ميتران في وقت لقي فيه القرار معارضة كبيرة من طرف الفرنسيين، لكن مع مرور السنوات أصبح يلقى إجماعا، ويعتبر اليوم من المكاسب الحقوقية الكبرى للمجتمع الفرنسي.
اضف تعليق