العمليات العسكرية التي نفذها الجيش التركيا ضد وحدات حماية الشعب الكردية في شمال شرق سوريا بعد انسحاب القوات الامريكية، أثارت مخاوف الكثير من الدول والحكومات حول مصير أكثر 12 ألف مقاتل لتنظيم داعش فضلا عن آلاف آخرين من زوجاتهم وأطفالهم، في سجون قوات سوريا الديمقراطية قسد...
العمليات العسكرية التي نفذها الجيش التركيا ضد وحدات حماية الشعب الكردية في شمال شرق سوريا بعد انسحاب القوات الامريكية، أثارت مخاوف الكثير من الدول والحكومات حول مصير اكثر 12 ألف مقاتل لتنظيم داعش فضلا عن آلاف آخرين من زوجاتهم وأطفالهم، في سجون قوات سوريا الديمقراطية "قسد". وعلى الرغم من أن هذه المخاوف وكما نقلت بعض المصادر، كانت قد أثيرت قبل العملية، فإن الأنباء عن قصف لواحد من هذه السجون المؤقتة، أثار مجددا القلق من إمكانية هرب مقاتلي داعش وقيامهم بعمليات جديدة، بعد أن تم دحرهم على يد هذه القوات بمساعدة أميركية.
وكانت "قسد" قد ذكرت في تغريدة سابقة على حسابها الرسمي أن سجنا به عدد من معتقلي داعش تعرض للقصف في غارة جوية تركية: المتحدث باسم القوات مصطفى بالي ذكر في تغريدة أيضا أن "خلايا نائمة" تتبع التنظيم أطلقت بالفعل عملية "واسعة النطاق في مدينة الرقة" السورية. وخاضت قوات سوريا الديموقراطية معارك عدة ضد التنظيم آخرها في شرق سوريا، حيث أعلنت القضاء على ما يسمى دولة الخلافة التي كان التنظيم أعلنها على مناطق سيطرته في سوريا والعراق في عام 2014. وتحتجز هذه القوات عشرات الآلاف من مقاتلي التنظيم وأفراد عائلاتهم، وبينهم عدد كبير من الأجانب.
ويعتبر مراقبون "مخيم الهول"، أكبر المخيمات الواقعة تحت سيطرة قوات سوريا الديموقراطية، بمثابة "قنبلة موقوتة"، بعدما شهد مؤخراً حوادث اعتداء وفوضى خصوصاً في القسم المخصص لعائلات مقاتلي التنظيم الأجانب. ويؤوي المخيم المكتظ أكثر من ثلاثة آلاف عائلة من عائلات مقاتلي التنظيم من إجمالي أكثر من 70 ألف شخص، وفق الإدارة الذاتية الكردية. وحذرت الإدارة الذاتية في تقرير من من أن "المهاجرات"، وهي تسمية تُطلق على زوجات الجهاديين الأجنبيات، "لسن أقل خطورة من آلاف مقاتلي التنظيم في مراكز التوقيف".
والمئات من سجناء داعش محتجزون في سجون "مؤقتة" بالقرب من الحدود التركية، وفقا لمسؤولين عسكريين أميركيين. وتقع غالبية السجون في مدارس أو مبان حكومية محلية خلف ما يسمى بـ"المنطقة الآمنة" التي تريد تركيا إقامتها على طول حوالي 500 كيلومتر على الجانب السوري من الحدود. مصطفى بالي صرح بأنه ليس للقوات "سجونا" بالمعايير المطلوبة لإبقاء هؤلاء السجناء دفيها، وهو ما يزيد المخاوف بشأن مصير هؤلاء السجناء. وحذر محللون من أنه في حالة فرار سجناء داعش، أن يعيدوا تجميع أنفسهم مرة أخرى ويستولون على أراض.
مجلس الأمن يحذّر
وفي هذا الشأن حذّر مجلس الأمن الدولي في بيان تم تبنيه بالإجماع من مخاطر "تفرّق" السجناء الجهاديين في سوريا، دون أن يدعو الى وقف الهجوم التركي ضد الأكراد هناك. وقال البيان "أعرب أعضاء مجلس الأمن الدولي عن قلقهم العميق من خطر تفرّق الإرهابيين من منظمات مدرجة على لائحة الأمم المتحدة للارهاب"، بما في ذلك مقاتلي تنظيم داعش.
وأعلنت الدول ال15 الأعضاء في المجلس بما في ذلك روسيا التي تدعم الرئيس بشار الاسد انها "قلقة جدا من تدهور جديد للوضع الإنساني" في شمال شرق سوريا. ولم يتضمن البيان ادانة للهجوم التركي أو دعوة الى وقف العملية العسكرية التركية التي بدأت في 9 تشرين الاول/أكتوبر. لكن أعضاء مجلس الأمن اتفقوا على خطر اعادة تجمّع تنظيم داعش، وفق ما نقل دبلوماسي غربي طلب عدم الكشف عن هويته.
وتم تبني البيان المقتضب الذي اقترحته فرنسا بعد اجتماع قصير بطلب من الاعضاء الأوروبيين في مجلس الأمن. وفي بيان مشترك منفصل أكد الأعضاء الأوروبيون في مجلس الأمن، بلجيكا وبريطانيا وفرنسا والمانيا وبولندا، على ضرورة تأمين المعسكرات التي يحتجز فيها المقاتلون الجهاديون. واعتبروا "أن الاحتجاز الآمن للمقاتلين الإرهابيين أمر ضروري لمنعهم من الانضمام إلى صفوف الجماعات الإرهابية".
وكررت السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة كيلي كرافت أمام الصحافيين مطلب واشنطن بوقف هجوم أنقرة، وهو ما سيشدد عليه نائب الرئيس الأميركي مايك بنس في تركيا. وقالت "إن الهجوم العسكري التركي في شمال شرق سوريا يقوّض الحملة للقضاء على التنظيم ويعرّض حياة المدنيين الابرياء للخطر، كما ويهدد السلام والأمن والاستقرار في المنطقة". واضافت "الولايات المتحدة تدعو تركيا إلى وقف هجومها وإعلان وقف لإطلاق النار على الفور".
أما نظيرها الصيني تشانغ جون فقد أعلن في لقاء نادر من نوعه مع الصحافيين أن الهجوم التركي "جعل وضع مكافحة الإرهاب أكثر هشاشة". وأضاف أن تأمين المعسكرات التي يحتجز فيها الجهاديون هو "حقا في صالحنا جميعا"، في حين أشار السفير الروسي فاسيلي نيبينزيا الى انه "لا ينبغي لأحد أن يدّعي أن هذه قضية تخص سوريا والعراق فقط". ويحتجز الآلاف من سجناء داعش في معسكرات يديرها الأكراد في المنطقة.
ويتناقض الإجماع الذي خرج به أعضاء مجلس الأمن الدولي، رغم حصره بموضوع الجهاديين، مع ردود الفعل الأولية في الأمم المتحدة. فقد منعت روسيا والصين خلال اجتماع طارىء حينذاك تبني بيانين منفصلين يدعوان إلى وقف الهجوم التركي، أحدهما تقدمت دول أوروبية والآخر الولايات المتحدة. وتبدي دول عدة قلقها البالغ من تداعيات الهجوم التركي على المعركة ضد خلايا تنظيم داعش، كما على مصير من 2,500 إلى 3000 أجنبي من أصل 12 ألف عنصر من تنظيم داعش في سجون المقاتلين الأكراد.
اتهامات ومطالب
في السياق ذاته اتهمت فرنسا وبريطانيا تركيا والولايات المتحدة بإضاعة مكاسب خمس سنوات من قتال تنظيم داعش وسارعتا إلى تحديد طريقة الرد على احتمال هروب المتشددين من السجون والمخيمات في سوريا. وبينما واصلت تركيا هجومها ضد قوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الأكراد في شمال سوريا، دخل الجيش السوري المدعوم من روسيا إحدى أهم المدن التي يدور بشأنها تنافس حامي الوطيس بعد أن غادرتها القوات الأمريكية تنفيذا لقرار الرئيس دونالد ترامب الانسحاب من سوريا.
وقال رئيس وزراء فرنسا إدوار فيليب أمام برلمان بلاده ”هذه القرارات تلقي بظلال من الشك على خمسة أعوام من جهد التحالف“. وأضاف ”هذا التدخل مدمر لأمننا الجماعي بجانب العودة المحتومة لتنظيم داعش في شمال سوريا وربما في شمال غرب العراق ايضا“. ومن جانبه أدلى وزير خارجية بريطانيا دومينيك راب بتصريحات تعد صدى لتصريحات فيليب وصف فيها الهجوم التركي بأنه ”طائش“ و“نتائجه عكسية“. وقال راب أمام البرلمان البريطاني ”لا نريد أن نرى المقاتلين الأجانب وقد عادوا إلى المملكة المتحدة“. بحسب رويترز.
وتصر فرنسا على أنها لن تستعيد رعاياها الذين انضموا إلى التنظيم وتريد إبرام اتفاق مع العراق على استقبالهم. وقال وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لو دريان إنه يجري محادثات مع زعماء عراقيين وأكراد لمناقشة كيفية تأمين آلاف من مقاتلي تنظيم داعش الأجانب المحتجزين في مخيمات وسجون بسوريا. وقال لو دريان لأعضاء البرلمان الفرنسي ”يمكنهم (مقاتلو داعش) التحرك بسرعة إذا لم تكن على تلك المخيمات حراسة كافية... سأجتمع قريبا جدا مع زعماء عراقيين ومنهم أكراد لضمان هذه الضرورة الملحة“.
ولا تريد دول أوروبا محاكمة رعاياها من مقاتلي تنظيم داعش على أراضيها خشية أن يثير ذلك غضبا عاما وأن تجد نظمها القضائية صعوبات في جمع الأدلة بالإضافة إلى خطر تجدد هجمات المتشددين هناك. وشهد العراق بعض أكثر المعارك دموية ضد التنظيم ويحاكم بالقعل آلاف المشتبه بانتمائهم إلى التنظيم هناك بعد أن اعتقلت القوات العراقية كثيرا من الأشخاص خلال سقوط معاقل التنظيم في مختلف أنحاء البلاد.
والمفاوضات مع العراق الذي يطلب أيضا ملايين الدولارات تعويضا عن قبول المقاتلين الأوروبيين على أراضيه ليست يسيرة. وقال ثلاثة دبلوماسيين أوروبيين إن المحادثات مستمرة مع العراق وإنه ستكون هناك مساع قوية للإسراع بتلك الجهود في ضوء الهجوم التركي لكن ما زال التوصل إلى اتفاق مع بغداد بعيدا.
ترامب وتركيا
من جانب اخر قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إن القوات التي يقودها الأكراد في شمال شرق سوريا ربما تطلق عمدا سراح متشددين محتجزين من تنظيم داعش لدفع القوات الأمريكية إلى العودة للمنطقة، مضيفا أنه سيكون من السهل استعادتهم مرة أخرى. وقال ترامب في سلسلة تغريدات على تويتر ”الأكراد ربما يفرجون عن البعض لحملنا على التدخل. من السهل للغاية أن تعيد تركيا أو الدول الأوروبية التي ينحدر منها الكثيرون احتجازهم، لكن ينبغي لهم التحرك بسرعة“.
وبدأ الهجوم التركي بعد قرار ترامب سحب القوات الأمريكية الباقية في شمال سوريا وقوامها ألف جندي، في خطوة أدانها منتقدون من الحزبين الجمهوري والديمقراطي على السواء. وتهدف تركيا إلى القضاء على وحدات حماية الشعب الكردية، وهي المكون الرئيسي لقوات سوريا الديمقراطية. وتنظر أنقرة، شريك واشنطن في حلف شمال الأطلسي، إلى وحدات حماية الشعب باعتبارها منظمة إرهابية، وذلك بسبب علاقاتها بتمرد كردي في تركيا.
وهدد ترامب في التغريدات التي نشرها”بعقوبات كبيرة“ على تركيا. وأعلنت إدارة ترامب أنها ستعد عقوبات على تركيا، وقال وزير الخزانة الأمريكي ستيفن منوتشين إنه يجري إخطار البنوك. لكن ترامب وإدارته لم يقدما تفاصيل عن العقوبات المحتملة أو ما الذي يجعلها تدخل حيز التطبيق.
الى جانب ذلك قال وزير الدفاع التركي خلوصي أكار إن مقاتلي وحدات حماية الشعب الكردية السورية أفرغوا سجنا لمتشددي التنظيم في جزء من سوريا تشن فيه تركيا هجوما مضيفا أن السجناء قد خُطفوا. وقال أكار إن وحدات حماية الشعب أفرغت السجن الوحيد لمتشددي داعش الذي وصلت إليه القوات التركية إلى الآن في ”المنطقة الآمنة“ المزمعة وإن النزلاء تم نقلهم بالفعل. بحسب رويترز.
وقال ”كما تعلمون هناك قضية سجون في هذا الموضوع المتعلق بداعش. نحن مصرون على إظهار أقصى جهد في شأن هذه السجون. ومع ذلك هناك سجن واحد في منطقتنا. سجن لداعش“. وأضاف ”عندما ذهبنا إلى هناك وجدنا أنه تم إفراغه بواسطة وحدات حماية الشعب وأن المشددين قد خطفوا. حددنا ذلك من خلال صور وتسجيلات مصورة وتحدثنا إلى نظرائنا وسنواصل القيام بذلك“. ولم يذكر أكار عدد السجناء الذين يعتقد أنهم نقلوا من السجن ولم يخض في التفاصيل بشأن من نقل المسجونين وإلى أين.
وليس هناك تعليق من وحدات حماية الشعب بعد. ونشرت وسائل إعلام تركية لقطات لما قالت إنه السجن الذي أفرغته وحدات حماية الشعب في وسط تل أبيض على الحدود التركية. وظهر في اللقطات جنود أتراك يتجولون في السجن الفارغ حيث ظهرت زنازين بنيت بداخله.
اضف تعليق