موجة جديدة من أعمال العنف تجتاح أفغانستان التي مزقتها الحرب منذ سنوات، هذه الهجمات والمعارك الجديدة وكما يرى بعض المراقبين يمكن ان تسهم في تصعيد الازمات والمشاكل الداخلية، هو ما قد ينهي الآمال والتحركات الخاصة بملف مفاوضات السلام مع طالبان، حيث شنّت حركة طالبان وتنظيم داعش الارهابي في الفترة الاخيرة سلسلة من الهجمات الدامية...
موجة جديدة من أعمال العنف تجتاح أفغانستان التي مزقتها الحرب منذ سنوات، هذه الهجمات والمعارك الجديدة وكما يرى بعض المراقبين يمكن ان تسهم في تصعيد الازمات والمشاكل الداخلية، هو ما قد ينهي الآمال والتحركات الخاصة بملف مفاوضات السلام مع طالبان، حيث شنّت حركة طالبان وتنظيم داعش الارهابي في الفترة الاخيرة سلسلة من الهجمات الدامية، كان اخرها هجوم عناصر من طالبان على مدينة غزنة الإستراتيجية الواقعة على بعد ساعتين برًا من كابول، لم يتمكّن الجيش الأفغاني من رده إلا بعد معارك عنيفة بدعم جوّي أميركي
والهجوم على غزنة كما نقلت بعض المصادر، ليس التطور المهم الوحيد لكنه يلقي الضوء مرة أخرى على المشكلات المبتلى بها أفغانستان الذي يمزقه القتال فالهدف من الهجوم كان فيما يبدو محاولة من طالبان لتحدي قوات الأمن الأفغانية في غمرة جهود إحياء السلام وعرض بوقف إطلاق النار من الحكومة الأفغانية. وغزنة مدينة مهمة استراتيجياً لأفغانستان لأنها قريبة من منطقة القبائل المجاورة لباكستان، وتقع على طريق كابول قندهار السريع. وفي الآونة الأخيرة، اقتحم مقاتلو «طالبان» المدينة وسيطروا على وسطها ومواقع أخرى مهمة استراتيجياً فيها. ثم أعلنت الحكومة الأفغانية أن قوات الأمن الأفغانية قد دحرت الهجوم، وأن أكثر من 100 من أفراد الأمن قتلوا في أربعة أيام من القتال.
ويوضح الهجوم على غزنة أيضا بحسب بعض المراقبين المعضلات التي تعيشها أفغانستان. فالدول الغربية والولايات المتحدة منها بخاصة فقدت الرغبة في استمرار حضورها العسكري في أفغانستان. وهناك تقارير تتحدث عن جهود دبلوماسية تجري في الدهاليز لاستكشاف عملية سلام أفغانية من خلال المحادثات بين الولايات المتحدة و«طالبان» وبلد ثالث. ويعاني الجنود الأميركيون من غارات «طالبان» المفاجئة التي يختفي في أعقابها المقاتلون، وهي الاستراتيجية التي تعزز موقف الجماعة المقاتلة في الواقع على طاولة المفاوضات. وعلى أساس هذه الوقائع، فإن هجوم غزني استهدف بوضوح إرسال رسالة مفادها أن «طالبان» قوة يعتد بها على الأرض وأنها ستظل تمثل معارضة وتحدياً لوجود قوات أجنبية في البلاد. لقد كان الهجوم استعراضاً للقوة من «طالبان»، ولفتوا به انتباه وسائل الإعلام رغم أنه تم دحرهم على يد قوات الأمن الأفغانية وحدها بمساعدة نشطة من الجنود الأميركيين.
معارك مع طالبان
وفي هذا الشأن خاضت قوات الأمن الأفغانية قتالا لطرد مسلحي حركة طالبان من مدينة غزنة بدعم من مستشارين وضربات جوية أمريكية بعد أن أسفرت الاشتباكات الدائرة هناك عن سقوط مئات القتلى والجرحى. ووجه الهجوم على غزنة، وهي مركز استراتيجي على الطريق الرئيسي بين العاصمة كابول وجنوب البلاد، ضربة قوية للرئيس أشرف غني قبل أسابيع من إجراء انتخابات برلمانية وقوض الآمال في احتمال بدء محادثات سلام مع طالبان.
وسيطر المتشددون على منطقتي خواجة عمري شمالي مدينة غزنة وأجريستان في الغرب فيما قال مسؤولون إن العشرات من قوات الأمن الأفغانية قتلوا أو فقدوا. وثمة مزاعم متضاربة من الجانبين داخل مدينة غزنة، ولا سبيل للتحقق منها على نحو مستقل.00 فقد أعلن وزير الداخلية ويس بارماك أن الوضع تحسن ب مع وصول التعزيزات إلى آخر جيب لطالبان في المدينة. وأضاف خلال مؤتمر صحفي في كابول ”القوات الأفغانية فرضت سيطرة كاملة على المدينة“.
لكن طالبان قالت إنها تسيطر على معظم المدينة. وذكر دبلوماسيون في كابول أن الحكومة أقرت بأن الهجوم أخذها على حين غرة. وبعد أيام دون تعليق علني يذكر من قصر الرئاسة، أعلن غني على تويتر أنه سيتم إرسال تعزيزات إلى المدينة على وجه السرعة. وقال مسؤولون أفغان إن قوات خاصة أمريكية موجودة في المنطقة للمساعدة في تنسيق الضربات الجوية والعمليات البرية، ذكر الجيش الأمريكي أن طائراته شنت نحو 24 غارة جوية في المنطقة.
وقال اللفتنانت كولونيل مارتن أودونيل المتحدث باسم القوات الأمريكية في أفغانستان ”يقدم مستشارون أمريكيون المساعدة للقوات الأفغانية ووجهت قوة جوية أمريكية ضربات قاصمة لطالبان وقتل أكثر من 140 منذ العاشر من أغسطس“. وأضاف أن الحكومة الأفغانية تسيطر على غزنة واستبعد سقوط المدينة على يد قوات طالبان ”المعزولة واليائسة“ وقال إن الطريق السريع الرئيسي الذي يربط المنطقة بالعاصمة كابول مفتوح. وقال ”عمليات التطهير جارية وهناك اشتباكات متفرقة مع طالبان لاسيما خارج المدينة“.
وفيما تقاتل القوات مسلحي طالبان في غزنة، قال مسؤول أمني طلب عدم نشر اسمه إن انتحاريا فجر نفسه قرب مكتب المفوضية المستقلة للانتخابات حيث احتشد عشرات المتظاهرين مما أسفر عن مقتل مسؤول واحد بالشرطة على الأقل وإصابة آخر. وتجمع متظاهرون تأييدا لمرشح برلماني استبعدته المفوضية من خوض الانتخابات المقبلة للاشتباه في صلاته بجماعات مسلحة.
وبعد أيام من بدء هجوم المسلحين لا تزال المعلومات الواردة من غزنة ملتبسة وغير مكتملة مع تضرر الاتصالات بشدة بعد تدمير معظم أبراج الاتصالات في المدينة بسبب القتال. غير أن السكان الفارين من المدينة تحدثوا عن دمار واسع النطاق. وتضاربت البيانات المتعلقة بالقتلى والجرحى . وقال بارماك إن 70 شرطيا قتلوا خلال الاشتباكات لكن مسؤولا أمنيا قال في وقت سابق إن قرابة 100 من أفراد الجيش والشرطة قتلوا. وأضاف المسؤول أن خسائر طالبان كبيرة أيضا ويشمل ذلك مقتل نحو 50 مسلحا. بحسب رويترز.
ولا يزال عدد الضحايا من المدنيين غير معلوم لكن الفارين من المدينة قالوا إن الجثث مسجاة في الشوارع وإن فرق الإغاثة والمستشفيات تبذل جهودا مضنية لإنقاذ الجرحى. وقال ريك بيبركورن القائم بأعمال منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في أفغانستان في بيان ”ترد تقارير عن نقص الأدوية في المستشفى الرئيسي.. ولا يتمكن السكان من نقل المصابين لتلقي العلاج“. ويمثل الهجوم على غزنة أقوى صفعة للحكومة منذ أن أوشك المتشددون على السيطرة على مدينة فراه بغرب البلاد في مايو أيار. وقوض الهجوم الآمال في محادثات السلام التي انتعشت منذ هدنة مفاجئة مدتها ثلاثة أيام خلال عطلة عيد الفطر في يونيو حزيران. وقال أودونيل ”من الواضح أن طالبان لم تلتفت لدعوات الشعب الأفغاني لها بالمصالحة والانضمام لعملية السلام“. وقال مسؤول في كابول ”المتشددون يعلمون أن قواتنا لن تهاجم المدنيين ولذلك يستخدمون الشبان دروعا بشرية للتجول في أنحاء المدينة وإضرام النيران في المباني“.
الانتصار في غزنة
على صعيد متصل هنأ الرئيس الأفغاني أشرف غني القوات المسلحة في غزنة على انتصارها على مقاتلي طالبان في المدينة الاستراتيجية بعد اشتباكات أدت إلى مقتل ما لا يقل عن 150 جنديا و95 مدنيا. وانتهى حصار طالبان الذي استمر خمسة أيام لغزنة بعد أن أعلن مسؤولون أفغان أنهم استعادوا السيطرة الكاملة على المدينة بقتل مئات من مقاتلي طالبان. والتقى غني بمسؤولين في غزنة وهي مدينة بوسط أفغانستان على الطريق السريع الذي يربط العاصمة كابول بالجنوب لتقييم الوضع الأمني كما اجتمع مع أسر الضحايا.
وقال بعد وصوله للمدينة ”أنا هنا لمساعدة كل من تكبدوا خسائر. أنا ملتزم ببناء المدينة وببذل كل شيء لحماية غزنة“. وأضاف ”جنودنا حاربوا ببسالة ونحن لا نزال ملتزمين بإحلال السلام“. وكشف الهجوم على غزنة مدى هشاشة سيطرة حكومة غني المدعومة من الغرب على الوضع الأمني وعجزها الواضح عن منع هجمات على نطاق كبير.
ودخل آلاف من مقاتلي طالبان غزنة بعد أن دمروا نقاط تفتيش مما أدى لمقتل عشرات الجنود الأفغان وأفراد الشرطة وقطع الاتصالات والطريق السريع. وتمكن جنود أفغان بدعم من قوات أمريكية من طرد مقاتلي طالبان من المدينة التي لحق بها دمار شديد بعد معارك استمرت خمسة أيام. وأمر غني بالتحقيق في الهجمات وأعلن صرف 20 مليون دولار لعمليات الإغاثة وإعادة البناء على الفور. بحسب فرانس برس.
وذكر مسؤول في وزارة الداخلية أن صاروخين سقطا داخل المدينة خلال زيارة غني لكن الهجوم لم يسفر عن أي إصابات. وقال ينس لايركه وهو متحدث باسم مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية إنه ينبغي إزالة الألغام لمساعدة منظمات الإغاثة على الاستجابة بشكل آمن للأزمة الإنسانية. وقال لايركه في جنيف ”لدينا القدرة على رصد وتحديد أين تقع هذه الألغام على الخريطة لكننا لا نملك القدرة على إزالتها.. هذه مسؤولية الحكومة الوطنية وتدخل في نطاق قدراتها“.
هجوم في كابول
في السياق ذاته هاجم مسلحان منطقة توجد بها قاعدة أمنية ومركز تدريب تابع للمخابرات الأفغانية في العاصمة كابول وخاضا مواجهة مع قوات الأمن لساعات قبل مقتلهما. يأتي الهجوم في وقت يشهد توترا بالغا في أعقاب سلسلة هجمات في أنحاء أفغانستان بينها هجوم شامل شنته حركة طالبان على مدينة غزنة. وأعلن تنظيم داعش مسؤوليته عن الهجوم في بيان أذاعته وكالة أعماق التابعة له. واحتمى الموظفون والمسؤولون بمركز التدريب الموجود بالمجمع بينما أطلق المسلحان الرصاص والقذائف الصاروخية على المركز من مبنى تحت الإنشاء قرب الموقع.
وقال حشمت ستانكزاي المتحدث باسم شرطة كابول إن المهاجمين أطلقا قذائف صاروخية واستخدما أسلحة آلية، مضيفا أن قوات الأمن امتنعت عن مهاجمة المبنى الذي تمركز فيه المسلحان. وحاصرت قوات خاصة أفغانية، مدعومة من مستشارين من بعثة حلف شمال الأطلسي، الموقع وخاضت مواجهة مع المهاجمين استمرت لساعات وتخللها دوي إطلاق نار أو انفجارات في بعض الأحيان.
وقال المسؤولون بعد مرور سبع ساعات إن المهاجمين قتلا. وعلى صعيد منفصل أعلن تنظيم داعش المتشدد مسؤوليته أيضا عن تفجير انتحاري استهدف مركزا تعليما في كابول حين كانت مجموعة من الطلاب تدرس استعدادا لاختبارات الالتحاق بالجامعة. وقالت وزارة الصحة إن عدد القتلى بلغ 40 قتيلا، ونددت منظمة العفو الدولية بالهجوم ووصفته بأنه ”جريمة حرب“. من جانب اخر ندد مجلس الامن الدولي في بيان صدر باجماع اعضائه، ب"من يلجأون الى العنف في افغانستان، مطالبا بارساء "مؤسسات ديموقراطية دائمة" في هذا البلد.
وقالت الأمم المتحدة إن عدد المدنيين الذين قتلوا في أفغانستان خلال النصف الأول من العام الحالي سجل مستوى قياسي. وأرجعت المنظمة الدولية الزيادة إلى موجة هجمات انتحارية أعلن تنظيم داعش مسؤوليته عنها. وقالت بعثة الأمم المتحدة لتقديم المساعدة في أفغانستان في أحدث تقرير لها عن الضحايا المدنيين إن عدد القتلى ارتفع واحدا بالمئة إلى 1692 بينما بلغ عدد المصابين 3430 بانخفاض نسبته خمسة في المئة. وانخفض مجمل عدد القتلى والمصابين ثلاثة في المئة.
كما لفت إلى زيادة نشاط داعش في إقليم ننكرهار بشرق البلاد، وعاصمته جلال اباد، حيث تضاعف عدد القتلى والمصابين بسبب سلسلة من الهجمات خلال الشهور القليلة الماضية. وتمثلت الأسباب الرئيسية في سقوط القتلى والمصابين في الاشتباكات المسلحة بين قوات الأمن والمتشددين والقنابل التي يجري زرعها على الطرق والهجمات الانتحارية وغيرها مما يسمى بالهجمات المعقدة، الأمر الذي تسبب إجمالا في زيادة عدد القتلى والمصابين بنسبة 22 في المئة خلال الشهور الستة الأولى من العام الحالي مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي. بحسب رويترز.
وأضاف التقرير أن الاشتباكات المسلحة لا تزال هي السبب الأكبر في سقوط قتلى ومصابين من المدنيين إذ أودت بحياة 360 قتيلا فضلا عن سقوط 1134 مصابا. وفي الوقت ذاته ارتفع عدد القتلى والمصابين من المدنيين جراء الضربات الجوية 52 في المئة إلى 149 قتيلا و204 مصابين، وهي الضربات التي شهدت أيضا زيادة كبيرة منذ تبني استراتيجية أمريكية هادفة لإجبار حركة طالبان على خوض محادثات سلام.
اضف تعليق