ملف الصراع في سوريا لا يزال محط اهتمام عالمي كبير، خصوصا وان هذا البلد العربي المهم قد أصبح وبسبب استمرار الحرب والدمار، مركزا خطيرا للجماعات والمنظمات الإرهابية المدعومة من جهات وحكومات إقليمية وعربية وهو ما أثار حالة من الخوف والقلق العالمي، خصوصا بعد توسع العمليات الإرهابية التي طالت دول ومناطق خارج الحدود السورية كما يقول بعض المراقبين، الذين اكدوا على ان خطر هذه الحرب قد دفع بعض الإطراف والدول الى المطالبة بضرورة الوصول إلى حل سياسي ينهي الصراع المحموم، او العمل على تشيل تحالف جديد لمحاربة الإرهاب والقضاء عليه، يضاف الى ذلك التأكيد على ضرورة أشارك جميع أطراف الصراع وعدم فرض الآراء والقرارات، التي قد تعيق مثل هكذا تحركات هو ما تسعى إليه بعض الإطراف الخارجية العربية والأجنبية، التي باتت تتدخل بالشأن الداخلي السوري عن طريق عملائها وبما يخدم مصالحها.
ولعل من أهمها المطالبة السعودية بإبعاد الرئيس السوري عن طاولة الحوار وهو ما ترفضه الكثير من الإطراف التي تشدد على ان يكون الحل والاتفاق داخلي يهدف الى انقاذ البلاد من دوامة الحرب والدمار.
وأكد وكيل امين عام الامم المتحدة للشؤون الانسانية "ستيفن اوبراين" أن ما يربو على 250 ألف شخص قتلوا في سوريا منذ اندلاع النزاع ونحو المليون مصابون فضلاً عن نزوح سبعة ملايين و600 ألف شخص داخل البلاد و4 ملايين فروا منها. وأشار اوبراين إلى أن ذلك "يضع الدول المضيفة والمجتمع الدولي تحت ضغط كبير وبإسم الإنسانية والأمن.
وفي هذا الشأن فقد قال العاهل الأردني الملك عبد الله للرئيس الروسي فلاديمير بوتين إن روسيا لها دور حيوي ينبغي أن تقوم به للجمع بين الأطراف المتناحرة في سوريا من أجل التوصل إلى حل للصراع الذي أودى بحياة ربع مليون شخص. واجتمع الزعيمان وسط تجدد الجهود الدبلوماسية بشأن الصراع في سوريا حيث تصاعد القتال. ويسيطر تنظيم داعش على مساحات واسعة.
وقال الملك عبد الله لبوتين خلال زيارة لموسكو "على صعيد ما يتعلق بمساعينا لإيجاد حل للأزمة في سوريا فإنني على قناعة بأن دوركم المحوري سيسهم في إيجاد حل سياسي يشمل جميع الأطراف ويضمن الاستقرار لهذا البلد الذي عانى الكثير." وأضاف "إن دوركم ودور بلدكم في منطقتنا محوري وأساسي ويسعدني أن أكون معكم هنا مجدداً في موسكو للاستماع إلى وجهة نظركم ولتبادل الآراء مع أصدقائنا هنا." بحسب رويترز.
وروسيا داعم رئيسي للرئيس السوري بشار الأسد في الصراع. وتدعم إيران دمشق أيضا. لكن الولايات المتحدة وحلفاءها في المنطقة- ومنهم السعودية- يريدون رحيل الأسد ويدعمون جماعات معارضة مسلحة تسعى للإطاحة به. ويدعم الأردن- وهو حليف للولايات المتحدة وللسعودية- تحالفا للمعارضة يعتبره خصوم الأسد الغربيون معتدلا. ويقاتل التحالف حاليا في جنوب سوريا ضد الجيش وجماعات متحالفة معه من أجل السيطرة على مدينة درعا قرب الحدود الأردنية.
تحالف ضد داعش
قال الرئيس السوري بشار الأسد إنه منفتح على فكرة تشكيل تحالف ضد تنظيم داعش لكنه أشار إلى أن ثمة فرصة ضئيلة لأن يحدث ذلك مع أعدائه ملقيا بمزيد من الشكوك على خطة روسية لتشكيل تحالف ضد التنظيم المتشدد. والمبادرة التي اقترحتها روسيا وهي حليف مهم للأسد ستشمل انضمام الحكومة السورية لدول بالمنطقة دعمت المعارضة السورية في معركة مشتركة ضد تنظيم داعش الذي يسيطر على مناطق واسعة في سوريا والعراق.
وقال الأسد إن الحكومة السورية لن ترفض مثل هذا التحالف رغم أنه لا معنى "لأن دولا وقفت مع الإرهاب ستكون الدول التي ستحارب الإرهاب." وكان الأسد يشير إلى حكومات من بينها تركيا والسعودية دعمت الجماعات المسلحة. وقال الأسد "ولكن يبقى احتمال بسيط أن هذه الدول قررت التوبة أو عرفت بأنها كانت تسير بالاتجاه الخاطىء أو ربما لأسباب مصلحية بحتة قلقت من أن ينتشر هذا الإرهاب باتجاه بلدانها فقررت أن تكافح الإرهاب."
وأضاف الأسد "لا يوجد مانع المهم أن نتمكن من تشكيل تحالف يكافح الإرهاب." وتعكس هذه التعليقات تصريح وزير الخارجية السوري الذي قال إن مثل هذا التحالف سيحتاج إلى "معجزة". واستبعدت السعودية أي تحالف مع الأسد. فالمملكة - مثلها في ذلك مثل الولايات المتحدة- تريد رحيل الأسد عن السلطة وتتهمه بالمسؤولية عن صعود تنظيم داعش وتقول إنه لا يمكن أن يكون شريكا في المعركة مع التنظيم.
وتقود الولايات المتحدة تحالفا في حملة ضد التنظيم في كل من سوريا والعراق. وتقول روسيا إنه ينبغي للولايات المتحدة التعاون مع الأسد لقتال داعش. وكان دعم روسيا وإيران وجماعة حزب الله اللبنانية- التي تدعمها إيران- حيويا للأسد خلال الصراع. وأعقب اتمام الاتفاق النووي بين إيران والقوى العالمية بما فيها الولايات المتحدة سلسلة من الاتصالات الدبلوماسية الرفيعة المستوى التي تهدف لمحاولة تقديم حلول لوضع نهاية للحرب السورية.
وانتهت الجهود الدبلوماسية السابقة بخصوص سوريا بالفشل الذريع. ويقول دبلوماسيون إن إيران وروسيا هما الداعمان الرئيسيان لأحدث الجهود. وشملت الاتصالات اجتماعا بين وزيري خارجية سوريا وسلطنة عمان. وتوسطت السلطنة بهدوء في تسويات لعدة نزاعات في الشرق الوسط. وقال الأسد إن من الواضح أن عمان لها دور في المساعدة في حل الأزمة السورية. وقال "لعمان دور هام في التعامل مع نقاط التوتر المختلفة في منطقتنا لدفعها باتجاه البرود ولاحقا الحل. ومن البديهي أن تكون زيارة وزير الخارجية إلى عمان في هذا الإطار... في إطار بحث الأزمة السورية." بحسب رويترز.
وتابع "ومن البديهي أيضا أن يكون الدور العماني هو المساعدة على حلها لكن هذه اللقاءات الآن تهدف لاستطلاع التصور السوري لكيفية الحل وبنفس الوقت هم يستطلعون الأجواء الإقليمية والدولية من خلال علاقاتهم للوصول لشيء محدد." وأضاف "هذه هي الزيارة الأولى منذ سنوات واللقاء الأول منذ سنوات... من المبكر الحديث عما هو الدور الذي يمكن أن تلعبه عمان علينا أن ننتظر استمرار هذا الحوار ومتابعته لكي نحدد لاحقا كيف تذهب الأمور."
تحييد الأسد
الى جانب ذلك شدد الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، على "تحييد" الأسد عن أي عملية سياسية لحل النزاع في سوريا. وأكد أن "العملية تمر عبر إشراك كل الأطراف المعنية بالحل". ووصفت دمشق تصريح هولاند "بالتدخل السافر" في الشؤون الداخلية لبلادها. واعتبر الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند أن إحلال السلام في سوريا يمر عبر "تحييد" الرئيس السوري بشار الأسد عن العملية السياسية ما أثار رد فعل شديد اللهجة من دمشق التي نددت ب"تدخل سافر" في شؤونها.
وقال الرئيس الفرنسي في خطاب ألقاه خلال اجتماع السفراء الفرنسيين في باريس، أنه في سوريا "يجب أن نحد من نفوذ الإرهابيين بدون أن يعني ذلك بقاء الأسد". وأضاف هولاند "في الوقت نفسه يجب أن نسعى إلى انتقال سياسي في سوريا، إنها ضرورة، ويمكن إطلاق حوار ويجب تحديد شروطه. الأول هو تحييد بشار الأسد والثاني تقديم ضمانات قوية لكل قوى المعارضة المعتدلة لا سيما السنية والكردية والحفاظ على هيكليات الدولة ووحدة سوريا".
ورأى الرئيس الفرنسي أن العملية تمر أخيرا بإشراك "كل الأطراف المعنية بالحل" بينها روسيا ودول الخليج وإيران وتركيا. وأضاف أن "تسوية الأزمة السورية تتطلب مشاركة الجميع وفرنسا مستعدة للمشاركة فيها"، مشيرا إلى أن باريس ستواصل، حتى ذلك الحين، "مساعدة المعارضة السورية التي تعتبرها معتدلة". بحسب فرانس برس.
وأثارت تصريحات الرئيس الفرنسي تنديدا شديدا في دمشق. وقال مصدر رسمي في وزارة الخارجية السورية، وفق ما نقلت عنه وكالة الأنباء السورية الرسمية "سانا"، إن تصريحات الرئيس الفرنسي "تمثل تدخلا سافرا في الشؤون الداخلية وتؤكد على استمرار تورط فرنسا ومشاركتها في سفك الدم السوري". وأضاف المصدر نفسه أن "على الحكومة الفرنسية أن تعلم أنها طالما استمرت بهذه المواقف فإننا لن نقبل بأي دور فرنسي في الحل السياسي". وأوضح المصدر أن "الشعب السوري الذي يكافح الإرهاب بصمود بطولي متمسك اليوم أكثر من أي وقت مضى بالحفاظ على سيادة سوريا وقرارها الوطني المستقل وسيتصدى لأي محاولات للتدخل بخياراته الوطنية".
روسيا وإيران
على صعيد متصل قالت روسيا وإيران إن الجماعات السورية هي التي عليها أن تقرر مستقبل الرئيس بشار الأسد وإن ظلت موسكو على اعتراضها على التفاوض مسبقا على رحيل الأسد في إطار السعي للتوصل لاتفاق سلام. وكرر وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف ونظيره الإيراني محمد جواد ظريف دعم بلديهما للأسد.
وما زال مستقبل الأسد نقطة عالقة في الجهود الدبلوماسية التي يبذلها لاعبون إقليميون وعالميون لإنهاء الصراع السوري -وهي نقطة فشلت في حلها محادثات جرت بين روسيا والسعودية والولايات المتحدة وآخرين. وتريد جماعات المعارضة السورية والدول الخليجية العربية والغرب أن يرحل الأسد.
وقال لافروف "إذا اعتقد بعض شركائنا أن علينا أن نوافق مقدما على أن يترك الرئيس منصبه بنهاية فترة مؤقتة فلن يكون مثل هذا الموقف مقبولا بالنسبة لروسيا." وقال إن مصير الأسد لا يمكن تقريره إلا من خلال محادثات بين ممثلي حكومته ومنافسيه وهي تصريحات كررها ظريف الذي أضاف أن الدول الأجنبية "عليها فقط تيسير ذلك".
وتريد موسكو استضافة جولة أخرى من المحادثات بين جماعات المعارضة السورية المختلفة بهدف الجمع بينها وبين مبعوثين من دمشق لإجراء محادثات تحت إشراف الأمم المتحدة. ولكن الولايات المتحدة والسعودية وحلفاءهما يقولون إن الأسد جزء من المشكلة وليس الحل وإنه مسؤول ولو مسؤولية جزئية عن المكاسب التي حققها تنظيم الدولة الإسلامية على الأرض.
وقال وزير الخارجية السعودي عادل الجبير أن موقف الرياض هو ضرورة تنحي الأسد. وقال الجبير إن من بين الأسباب الرئيسية وراء ظهور داعش تصرفات الأسد الذي وجه أسلحته إلى شعبه وليس ضد التنظيم. وأضاف "رغم وجود اختلاف في وجهات النظر بين بلدينا فيما يتعلق بالأزمة السورية إلا أن هناك توافقا حيال أهمية توحيد صف المعارضة السورية. "موقف المملكة تجاه سوريا لن يتغير وهو قائم على إعلان (جنيف 1) وأن لا دور للأسد مستقبلا مع أهمية الحفاظ على مؤسسات الدولة السورية." وقال بيان بثته وسائل إعلام رسمية سورية إن دمشق "تدين بشدة" تعليقات وزير الخارجية السعودي.
من جانب اخر وفي مقابلة مع قناة المنار اللبنانية التابعة لحزب الله، أعرب الرئيس السوري بشار الأسد عن ثقته بدعم حليفه الروسي، بعد تصريحات أمريكية ألمحت إلى استعداد موسكو وطهران للتخلي عن نظام دمشق، واصفا وجود حزب الله في سوريا للقتال إلى جانب قواته بـ"الشرعي". وقال الأسد "نحن نثق بالروس ثقة كبيرة وأثبتوا خلال هذه الأزمة منذ أربع سنوات أنهم صادقون وشفافون معنا بالعلاقة ومبدئيون".
واعتبر أن "السياسة الروسية هي سياسة ثابتة، مع التأكيد على أن روسيا لا تدعم شخصا أو تدعم رئيسا (...) روسيا لم تقل أساسا في يوم من الأيام بأنها تدعم الرئيس فلان والآن تخلت عنه". وردا على سؤال حول اعتبار الرئيس الأمريكي باراك أوباما أن "روسيا وإيران باتتا تدركان أن الرياح لا تميل لصالح الأسد"، شدد الأسد على أن "من سمات السياسة الأمريكية التخلي عن الحلفاء والتخلي عن الأصدقاء والغدر".
وفي ما يتعلق بحليفه الإيراني، أعرب الأسد عن اعتقاده بأن الاتفاق النووي الذي توصلت إليه طهران مع القوى الكبرى يعزز دور إيران على الساحة الدولية. وقال "قوة إيران ستنعكس قوة لسوريا وانتصار سوريا سينعكس انتصارا لإيران" مضيفا "نحن محور واحد هو محور المقاومة". بحسب فرانس برس.
من جهة أخرى، أكد الأسد أن قتال حزب الله إلى جانب قوات النظام في سوريا "شرعي"، وقال "الفارق (بين حزب الله والمقاتلين من جنسيات غير سورية) هو الشرعية" مضيفا "من دعا حزب الله إلى سوريا؟ أتى بالاتفاق مع الدولة السورية والدولة السورية هي دولة شرعية". ورأى أن "القوى الأخرى إرهابية وأتت من أجل قتل الشعب السوري".
سفير الفاتيكان
الى جانب ذلك اعتبر سفير الفاتيكان لدى سوريا ان "شيئا ما يتحرك" في الجهود لحل النزاع في هذا البلد، في اشارة الى الخطة الجديدة للامم المتحدة وتأييد ايران لها. وقال المونسنيور ماريو زيناري في مقابلة مع وكالة "اجيانيوز" الكاثوليكية ان "الجميع متوافقون على انه لا يمكن الاستمرار على هذا النحو، لان داعش هي الرابح الوحيد راهنا". واضاف ان "هذا العنصر بات راسخا في ذهن الجميع، سواء الحكومة (السورية) او المعارضة او الحكومات الاجنبية والمجتمع الدولي". وتابع زيناري ان "شيئا ما يتحرك رغم اننا لا نزال بعيدين عن الهدف (...) ينبغي مواصلة اللعبة للتمكن من تسجيل هدف. ما زلنا بعيدين من هذا الهدف لكننا نخطو خطوات صغيرة في اتجاهه". بحسب فرانس برس.
وقال سفير الكرسي الرسولي الذي بقي في دمشق منذ بداية النزاع ان "الامر يستحق العمل". واورد "تبقى المشكلة المرتبطة بالهيئة الانتقالية التي تتمتع بسلطات تنفيذية وستدعى الى قيادة البلاد. لكننا نلاحظ تقاربا في كل النقاط الاخرى: مكافحة الارهاب، القضية الانسانية، المدنيون".
وايد مجلس الامن الدولي ا بالاجماع مبادرة تهدف الى تسهيل حل سياسي في سوريا، وذلك للمرة الاولى منذ عامين. ورحبت ايران بهذه الخطة الجديدة. من جهة اخرى، ندد الفاتيكان على لسان صحيفته اوسيرفاتوري رومانو بهدم جهاديي داعش دير مار اليان في ريف حمص التابع للسريان الكاثوليك ويعود الى القرن الخامس.
اضف تعليق