بعد هجمات باريس أمست بلجيكا "في حالة تأهب قصوى" زعزعت الوضع الداخلي واشاعت هواجس شديدة الرعب بشن هجمات ارهابية وشيكة، إذ تشهد بروكسل حالة "انذار ارهابي" قصوى وصلت ذروتها غداة سلسلة عمليات للشرطة لم تسمح بتوقيف المشتبه به الرئيسي في التحقيق في اعتداءات باريس صلاح عبد السلام، وبحسب بعض المراقبين يبدو ان بروكسل بسبب تهديد بهجوم "جدي ووشيك" ستبقى مصابة بشبه شلل كامل في وضع غير مسبوق في المدينة التي تضم مقر الاتحاد الاوروبي، في الوقت نفسه طلبت السلطات البلجيكية من مواطنيها عدم نشر أي معلومات على مواقع التواصل الاجتماعي حول العمليات الأمنية التي تنفذها الشرطة إثر هجمات باريس، لكن البلجيكيين تلقوا الأمر بحسهم الفكاهي وبدأوا بنشر صور قطط التزاما بالتكتم لحسن سير العمليات.
في حين يرى بعض المراقبين انه بعد انتقادات حادة من فرنسا بأن بلجيكا تتعامل بتراخ مع أكبر تركيز للمتشددين ذوي الصلة بسوريا داخل أوروبا، شرعت أجهزة الأمن بتضيق الخناق على خلايا أباعود مع إعلان الحكومة عن قوانين جديدة لكبح المتطرفين في محاولة لتدارك اخطائها الامنية، وأشار منتقدو سياسات الأمن البلجيكي لمجموعة تسمي نفسها "الشريعة لبلجيكا" التي كانت تستطيع الحديث علنا لسنوات إلى أن جرت أكبر محاكمة للضالعين في الإرهاب بالبلاد العام الماضي وأسفرت عن إدانة عدد كبير ممن تخصصوا في تجنيد مقاتلين للسفر إلى سوريا.
فيما يرى الكثير من المحللين ان بلجيكا كانت متهاونة مع توافد المتطرفين على اراضيها والذين يرتدون في جوامع تدريها المملكة السعودية!، هذا التغاضي البلجيكي اتاح للوهابية التكفيرية مرتعا لصناعة الارهابيين، في قلب القارة العجوز، كما أن عجز الاجهزة الامنية البلجيكية عن السيطرة على تحركات المشبوهين من الاسلاميين الجهادين داخل اراضيها، جعل اوروبا اقل أمنا، وقال خبير أمني دولي إن "بلجيكا هي نوعا ما نقطة الضعف في أوروبا".
بينما يؤكد الكثير من الخبراء بشؤون الارهاب أن الحكومة البلجيكية تعاملت بتسامح كبير مع انتشار أفكار متطرفة في السنوات الماضية، وسيكون من الصعب الآن تغيير الأمور بالنظر إلى السنوات الضائعة في عدم مكافحة الميولات والمواقف المتطرفة.
فالملاحظ بأن قضية الإرهاب تشكل ضغطا كبيرا داخل المعترك السياسي البلجيكي والاوربي حاليا، حتى بات الخوف من أن يقوم هؤلاء المتطرفون في الداخل بعمل إرهابي في قلب القارة العجوز، وهذا يعني بان المتطرفين سيشكلون قنبلة ارهابية مؤقتة قد تفجر أوروبا في اي لحظة.
كيف زرعت السعودية بذور التطرف
في سياق متصل نشرت صحيفة الاندبندنت مقالا تتحدث فيه نفوذ السعودية وتأثيرها في الأوساط الإسلامية في بلجيكا وأوروبا، تقول الاندبندت إن انتشار السلفيين السعوديين في بلجيكا يعود إلى سنوات ستينات القرن الماضي، فقد عرض الملك بوداون على العاهل السعودي، الملك فيصل، لتأمين الصفقات النفطية، مشروع بناء مركز إسلامي، توظيف دعاة سعوديين للعمل فيه، وتضيف أن الجالية المسلمة في بلجيكا كانت وقتها في معظمها من المغرب وتركيا، وكان مذهبها مختلف عن مذهب المركز الإسلامي، فهي تتبع المذهب المالكي الأكثر تسامحا، ولكن أفرادها سرعان من اتخذوا السلفية منهجا، على يد الدعاة السعوديين.
وقد أعطيت منح للمغاربة للدراسة في المدينة المنورة، ونقلت الصحيفة عن عضو البرلمان البلجيكي المعارض، جورج داليماني، قوله عن السعودية "لا يمكن نتحاور مع دولة تسعى لزعزعة استقرار بلادنا"، وتشير الاندبندنت إلى أن المركز الإسلامي في بلجيكا حاول توجيه رسالة قوية، ولكن المركز الإسلامي لا يزال يثير قلق الحكومة البلجيكية.
داعش تدعو لتقليد هجمات باريس
أظهر فيديو لتنظيم الدولة الإسلامية مقاتلا من التنظيم عرف نفسه بأنه "البلجيكي" وهو يدعو "إخوته" في الخارج لاتباع نموذج هجمات باريس التي أثنى على نجاحها في إحلال الدمار بفرنسا، وقال المقاتل متحدثا باللغة الفرنسية "أوجه رسالة لإخوتي الباقين بالخارج.. أيا إخوتي. خافوا الله وسيروا على خطى إخوتكم الذين قلبوا فرنسا رأسا على عقب في ساعات قليلة"، وقال المقاتل الذي عُرف باسم أبو قتادة البلجيكي. بحسب رويترز.
وظهر الرجل في الفيديو ووجه مغطى بوشاح أبيض بينما وقف أمام مقاتلين مقنعين يحملون بنادق. ويرجح من الشعار الموجود على الفيديو أن تصويره تم في شرق سوريا حيث تسيطر الدولة الإسلامية على محافظة دير الزور المتاخمة للعراق، كما يظهر الفيديو الذي نشر بمواقع جهادية مقاتلين طاجيك وجزائريين يثنون على هجمات باريس.
اعتقالات ولكن لا أثر لصلاح!
ولا يزال صلاح عبد السلام (26 عاما) المشتبه به الرئيسي طليقا منذ أن غادر باريس بعد ساعات من تفجير شقيقه الأكبر نفسه في مقهى هناك. وأخفقت عملية ملاحقة على مستوى أوروبا في إلقاء القبض عليه. وقال شقيق آخر لعبد السلام لا علاقة له بالهجمات إن شقيقه ربما فكر في عدم مواصلة القتل.
وتخشى الشرطة البلجيكية أن يكون عبد السلام عاد إلى بلجيكا لشن هجمات جديدة. وقال رئيس الوزراء شارل ميشال في مؤتمر صحفي مساء أمس الأحد "ما نخشاه هو هجوم على غرار الهجوم على باريس إذ من الممكن أن ينفذ عدة أفراد العديد من الهجمات في مواقع متعددة في نفس الوقت".
وألقت الشرطة البلجيكية القبض على 16 شخصا آخرين في مداهمات الليلة الماضية بحثا عن المسؤولين عن هجمات 13 تشرين الثاني/نوفمبر الدامية في باريس، لكنها لم تتمكن من اعتقال المشتبه به الرئيسي فيما أغلقت الحكومة العاصمة بروكسل لليوم الثالث اليوم الاثنين.
هل توجه صلاح إلى ألمانيا؟
ونشرت وسائل إعلام بلجيكية متعددة تقارير تفيد بأنه شوهد في سيارة قرب بلدة "لييج" في طريقه إلى الحدود الألمانية. ووردت تقارير متعددة عن رصد عبد السلام في عدة مواقع لكن الشرطة أخفقت حتى الآن في إلقاء القبض عليه. وكان عبد السلام يدير حانة في حي مولنبيك للمهاجرين في بروكسل. بحسب فرانس برس.
ودفع الخوف مما يدبر له عبد السلام أو جهاديون آخرون محتملون بلجيكا إلى إلغاء مباراة دولية في كرة القدم يوم الثلاثاء. ورفعت البلاد درجة التأهب الأمني في العاصمة يوم الجمعة إلى المستوى الرابع وهي الدرجة القصوى. وأبقى ميشال على درجة التأهب القصوى أمس الأحد لتبقى بروكسل مغلقة إلى حد كبير اليوم الاثنين.
وقال رئيس الوزراء البلجيكي إن من الأهداف المحتملة مراكز التسوق والشوارع التجارية ووسائل المواصلات العامة مضيفا أن الحكومة ستعزز وجود الشرطة والجيش في العاصمة. وأضاف أنه سيتم تقييم الموقف من جديد بعد ظهر اليوم الاثنين وأن السلطات تفعل كل شيء حتى تعود الحياة في بروكسل إلى طبيعتها في أسرع وقت ممكن.
جنود يجوبون شوارع العاصمة
وجاب جنود شوارع العاصمة البلجيكية بروكسل الاثنين في اليوم الثالث من عملية تأمين واليوم العاشر في عملية ملاحقة لمن يشتبه في أنهم دبروا هجمات باريس يوم 13 نوفمبر/ تشرين الثاني. وتوقفت مركبة عسكرية مدرعة تحت شجرة عيد ميلاد مضيئة في ساحة جراند بلاس الشهيرة في المدينة، وقال رئيس الوزراء البلجيكي شارل ميشال إن المدينة التي يسكنها 1.2 مليون نسمة ستظل في أعلى حالات التأهب الأمني المستوى الرابع) الذي يعني أن خطر وقوع هجوم جسيم ووشيك.
الإنترنت: "أبو مياو"... بلجيكيون يسخرون من الإرهاب والخوف على تويتر
الى ذلك عبر البلجيكيون على طريقتهم عن حالة الترقب والارتباك التي يعيشها سكان بروكسل بسبب التحذير من هجوم وشيك أعلنت عنه السلطات وما ترتب عليه من رفع حالة التأهب و"الإنذار الإرهابي" لأقصى درجة. فأطلق مستخدمو تويتر العنان لمخيلتهم مع نشر صورة لهر أطلقوا عليه "أبو مياو" للسخرية من الجهاديين، وبدأ الأمر منتصف الأسبوع مع موقع بلجيكي ساخر "نوربرس"، إذ صمم شخصية لهر يرتدي حزاما ناسفا أطلق عليه اسم "أبو مياو"، وقدم على أنه المسؤول الفعلي عن هجمات 13 تشرين الثاني/نوفمبر. بحسب فرانس برس.
وحين طلبت السلطات من وسائل الاعلام وكذلك من مستخدمي الإنترنت الكف عن نشر أي معلومات عن العمليات العشرين التي تنفذها الشرطة، انطلقت حملة السخرية على نطاق واسع، وبدل أن يصف المواطنون ما يجري في أحيائهم أو ما يرونه من النوافذ، انكبوا على نشر صور لقطط، وكتب الصحافي هوغو جانسين على موقع تويتر "بدل أن أخبركم بما تفعله الشرطة في بروكسل إليكم صورة لهري واسمه موزار"، وفي مؤتمر صحافي ليلي، وجه متحدث باسم النيابة العامة الشكر إلى وسائل الإعلام ومستخدمي الإنترنت على تكتمهم على مشاهداتهم للعمليات الأمنية، ولكنه لم يشر إلى مسألة القطط.
اضف تعليق