الهجوم المسلح في قاعدة بينساكولا الجوية للبحرية الأمريكية في ولاية فلوريدا والذي أسفر عن مقتل ثلاثة عسكريين أمريكيين إلى جانب المهاجم وإصابة ثمانية آخرين، ماتزال محط اهتمام اعلامي كبير خصوصاً وان المهاجم هو أحد أفراد سلاح الجو السعودي أرسل لتلقي التدريب في الولايات المتحدة...

الهجوم المسلح في قاعدة بينساكولا الجوية للبحرية الأمريكية في ولاية فلوريدا والذي أسفر عن مقتل ثلاثة عسكريين أمريكيين إلى جانب المهاجم وإصابة ثمانية آخرين، ماتزال محط اهتمام اعلامي كبير خصوصاً وان المهاجم هو أحد أفراد سلاح الجو السعودي أرسل لتلقي التدريب في الولايات المتحدة، وقتل في تبادل إطلاق النار مع عناصر الأمن في القاعدة، وهو ما شكل صدمةً في الولايات المتحدة وإحراجاً كبيراً للمملكة العربية السعودية التي تحاول اليوم ومن خلال شعارتها المعلنة نفي صفة الارهاب والتطرف عنها.

وأشارت وسائل إعلام أمريكية إلى أن محمد سعيد الشمراني قد أطلق النار على زملائه قبل مقتله في القاعدة البحرية في بنساكولا التي تضم أكثر من 16 ألف عسكري و7400 مدني. ونقلت صحيفة نيويورك تايمز عن مصدر عسكري أمريكي قوله إن الشمراني يحمل رتبة ملازم أول في الجيش السعودي، وباشر التدريب على الطيران بقاعدة بنساكولا البحرية والجوية في فلوريدا منذ عام 2017، وكان من المفترض أن ينهي تدريبه في يناير/كانون الثاني 2020. وعلى خلفية الحادث، طالب السناتور والحاكم السابق لفلوريدا ريك سكوت، بمراجعة برنامج تدريب الطيارين العسكريين الأجانب في الولايات المتحدة.

هذه الحادثة ايضا وكما يرى بعض المراقبين قد اعادت الى الاذهان هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001 التي نفذها 19 انتحاريا أغلبهم من السعودية باستخدام طائرات ركاب، مما أسفر عن مصرع وإصابة الآلاف، معظمهم في نيويورك حيث تم استهدف مركز التجارة العالمي. وكان الكونغرس الأميركي قد أقر في وقت سابق وبحسب بعض المصادر، قانون "العدالة ضد رعاة الاٍرهاب" المعروف بقانون "جاستا" بأغلبية ساحقة، والذي يسمح لعائلات ضحايا هجمات 11 سبتمبر وغيرهم بمقاضاة الدول الراعية للإرهاب أمام القضاء الأميركي. والسعودية من أهم الدول التي يستهدفها القانون نظرا لأن 16 من المتهمين بتنفيذ الهجمات يحملون جنسيتها. ويصر سياسيون وقانونيون على حق عائلات الضحايا في مقاضاة الرياض أمام القضاء الأميركي للحصول على تعويضات مالية.

والشمراني بحسب بعض المراقبين أقرب إلى التيّار السعوديّ المتشدد، وأبرز عناوينه تنظيم القاعدة، فالتّغريدات التي نشَرها على حِسابه في تويتر تؤكد تأثره بأدبيات هذا التّنظيم، وزعيمه، أسامة بن لادن، فالتّغريدة التي نشرها قبل إطلاقه النّار في قاعدة بنساكولا البحريّة تقتبس بعض ما قاله بن لادن في آخر الفيديوهات التي بثّها قبل مقتله مثل “أنا لست ضدّك لأنّك أمريكي ولا أكرهك بسبب الحُريات التي تتمتّع بها، لكنني أكرهك لأنك تدعم وتمول يوميا جرائم لا ترتَكب ضِد المسلمين فحسب بل ضد الإنسانية جمعاء، وأضاف “أنا ضد الشر، وأمريكا دولة الشر، وندد بالدعم الأمريكي لدولة الاحتلال الإسرائيلي. ولعل السؤال المهم في هذه الحادثة ومع استمرار التحقيقات، هو كيف استطاع الشمراني الذي يحمل هذا الفكر المتطرف، الانضمام إلى سلاح الجو الأخطر والأهم والأكثر تَدقيقًا في المملكة؟

التدريب في امريكا

وفي هذا الشأن بات برنامج تدريب العسكريين السعوديين في الولايات المتحدة على المحك بعد اقدام سعودي يتلقى تدريبا على قتل ثلاثة أشخاص في قاعدة جوية تابعة لسلاح البحرية في فلوريدا. والامر النادر في هذه المرحلة في الولايات المتحدة المنقسمة سياسيا بشدة، هو توافق نواب من الجمهوريين والديموقراطيين على نقطة بعد يومين من إطلاق النار: وجوب التدقيق من كثب في برامج التبادل العسكري بين واشنطن والرياض.

ويتلقى مئات من الجنود السعوديين كل عام تدريبات ضمن القوات المسلحة الأميركية، ما يؤكد متانة العلاقات بين البلدين المتحالفين. وقال السناتور الجمهوري ليندسي غراهام المقرب من الرئيس دونالد ترامب إن البرنامج "يجب تعليقه" حتى يتم في شكل كامل كشف ملابسات ما حدث في ولاية فلوريدا. وأطلق محمد الشمراني (21 عاما)، وهو ملازم ثان في سلاح الجو السعودي، النار بواسطة مسدس في إحدى قاعات التدريب في قاعدة بينساكولا، ما ادى الى سقوط ثلاثة قتلى وثمانية جرحى، قبل ان ترديه الشرطة.

ولا يزال المحققون يحاولون تحديد دوافع المهاجم الذي كان نشر على تويتر قبل اطلاقه النار رسائل معادية للولايات المتحدة، كما يبحثون عما إذا كان هناك اي تواطؤ محتمل. وتابع غراهام أن "السعودية بلد حليف، لكن هناك شيء خاطئ بشكل أساسي، يجب إبطاء البرنامج وإعادة تقييمه". من جهته، دعا النائب الجمهوري عن فلوريدا مات غايتس على قناة ايه بي سي إلى "وقف البرنامج".

وقال في هذا السياق "ينبغي ألا نرحب بالطلاب السعوديين الجدد حتى تكون لدينا ثقة تامة بعملية التدقيق لدينا"، مشددا على ضرورة "مراقبة أنشطتهم للتأكد من عدم وجود تطرف". بدوره، قال وزير الدفاع مارك إسبر إنه طلب "مراجعة لإجراءات المراقبة الخاصة بالرعايا الأجانب القادمين (لتلقي التدريب) في الولايات المتحدة"، الا انه دافع عن جدوى هذا النوع من البرامج. واضاف الوزير "لدينا شيء لا يملكه أعداؤنا المحتملون مثل روسيا والصين. أي ان هناك نظاما محددا للتحالفات والشراكات".

واكد أن "فرصة جلب الطلاب الأجانب الى هنا للتدريب معنا لفهم الثقافة الأميركية أمر مهم للغاية بالنسبة الينا لبناء هذه العلاقات الطويلة الأجل التي تساهم في أمننا". من جهتها، نددت المعارضة الديموقراطية بسياسة حكومة ترامب تجاه السعودية متهمة إياها باعطاء مصالحها الاقتصادية والعسكرية الاولوية بدلا من مسألة من حقوق الإنسان. وقال كوري بوكر الذي يخوض السباق الديموقراطي للترشح الى البيت الأبيض ان "العلاقة بيننا غير مقبولة"، مشيرا الى الطائرات الأميركية التي "تزود بالوقود طائراتهم التي تقصف اليمن بقنابل صنعت في الولايات المتحدة". بحسب فرانس برس.

في الوقت نفسه، اعادت النائبة الديموقراطية عن ولاية كاليفورنيا زوي لوفغرين الى الاذهان مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي في خريف عام 2018 في قنصلية بلاده في اسطنبول من قبل فريق سعودي. وقالت "لقد قتلوا وقطعوا هذا الصحافي" الذي كان يكتب مقالا في واشنطن بوست، و"لم نسمع أنه تمت محاكمتهم لذلك". بدوره، دعا آدم شيف الرئيس الديموقراطي للجنة الاستخبارات في مجلس النواب الى القيام ب"تحقيق شامل" في إطلاق النار في فلوريدا. وأضاف "كنت أفضل أن يطلب رئيس الولايات المتحدة اجابات بدلا من ان يتحدث نيابة عن الحكومة السعودية".

طيار متطرف

في السياق ذاته قالت مجموعة تراقب المحتوى المتطرف على الإنترنت إن الطيار السعودي المتهم بقتل ثلاثة أشخاص داخل قاعدة بحرية أمريكية في ولاية فلوريدا الأمريكية نشر على ما يبدو انتقادا لحروب الولايات المتحدة ونقل اقتباسا لزعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن على أحد مواقع التواصل الاجتماعي قبل ساعات من تنفيذه الهجوم. ولم يكشف المحققون الاتحاديون أي دوافع وراء هذا الهجوم وقال وزير الدفاع الأمريكي مارك إسبر إنه غير مستعد لاعتبار الهجوم عملا ”إرهابيا“.

وقالت السلطات إن ضابطا بالشرطة قتل المهاجم منهيا ثاني هجوم دام يقع داخل قاعدة عسكرية أمريكية خلال أسبوع واحد. وبعدها بساعات اتصل العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب ليعبر عن تعازيه ويتعهد بتعاون المملكة مع التحقيق. وأكدت السلطات أن المشتبه به من أفراد القوات الجوية الملكية السعودية وكان موجودا في القاعدة ضمن تدريب عسكري يهدف لدعم قوات الحلفاء. وفي بيان أرسل بالبريد الالكتروني، قال مكتب التحقيقات الاتحادي ”إف.بي.آي“ إن المشتبه به هو الملازم ثاني محمد سعيد الشمراني (21 عاما).

وذكرت تقارير إعلامية أمريكية نقلا عن مصدر مطلع على التحقيق أن الطيار السعودي شاهد تسجيلات فيديو لحوادث إطلاق نار عشوائي خلال تناوله العشاء مع طلاب طيران سعوديين آخرين قبل أيام.

ونقلت صحيفة نيويورك تايمز عن مسؤول أمريكي قوله إن المحققين لم يجدوا أي مؤشر يفيد بأن الشمراني كان على صلة بجماعات إرهابية دولية وانهم يعتقدون أنه تحول للتطرف من تلقاء نفسه. وقالت نيويورك تايمز أنه دخل الولايات المتحدة للمرة الأولى العام الماضي ثم عاد للسعودية ودخل الولايات المتحدة مجددا في فبراير شباط وانضم لتدريب بالقاعدة قبل نحو ثلاثة أيام من الهجوم.

وقال مسؤولون إن ثلاثة على الأقل من المصابين، وعددهم ثمانية، من رجال إنفاذ القانون الذين كانوا أول من وصل لموقع الحادث للسيطرة على الموقف. وأضافوا أن أحدهم ضابط بشرطة البحرية والاثنين من نواب قائد الشرطة. وكشفت البحرية في بيان بالبريد الالكتروني عن هوية القتيلين الآخرين وهما محمد سامح هيثم (19 عاما) وكاميرون سكوت ولترز (21 عاما)، وكلاهما من سلاح البحرية يدرسان بالقاعدة.

وفي تصريح للصحفيين بالبيت الأبيض، قال ترامب إن العاهل السعودي وولي العهد يشعران بحزن شديد إزاء ما حدث مضيفا أن العاهل السعودي ”سيشارك في رعاية عائلات (الضحايا)“. وأوضح الرئيس الأمريكي ”اعتقد أنهما سيساعدان العائلات بدرجة كبيرة“. ونقلت صحيفة نيويورك تايمز عن مصدر مطلع على المراحل الأولى من التحقيق، دون ذكر اسمه، قوله إنه يجري التحقيق في فلوريدا مع ستة سعوديين آخرين شوهد ثلاثة منهم يصورون الحادث. بحسب رويترز.

وذكر موقع سايت الذي يراقب مواقع المتشددين على الإنترنت إن المشتبه به نشر على ما يبدو مبررا للهجوم الذي خطط له في تغريدة باللغة الإنجليزية على تويتر قبل ساعات من بدء الهجوم. وأشار المشتبه به إلى الحروب الأمريكية في الشرق الأوسط وعبر عن كرهه للشعب الأمريكي بسبب ”ارتكابه جرائم ليست فقط ضد المسلمين ولكن أيضا ضد الإنسانية“. وذكر تحليل موقع سايت أن المشتبه به انتقد كذلك دعم واشنطن لإسرائيل ونقل مقولة لبن لادن الذي دبر هجمات الحادي عشر من سبتمبر أيلول.

وأشارت نيويورك تايمز نقلا عن مسؤول أميركي رفيع الى انه لم تعلن أي جماعة مسؤوليتها عن الهجوم، ولم يكن لمطلق النار أي علاقات "إرهابية" واضحة. وقالت ريتا كاتز مديرة موقع سايت في تغريدة انه "بالنظر إلى أن تنظيم داعش ليس لديه الكثير ليخسره في هذه المرحلة، فلن يكون مفاجئا اذا ما تبنى الهجوم، بغض النظر عن الولاء المحتمل للمهاجم".

الموقف السعودية

على صعيد متصل سعت السعودية للنأي بنفسها من متدرب عسكريّ سعودي قتل ثلاثة أشخاص داخل قاعدة عسكرية تابعة للبحرية الأميركية في فلوريدا، فيما تسعى لإصلاح صورتها والابتعاد عن الإسلام المتطرف. ويشكّل الحادث انتكاسة كبيرة لجهود المملكة المحافظة التي تحاول تغيير سمعتها كمصدر للتشدد الإسلامي بعد تورط 15 من 19 شخصًا في هجمات 11 أيلول/سبتمبر 2001 كانوا من حملة الجنسية السعودية، وقد تدرّب بعضهم في مدرسة للطيران المدني في فلوريدا.

وانتشر وسم #مجرم_فلوريدا_لا _يمثلنا وأخر بالانكليزية يقرأ بالعربية سعوديون يدعمون أميركا على مواقع التواصل الاجتماعي. واتصل العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز بالرئيس الأميركي دونالد ترامب وندد ب"الجريمة الشنعاء" معتبرا ان مرتكبها "لا يمثل الشعب السعودي"، كما تعهد التعاون مع الجانب الاميركي للتحقيق في الحادث. واعتمدت اسرة مطلق النار، الذي تم تعريفه باسم محمد الشمراني، النهج ذاته.

ونقلت صحيفة "عكاظ" المؤيدة للحكومة عن أحد اعمامه سعد الشمراني قوله إنّ ما فعله لا يعكس "إنسانية وإخلاص عائلته" لقيادة المملكة. وقدّم الأمير خالد بن سلمان، الابن الأصغر للعاهل السعودي ونائب وزير الدفاع، "خالص تعازيه" لذوي الضحايا. وكتب على تويتر بالانكليزية "على غرار عسكريين سعوديين آخرين، فقد تلقيت تدريبات في قاعدة عسكرية أميركية وقد استخدمنا هذا التدريب القيّم لنحارب جنبا إلى جنب مع حلفائنا الأميركيين ضد الإرهاب وتهديدات أخرى".

وتابع أنّ "اعدادا كبيرة من الخريجين السعوديين في القاعدة الجوية التابعة للبحرية في بينساكولا خدموا مع نظرائهم الأميركيين في جبهات القتال حول العالم مساهمين في الحفاظ على الأمن الإقليمي والعالمي. كل شخص في السعودية يدين هذا الحدث المأساوي بقوة". ومن غير المتوقع أن يؤثر الحادث على العلاقات الوثيقة بين الرياض وواشنطن، مع سعي الحكومتين الى تعزيز التعاون الدبلوماسي والعسكري لمواجهة النفوذ الإيراني المتزايد في المنطقة.

وفي محاولة لتأكيد العلاقات الوثيقة، أبرز العديد من السعوديين على وسائل التواصل الاجتماعي تقارير وسائل الإعلام الأميركية عن طالبين في برنامج تبادل طلابي غرقا العام الماضي في ولاية ماساتشوستس بعد أن قفزا في نهر لإنقاذ طفلين صغيرين. لكنّ حاكم فلوريدا رون ديسانتيس قال في مؤتمر صحافي إن على الحكومة السعودية دفع تعويضات للضحايا. واضاف انّ "حكومة السعودية تحتاج أن تجعل الحياة أفضل لهؤلاء الضحايا واعتقد أنها مدينة لنا لأن (مطلق النار) واحد من رعاياها".

ورفض مواطنون سعوديون على مواقع التواصل الاجتماعي بشدة طرح ديسانتيس، وكتب احدهم على تويتر إنّ "الحكومة السعودية ليست مسؤولة عن كل فرد يحمل جواز سفر سعودي". ويقاضي أقارب ضحايا هجمات 11 أيلول/سبتمبر 2001 المملكة للحصول على تعويض رغم أن الرياض نفت بشدة تورطها في الهجمات. ويسعى ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، والحاكم الفعلي للبلاد بأمر الواقع، إلى إبراز صورة معتدلة لمملكته الصارمة والمرتبطة في أذهان الغرب على نطاق واسع بالإيديولوجية الجهادية. بحسب فرانس برس.

يحاول ولي العهد، بحسب مراقبين، عدم التركيز على دور الدين مواصلا حملة تحديث اجتماعية شاملة سمحت بتنظيم حفلات موسيقية مختلطة بين الجنسين، وأنهى حظرا استمر عقودا طويلة على فتح دور السينما كما سمح للنساء بقيادة السيارات. واستضافت السعودية التي تُحظر على اتباع الديانات الاخرى ممارسة معتقداتها، عددا من ممثلي الطوائف المسيحية في الأشهر الأخيرة. لكنّ الأمير الذي يصفه نفسه بأنه مصلح واجه انتقادات عالمية لسجل المملكة السيئ في مجال حقوق الإنسان، بما في ذلك سجن العديد من الناشطات ورجال دين وصحافيين.

اضف تعليق