مشكلتنا في العراق وأفغانستان، نحن نفتقد للأسس القوية لبناء دولة قادرة على الحياة بدون أجهزة تنفس خارجية، فما أن يخلع الأجنبي أنبوب التنفس المتمثل بتواجده العسكري حتى ينهار كل شيء، غرب العراق ٢٠١٤ وأفغانستان ٢٠٢١ أمثلة واضحة لا تحتاج إلى شرح، لكن في المقابل...
يهرب أفراد الجيش الأفغاني أمام عناصر حركة طالبان في مشهد شبيه بهروب الجيش العراقي أمام تنظيم داعش عام ٢٠١٤ في مدينة الموصل، القادة الكبار يهربون إلى العاصمة أو إلى دول الجوار، والجنود أما يخلعون ملابسهم العسكرية ويندمجون مع المدنيين أو يهربون إلى دول مجاورة.
تلك هي مشكلتنا في العراق وأفغانستان، نحن نفتقد للأسس القوية لبناء دولة قادرة على الحياة بدون أجهزة تنفس خارجية، فما أن يخلع الأجنبي أنبوب التنفس المتمثل بتواجده العسكري حتى ينهار كل شيء، غرب العراق ٢٠١٤ وأفغانستان ٢٠٢١ أمثلة واضحة لا تحتاج إلى شرح.
لكن في المقابل فإن المشترك الأساسي بين البلدين (العراق وأفغانستان) هو خضوعهما للغزو الأميركي في فترة زمنية واحدة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر وما تبعها من إعلان الرئيس الأسبق جورج بوش ما أسماه الحرب على الإرهاب.
في الحربين على أفغانستان والعراق حققت واشنطن انتصارات عسكرية ساحقة واعتبرت فتحاً جديداً في العلوم العسكرية وعززت موقع الولايات المتحدة كدولة وحيدة تحلق في سماء الدول العظمى.
في حرب الألفية الجديدة لم يستغرق الأمر عدة أسابيع لينهار نظام أحد البلدين تحت قوة الضربات الأميركية، ومن المفارقات أن انهيار الجيشين الافغاني والعراقي المدربان أميركياً تعرضا لنفس الانهيار أمام الجماعات المسلحة في العراق وافغانستان.
بناء هش
ما السبب لهذا الانهيار، سواء في افغانستان تحت وقع الضربات الأميركية خلال حكم جورج بوش، أو في ٢٠٢١ خلال الزحف العكسي لحركة طالبان؟
في الحالتين السبب هو هشاشة بناء الدولة، لم تستطع حركة طالبان بناء دولة قادرة على الصمود أمام الجيش الأميركي، فالاسس التي كانت قائمة عليها قبل عام 2001 هي زرع بذور الخوف في نفوس المواطنين، وفرض نظام يعود إلى أيام العهد الاسلامي الأولى، فانفصلت عن واقع السكان وعاشت في عزلة دولية.
وبعد انهيارها عام 2001 على يد الولايات المتحدة الأميركية، وقعت هذه الأخيرة بنفس الخطأ السابق، واشنطن بقيت مشغولة بفرض الأمن والاستقرار، وأجلت مسألة وضع الأسس لدولة قوية، جهاز الشرطة والجيش فاشل ولا يستطيع العمل بدون مساعدة الجيش الأميركي، فالطائرات الاجنبية مثل خرطوم التنفس الاصطناعي لدولة تحتضر.
استمرت المشكلات وتفاقمت يوماً بعد آخر، بينما يتم تأرقيعها بحلول آنية لا تعالج أصل الشكلة فتنتج بذلك مشكلة أخرى ليتأزم الوضع أكثر وأكثر، وتتشابك حتى نصل إلى نقطة الانهيار فيسقط كل شيء.
إلى العراق
ولأن العراق خضع للغزو الأميركي في نفس الحملة التي قادها جورج بوش، فقد تشابهت أوضاعه في أمور كثيرة مع الحالة الافغانية، البناء على رمال متحركة والمشكلات لا تعالج بل يتم ترقيعها.
فحتى بعد الانهيار الأمني الهائل واحتلال داعش لأربع محافظات غربية عام ٢٠١٤ لم تعالج الحكومة هنا ولا الفريق الاستشاري الأميركي أصل المعضلة الامنية.
لم نعترف حتى الآن أن قوات الأمن العراقية من الجيش والشرطة والصنوف الفرعية الأخرى غير مؤهلة لحماية هيكل الدولة من العدوان الخارجي، كما لا تستطيع ضبط الأمن محلياً.
الجماعات المسلحة تفرض شروطها على قوات الأمن، وإذا ما أراد شرطي محاسبة أي عنصر من عناصرها يلاقي مصيراً مؤذياً.
وليست الجماعات المسلحة وحدها، فأعضاء الأحزاب السياسية يمارسون نفس الدور ضد رجال الأمن في العراق رغم مزاعمهم بالمساندة والدفاع عنهم.
ولا ننسى رجال العشائر وشيوخها فهم لا يختلفون عن غيرهم، وكأن من يريد إثبات قوته وسلطته يقوم بإهانة أجهزة الأمن والقوات العسكرية.
نستمر على هذه الدوامة، ورجل الأمن يضعف يوماً بعد آخر، فإذا مارس سلطته القانونية في فرض الأمن ألقي في السجن، استجابة لحملات الرأي العام في مواقع التواصل الاجتماعي بحجة أنه يعتدي على الحريات العامة.
أما اذا تقاعس عن أداء دوره خشية الوقوع في السجن كما حدث لأقرانه، فإنه يسجن أيضاً وربما يفصل من الوظيفة.
في كربلاء
مشهد قتل مدير بلدية كربلاء عبير سليم الخفاجي على يد متجاوز على أملاك الدولة يشرح المشهد، الشرطة يتنحون جانباً تاركين الضحية يلاقي مصيره أمام القاتل.
في هذا المشهد تحول رجل الأمن من رمز لقوة الدولة وسلطة القانون إلى أضعف حلقة من حلقات هيكل الدولة، وهذه هي معضلتنا الكبيرة التي قد تحول العراق إلى أفغانستان جديدة في أي لحظة.
قد تعترض صديقي القارئ وتقول أن وضع العراق مختلف، وهذا صحيح، لكن المشترك بيننا وبين افغانستان واحد وهو غياب الأسس القوية للنظام السياسي في هذا البلد، ومن كان أساسه من الرمل سوف ينهار في أي تغيرات في المناخ السياسي والأمني.
اضف تعليق