تفرض الحرب السورية منذ فترة طويلة إيقاعها على الحياة اليومية في الغوطة الشرقية أكبر منطقة خاضعة للمعارضة قرب العاصمة دمشق إذ تفصلها عن العالم الخارجي وتحد من وصول الوقود والكهرباء والغذاء والدواء إليها. ومنذ ايام تشهد المنطقة قصفا عنيفا بالصواريخ والطائرات تقول الحكومة إنه ضروري لوقف هجمات بقذائف المورتر على دمشق. هذا الهجوم الحكومي الجديد ربما سيسهم وبحسب بعض المراقبين بتقليص نفوذ الجماعات المسلحة المدعومة من دول وجهات خارجية سعت هي الأخرى الى ومن خلال حرب إعلامية مضادة، الى تشويه بعض الحقائق من اجل إثارة الرأي العام العالمي في سبيل الحفاظ على مكاسبها في هذه المنطقة.
والغوطة الشرقية كما نقلت بعض المصادر، من أشهر المناطق السورية التي شهدت نزاعات كبيرة بين الجيش السوري والتنظيمات المسلحة، اكتسبت أهمية رمزية كبيرة لملاصقتها للعاصمة دمشق، ومنها انطلقت آلاف القذائف باتجاه الأحياء السكنية. وتقدر مساحتها الأجمالية ب ٣١٥ كم مربع، استعاد الجيش السوري منها ٢٠٩كم مربع إثر عمليات موسعة خلال السنوات الماضية، ليحتفظ المسلحون ب ١٠٦كم مربع تصنف كمنطقة "خفض توتر" أُقرت بأجتماع أستانة مؤخرا. وتتقاسم التنظيمات المسلحة هذه المساحة الصغيرة -نوعا ما- والتي يُطبق عليها الجيش السوري من جميع الاتجاهات، ليتربع "جيش الإسلام" على عرش التنظيمات المسيطرة داخل الغوطة بنسبة ٤٢% ويتخذ من مدينة دوما عاصمة له، كما يسيطر على كامل الجبهة الشرقية ومساحات واسعة من منطقة المرج، يليه تنظيم "جبهة النصرة" بنسبة ٢٧% ومن أهم مناطق تواجده عربين وجوبر وحزة وحوش الأشعري وينصهر مع تنظيم "فيلق الرحمن" المسيطر أيضا بنسبة ٢٥% بمنطقة القطاع الأوسط إذ لا يمكن الفصل بين التنظيمين بسبب تحالفهما معا والتشارك بمناطق النفوذ فضلا عن التطابق الأيديولوجي فيما بينهما ليجعلهما جسد موحد، وتبقى نسبة ٦% لتنظيم "أحرار الشام" المسيطر على مدينة حرستا وبعض المساحات الصغيرة المتفرقة داخل الغوطة.
هذه التقسيمات لم تُرضِ "جيش الإسلام" فحاول توسيع مناطق نفوذه بشن حملة موسعة على المتحالفَين "جبهة النصرة" و"فيلق الرحمن"، وبعد سيطرته على مناطق كبيرة داخل القطاع الأوسط تراجع إلى مناطقه السابقة بفعل هجوم معاكس شنه فرقائه، أدت تلك العميلة إلى انهيار تام للثقة بين التنظيمات المسلحة مما دفع كل تنظيم إلى تحصين مواقعه الداخلية ورفع السواتر وتقطيع أوصال مدن وبلدات الغوطة وتحويلها إلى عدة "إمارات" مقسمة متناحرة فيما بينها، تحكمها تلك التنظيمات التي تنفذ أجندة خارجية، بل قد تكون تجسيدا للخلافات السعودية القطرية. وتنفي الحكومة السورية التي تتهمها بعض الجهات بقصف المباني والمؤسسات العامة، استهداف المدنيين وتتهم الخوذ البيضاء بفبركة تسجيلات فيديو عن عمليات الإنقاذ وبالعمل مع جماعات المعارضة المسلحة وهو ما ينفيه العاملون في الخوذ البيضاء.
حرب وتطورات
وفي ما يخص اخر تطورات هذا الملف قال شهود إن موجة جديدة من القصف استهدفت الغوطة الشرقية في سوريا وذلك قبل تصويت على مشروع قرار في مجلس الأمن الدولي يطالب بوقف إطلاق النار لمدة 30 يوما في أنحاء البلاد لإنهاء واحدة من أعنف حملات القصف خلال الحرب. وتعد أعداد القتلى وحجم الدمار هناك من بين الأسوأ في سوريا منذ استعادة الحكومة المناطق التي كانت خاضعة لسيطرة المعارضة من مدينة حلب في معارك شرسة خلال 2016.
ويقول المرصد السوري لحقوق الإنسان إن التصعيد الأخير أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 462 شخصا وإصابة مئات آخرين. ومن بين القتلى 99 طفلا على الأقل. وذكرت وسائل الإعلام الرسمية السورية أن شخصا قتل وأصيب 58 آخرون عندما قصف مسلحو المعارضة مواقع في دمشق بينها مستشفى. وفي نيويورك أبلغ ممثلو الدول العشر غير دائمي العضوية بمجلس الأمن الصحفيين بأنهم متحدون في تأييد مشروع القرار الذي يدعو لوقف القتال في سوريا ويرغبون في صدوره.
ويعيش قرابة 400 ألف شخص في الغوطة الشرقية ينتشرون على مساحة أكبر من الجيوب الأخرى التي استعادتها الحكومة. وتقول دمشق وموسكو إنهما لا تستهدفان سوى المتشددين وإنهما تريدان منع مقاتلي المعارضة من قصف العاصمة بقذائف المورتر. واتهمتا مقاتلي المعارضة باحتجاز السكان دروعا بشرية في الغوطة.
وفي شمال سوريا حيث بدأت تركيا هجوما على فصيل كردي قال الأكراد إن المقاتلين الموالين للحكومة ينتشرون الآن على الخطوط الأمامية للمساعدة في صد الهجوم التركي لكن قد يتطلب الأمر مساعدات من الجيش السوري نفسه. وكانت وحدات حماية الشعب، المتحالفة مع الولايات المتحدة في مناطق أخرى من سوريا، قد سعت للحصول على مساعدة من الحكومة السورية للتصدي للهجوم التركي. ويجسد ذلك التحالفات غير المتوقعة التي نجمت عن صراع متعدد الأطراف شاركت فيه دول مجاورة وقوى عالمية.
يتركز الاهتمام الدولي الآن على المحنة الإنسانية في الغوطة الشرقية. وتقول موسكو ودمشق إن الهجوم على الغوطة الشرقية ضروري لهزيمة مقاتلين يقصفون العاصمة بقذائف المورتر. وقال ديمتري بيسكوف المتحدث باسم الكرملين”من يدعمون الإرهابيين هم المسؤولون... لا روسيا ولا سوريا ولا إيران ضمن هذه الفئة من الدول حيث أنهم يشنون حربا شاملة على الإرهابيين في سوريا“.
من جانبه قال الكرملين إن اتهامات الغرب للقوات الجوية الروسية بالمسؤولية عن مقتل مدنيين في الغوطة الشرقية الخاضعة لسيطرة المعارضة خارج العاصمة السورية دمشق لا أساس لها. وردا على سؤال حول اتهام الغرب لروسيا بالمسؤولية عن سقوط بعض القتلى في الغوطة الشرقية قال ديمتري بيسكوف المتحدث باسم الكرملين ”هذه اتهامات لا أساس لها ولا نعلم ما تستند إليه“. وأضاف في مؤتمر صحفي عبر الهاتف ”هذه (الاتهامات) لا تدعمها أي معلومات محددة. ولا نقبلها“.
مشروع قرار
على صعيد متصل صوت مجلس الأمن الدولي بالإجماع على قرار يطالب بوقف إطلاق نار إنساني في سوريا كان موضوع مفاوضات طيلة15 يوما للحصول على موافقة روسيا عليه. ويطالب النص الذي عدل عدة مرات "كل الأطراف بوقف الأعمال الحربية في أسرع وقت لمدة 30 يوما متتالية على الأقل في سوريا من أجل هدنة إنسانية دائمة". والهدف "إفساح المجال أمام ايصال المساعدات الإنسانية بشكل منتظم وإجلاء طبي للمرضى والمصابين بجروح بالغة".
وقال السفير السويدي أولوف سكوغ الذي طرح مشروع القرار مع نظيره الكويتي "إنه ليس اتفاق سلام حول سوريا، النص هو محض إنساني". وانتقدت السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة نيكي هايلي بشدة روسيا وتأخرها في الانضمام إلى هذا الإجماع الدولي. وقالت "ردنا متأخر" مشيرة إلى أن الهدنة كانت "لتنقذ أرواحا منذ عدة أيام". واعتبرت أن التغييرات التي أدخلت على النص منذ الدعوة إلى التصويت كانت طفيفة.
من جهته رفض السفير الروسي فاسيلي نيبنزيا الانتقادات الأمريكية مكتفيا بشكر المفاوضين وخصوصا الكويتي والسويدي. وعلى غرار نيكي هايلي طالب عدة سفراء بأن "يطبق وقف إطلاق النار فورا". وقال المندوب الفرنسي فرانسوا دولاتر إن اعتماد مشروع القرار "ليس سوى خطوة صغيرة، ورد بالحد الأدنى" مشيرا إلى أن "الأمور الأصعب لا تزال أمامنا". وقال إن الهدنة يجب أن تشكل أداة للتوصل إلى اتفاق سياسي.
من جهته أكد السفير السويدي أولوف سكوغ الذي طرح مشروع القرار مع نظيره الكويتي "أنه ليس اتفاق سلام حول سوريا، النص هو محض إنساني". وخلال المفاوضات رفض الغربيون طلبا روسيا بأن تحصل كل قافلة إنسانية على موافقة من دمشق. وهناك استثناءات من وقف إطلاق النار للمعارك ضد تنظيم "داعش" و"القاعدة". وبطلب من موسكو تشمل أيضا "أفرادا آخرين ومجموعات وكيانات ومتعاونين مع "القاعدة" وتنظيم داعش وكذلك مجموعات إرهابية أخرى محددة من مجلس الأمن الدولي".
وهذه الاستثناءات يمكن أن تفتح المجال أمام تفسيرات متناقضة حيث إن دمشق تعتبر فصائل المعارضة المسلحة المدعومة من الغرب "إرهابية" كما لفت مراقبون. وبالتالي فإن ذلك يهدد الاحترام الكامل لوقف إطلاق النار. وإثر طلب روسيا ضمانات، قرر مجلس الأمن أن يجتمع مجددا لبحث الموضوع خلال 15 يوما لمعرفة ما إذا كان وقف إطلاق النار يطبق. بحسب فرانس برس.
من جانب آخر، يدعو القرار إلى "رفع فوري للحصار عن مناطق مأهولة بينها الغوطة الشرقية واليرموك والفوعا وكفريا". وتطلب إعداد النص جهودا صعبة حيث سعت الكويت والسويد إلى تجنب استخدام روسيا حق النقض مجددا. وفي هذا الوقت تفاقم حصار الغوطة الشرقية، معقل فصائل المعارضة قرب دمشق، حيث قتل أكثر من 500 مدني خلال سبعة أيام من القصف المكثف الذي ينفذه النظام السوري.
اضف تعليق