لمدة يومين بحث زعماء دول ووزراء ناقشوا في مدينة ميونخ الألمانية قضايا السياسة الدولية الشائكة تحت يافطة الامن، اذ استمر مؤتمر ميونخ للامن لمدة يومين وافتتح ابوابه الجمعة، بعض الدول ترى فيه مناسبة لتاكيد العداوات وتشكيل التحالفات ضد خصومها، والبعض الاخر ترى فيه فرصة...
لمدة يومين بحث زعماء دول ووزراء ناقشوا في مدينة ميونخ الألمانية قضايا السياسة الدولية الشائكة تحت يافطة الامن، اذ استمر مؤتمر ميونخ للامن لمدة يومين وافتتح ابوابه الجمعة، بعض الدول ترى فيه مناسبة لتاكيد العداوات وتشكيل التحالفات ضد خصومها، والبعض الاخر ترى فيه فرصة للبحث عن السلام في نقاط التوتر.
النسخة الـ55 من مؤتمر ميونخ للأمن، شارك فيها رؤساء 35 دولة وحكومة، وأكثر من 50 وزير خارجية، و30 وزير دفاع، فضلا عن مسؤولين أمنيين ومدراء شركات عالمية، وأكاديميين، وممثلي منظمات مجتمع مدني.
وقال رئيس المؤتمر فولفغانغ إيشنغر، ان "مؤتمر ميونيخ للأمن الدولي مكان يتم فيه اختبار أفكار وعقد تحالفات وترتيب استعدادات للتقدم في عملية السلام أو البداية فيها". وهو بكل تأكيد لا يعني فقط برنامج المؤتمر، فهو مجرد رأس جبل الجليد. فاستعراض السياسة العامة في القاعة الكبيرة لفندق بايرشير هوفهو بنفس الأهمية التي تكتسيها اللقاءات السرية للوفود في غرف الفندق.
عهد جديد
وفي مقابلات إعلامية سابقة تطرق إيشنغر إلى المفاوضات بشأن اتفاقية مراقبة التسلح النووي "ستارت الجديدة". وصرح لمجلة "السياسة الدولية" في شباط/فبراير الماضي، فإن مفاوضات ستارت بدأت من محادثات على هامش المؤتمر في عام 2009. وبعدها بسنتين وقعت وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة، هيلاري كلينتون ونظيرها الروسي سيرغي لافروف وثائق المصادقة على الاتفاقية في ميونيخ على هامش مؤتمر الأمن.
تقرير ميونيخ للأمن" الذي يتناول في مائة صفحة الموضوعات المتعلقة بالوضع العالمي والتي يتم تناولها والتشاور حولها في المؤتمر. ويقول التقرير أن "عهدا جديدا من المواجهة بدأ بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين وروسيا، ويتزامن مع فراغ في السلطة فيما يعتبر النظام العالمي الليبرالي". والولايات المتحدة الأمريكية في ظل رئاسة ترامب لا تبدي اهتماما كبيرا بالاتفاقيات الدولية، وتضع علامة استفهام على منظمات مثل حلف شمال الأطلسي- الناتو والأمم المتحدة.
والأسوأ من ذلك (كما يرى التقرير) أن الولايات المتحدة الأمريكية لم تعد تريد لعب دور الزعامة في العالم الحر. وعوض ذلك هي تظهر "حماسة كبيرة محيرة مقلقة لرجال أقوياء". وبالنسبة إلى الحلفاء الأطلسيين من الصعب عليهم تقبل أن يشيد ترامب بزعماء غير ليبراليين ـ سواء أكان ذلك في البرازيل أو الفلبين، حسب ما جاء تقرير ميونيخ للأمن.
صراعات كبرى
ويفيد تقرير الأمن أن الولايات المتحدة الأمريكية رصدت "الصين وروسيا كأهم منافسين استراتيجيين". ويتجسد التنافس الجديد بين القوى الكبرى الثلاث بشكل مختلف، بحيث أن النزاع يتأجج بين واشطن وبكين حاليا لاسيما فيما يرتبط بقضايا الاقتصاد والتجارة. فيما تعتبر الصين وروسيا في تحالفهما خصما للغرب، إلا أنهما تراقبان بعضهما البعض في منافسة جيوسياسية.
وبين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية تبقى المنافسة على التسلح، وهنا أيضا يشير التقرير إلى ضعف الأمل في تحسن قريب. فبعد تعليق العمل باتفاقية الحد من الصواريخ النووية المتوسطة المدى، تدهور الوضع بالنسبة إلى مكونات مراقبة التسلح أيضا. ويبدو حاليا "من غير الوارد" أن تجدد واشنطن وموسكو العمل بما يُسمى "اتفاقية ستارت الجديدة" حول الأسلحة النووية الاستراتيجية بعد انتهاء مهلتها عام 2021. ويفيد التقرير الأمني بأن "استعداد الاتحاد الأوروبي سيء" للمنافسة بين القوى الكبرى، وهذا لا يعكسه فقط الجدل حول "الاستقلالية الاستراتيجية" للقارة العجوز، ولا يملك أحد في الوقت الراهن "خطة بديلة" تستقل بموجبه أوروبا من الناحية الأمنية.
مواقف روسية
وركز وزير الخارجية الروسي خلال مؤتمر صحفي للصحفيين في ختام قمة ميونيخ للأمن على مناطق نفوذ بلاده، وأوضح ان مشاركة لاعبين غير قانونيين جدد في الصراع السوري يأتي بنتائج عكسية.
وعلق لافروف خلال المؤتمر في ميونيخ حول إخراج مشاهد الهجمات الكيميائية في سوريا: كان واضحا للجميع منذ البداية.
ثم لاحظ لافروف في إجابته على سؤال حول موقف الغرب من فنزويلا: الأزمة داخلية ويجب على المجتمع الدولي الدعوة للحوار وليس طرح الإنذارات.
وكان الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب قد أعلن في وقت سابق، أنه توجد ضرورة في سوريا لإنشاء منطقة عازلة بعرض 30 كيلومترًا على الأراضي المتاخمة للحدود مع تركيا. وأيد المتحدث باسم الرئيس التركي، إبراهيم قالين ، هذه الفكرة ، مضيفًا بأن أنقرة ستراقب هذه المنطقة بمساعدة أفراد الجيش والمخابرات، الذين "سيتعاونون مع السكان المحليين". وذكر في وقت لاحق، أن تركيا تواصل مناقشة هذه القضية مع الولايات المتحدة وروسيا.
اوربا المفككة
وتكتسب النسخة الخامسة والخمسون من المؤتمر هذا العام طابعاً خاصاً، وبحسب تقرير للإذاعة الألمانية، فهي تأتي في ظل أحداث جسام يمر بها الاتحاد الأوروبي، من المخاض العسير لخروج بريطانيا من الاتحاد، المعروف بالبريكسيت، إلى صعود التيارات اليمينية والشعبوية في عدد من الدول الأعضاء في الاتحاد، وما قد تسببه تلك التيارات من تقويض لفكرة الوحدة الأوروبية.
ويضيف تقرير للإذاعة الألمانية بالقول انه لعل في خروج الدبلوماسي الألماني السابق وراعي المؤتمر، فولفغانغ إيشينغر، عن البروتوكول في خطابه الافتتاحي وارتدائه سترة رياضية زرقاء حملت شعار الاتحاد الأوروبي تنقصه نجمة للدلالة على البريكسيت، مؤشراً على عمق الهوة التي تقف أوروبا على حافتها، لاسيما وأن الولايات المتحدة في ظل إدارة الرئيس الحالي دونالد ترامب قد تبنت خطاباً تفوح منه رائحة العدائية والفوقية تجاه الكتلة الأوروبية.
وتساءلت الإذاعة الألمانية في تغطيتها للمؤتمر عن من يجب عليه أن يجمع الأجزاء المتناثرة للنظام العالمي المفكك؟ المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل قالت وهي تتطلع إلى مشاركتها في مؤتمر ميونيخ الدولي للأمن، إنها تعتزم العمل من أجل الحفاظ على المؤسسات الدولية. وهذا ما يزال على الأقل يحتل مكانة هامة "كما كان عليه الوضع أيام الحرب الباردة".
ودعا وزير الخارجية الألماني، هايكو ماس قبل مدة قصيرة إلى تشكيل "تحالف متعدد الأقطاب". لكن صعوبة تحقيق هذه الأهداف تظهر انطلاقا من التعاون مع فرنسا، الشريك الأهم لألمانيا في أوروبا.
انسحابات أمريكا المرتبكة
الانسحاب الأمريكي كان موضع شكوك اوربية أجبرت باتريك شاناهان القائم بأعمال وزير الدفاع الأمريكي لتبرير أفعال بلاده قائلا يوم الجمعة إن الولايات المتحدة ملتزمة بهزيمة تنظيم "داعش" في الشرق الأوسط وخارجه.
وصرح شاناهان عقب اجتماع على هامش مؤتمر ميونخ للأمن بأنه يتصور تحالفا "أكبر وأقوى" لقتال "داعش" على مستوى العالم، مضيفا أن واشنطن ستواصل دعم قدرات شركائها المحليين للوقوف في وجه فلول داعش.
وصرح مسؤولون أوروبيون بأنهم لم يحصلوا سوى على تفاصيل قليلة خلال الاجتماع المغلق في ميونخ، ولا يزال كثير من الأسئلة عالقا. وبين مسؤول أوروبي طلب عدم نشر اسمه أنهم لا زالوا يحاولون فهم كيف يخطط الأمريكيون للانسحاب"، قائلا "لا أعتقد أن هناك أي وضوح حتى الآن".
وقال مسؤول آخر إن شاناهان لم يعرض على الحلفاء جدولا زمنيا للانسحاب الأمريكي من سوريا، وإن الحلفاء عبروا عن شكوكهم خلال الاجتماع. بحسب تقرير لموقع روسيا اليوم.
من جهته أكد مسؤول دفاعي أمريكي كبير طلب عدم نشر اسمه أن الاجتماع لم يشهد تقديم التزامات وأن النقاش بشأن الجداول الزمنية كان محدودا، موضحا أن هذه الاجتماعات لا تقدم جداول زمنية ولا قرارات لكنها تركز أكثر على تقييم الوضع الحالي.
عقلانية المانية
من جهتها، قالت المستشارة الألمانية خلال جلسة نقاش بمؤتمر ميونيخ للأمن إن الانسحاب الأميركي الوشيك من سوريا يمكن أن يعزز نفوذ روسيا وإيران.
وعن الاتفاق النووي مع إيران، قالت ميركل إن انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق في مايو/أيار الماضي ليس الطريقة الأفضل لمواجهة أي خطر تمثله طهران. وأضافت أنه في الوقت نفسه الذي تنسحب فيه واشنطن من الاتفاق النووي فإنها تقرر الانسحاب من سوريا لتترك الساحة لروسيا وإيران لتتصرفا بحرية.
ودعت المستشارة الألمانية الرئيس الأميركي إلى تبني نبرة أكثر عقلانية في حديثه عن الشراكة مع أوروبا، مذكّرة بأن أوروبا شريك وحليف لواشنطن في مهمة مشتركة للحفاظ على الأمن الدولي من خلال حلف شمال الأطلسي (الناتو).
السيل الشمالي يمنع مشاركة ماكرون
وفي اطار الخلافات الاوربية قرر الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، عدم المشاركة في مؤتمر ميونخ الأمني؛ عقب تصاعد الخلافات مع ألمانيا حول مشروع "السيل الشمالي-2" مع روسيا، وفق صحيفة "زود دويتشي تسايتونج" المحلية.
ونقلت الصحيفة الألمانية، في تقرير نشرته الخميس، عن مصادر خاصة لها، أن الجانب الفرنسي برّر هذا القرار بـ"وجود صعوبات في جدول الأعمال" لماكرون، الذي كان من المتوقع أن يلقي كلمة مشتركة في ميونيخ مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، خلال المؤتمر.
بدوره قال وكيل ماكرون، هاينريخ إيندرلاين: إن "القرارات مثل إلغاء ماكرون كلمته المشتركة مع ميركل تمثل دائماً رسالة رمزية تدل على حدوث فتور تدريجي في العلاقات بين ألمانيا وفرنسا، الحليفين المحوريين في الاتحاد الأوروبي".
وأضاف إيندرلاين: إن "ماكرون يركز حالياً على السياسة الداخلية في فرنسا، وهذا أمر مفهوم بسبب الأوضاع الحالية في البلاد على خلفية تظاهرات السترات الصفراء، لكن بالتزامن مع ذلك هناك مؤشرات متزايدة على تباعد مستمر بين الطرفين، وهذا يثير قلقي".
خلافات اللحظة الاخيرة
والغى وزير الدولة السعودي للشؤون الخارجية، عادل الجبير، مشاركته في مؤتمر ميونيخ للأمن، الذي انطلقت أعماله الجمعة. ونقلت وكالة الانباء الالمانية عن متحدث باسم المؤتمر (لم تكشف عن اسمه)، يوم السبت، قوله إن الوزير السعودي "لم يبد تبريرات لعدم مشاركته بالمؤتمر".
وبحسب الوكالة الألمانية كان من المقرر أن يشارك الجبير كمتحدث رئيسي بالمؤتمر، الأحد، إلى جانب وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، كما سبق أن أعلن الأخير عدم مشاركته في المؤتمر.
وربما يعكس اعتذار الجبير توتراً بين الرياض وبرلين، بعدما كان رحب متحدث باسم وزارة المالية في ألمانيا بقرار الاتحاد الأوروبي إدراج السعودية على القائمة السوداء للدول التي تشكل تهديداً بسبب تهاونها مع تمويل الإرهاب وغسل الأموال.
اضف تعليق