تواجه تونس التي انطلقت منها شرارة عرف بثورات الربيع العربي في عام 2011 للإطاحة بأنظمة القمع والديكتاتورية، تحديات كبيرة ومشكلات امنية متفاقمة ازدادت حدتها بعد هجوم الذي تبناه تنظيم داعش الارهابي ضد السياح الاجانب في مدينة سوسة، والذي يعد ثاني اكبر هجوم في تونس هذا العام بعد الهجوم الذي وقع في متحف باردو في آذار (مارس) الماضي كما يقول بعض المراقبين، الذين اكدوا على ان هذا الهجوم الذي اوقع ما يقارب من 40 قتيل سائح اجنبي، يدل على ضعف وفشل الحكومة التونسية التي عجزت عن توفير الأمن الاستقرار الذي ساعد في تنامي خطر الفكر المتطرف في هذا البلد، الذي شهد تصاعد ملحوظ في الانشطة الارهابية يضاف الى ذلك انها اصبحت احدى اهم الدول المصدرة للإرهاب خصوصا وان العديد من التقارير تشير الى مشاركة الآلاف من مواطنيها في القتال في سوريا والعراق، وممن عادوا وعملوا على استهداف رجال الامن والمؤسسات الحكومية. التي هي اليوم محط اهتمام اعلامي كبير، قد يكون سببا في انهيار هذا البلد الذي قد يصبح وبحسب البعض ساحة جديدة لصراع طويل ضد تنظيم داعش وغيره من الجماعات والاحزاب المتطرفة المدعومة من جهات خارجية والتي تسعى الى فرض هيمنتها من خلال خلق المشاكل واثارة الفتن واستخدام العنف.

ويرى بعض المراقبين ان المناخ الامني المضطرب الذي يحيط بتونس سهل تمدد الارهاب الى داخل ارضيها، حيث يلقي تدهور الوضع في ليبيا المجاورة نتيجة تواجد تنظيم داعش الارهابي فيها، وتونس على حدود طويلة معها.

هذه الاحداث المهمة بحسب بعض الخبراء اثرت سلبا على جميع مفاصل الحياة في هذا البلد الذي قد يتعرض الى خسائر اقتصادية كبيرة بسبب استهداف القطاع السياحي التونسي الذي تعرّض وكما تشير بعض المصادر، لضربة قاصمة ستؤثر بشكل خطير على الاقتصاد التونسي الذي يعتمد بشكل كبير على العائدات السياحية، وقد كانت الوجهة السياحية التونسية قد بدأت تنتعش بعد تراجع خلال أشهر الثورة، إلّا أن الهجوم الإرهابي على متحف باردو شهر مارس/آذار الماضي أثر بشكل كبير على السياحة، قبل أن تعترف الدولة التونسية أن الهجوم على سوسة ستنتج عنه كارثة على القطاع السياحي، لا سيما وأنه تزامن مع بداية الصيف.

وهو ما أجبر الحكومة التونسية على اعلان جملة من القرارات والخطط الجديدة الخاصة بمكافحة الإرهاب، والتي تهدف الى تقليل الخسائر وطمأنة الدول والحكومات الاخرى، بخصوص رعاياها في هذا البلد وهو ما اعتبره البعض مجرد خطاب اعلامي بهدف التغطية على الاخفاقات والفشل الحكومة التي تتعرض الى انتقادات كبيرة بسبب تصاعد خطر الجماعات المتطرفة. خصوصا وان الرئيس التونسي قد اعلن صراحة أن بلاده لا تستطيع "وحدها" مواجهة الجهاديين، حيث قال "أدركنا اليوم أن تونس تواجه حركة عالمية. لا يمكنها أن تواجهها وحدها" داعيا إلى "استراتيجية شاملة" لمواجهة الجهاديين.

تونس وخطر الإرهاب

وفي هذا الشأن فقد إثر الهجوم الإرهابي الدامي على سياح في شاطئ فندق بمدينة سوسة التونسية، والذي أودى بحياة نحو 40 سائحا أغلبهم بريطانيون، طفت على السطح الانتقادات الموجهة إلى المؤسسة الأمنية التي لم تحتط للتهديدات الجهادية ولم تحسن التعامل مع الحادثة، فهل تواجه تونس صعوبة في وضع إستراتيجية للتعامل مع الخطر الإرهابي؟

وبعد بضع أشهر على هجوم باردو الدامي في العاصمة تونس ورغم بعض الإجراءات التي اتخذتها السلطات لمنع حصول هجمات أخرى، شهدت تونس اعتداء جديدا أثار مزيدا من تساؤلات حول مدى قدرة السلطات على التعامل مع هذه التهديدات. وقتل 38 سائحا أغلبهم أجانب وأصيب 39 آخرون عندما فتح طالب جامعي تونسي يدعى سيف الدين الرزقي النار على مصطافين أمام وداخل فندق "ريو أمبريال مرحبا" في منطقة القنطاوي السياحية بولاية سوسة (وسط شرق).

وتسلل الشاب الذي تظاهر أنه مصطاف، إلى شاطئ الفندق حيث أخرج رشاش كلاشنيكوف كان يخفيه تحت مظلة، وفتح النار على المصطافين بحسب ما أعلنت السلطات التي قالت إنه دخل الفندق وواصل إطلاق النار على السياح. وقتلت الشرطة منفذ الهجوم خارج الفندق عندما همّ بالمغادرة وفق وزارة الداخلية. وأعلن رئيس الحكومة الحبيب الصيد أن سيف الدين الرزقي من مواليد 1992 وغير معروف لدى أجهزة الأمن ويتحدر من مدينة قعفور بولاية سليانة (شمال غرب) ويدرس في جامعة القيروان (وسط شرق).

وفي 18 مارس/آذار الماضي تعرض متحف باردو الشهير وسط العاصمة تونس لهجوم دام تنباه تنظيم "داعش" وأسفر عن مقل 22 شخصا هم رجل أمن تونسي و21 سائحا أجنبيا. ونفذ الهجوم التونسيان ياسين العبيدي (27 عاما) وجابر الخشناوي (21 عاما) اللذان أطلقا النار من رشاشي كلاشنيكوف على سياح عند نزولهم من حافلتين أمام متحف باردو ثم طارداهم داخل المتحف، قبل أن تتدخل الشرطة وتقتلهما.

وإثر هجوم سوسة، أعلنت الحكومة أنها ستضع "مخططا استثنائيا" لزيادة تأمين المواقع السياحية والأثرية وستنشر اعتبارا من مطلع يوليو/تموز وحدات مسلحة من الأمن السياحي على كامل السواحل وكذلك داخل الفنادق، لافتة إلى أن قوات الأمن السياحية "غير مسلحة" حاليا. وأعلن رئيس الحكومة الحبيب الصيد في مؤتمر صحفي "فتح تحقيق" بهدف "تحديد المسؤوليات" قائلا "في حال ثبوت وجود إخلالات من أي طرف سيتم اتخاذ الإجراءات اللازمة".

وكان رئيس الحكومة أقر غداة الهجوم على متحف باردو الذي يقع على بعد أمتار من مقر البرلمان، والمفترض أن يحظى بحراسة أمنية مشددة، بوجود "إخلالات في كامل المنظومة الأمنية" معلنا فتح تحقيق "لتحديد المسؤوليات". وقد أعلن الحبيب أن حكومته ستغلق خلال أسبوع 80 مسجدا خارجا عن سيطرة وزارة الشؤون الدينية قال إنها "تبث السموم للتحريض على الإرهاب".

وكانت الحكومة السابقة برئاسة مهدي جمعة أعلنت في آذار/مارس 2014 وضع "إستراتيجية" لاستعادة 149 مسجدا خارجة عن سيطرة الدولة ضمن مهلة أكدت أنها لن تتعدى ثلاثة أشهر. كما أغلقت مساجد سيطر عليها متطرفون وأقاموا داخلها "احتفالات" بمقتل 15 جنديا في هجوم شنه في 17 تموز/يوليو 2014 مسلحون مرتبطون بتنظيم القاعدة. ورأى حمزة المؤدب الباحث التونسي في مركز كارنيغي للشرق الأوسط أن "غلق المساجد أو استعادة السيطرة عليها غير كاف". وقال "لا يمكن محاربة هذه الجماعات التي تستعمل بشكل جيد التكنولوجيات الحديثة كوسائط لنشر خطابها، بالتسبب بفراغ في الحقل الديني".

وذكر أن الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي "فعل ذلك (خلق فراغا دينيا) فكانت النتيجة تطرف فئة واسعة من الشباب (التونسي) خلال السنوات الـماضية". وإثر الهجوم تداول نشطاء إنترنت في تونس مقاطع فيديو ورسائل لجهادين تونسيين هددوا مؤخرا عبر شبكات التواصل الاجتماعي بشن هجمات في بلادهم. واعتبر النشطاء أن سلطات بلادهم لم تتعامل كما ينبغي مع هذه التهديدات وخصوصا أن عدد التونسيين الذين يقاتلون مع تنظيمات جهادية في سوريا والعراق وليبيا يبلغ 3000. بحسب فرانس برس.

وبحسب المؤدب فإن "السلطات التونسية لم تقم (في السابق) ولا تقوم (حاليا) بما يكفي لحماية السكان والسياح". ووفق العديد من الشهود، فإن قوات الأمن وصلت إلى الفندق الذي هاجمه سيف الدين الرزقي بعد نحو نصف ساعة من شروع الأخير في إطلاق النار على المصطافين. واعتبرت لينا الخطيب المحللة في مركز كارنيغي أن "على تونس أن تطلق بشكل جدي إصلاحا لأجهزة الأمن حتى يستعيد المواطنون الثقة بشرطتهم". وأعلن الصيد "رصد مكافآت مالية لكل من يدلي بمعلومات تمكن من إلقاء القبض على عناصر إرهابية"، وهو إجراء اعتبر كثيرون أنه قد يشجع على الوشايات.

هجمات جديدة

الى جانب ذلك كشفت وزارة الخارجية البريطانية في تحديث لنصائح السفر على موقعها على الإنترنت، أن هجمات جديدة قد تشن في تونس من قبل "أفراد غير معروفين للسلطات استلهموا أفعالهم من جماعات إرهابية عبر وسائل التواصل الاجتماعي." وقالت وزيرة الداخلية البريطانية "تيريزا ماي" إنها سترأس اجتماعا للجنة التعامل مع حالات الطوارئ (كوبرا) لضمان أن يكون رد فعل الحكومة على الأحداث في تونس مناسبا.

وذكرت أنها لم تلمس وجود أي أدلة على أن متشددين إسلاميين استهدفوا سائحين بريطانيين على وجه الخصوص في منتجع سوسة التونسي. وكتب وزير الدفاع البريطاني 'مايكل فالون' ووزير الخارجية "فيليب هاموند" في مقالين صحفيين منفصلين إن جرائم القتل في تونس ستكون عاملا في رسم سياسات الدفاع والأمن في بريطانيا هذا العام وستقوي عزم لندن على التصدي لما وصفاه بالخطاب السام للتطرف الإسلامي. بحسب فرانس برس.

وذكرت " تيريزا ماي" أنه من المتوقع أن يرتفع عدد البريطانيين الذين تأكد مقتلهم في الهجوم إذ لا يزال بعض السائحين البريطانيين في تونس في عداد المفقودين. ومن المقرر أن يعود كثير من البريطانيين إلى بلادهم بعد أن قطعوا عطلتهم في تونس. وفي بريطانيا لا تزال درجة التأهب من الإرهاب الدولي "شديدة" وهي ثاني أعلى درجة وتعني أن احتمال وقوع هجوم مرتفع جدا. وقالت وزيرة الداخلية البريطانية إن السلطات أحبطت 40 هجوما في العقد الماضي بالإضافة إلى "عدد من المخططات" في الشهور الأخيرة.

تهديد السياحة التونسية

على صعيد متصل أجلت شركات سياحة آلاف السائحين الأجانب من تونس ووصفت وزيرة السياحة التونسية الهجوم بأنه "كارثة" على صناعة السياحة الحيوية بعدما استهدف واحدا من أكثر المنتجعات السياحية شهرة لدى الأوروبيين. وقالت سلوى قدري المسؤولة بقطاع السياحة في سوسة "غادر أكثر من ثلاثة آلاف سائح مدينة سوسة اليوم..غادر نحو 2200 بريطاني وما يقرب من 600 بلجيكي."

وقالت شركتا تومسون وفيرست تشويس للسياحة المملوكتان للمجموعة السياحية الألمانية (تي.يو.آي) إنه كان لهما نحو 6400 سائح في أنحاء مختلفة من تونس وقت وقوع الهجوم بينهم عدة أشخاص قتلوا وأصيبوا. وأرسلت الشركتان عشر طائرات لإجلاء السائحين وقالتا إن ألف سائح أعيدوا بالفعل. وقالت الشركتان إنهما قررتا إلغاء جميع عروض العطلات إلى تونس للأسبوع المقبل على الأقل.

وتنظم مجموعة (تي.يو.آي) رحلات للسائحين الراغبين في العودة لأوطانهم وأرسلت شركة الطيران البلجيكية التابعة للمجموعة ست طائرات خالية لإعادة السائحين من مدينتي جربة والنفيضة. وكان نيكولا هاريس واحدا من السائحين العائدين إلى بريطانيا من سوسة. وقال هاريس لمحطة سكاي نيوز التلفزيونية "لم أشعر بأنه من الصواب البقاء والجلوس بالقرب من حمام سباحة وأنا أعرف أنه على مسافة دقيقتين سيرا على الأقدام من مكاني مات كثير من الناس... يجب ألا أكون هناك للاستمتاع بحمام شمس بينما كثير جدا من الناس حدث لهم مثل هذا الشيء الفظيع اليوم."

من جانب اخر وكما تشير بعض المصادر الاعلامية فقد عبّر خبراء اقتصاد ومحللون تونسيون، عن مخاوفهم من أن تعمق العملية الإرهابية الأخيرة التي هزّت محافظة سوسة الساحلية وقتل وأصيب فيها عشرات السياح الأجانب، جراح الاقتصاد التونسي المتعثر، فيما وصف عدد من المسؤولين الاعتداء بأنه ضربة موجعة وكارثة على قطاع السياحة. وأشاروا إلى أن الاعتداء الإرهابي الدموي جاء بعد أقل من 3 أشهر من الهجوم على متحف باردو بالعاصمة، الذي قتل وأصيب فيه عشرات السياح الأجانب، وهو اعتداء لاتزال السلطات التونسية تحاول احتواء تداعياته.

وتراجعت إيرادات السياحة التونسية خلال الربع الأول من العام الجاري بنسبة 6.8 بالمئة، بمقارنة سنوية، متأثرة بتراجع عدد الوافدين الأجانب خاصة بعد الاعتداء على المتحف في شهر مارس الماضي. وتوقعوا أيضا، أن تتراجع الإيرادات السياحية بشكل قياسي خلال الموسم الحالي بنحو 15 بالمئة على أقلّ تقدير، خاصة بعد إلغاء آلاف الحجوزات ومغادرة آلاف السياح الأجانب لتونس عقب الاعتداء الإرهابي الأخير.

وكشف ياسين بن عامر ممثل وكالة سفر ألمانية، أنه تم الغاء نحو 30 بالمئة من الحجوزات، وقال إن ذلك يبدو أمرا طبيعيا نتيجة الصدمة التي أحدثها الهجوم. وكانت الحكومة التونسية تراهن قبل الاعتداءين الإرهابيين على المنشآت السياحية مثل متحف باردو وفندق ريو امبريال، على نجاح الموسم السياحي الحالي، لتعويض جزء من الخسائر التي تكبدتها خلال المواسم الماضية.

وتكبد المستثمرون وأصحاب النزل خسائر فادحة طيلة السنوات الأخيرة، وفقدت آلاف من فرص العمل. ويمثل قطاع السياحة نحو 7 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، ويشغل حوالي 400 ألف شخص، ويوفر ما يصل إلى 20 بالمئة من إيرادات العملات الأجنبية، كما يوفر أعدادا كبيرة أخرى من فرص العمل المؤقت خلال الصيف.

ويقول المحلل التونسي ناصر بن حديد، إن السياحة التي تعد شريان الاقتصاد التونسي، ستحتاج إلى وقت طويل للتعافي بعد الاعتداء الإرهابي الأخير، مشيرا إلى أن فاتورة الاعتداء ستكون مكلفة هذه المرّة بالنسبة لتونس. وأكد الحبيب رجب الكاتب العام للجامعة العامة للسياحة والمعاش أن للاعتداء الإرهابي وقع الصاعقة على القطاع السياحي، وأن الإرهابيين خططوا لضرب الاقتصاد وهم يعون تماما أن إصابة الاقتصاد في مقتل تمر عبر قاطرة السياحة وهي قاطرة معطلة أصلا”.

وأضاف أن آلاف العائلات تعيش من قطاع السياحة، داعيا إلى وضع خطّة إنقاذ تستجيب للرهانات والتحديات الحالية. وقال رجب لم نتعظ من العمليات الإرهابية السابقة وخاصة عملية باردو وتساءل كيف تمكن الإرهابي من اختراق النزل والوصول إلى الشاطئ في وضح النهار وإطلاق النار على السياح. وأضاف أن العاملين بالقطاع، يتوجسون من استمرار العمليات الإرهابية وتكرارها وعدم السيطرة عليها في وقت كانوا يراهنون فيه على انقاذ الموسم السياحي الحالي.

وتوقع أن تلغي وكالات الأسفار العالمية، العديد من الحجوزات، خاصة مع ترديد وسائل اعلام أجنبية تقارير حول تفشي الارهاب وانتشار الخلايا الارهابية في تونس. وكان الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي ورئيس حكومته الحبيب الصيد قد وصفا الاعتداء بأنه استهداف للسياحة، التي تعدّ من بين أهم شرايين الاقتصاد. ودخلت الحكومة التونسية في سباق مع الزمن لاحتواء تداعيات الهجوم واتخذت سلسلة إجراءات أمنية لحماية المدن والمواقع السياحية، وسط توقعات بحدوث هجمات أخرى، لكن مراقبين اعتبروا أن تحركها جاء متأخرا.

اضف تعليق