مع انهيار تنظيم داعش الارهابي في سوريا والعراق، اصبحت قضية زوجات عناصر التنظيم الأجنبيات من اهم وأخطر القضايا في العديد من الدول وخصوصا الدول الغربية، التي تواجه معضلة إعادة مواطنيها الذين التحقوا بالتنظيم ومحاكمتهم في بلدهم، أو منعهم من العودة بسبب مخاوف أمنية كما ان...
مع انهيار تنظيم داعش الارهابي في سوريا والعراق، اصبحت قضية زوجات عناصر التنظيم الأجنبيات من اهم وأخطر القضايا في العديد من الدول وخصوصا الدول الغربية، التي تواجه معضلة إعادة مواطنيها الذين التحقوا بالتنظيم ومحاكمتهم في بلدهم، أو منعهم من العودة بسبب مخاوف أمنية. كما ان بعض السلطات الأوروبية تخشى من غضب شعبى لعودة الإرهابيين، خصوصا وان بعض التقارير تشير الى وجود أكثر من 4000 زوجة وطفل ما زالوا فى سوريا، حيث تشكل عودة المقاتلين السابقين وعائلاتهم مخاوف لدى السلطات الأمنية فى الدول الغربية، إذ يرى مسؤولون أمنيون أن هؤلاء المقاتلين السابقين "تلقوا تدريبات وحصلوا على مهارات وقدرات تجعلهم يشكلون خطرًا أمنيًا محتملاً.
كما اشارت بعض التقارير الى الدول المهم لنساء داعش في إعادة إحياء عمليات التجنيد من جديد، فبعد الهزائم التي تعرض لها التنظيم وفرار الكثير من عناصره وإعدامه للكثير من مقاتليه في الآونة الأخيرة، تتجه الأنظار إلى المئات من نساء التنظيم القادرات على استقطاب مقاتلين جدد ومؤيدين للتنظيم ومشاركين معه في العمليات القتالية. ويعد تنظيم داعش بحسب تقرير أصدره مرصد الفتاوى التكفيرية والآراء المتشددة بدار الإفتاء المصرية، من أكثر التنظيمات الإرهابية التي نجحت في اجتذاب العنصر النسائي بين عناصره واعتمد عليهن في عمليات استقطاب وتجنيد مقاتلين جدد، ففي سوريا استعان التنظيم مؤخرًا بالعنصر النسائي عبر منصات التواصل الاجتماعي من أجل تجنيد مزيد من السيدات عبر تقديم خطاب ومادة إعلامية تدعو إلى "نصرة الإسلام والمسلمين" من خلال دعم دولة "الخلافة "، فقد اقتصر دور النساء في المرحلة الحالية من عمر التنظيم على عمليات التدوين عبر المنصات الإعلامية متحدثة عن فضل الهجرة ووجوبها، وأهمية الانضمام إليه.
وتضمنت هذه المعلومات ما يجب على المرأة أن تحضره معها للذهاب إلى دولة "الخلافة"، وما هو شكل الحياة اليومية بالنسبة للنساء المنضمات إلى التنظيم. وأشار المرصد في تقريره إلى أن تنظيم "داعش" عمل على استخدام استراتيجية "القاعدة "في استغلال المرأة لنشر "أيديولوجيته الفكرية" المتطرفة بين العناصر النسائية الأخرى، إضافة إلى استخدامهن في الترويج الدعائي لأفكاره الخاصة بفكرة "الخلافة"، فمنذ أواخر عام 2017 أعلن تنظيم "داعش" في إحدى إصداراته أن "الجهاد ضد الأعداء" واجب على المرأة، كما قام بإنتاج صور دعائية لنساء يقاتلن في معاركه، وكان لهذه الإصدارات أثر في الدور الذي باتت تلعبه النساء داخل التنظيم؛ إذ وصلت نسبة الفتاوى التي تروج للعنصر النسائي في التنظيم منذ عام 2018 إلى ما يقارب من 60% وكانت توجب مشاركة المرأة في نصرة دولة "الخلافة".
وذكر التقرير أن عودة التنظيم للاعتماد على المرأة في التجنيد يرجع إلى عدة أسباب، أهما قدرتها على الحركة دون قيود أمنية تعوق قيامها بعمليات إرهابية، خاصة أن اعتماد التنظيمات الإرهابية على النساء في العمليات الإرهابية لم يكن معروفًا منذ زمن بعيد، هذا بالإضافة إلى أنها قادرة على نشر الأيديولوجيا المتطرفة بشكل أكبر، كما أن اعتماد التنظيم على المرأة يعني إعادة مفهوم "الإرهاب العائلي"، وبالتالي توسع التنظيم في تجنيد مزيد من الأشخاص.
وأضاف المرصد أن التنظيم يسعى حاليًّا إلى تدريب النساء للتعامل مع المتفجرات، وتحضيرهن للسفر إلى أوروبا، كما أن دور النساء في تجنيد المتطرفين لا يعتمد فقط على نشر الأفكار، بل أيضًا توظيف قدرة النساء على الجذب للتأثير على الشباب وحثهم على الانضمام للتنظيم. وأكد التقرير، أن النساء في تنظيم "داعش" من المرجح أن يلعبن دورًا قويًّا في الحفاظ على إرث التنظيم وأفكاره، خاصة أن العنصر النسائي يشكل ما يقرب من 25% من مقاتلي التنظيم في الفترة من 2013 وحتى 2018.
مقاتلات شرسات
يقلن إنهن مجرّد "ربات بيوت" و"خاب أملهنّ" أو "أعلن التوبة" عن الجهاد، لكن بالنسبة لبلدانهنّ الأصلية التي ترفض عودتهنّ، فإن نساء "الخلافة" الزائلة يبقين قبل كلّ شيء مقاتلات يحتمل أن يكنّ خطيرات جداً. وترى الخبيرة في شؤون الإرهاب في مركز الدراسات الأسترالي "لوي" ليديا خليل أن "دور النساء الجهاديات يجري التقليل من قيمته تقليدياً. في هذا المجال، كما في غيره من المجالات، غيّر تنظيم داعش قواعد اللعبة".
وبعيداً عن الفكرة المبتذلة بأن زوجات الجهاديين "مخدوعات"، جرى "تلقينهنّ" العقيدة الجهادية أو "أجبرن" على الانضمام إلى التنظيمات الجهادية، فإنهنّ هنّ من كنّ يدعين إلى الانضمام للقتال أو المشاركة في "تنظيم عمليات إرهابية"، بحسب ما كتبت خليل في تحليل.
ويأتي ذلك بينما ترفض كلّ من لندن وواشنطن بشدّة إعادة امرأتين جهاديتين من مواطنيهما، هما شامينا بيغون وهدى مثنى، في حدثٍ يتابعه الإعلام من كثب. وعندما كنّ يبقين بعيدات عن أعمال العنف والانتهاكات المرتكبة باسم تنظيم داعش، كانت النساء الجهاديات يحتللن مكانة مهمة في عيون المجموعة من خلال تعليمهنّ للأطفال. "ما ينتظر منهنّ هو ضمان دوام العقيدة عبر تعليمها" داخل الخلافة أو عبر طرق "خفيّة" في بلدانهنّ، كما تعتبر المختصة في الاسلام السياسي في معهد التعليم العالي للعلوم الاجتماعية في باريس أميلي شيللي.
وتقول شيللي إن تلك العقيدة التي تتضمن مبادئ "مناهضة بتطرف للنظام، ومعادية للسامية ومعارضة للمغريات وللمسلمين الضالّين"، كانت موجودة قبل تنظيم داعش الذي لم يقم سوى بتعزيزها. ومنذ انطلاق عملية قوات سوريا الديموقراطية، التحالف الذي يتضمن قوات عربية وكردية ويدعمه التحالف الدولي بقيادة أميركية، سجن حوالى ألف أجنبي يشتبه بانتمائهم إلى تنظيم داعش.
وأرسلت النساء مع أكثر من 2500 طفل من أولاد الجهاديين، المتحدرين من 30 دولةً، إلى مخيمات للنازحين في شمال شرق سوريا تحت إشراف قوات سوريا الديموقراطية. وكشف مصدر فرنسي قريب من الملف "من بين 20 امرأةً فرنسيةً محتجزةً في المخيم، سبع أو ثماني على الأقلّ مدرجات على أنهنّ في غاية الخطورة". ويؤكد المصدر "أنهنّ مقاتلات شرسات في تنظيم داعش، ويقمن، إذا احتاج الأمر، بمحاولة تطبيق النظام في المخيم على اللواتي لا يحترمن الشريعة".
وبعدما طالبت لوقت طويل بمحاكمتهم في مكانهم، لم تستبعد فرنسا إعادة مواطنيها نظراً لخطر "انتشارهم" بعد الانسحاب الفعلي لـ2000 جندي أميركي متمركزين في شمال شرق سوريا. لكن المصدر المقرب من الملف في باريس يعترف بأن "تحمّل مسؤولية إعادتهم أمر ثقيل. إنه خطر حقيقي"، متخوفاً من أن تكون محاكماتهم في أوروبا معقدة وأن لا تتمّ إدانتهم إلا بعد عدة سنوات. والأنظمة القضائية في الدول الغربية ناقصة خصوصاً في ما يتعلق بمحاكمة النساء اللواتي يصعب فهم أدوارهنّ بشكل ملموس، لأنها كانت تحديداً أدواراً إيديولوجية، خصوصاً في وحدات الشرطة الدينية.
وتطالب عدد من العائلات بإعادة بناتهنّ بهدف محاكمتهنّ بشكل عادل في بلدانهنّ ولكي يتمكّنّ من الاتصال من جديد بقيم أخرى. "لكن في حالة العائلات المعجبة بالجهاد مثل عائلة مراح (منفذ الهجمات ضد أطفال يهود وعسكريين في فرنسا عام 2012)، فمن الصعب جداً الخروج عن تلك القيم لأنها كلّ ما تربّى عليها الفرد مذ كان في المهد"، بحسب ما ترى أميلي شيللي. وعلى عكس الأفكار المتداولة، فإن النساء كنّ عادةً محرّكاً رئيسياً في نقل التطرف إلى شريك أو ابن أو أخ، كما تلحظ الباحثة في معهد العلوم الاجتماعية في باريس. بحسب فرانس برس.
وتذكر على سبيل المثال حالة أميدي كوليبالي، أحد المنفذين والمخططين للهجمات التي وقعت في باريس في كانون الثاني/يناير 2015 وشريكته حياة بومدين، التي غادرت لاحقاً إلى سوريا. أما بالنسبة لعالم الاجتماع فرهاد خوسروخفار، فيجب قبل كل شيء التمييز بين "التائبات والمتشددات والمترددات والمصابات بحالة الصدمة". وتابع أنه حتى في ظلّ غياب "نموذج معتمد لتخليصهنّ من الأفكار المتطرفة، لكن ذلك لا ينفي ضرورة المحاولة". و"العائدات"، بمجرّد سجنهن ومحاكمتهن في بلدانهنّ، سيطرحن تحدياً آخر على السلطات. "حتى الآن، لم تتبنَّ أي امرأة الأفكار المتطرفة في السجن"، كما توضح المتخصصة السويسرية في جهاد النساء جيرالدين كاسو. وأشارت إلى أن "إدارة السجون قلقة من احتمال أن يجري دفع النساء إلى التطرف داخل السجون الفرنسية".
ليست النهاية
من جانب اخر سافرت المرأة الجزائرية قبل أربع سنوات إلى دولة الخلافة التي أعلنها تنظيم داعش ولم تقرر الرحيل عن آخر معقل محاصر للتنظيم إلا بعد أن أصيبت ابنتها برصاصة في ساقها. وقالت المرأة ”ما ندمت. ولا حتى الآن... ولو لم تصب ابنتي لبقيت“. كانت المرأة ترتدي نقابا كاملا وكانت ابنتها ذات التسعة عشر ربيعا ممددة أمامها على حشية عاجزة عن المشي. وعند حاجز أمني تديره القوات المدعومة من الولايات المتحدة على مسافة 30 كيلومترا من آخر معاقل التنظيم في قرية الباغوز الواقعة على نهر الفرات تحدثت المرأة عن ثقتها في التنظيم الذي سيطر في فترة من الفترات على مساحة كبيرة من الأرض في سوريا والعراق.
وقالت المرأة ”حتى إذا كنت هنا لأني لا أملك خيارا آخر. فما زلت مؤمنة وأعرف أن هذه ليست النهاية“. وتبرز مشاعر الولاء لداعش بين النازحين الخطر الكامن الذي لا يزال التنظيم يمثله رغم الهزيمة على الأرض. وكان المتشددون قد أعادوا قبل أعوام قليلة رسم خريطة المنطقة بإعلان قيام دولة الخلافة التي كانت مساحتها تعادل تقريبا ثلث مساحة العراق وسوريا. غير أن هذه المساحة تقلصت إلى الباغوز، التي تمثل مجموعة من التجمعات السكنية الريفية الصغيرة وأرضا زراعية، وذلك منذ هزيمة المتشددين عام 2017 في معظم الأراضي التي كانت تحت سيطرتهم.
وقالت المرأة الجزائرية إن الاشتباكات بالأسلحة النارية ومدافع المورتر كانت في الفترة الأخيرة أكثر من الغارات الجوية. وفي وقت سابق أثناء الحرب سقط زوجها واثنان من أولادها قتلى وقالت إنها لا رغبة لديها للعودة إلى الجزائر التي خاضت فيها الحكومة حربا أهلية مع الإسلاميين في التسعينيات. وقالت المرأة التي عاشت في فرنسا لفترة من الوقت ”لا يمكن أن أعود إلى من لا يحبونني ولا أحبهم“. وسئلت عن سبب سفرها إلى سوريا فقالت ”هذا ما أؤمن به... قوانين ربنا“.
من جانب اخر قصدت أم يوسف التونسية الفرنسية، كما تقدّم نفسها، "أرض الخلافة" لارتداء النقاب بحرية. اليوم، حلمها بـ"الدولة الإسلامية" لم يندثر مع تقلص سيطرة التنظيم المتطرف الى نصف كيلومتر مربع. لا تزال ترتدي النقاب، وتؤمن بدولتها ولو "صغيرة". أما الجنسية الفرنسية قلا تريدها ولا تعترف بها. وفي وسط صحراء دير الزور، تنفصل أم يوسف (21 عاماً) عن مجموعة نساء متشحات بالسواد كانت خرجت معهن ومع أشخاص آخرين من الجيب الأخير الواقع تحت سيطرة تنظيم داعش في بلدة الباغوز في شرق سوريا.
وتبتعد عنهن وعن مقاتلين ومقاتلات من قوات سوريا الديموقراطية ينظمون الوافدين لفرزهم بين نساء ورجال، وبين مدنيين ومشتبه بانتمائهم الى تنظيم داعش. تسير وحدها بالقرب من مكان توقف الشاحنات التي أقلت الوافدين. وبدت أم يوسف وكأنها تبحث عن الصحافيين لتبوح بما عندها. وتقول بثقة "لا يزال هناك 400 متر مربع، لم تنته الدولة حتى الآن". وعلى مقربة منها، سيطر التعب بعد رحلة طويلة وإرهاق أسابيع تحت الحصار وسط نقص حاد في الغذاء، على النازحين الجدد، وارتفع صراخ وبكاء الأطفال.
أما أم يوسف (21 عاماً) فبدت مرتاحة وهي تتحدث بطلاقة، تارة باللغة العربية وطوراً بالإنكليزية. وتقول الشابة الطويلة القامة، "أكثر ما دعاني للهجرة إلى أرض الشام هو رغبتي في ارتداء النقاب، فهذا صعب جداً في فرنسا، وكذلك في تونس، وإن كانت أفضل حالاً". وتوضح أنها تحمل الجنسية الفرنسية من والدها التونسي الذي عاش عشر سنوات في فرنسا، وأنها أمضت بضع سنوات من طفولتها في كندا مع والدتها قبل العودة إلى تونس والالتحاق بمدرسة فرنسية. بحسب رويترز.
وفي أجوبتها كثير من التحدّي والازدراء للدولتين اللتين تحمل جنسيتيهما. إذ تقول "لا أريد من فرنسا أي شيء، حتى جنسيتي لا أعترف بها". أما تونس "فلا تطالب بأهلها، الحمدالله". ولا يرد اسم هذه الشابة في القوائم الفرنسية الخاصة بأسماء الجهاديين في سوريا. أما في تونس، فهي "معروفة لدى الأجهزة الأمنية التابعة لوزارة الداخلية وملاحقة قضائياً"، وفق ما أكد المتحدث باسم وزارة الداخلية التونسية التي أبلغته بالاسم الحقيقي للمرأة وإن كانت تمتنع عن إيراده في هذا التقرير بناء على طلبها.
شميمة البريطانية
في السياق ذاته ذكرت هيئة الإذاعة البريطانية أن هولنديا متزوجا من فتاة بريطانية جردت من جنسيتها بعد انضمامها لتنظيم داعش يريد العودة إلى هولندا معها ومع طفلهما. وغادرت شميمة بيجوم (19 عاما) لندن مع اثنتين من زميلات الدراسة للانضمام لتنظيم داعش عندما كان عمرها 15 عاما وهي الآن تريد العودة إلى بريطانيا مع طفلها حديث الولادة. وسحبت السلطات جنسيتها البريطانية لاعتبارات أمنية. بحسب رويترز.
ويبرز مصير بيجوم، التي عثر عليها في معسكر اعتقال في سوريا، المعضلة الأخلاقية والقانونية والأمنية التي تواجهها الحكومات لدى التعامل مع أسر مقاتلين تعهدوا بتدمير الغرب. وذكرت هيئة الإذاعة البريطانية نقلا عن حديث مع الزوج ياجو ريديك أنه قاتل في صفوف داعش لكنه سلم نفسه لجماعة من المقاتلين السوريين واحتجز في مركز اعتقال كردي في شمال شرق سوريا. وقالت الإذاعة إن ريديك يريد الآن العودة إلى هولندا مع زوجته وابنهما. وقال عن لقائه الأول بها إنها ”بدت في حالة ذهنية جيدة“. وأضاف ”كان ذلك اختيارها. طلبت العثور على زوج لها، وقد دُعيت. كانت صغيرة للغاية... اختارت أن تتزوج وأنا اخترت الزواج منها“.
من جانب اخر أعلنت عائلة شابة بريطانية التحقت في 2015 بتنظيم داعش في سوريا، أنها ستطعن بقرار الحكومة البريطانية سحب الجنسية من ابنتها. ودعت شقيقتها رينو في رسالة كتبتها باسم العائلة ووجّهتها إلى وزير الداخلية البريطاني ساجد جاويد الحكومة البريطانية للمساعدة في إعادة طفلها إلى بريطانيا.
وقد أثار مصير الشابة جدلا حادا في بريطانيا، وقد أبلغت الحكومة عائلتها أنها سحبت منها الجنسية. وجاء في رسالة العائلة "نرجو أن تفهموا موقفنا في هذا الصدد و(أن تفهموا) لمَ علينا مساعدة شميمة في الطعن بقراركم تجريدها من أملها الوحيد بإعادة التأهيل، أي الجنسية البريطانية". ودعت شقيقتها في الرسالة وزير الداخلية البريطاني للمساعدة "في إعادة ابن أختي إلينا". وأشارت الرسالة إلى أن الفصل في قضية شميمة بيغوم سيكون بيد المحاكم البريطانية.
ويمنع القانون الدولي على الحكومات ترك أحدهم بلا جنسية، لكن لندن تعتبر أن شميمة لديها الجنسية البنغلادشية لأن عائلتها تتحدّر من بنغلادش، علما أنها مولودة في بريطانيا. الا ان حكومة دكا أعلنت أن "لا مجال" للسماح لها بدخول البلاد، كما أن مسألة حصولها على جنسية والديها دونها عقبات قانونية. وولدت شميمة طفلها قبل أن تتبلّغ بقرار سحب الجنسية البريطانية منها، وهو بالتالي بريطاني ولديه الحق بالعودة إلى بريطانيا. وأعربت الشابة عن "صدمتها" لقرار الحكومة البريطانية وقالت "إذا سحبتم مني (الجنسية) لا يعود لدي أي شيء. لا أعتقد أنه يحق لهم فعل ذلك".
مخيم الهول
على صعيد متصل وفي خيم بدائية نُصبت في منطقة قاحلة في شمال شرق سوريا، تتهرّب الأجنبيات من زوجات مقاتلي تنظيم داعش من الحديث عن ماضيهن في كنف "الخلافة"... إنما يتطرقن الى التوترات بينهن داخل مخيم الهول، والخوف من فصلهن عن أولادهن. وفي القسم المخصص لعائلات مقاتلي التنظيم في المخيم الواقع في محافظة الحسكة، وافقت المغربية كِنزة (38 عاماً) بعد ظهر يوم مشمس، على التحدث ، بخلاف كثيرات فضّلن التزام الصمت.
وقرب خيمتها، يرتفع ضجيج عدد كبير من الأطفال عرب وأفارقة وآسيويين وأوروبيين، يلهو بعضهم بين الخيم ويمر آخرون وهم ينقلون عبوات مياه لأمهاتهم. وقبل أسبوعين، خرجت كِنزة من الباغوز حيث تنظيم داعش محاصر في نصف كيلومتر مربع على أيدي قوات سوريا الديموقراطية المدعومة من التحالف الدولي بقيادة واشنطن. وعلى وقع تقدم قوات سوريا الديموقراطية، فرّت في الأسابيع الأخيرة أعداد كبيرة من أفراد عائلات مقاتلي التنظيم، وبينهم أجانب، من الجيب الأخير للجهاديين، بدافع الجوع خصوصا.
وتروي كنزة التي أمضت أربع سنوات في أرض مايسمى الخلافة، أن زوجها اصطحبها إلى سوريا وجلب معه "ما يكفي من المال" للعيش، من دون ان يضطر للعمل مع التنظيم بحسب قولها، قبل أن يُقتل جراء قصف. وعن سبب بقائها مع أطفالها الثلاثة، وتتراوح أعمارهم بين سنة وعشر سنوات، في كنف التنظيم، تجيب "منعنا المقاتلون من الفرار". وتوضع النساء الأجنبيات وأطفالهن في قسم خاص في مخيّم الهول تحت حراسة مشددة تفرضها قوات سوريا الديموقراطية.
وتعيش كنزة في خيمة كبيرة عليها شعار المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، تتشاركها مع أكثر من عشر عائلات أخرى. وتقول "لم أكن أرغب بالمجيء إلى هنا (...) أحبّ السكن في بلدي. واليوم أطلب من الله أن أعود إلى بلدي المغرب" الذي تأمل أن يستقبلها. ولا تجد ردا على سؤال، أن "هناك أسبابا لدخولها السجن" في بلادها.
وبين الخيم، يتجول فتى ذو بشرة سوداء، في السابعة من عمره تقريباً. يقول باللغة الإنكليزية إنه أميركي الجنسية، ويسأل "والدي مات. قولوا لي، هل تعلمون إلى متى سنبقى هنا؟". ويتردد صدى سؤاله من دون أن يجيبه أحد. بعض الأجانب موجودون في هذا المخيّم المكتظ منذ عامين وغالبية الدول التي يحملون جنسياتها تتردّد في استعادتهم. وعلى بعد أمتار، تتجول فرنسيتان منقبتان تمّ نقلهما في الأسابيع الأخيرة إلى المخيم بعد خروجهما من بلدة الباغوز. وتسألان عن إمكانية ترحيلهما ذات يوم مع أطفالهما إلى فرنسا.
وأعلنت باريس أنها تدرس إعادة عشرات الأطفال الفرنسيين الذين إما ولدوا في سوريا أو سافروا إليها وهم صغار جداً، من دون إعادة ذويهم في هذه المرحلة. وتقول امرأة "فصلنا عن أطفالنا أمر غير وارد، إنهم كل ما بقي لنا"، وهو أمر تؤكد عليه نساء أخريات. ولا يبدو التعايش بين أشخاص يحملون عشرات الجنسيات داخل المخيم أمراً سهلاً. وبحسب إدارة المخيم، تحتل العائلات السورية والعراقية الصدارة لناحية العدد، تليها تلك القادمة من روسيا وجمهوريات الاتحاد السوفياتي سابقاً وآسيا الوسطى، ثم تركيا وتونس.
وفي زاوية إحدى الخيم، تمتنع شابة بريطانية عن الحديث خشية من التعرض لردّ انتقامي من إحدى "الأخوات" الأكثر تشدداً والمعارضات لأي تواصل مع الغرب، بحسب قولها، لا سيما منهن الروسيات والقوقازيات. ولم تخف سيدات خرجن حديثاً من جيب التنظيم المحاصر ولاءهن لـ"الخلافة". وتقول إحداهن إنها خرجت بعد تلقيها مع النساء الأخريات "أمراً" بذلك من زعيم التنظيم أبو بكر البغدادي الذي لا يزال مصيره مجهولاً حتى الآن. وتقول سيدة من ترينداد وتوباغو باقتضاب "الوضع هنا سيء وتوجد خلافات بين الأخوات".
ولا يقتصر التوتر على القسم المخصص لعائلات الجهاديين الأجانب، بل يطال القسم الآخر حيث تعيش عائلات سورية وأخرى عراقية شرّدتها المعارك ضد التنظيم، وتشعر بنوع من الحقد تجاه مقاتليه. ويشير نبيل حسن، أحد المسؤولين عن إدارة المخيم، إلى "اعتداءات ضد الأجنبيات" حصلت في السوق الرئيسي للمخيم، وباتت النساء المعرضات يقصدن السوق بمرافقة حراس من قوات سوريا الديموقراطية. بحسب فرانس برس.
ويؤوي المخيم أكثر من خمسين ألف شخص، وصل ثلاثون ألفاً منهم خلال الشهرين الماضيين، ما يشكل عبئاً يُثقل كاهل السلطات الكردية التي تشرف على المنطقة، وتطالب الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة بدعم أكبر للاستجابة للاحتياجات المتزايدة. ومنذ كانون الأول/ديسمبر، أحصت لجنة الإنقاذ الدولية وفاة ثمانين شخصاً غالبيتهم من الأطفال خلال رحلتهم الى مخيم الهول أو بعد وصولهم بفترة قصيرة. وقالت إن ثلثي المتوفين من الأطفال هم دون عمر السنة. ووصل الآلاف إلى المخيم منذ بدء قوات سوريا الديموقراطية عمليات إجلاء المحاصرين من الباغوز، غالبيتهم الساحقة من النساء والأطفال. ويحتاج هؤلاء، وفق الأمم المتحدة، إلى مساعدات عاجلة من خيم ومواد غذائية وأدوية.
اضف تعليق