القوانين الفرنسية الجديدة التي تعمل حكومة ماكرون، ومنها قانون \"الأمن الشامل\" وقانون تعزيز مبادئ الجمهورية اثارت جدلا كبيرا داخل وخارج فرنسا، التي شهدت ايضا احتجاجات وتظاهرات واسعة واعمال عنف، يجد ماكرون الذي وصل عام 2017 إلى الحكم مستفيداً من أصوات اليمين واليسار...
القوانين الفرنسية الجديدة التي تعمل حكومة ماكرون، ومنها قانون "الأمن الشامل" وقانون "تعزيز مبادئ الجمهورية" اثارت جدلا كبيرا داخل وخارج فرنسا، التي شهدت ايضا احتجاجات وتظاهرات واسعة واعمال عنف، يجد ماكرون الذي وصل عام 2017 إلى الحكم مستفيداً من أصوات اليمين واليسار، نفسه اليوم وكما نقلت بعض المصادر في ازمة سياسية كبيرة، حيث طالبت العديد من التيارات والاطراف الفرنسية بتغير او الغاء قانون "الأمن الشامل".
وكانت هناك انتقادات شديدة للمادة 24 من قانون "الأمن الشامل" والذي تقول الحكومة إنه سيحمي الشرطة. وتقضي بتقييد نشر صور أفراد الشرطة أثناء عملهم أو تدخلهم لضبط الأمن، الأمر الذي لاقى معارضة وسائل الإعلام الفرنسية باعتباره تضييقا لحرية التعبير والصحافة. هذا ما عبرت عنه صحيفة ليبراسيون في صفحتها الأولى بعبارة تحمل مفارقة المشهد "في دولة القانون: حريات ضبابية أو مشوشة" في إحالة إلى فرض إخفاء لوجوه أفراد الشرطة خلال أداء مهمتهم. ولأن الصحيفة ترى أن تقييدا غير مسبوق للحريات العامة لم تشهده فرنسا، إلا في عهد ماكرون، فقد اختارته كي يكون على الغلاف بوجه ضبابي أيضا. ويمكن أن يعاقب بالسجن لمدة تصل إلى عام وغرامة قدرها 45 ألف يورو (53800 دولار) من تطبق بحقة هذه الفقرة.
أكدت الأغلبية الحكومية بالجمعية الوطنية الفرنسية (مجلس النواب) رغبتها في إعادة صياغة هذه المادة والتي تقيد تصوير عمليات الشرطة. وقال كريستوف كاستانيه زعيم الكتلة البرلمانية للحزب الحاكم "الجمهورية إلى الأمام" (حزب الرئيس ماكرون) في الجمعية الوطنية: "سنقترح مراجعة كاملة للمادة 24". وأضاف وزير الداخلية السابق أن السياسيين لاحظوا عدم فهم الجمهور والصحفيين للنص، معترفا بأنهم يعلمون أنه لا تزال هناك شكوك. وكانت الجمعية الوطنية قد وافقت بالفعل على النص في وقت سابق، وتزامن ذلك مع قضية الاعتداء على مخرج أسود، مما سبب مظاهرات عارمة شهدت صدامات عنيفة بين الشرطة وآلاف المتظاهرين.
والمظاهرات الفرنسية الجديدة يراها البعض انها اثرت بشكل سلبي على الرئيس ماكرون بعد أزماته العديدة التي تعرض لها، وأثارها وآخرها تصريحاته التي أججت العلاقة بين بلاده والعالم الإسلام، وكانت سببا في انطلاق دعوات مقاطعة المنتجات الفرنسية التي يبدو انها اثرت على حكومة ماركرون.
تظاهرات واعمال عنف
وفي هذا الشأن أصيب 67 عنصراً من قوات الأمن الفرنسية خلال تظاهرات جرت دفاعاً عن الحقوق الاجتماعية والحريات وشهدت أعمال شغب، كما أعلن وزير الداخلية. واورد جيرال دارمانان أنه في باريس التي شهدت أعمال الشغب الأشدّ، أصيب 48 شرطياً ودركياً بجروح، مندداً في تغريدة بـ"بالمخربين الذين يهدّمون الجمهورية". من جهتها قالت رئيسة بلدية باريس الاشتراكية آن هيدالغو عبر تويتر "أندد بأشدّ العبارات بأعمال العنف التي ارتكبها مخربون على هامش التظاهرة ".
وأوقف 95 شخصاً خلال التظاهرات، بحسب وزير الداخلية. وجمعت التظاهرات 52 ألفاً و350 شخصاً، وفق وزارة الداخلية. لكن في باريس، شهدت التظاهرات حرقاً لسيارات ومصارف ووكالات عقارية، فيما جرى إلقاء مقذوفات على عناصر الأمن، في مشهد عرفته المدينة مراراً خلال السنوات الماضية. وسرعان ما فضّت المسيرة بعد تسلل مجموعة مؤلفة من "400 إلى 500 عنصر راديكالي" إليها، وفق مصدر في الشرطة، مشكلين "كتلة سوداء" من ناشطين من اليسار المتطرف.
و"الكتلة السوداء" هي أسلوب في الاحتجاج يقوم معتمدوه بالتسلل داخل التظاهرات مرتدين الأسود، وبسرعة كبيرة، ليشكّلوا بدورهم "مسيرة رئيسية". ويعمدون الى القيام بأفعال خاطفة عبر مجموعات صغيرة ويستهدفون خصوصاً مؤسسات تعتبر رمزاً للرأسمالية مثل الوكالات المصرفية ووكالات التأمين، قبل أن يختفوا بالسرعة نفسها التي ظهروا فيها ما يجعل من توقيفهم أمراً صعباً. بحسب فرانس برس.
وفي نانت (غرب) حيث وقعت أيضاً أعمال عنف، أصيب اربعة عناصر شرطة ودركي بجروح، أحدهم بزجاجة حارقة. وقال أرنو برنار أحد المسؤولين في اتحاد نقابات الشرطة "اليوم أيضاً، يصاب عناصر الشرطة بجروح بالغة وبحروق بالوجه واليدين بسبب متفجرات". وأضاف "الغريب ألا يندد أحد بالعنف المرتكب بحق قوات الأمن"، في إشارة إلى النقاش الذي يدور في فرنسا حول عنف الشرطة والمرتبط بقضيتين تسببتا بصدمة كبيرة، أولاهما تعرض منتج موسيقي أسود للضرب وجهت التهم الى ثلاثة شرطيين بقضيته، والثانية عملية الإخلاء الوحشية لمخيم مهاجرين في باريس.
وتحوّلت التظاهرات الأسبوعية التي تخرج في أنحاء فرنسا إلى مصدر أرق لحكومة الرئيس إيمانويل ماكرون إذ ارتفع منسوب التوتر. ويلعب أعضاء حركة "السترات الصفر" التي نظّمت تظاهرات ضد انعدام المساواة في فرنسا شتاء 2018-2019، دورا بارزا في الاحتجاجات الحالية. وهتف المتظاهرون الذين أطلق بعضهم قنابل دخانية ومفرقعات شعارات بينها "الجميع يكرهون الشرطة".
وشكّلت التحركات في باريس واحدة من حوالى 100 تظاهرة تم التخطيط لها في جميع أنحاء فرنسا ضد اقتراح القانون الأمني الجديد. وانتشرت الشرطة بقوة لتفادي الاضطرابات بعد الصدامات العنيفة التي اندلعت خلال تظاهرة سابقة في باريس وأسفرت عن إصابة العشرات. وقادت منظمات حرية الإعلام وحقوق الإنسان احتجاجات لأسابيع لحمل الحكومة على إلغاء أو مراجعة اقتراح القانون الذي من شأنه تقييد تصوير الشرطة، قائلة إنه سيجعل من الصعب ملاحقة قضايا الانتهاكات.
وبعد توجيه اتهامات لأربعة عناصر شرطة فرنسيين في 30 تشرين الثاني/نوفمبر بالضرب والإساءة العنصرية للمنتج الموسيقى ميشال زيكلير، تعهد نواب من حزب ماكرون بـ"إعادة كتابة كاملة" لجزء من اقتراح القانون. وقال زعيم "الكونفدرالية العامة للعمل"، إحدى النقابات الكبرى في فرنسا، فيليب مارتينيز إن عدة أسباب تتضافر في وقت واحد. وأضاف "لا تناقض بين الحريات العامة والفردية وضرورة مكافحة انعدام الأمن الوظيفي والبطالة". وأشار إلى "إساءة معاملة أصحاب العمل" وفقدان حماية العمال.
ماكرون يعترف
الى جانب ذلك وفي مقابلة مع منصة "بروت" الإعلامية الإلكترونية، أجاب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على مواضيع حساسة مثل الإسلام والعلمانية. وقال إن فرنسا "ليس لديها مشكلة مع الإسلام"، مدافعا في الوقت نفسه عن نموذج العلمانية الفرنسي. واعتبر ماكرون الحديث عن "تقليص الحريات في فرنسا" "كذبة كبيرة". وقال إيمانويل ماكرون أثناء المقابلة مع هذه الوسيلة الإعلامية المنتشرة في صفوف الشباب في فرنسا، "لا يسعني أن أدعهم يقولون إننا نقلّص الحريات في فرنسا"، معتبرا أن فرنسا "تم تصويرها بشكل كاريكاتوري" في النقاش حول المادة 24 من مشروع القانون الأمني الذي استحال مادة جدالية حول عنف الشرطة في البلاد.
والمادة 24 التي تهدف إلى تنظيم نشر صور عناصر الشرطة بهدف حمايتهم من الكراهية على شبكات الإنترنت، وفق السلطات، عززت المعارضة لمشروع القانون، لا سيما من جانب الصحافيين ومنظمات يسارية. وتابع ماكرون "هذه كذبة كبيرة، لسنا المجر أو تركيا"، معتبرا أن النقاش "تلوّث بخطاب متشدد عدواني تجاه الحكومة". وفي هذه المقابلة الطويلة الأولى مع هذه الوسيلة الإعلامية، أجاب أيضا حول مواضيع حساسة مثل الإسلام والعلمانية. وقال إن فرنسا "ليس لديها مشكلة مع الإسلام"، مدافعا في الوقت نفسه عن نموذج العلمانية الفرنسي.
واستعاد أيضا مواقف بعض وسائل الإعلام الإنكليزية التي اتهمت فرنسا باضطهاد المسلمين. وقال "جرى نسب الكثير من الهراء إلى المشرّع، وعندما أرى الكثير من المراسلين الأجانب يشيرون إلى صحف أو صحافيين أو غيرهم ممن هم نشطاء تقريبا ويستخدمون ذلك (...) للقول إننا في فرنسا سنقلّص الحريات كلها، فبصدق شديد (أقول) لم يكن ذلك أبدا في نية المشرّع".
وردا على سؤال حول السجال الذي يهز فرنسا بشأن "عنف الشرطة" إثر الكشف عن عدة حالات أثارت صدمة لدى الرأي العام، أقر الرئيس الفرنسي الجمعة بوجود "حالات عنف على يد عناصر في الشرطة". لكنه ندد بعبارة "عنف الشرطة" التي صارت وفقا له "شعارا لمن لهم مشروع سياسي". وسعى أيضا إلى التنديد بأعمال عنف يقع ضحيتها عناصر في الشرطة. بحسب فرانس برس.
غير أن معارضي النص يشيرون إلى أن الكثير من قضايا العنف التي ارتكبتها الشرطة لما كانت كشفت لو لم تلتقطها عدسات صحافيين وهواتف مواطنين. ويؤكدون أن القانون غير مجد إذ أن القوانين الحالية كافية للتصدي لجرائم كهذه، لافتين إلى أن القانون الفرنسي "يعاقب الأفعال وليس النوايا". وكان ماكرون طلب من وزير الداخلية جيرالد دارمانان الذي يعتبر شخصية محورية في حكومته، فرض عقوبات واضحة للغاية على العناصر الضالعين في ضرب ميشال زيلكر.
وبالنسبة لوزير الداخلية جيرالد دارمانان وشريكيه في صياغة النص النائب والقائد السابق في الشرطة جان ميشال فوفيرغ والنائبة أليس تورو، يهدف المشروع لـ"حماية من يقومون بحمايتنا"، ويقصد بذلك قوات الأمن التي تواجه مشاعر عدم ثقة متصاعدة، وحتى تقابل أحيانا بالعنف. وتشعر وسائل الإعلام الفرنسية بالقلق أيضا من انتهاكات محتملة للحقوق عبر استخدام طائرات بدون طيار لمراقبة المظاهرات، وكذلك برامج التعرف على الوجوه المرتبطة بكاميرات المراقبة.
امام القضاء
مثل أربعة عناصر شرطة اعتُقلوا بعدما ظهروا في تسجيل مصوّر وهم يضربون منتِجا موسيقيا أسود في باريس أمام قاض، في قضية أثارت صدمة كبرى في البلاد وساهمت في تعبئة حاشدة ضد مشروع قانون "الأمن الشامل" وشددت الضغوط على الحكومة. ووسط أجواء سياسية مشحونة تواجهها الحكومة التي تتعرض لحملة يشارك فيها صحافيون ومخرجون ومعدو وثائقيات، ونشطاء حقوقيون ومواطنون، احتجاجا على مشروع القانون الأمني، نشر موقع "لوبسايدر" الإلكتروني تسجيل فيديو يظهر تعرّض المنتج الموسيقي ميشال زيكلير لضرب مبرح على مدى دقائق عدة داخل الاستوديو الذي يملكه في 21 تشرين الثاني/نوفمبر بأيدي ثلاثة شرطة قبل أن يقدم شرطي رابع على إطلاق الغاز المسيل للدموع داخل المكان.
ويظهر تسجيل ثان نشر زيكلير وهو يتعرّض للضرب مجددا في الشارع بعد إخراجه من الاستوديو على الرغم من وجود عدد كبير من الشرطة في المكان، إلا أن أيا منهم لم يحرّك ساكنا. وقال زيكلير إنه تعرّض مرارا لإساءات عنصرية وتم وصفه بأنه "زنجي قذر". وبحسب صحيفة "لو باريزيان" اليومية نفى الشرطة الموقوفون ان يكون قد بدر منهم أي تصرف عنصري. وطلب مدّعي عام باريس ريمي هيتس التوقيف الموقت واحال الملف على قاضي تحقيق، فيما طلب وضع الشرطي الرابع الذي اطلق الغاز المسيل للدموع تحت رقابة قضائية.
وفتح تحقيق بحقهم للاشتباه بممارستهم "عنفا متعمّدا من قبل شخص يتولى السلطة العامة"، يترافق مع عنصرية و"الكذب في وثائق عامة" وهذه جريمة تستوجب المثول أمام هيئة قضائية جنائية، إلا أن هذا النوع من المخالفات غالبا مع يحال على قاض منفرد. وأعلن وزير الداخلية جيرالد دارمانان أنه سيطلب "إقالة" العناصر الضالعين في أعمال العنف من السلك الأمني معتبرا أنهم "لطخوا زي الجمهورية". بحسب فرانس برس.
وندد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بـ"الاعتداء غير المقبول" وقال إنه يشعر بـ"الخزي" إزاء هذه المشاهد. وللمرة الثالثة هذا العام طلب ماكرون من الحكومة أن "تقدمّ سريعاً مقترحات لإعادة التأكيد على رابط الثقة الذي يجب أن يكون قائماً بشكل طبيعي بين الفرنسيين ومن يقومون بحمايتهم، ومن أجل مكافحة جميع اشكال التمييز بفعالية أكبر".
اضف تعليق