يتسذكر الشعب العراقي في الحادي والثلاثين من شهر اب أغسطس، \"ملحمة مدينة آمرلي\"، تلك المدينة التابعة لمحافظة صلاح الدين، والتي تعرضت لهجوم شرس من جماعة داعش الاجرامية عام 2014، تحول فيما بعد الى حصار يهدد بأكبر إبادة بشرية في الالفية الجديدة...
يتسذكر الشعب العراقي في الحادي والثلاثين من شهر اب أغسطس، "ملحمة مدينة آمرلي"، تلك المدينة التابعة لمحافظة صلاح الدين، والتي تعرضت لهجوم شرس من جماعة داعش الاجرامية عام 2014، تحول فيما بعد الى حصار يهدد بأكبر إبادة بشرية في الالفية الجديدة.
استمر حصار داعش لاهالي آمرلي اكثر من 80 يوما، تشن خلالها هجمات يومية على المدنيين الذي اثروا الجوع والعطش ونقص الأغذية وابسط خدمات الحياة الأساسية على الاستسلام لهذه الجماعة التي تريد ان تشرب دماءهم شيبهم وشبابهم، فيما كانت تخطط لاخذ النساء سبايا. حتى تم النصر في اخر يوم من شهر اب عام 2018، وأعلنت المدينة "قلعة للصمود" ومنها دارت عجلة الانتصارات التالية على داعش.
في ذلك النصر اجتمعت عوامل عدة، أولها صمود الأهالي، وتقديرهم للازمة التي عاشوها، فتكاتفوا واصبحوا مثل الرجل الواحد، لا يكلون ولا يملون من الوقوف في السواتر الامامية ليلا ونهارا من اجل حراسة المدينة ومنع أي تسلل لعناصر داعش الذين يستخدمون مختلف أسلحة المفخخات وقذائف الهاون والسلاح الثقيل الذي استلوا عليه من معسكرات الجيش العراقي في مدينة الموصل.
نستذكر في هذه الأيام احدى الهجمات التي استمرت منذ المساء وحتى صباح اليوم التالي، اذ يتحدث احد أهالي مدينة امرلي، ان داعش كان يريد إبادة المدينة كلها في ذلك اليوم قد صادف قبل كسر الحصار بايام، واتضحت معالم الهجوم حتى في القنوات الفضائية وتوقعنا نحن كمشاهدين ان المدينة ابيدت بالكامل، اذ بثت القنوات الفضائية نداءات استغاثة استمرت لساعات، ليضاف الجهد الإعلامي في تحشيد الراي العام نحو تحرير المدينة ويعطي حافزا اكبر للحكومة والجهات الساندة لها بالتسريع في عملية التحرير.
العامل الاخر الذي ساهم في حسم المعركة، هو ارتفاع منسوب الروح القتالية التي قل نظيرها لدى القوات العراقية التي شاركت في عملية فك الحصار، فالجيش العراقي الذي أصيب بنكسة حزيران وضاعت على اثرها مدينة الموصل وصلاح الدين وأجزاء من كركوك والرمادي يريد ان يثبت جدارته وقدرته على حماية البلاد، فضياع هذه المناطق ليس الا خسارة معركة وليس حرب كاملة.
أجمعت اراء الخبراء، وتقارير وسائل الاعلام على ان انتصار امرلي انقذ الاف الاسر التركمانية من اكبر إبادة قد تتعرض لها مدينة عراقية بعد الغزو الأمريكي، حيث كانت داعش تخطط لقتل جميع الرجال، فيما تأخذ النساء سبايا كما جرى في عمليات سبي النساء الايزيديات في قضاء سنجار، اذ لا تزال تلك الجريمة البشعة تلقي بظلالها على حياة الايزيديين، وربما تستمر مخلفات الجريمة الى سنوات لاحقة.
الدرس المستفاد من ذكرى فك الحصار عن مدينة امرلي وبداية الانتصارات على داعش، هو ان وحدة الهدف الوطني تنتج نصرا، وتعاون المواطن واحساسه بضرورة المشاركة في حماية نفسه بدل الهروب من الأرض، وتلبية القوات الأمنية لنداءات الاستغاثة التي ساهمت بها وسائل الاعلام بكثافة يمكن ان تكون عاملا حاسما في تحقيق الانتصار.
ما بعد النصر هو إعادة تعمير ما خربته الحرب، وداعش لم تهدم البيوت فحسب، انما أسهمت في تمزيق الصف الوطني العراقي، ومن يعتقد بانها زادت من تماسك القوى السياسية العراقية، فهذا لا يتعدى أيام الحرب، اذ ان علامات التفكك اليوم مخيفة، فقد تجاوز البلد التنابز بين الطوائف، وتحول الى صراعات داخل الطائفة والمكون الواحد، واذا ما انتبهت الكتل السياسية لسلوكها الحالي، فربما تعود لنا داعش وتنظيمات أخرى تولد من البيئة غير العادلة في الحكم وتوزيع ثروات البلاد.
يجب على قادة البلاد أخذ الدروس والعبر من انتصار امرلي للعبور بالوطن الى مرحلة جديدة من التقدم والازدهار، لا ان تعود الى الأساليب القديمة القائمة على تغييب العدالة وانتشار الفساد والتي تمثل المرتكز الأول لحالة الفوضى، فعندما تغيب العدالة تسود روح الكراهية بين فئات شعبية ترى نفسها في خانة المستضعفين، وفئة أخرى توجه كل ثروات البلاد نحو مصالحها.
اضف تعليق