q

علاقة أنقرة بتنظيم داعش المتطرف التي شابها الكثير من الغموض، لاتزال محط اهتمام واسع خصوصا وان العديد من دول العالم قد وجهت اتهامات صريحة لتركيا، بدعم عصابات داعش الارهابية وصرف النظر عن المسلحين الذي يعبرون حدودها للالتحاق بصفوف هذا التنظيم الخطير، الذي استطاع السيطرة على مساحات واسعة من أراضي سوريا والعراق. ورفضت الحكومة التركية الانضمام للتحالف الدولي الذي بدأ عملياته ضد داعش بقيادة الولايات المتحدة في سبتمبر 2014، تحت حجج وذرائع مختلفة، وتبادلت أنقرة وكما تنقل بعض المصادر، الاتهامات مع الغرب بشأن المسؤولية عن انضمام مئات الشباب القادم من الغرب لداعش في سوريا، فالغرب يتهم حكومة تركيا وأردوغان بغض الطرف عن عبورهم بسهولة إلى سوريا، وأنقرة تتهم الغرب بعدم التعاون الأمني معها.

كما أهمل الأمن التركي ملاحقة أفراد التنظيم المتطرف في البلاد، على قاعد أن داعش لم يلحق الضرر بأمنها وسلامتها، وهو ما ساعد في تنامي خطر التنظيم في تركيا، التي استفاقت في وقت متأخر بعد التفجيرات الانتحارية التي قام بها عناصر داعش، وهو ما غير موقف تركيا إذ انضمت للتحالف الدولي وفتحت له قواعدها العسكرية، وهو ما عده البعض تحرك مدروس للقيام بهجمات ضد حزب العمال الكردستاني. ومنع تمدد القوات الكردية التي حققت بعض الانجازات مهمة في كوباني.

وحذرت أجهزة الاستخبارات التركية من هجمات إرهابية محتملة ضد مصالح غربية في البلاد بسبب تواجد 3000 شخص بتركيا لهم علاقة بتنظيم داعش. ودعا تقرير للاستخبارات التركية إلى تكثيف المراقبة لتحديد مهمات عمل هؤلاء الأشخاص مع التنظيم خوفا من وقوع هجمات إرهابية ضد مصالح غربية في تركيا.

ورجح التقرير أن تستهدف الهجمات الإرهابية الرعايا الأجانب والسفارات الغربية والبنى التحتية العائدة لحلف شمال الأطلسي، كما لم يستبعد التقرير تنفيذ هجمات "بالقنابل" للخلايا النائمة الموجودة في تركيا. وكان وزير الخارجية التركي مولود شاوش أوغلو أعلن انضمام نحو 700 تركي إلى صفوف الجهاديين في تنظيم داعش ما يزيد من احتمال وقوع هجمات بتركيا في حال عودتهم إلى البلاد، مشيرا إلى منع 7250 من دخول الأراضي التركية إضافة إلى طرد 1160 جهاديا.

لكن وعلى الرغم مما تقدم لاتزال الحكومة التركية وكما يرى بعض الخبراء، مستمرة بدعم التنظيم

والاستفادة منه كورقة للضغط من اجل تحقيق مكاسب خاصة تمكنها من توسيع نفوذها الاقليمي، هذا بالإضافة الى المكاسب الاقتصادية الكبيرة التي تحققت من خلال شراء النفط من تنظيم داعش، حيث اكدت العديد من التقارير تورط الرئيس التركي وبعض أفراد عائلته بتهمة شراء النفط المسروق من الأراضي السورية والعراقية.

خطر يتفاقم

في هذا الشأن أظهر مسح خاص أن نحو عُشر الأتراك لا يعتبرون تنظيم داعش منظمة إرهابية وأن أكثر من خمسة في المئة يوافقون على أعمالها. ونشرت البيانات في اليوم الذي وقع فيه تفجير انتحاري نفذه سوري على الأرجح في قلب الحي السياحي باسطنبول وأسفر عن مقتل عشرة أشخاص على الأقل ليجدد المخاوف من عنف التنظيم في البلد العضو بحلف شمال الأطلسي.

وتصنف الأمم المتحدة وتركيا التنظيم الذي يسيطر على مساحات كبيرة من العراق وسوريا بأنه منظمة إرهابية. وأجرى المسح الذي يحمل عنوان مسح الاتجاهات الاجتماعية في تركيا مركز أبحاث يقع مقره في أنقرة وشارك فيه 1500 شخص من مختلف أنحاء البلاد خلال نوفمبر تشرين الثاني. وفي اجاباتهم على الأسئلة قال 9.3 في المئة من المشاركين إن تنظيم داعش ليس تنظيما إرهابيا بينما قال 5.4 في المئة إنهم يؤيدون أنشطته.

وقال 21 في المئة إن التنظيم يمثل الإسلام بينما قال 8.9 في المئة إنهم يرون التنظيم كدولة أو ولاية. ويرسم المسح صورة لقطاع صغير ولكن مهم من المتعاطفين مع تنظيم داعش بين الأتراك البالغ عددهم 78 مليون نسمة. وعلى النقيض تصدرت المخاوف من الإرهاب- سواء على وجه العموم أو من داعش وحزب العمال الكردستاني المحظور- قائمة المخاوف التي أعرب عنها المشاركون في المسح. بحسب رويترز.

وقال سليمان أوزيرين رئيس مركز السياسة العامة والاستراتيجية الذي أعد البحث "أمامنا موقفان متصارعان. لكن العدد الكبير من المؤيدين لأنشطة داعش يقلقنا." وشمل المسح مجموعة من الموضوعات منها رغبة الرئيس التركي رجب طيب اردوغان في منح منصب الرئيس صلاحيات تنفيذية. وقال نحو 50 في المئة إنهم يفضلون النظام البرلماني الحالي بينما أعرب 28.6 عن تأييدهم للنظام الرئاسي. وقال 22 في المئة إنهم لا يتبنون رأيا معينا أو رفضوا الإجابة.

اعتقالات جديدة

الى جانب ذلك اعتقلت الشرطة التركية في انطاليا (جنوب) ثلاثة اشخاص يشتبه في انتمائهم الى تنظيم داعش غداة هجوم انتحاري نسب الى الجهاديين واسفر عن مقتل عشرة اشخاص بينهم ثمانية المان على الاقل في وسط اسطنبول التاريخي. وافادت وكالة دوغان للانباء ان قوات الامن وضعت الرجال الثلاثة وكلهم من الجنسية الروسية قيد الحجز الاحتياطي وصادرت العديد من الوثائق لكنها لم تربط بين هذه العملية والهجوم الذي وقع في اسطنبول.

واوقف 65 شخصا يشتبه انهم جهاديون في انقرة وازمير (غرب) وكيليس واضنه ومرسين (جنوب) وكذلك في شانلي اورفة (جنوب شرق) كما افادت وكالة الاناضول. ولم تحدد السلطات ما اذا كانت هذه الاعتقالات مرتبطة باعتداء اسطنبول. وفجر انتحاري نفسه وسط مجموعة من السياح في حي السلطان احمد التاريخي قرب المسجد الازرق وكاتدرائية آيا صوفيا وهما الموقعان اللذان يجتذبان اكبر عدد من السياح في المدينة. وقتل عشرة اجانب بينهم ثمانية المان على الاقل وشخص من البيرو واصيب 15 بجروح. وكشفت السلطات التركية ان منفذ الاعتداء سوري ولد في السعودية عام 1988 وهو عضو في تنظيم داعش.

وقال وزير الداخلية التركي إن الانتحاري كان مسجلا لدى سلطات الهجرة التركية لكنه لم يكن على قائمة من يشتبه بكونهم متشددين. ونشرت صحيفة خبر ترك ما قالت إنها صورة للانتحاري التقطتها كاميرات مراقبة في مكتب للهجرة باسطنبول. وأفادت وسائل إعلام محلية أن اسمه نبيل فضلي وأنه ولد في السعودية. بحسب فرانس برس.

وقالت الصحيفة إن إصبعا بشريا عثر عليه في موقع التفجير ساعد في تحديد هوية الانتحاري. وقال نعمان كورتولموش نائب رئيس الوزراء التركي إن هوية المفجر تحددت بواسطة أشلاء عثر عليها في موقع الحادث. وقالت متحدثة باسم وزارة الخارجية الألمانية إن عدد الألمان الذين قتلوا في التفجير ارتفع إلى عشرة.

وقال آرون ستاين المحلل بمركز رفيق الحريري للشرق الأوسط التابع للمعهد الأطلسي للدراسات "هذا الحادث مختلف بعض الشيء. في الهجمات السابقة كان أتراك يعبرون إلى سوريا لقتال الأكراد ثم يعودون لمهاجمة أهداف كردية." وأضاف "الحادث مختلف من حيث النوايا ومن حيث الأهداف."

مطالب وعروض

في السياق ذاته اعتبر وزير الدفاع الاميركي اشتون كارتر في باريس، ان تركيا "تستطيع فعل المزيد" في اطار التحالف الدولي ضد تنظيم داعش، ولاسيما التشدد في مراقبة حدودها. وقال كارتر، "اعتقد ان تركيا تستطيع فعل المزيد، والخطة الميدانية التي ناقشتها مع وزراء الدفاع الاخرين (في التحالف في باريس) ستتحسن كثيرا بفضل مجهود اكبر تبذله تركيا". واضاف ان "التشدد في مراقبة حدودها" مع سوريا "سيكون امرا بالغ الاهمية"، لكنه اقر بأنها حدود "طويلة وصعبة".

واوضح وزير الدفاع الاميركي ان "الحدود التركية مكان يستطيع مقاتلو تنظيم داعش عبوره ذهابا وايابا، وحيث يمكن تأمين الامور اللوجستية للتنظيم... وكما اطلب من الجميع في اطار تحالفنا ان يبذلوا مزيدا من الجهود، وكما يبذل الجيش الاميركي مزيدا من الجهود، ارغب في ان تبذل تركيا ايضا مزيدا من الجهود". وفي الصيف الماضي، انضمت تركيا التي اتهمت فترة طويلة بالتساهل مع المسلحين السوريين المتطرفين المعارضين للنظام، الى التحالف الذي يقاتل الجهاديين.

وشارك كارتر في باريس في اجتماع ضم سبعة من وزراء الدفاع في التحالف العسكري الدولي ضد تنظيم داعش في سوريا والعراق، بهدف الاستفادة من "تراجع" الجهاديين والقضاء "على مراكز نفوذهم" في الرقة والموصل. وخلال اجتماع "مجلس الحرب" هذا، دعت الولايات المتحدة وزراء الدفاع في البلدان ال 26 التي تقاتل داعش، الى اجتماع في بروكسل في شباط/فبرير المقبل، من اجل تعزيز تحركها.

من جانب اخر قال مسؤولون أمريكيون كبار إن الولايات المتحدة تعمل على مضاعفة الجهود الرامية لمساعدة تركيا في تشديد الرقابة على حدودها مع سوريا وستعرض للمرة الأولى أساليب تكنولوجية على أنقرة لمساعدتها في تأمين الحدود. وتناقش واشنطن وأنقرة منذ أشهر كيفية سد الجزء الأخير من الحدود غير المؤمنة والمتمثل في منطقة تمتد 98 كيلومترا تستخدم في تهريب مقاتلي تنظيم داعش والبضائع والعتاد الحربي.

ويسيطر التنظيم على الجانب السوري من الحدود واكتسبت المساعي الهادفة لتأمين الحدود أهمية إضافية بعد اعتداءات باريس القاتلة التي وقعت في نوفمبر تشرين الثاني الماضي. فقد قال مسؤولون إن بعض المشاركين في الهجمات استغلوا الحدود السورية التركية في السفر بين الأراضي الخاضعة لتنظيم داعش وأوروبا. ومن الخطوات التي أخذتها تركيا لتأمين الحدود نشر 25 ألف جندي إضافي من قوات الجيش النظامي وإقامة حواجز خرسانية وأسوار.

وقال المسؤولون الأمريكيون إن تركيا اقترحت خلال زيارة قام بها رئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال جوزيف دانفورد أن تدرب الولايات المتحدة مجموعة من العرب السنة للمساعدة في تأمين المنطقة على الجانب السوري من الحدود. وأضاف المسؤولون أن الولايات المتحدة تريد أن تعرف المزيد عن المقاتلين المقترح إشراكهم في تلك الخطة قبل أن توافق على دعمهم. بحسب رويترز.

وكانت المباحثات الأمريكية التركية تعقدت بسبب اختلاف أولويات كل جانب عن أولويات الجانب الآخر. إذ تركز تركيا على احتواء الانفصاليين الأكراد بينما الهدف المعلن للولايات المتحدة هو القضاء على متشددي تنظيم داعش الذين يسيطرون على مساحات كبيرة من سوريا والعراق، وقال مسؤول كبير بوزارة الدفاع "يمكننا أن نرفع داعش في قائمة الأولويات لكن عندما يدرك شخص ما شيئا كخطر وجودي حقيقي فمن الصعب المجادلة في ذلك." وذكر المسؤولون الأمريكيون أن زيارة وزير الأمن الداخلي الأمريكي جونسون تمثل محاولة للاستجابة لشكاوى تركيا من أن واشنطن لم تكن محددة في الخطوات التي تريد من تركيا اتخاذها. وقال المسؤول الكبير بالإدارة الأمريكية "أعددنا قائمة أكثر تحديدا بكثير".

اضف تعليق