مع وصول الحرب ضد تنظيم داعش الارهابي الذي مني بهزائم متتالية في سوريا والعراق، الى نهايتها في الكثير من المدن المهمة، برزت اليوم قضية اخرى هي كيفية التصرف مع عوائل الكثير من المتطرفين ممن قتلوا في هذه المعارك، خصوصا الأجانب منهم في العراق اما عن سوريا فما تزال الامور مبهمة وغير واضحة مع استمرار الصراع، حيث ذكرت بعض المصادر في وقت سابق أن السلطات العراقية تحتجز اكثر من 1400 زوجة أجنبية وطفل لمن يشتبه بأنهم أعضاء في تنظيم "داعش" بعدما طردت القوات العراقية التنظيم من أحد آخر معاقله بالعراق. وكثير من النساء المحتجزات المنتميات لتنظيم "داعش" قادمات من دول سوفيتية سابقة مثل طاجيكستان وأذربيجان وروسيا. وهناك آسيويات وبينهن أيضا عدد "قليل جدا" من فرنسا وألمانيا كما أن هناك الكثيرات من تركيا.
وقال مسؤول من وزارة الداخلية إن العراق يريد التفاوض مع سفارات النساء والأطفال بشأن عودتهم. وأضاف "لا يمكننا مواصلة احتجاز هذا العدد الكبير لفترة طويلة". ويشعر مسؤولون غربيون بالقلق من عودة المقاتلين المتشددين وأقاربهم إلى بلادهم بعد انهيار دولة داعش. وأشار مسؤولون فرنسيون إلى أن هناك توجها لأن تتم محاكمة الفرنسيين الذين يثبت ارتباطهم بالتنظيم في العراق. وقال مصدر دبلوماسي فرنسي عن الأشخاص الذين يثبت أنهم مقاتلون "الفلسفة العامة هي ضرورة محاكمة البالغين في العراق... نعتقد أن الأطفال سيستفيدون من الخدمات القضائية والاجتماعية في فرنسا".
وقال بيتر هوكينز كبير ممثلي يونيسيف لدى العراق إن يونيسيف تساعد أيضا أطفال المشتبه في انتمائهم لداعش المحتجزين حاليا عن طريق توفير رعاية ومساعدة قانونية وتحاول لم شمل آخرين مع أسرهم بمن فيهم الموجودون في الخارج.
نقل العوائل
وفي هذا الشأن نقلت السلطات العراقية مئات من الزوجات والأطفال الأجانب لمتشددين يشتبه بأنهم أعضاء في تنظيم داعش من مركز احتجاز في شمال العراق إلى بغداد، مشيرة إلى مخاوف أمنية وصعوبات في الإبقاء عليهم في مكان ناء. وقال مسؤولون محليون ومصادر أمنية ووكالة إغاثة إنه تم نقل أكثر من 800 امرأة وطفل، معظمهم من تركيا وأوروبا وجمهوريات سوفيتية سابقة، إلى منشأة احتجاز آمنة في بغداد.
وقال محمد البياتي رئيس لجنة الأمن والدفاع بمجلس مدينة الموصل إن نحو 700 آخرين ما زالوا محتجزين في المنشأة الموجودة في بلدة تلكيف الشمالية. وكان معظم النساء والأطفال قيد الاحتجاز منذ 30 أغسطس آب عندما استسلم أكثر من 1300 إلى قوات البشمركة الكردية بعد أن طردت القوات الحكومية التنظيم المتشدد من تلعفر التي كانت واحدة من آخر معاقله الباقية في العراق.
وقالت سارة الزوقري المتحدثة باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر في العراق إن أعدادهم تضخمت مع استسلام المزيد من الأجانب أو أسرهم. وقال البياتي إن السلطات العراقية بدأت نقل العائلات قبل بضعة أيام مضيفا أن الحكومة تنوي نقل كل المحتجزين الأجانب إلى بغداد في غضون الأيام القليلة القادمة. وقال مسؤولون محليون ومصادر بوكالة إغاثة إن عملية النقل إلى بغداد تتزامن مع حملة للمسؤولين العراقيين لبدء إجراءات قانونية لتحديد مصير هؤلاء النساء والأطفال وإنهاء احتجازهم المستمر منذ فترة طويلة. بحسب فرانس برس.
وقال عبد الرحمن الوجى عضو المجلس المحلي لمدينة الموصل حيث عاش الكثير من النساء والأطفال تحت حكم داعش، إنه يجب على الحكومة أن تجد وسيلة لتحديد مستقبلهم وما ستفعله معهم. وقالت سارة إن هؤلاء النساء والأطفال الأجانب لهم الحق في محاكمة عادلة. واللجنة الدولية للصليب الأحمر التي تعمل معها سارة هي منظمة الإغاثة الوحيدة التي تم السماح لها بالوصول إلى العائلات في تلكيف وتقدم لهم خدمات إنسانية. وأضافت سارة أنه إذا استلزم الأمر إعادتهم إلى بلدانهم فإن على كل الأطراف المعنية أن تكفل لهم أيضا هذه الحقوق وأن تعاملهم باحترام وكرامة.
بلجيكا
من جانب اخر يثير وجود أطفال بلجيكيين في معسكرات الجهاديين في سوريا قلق البلد الاوروبي الذي يعتبر إلى جانب فرنسا، واحدا من أكثر البلدان المعنية بهذه الظاهرة. وصحيح ان حفنة من هؤلاء عادت الى بروكسل لكن عشرات العائلات ما زالت اسيرة الانتظار والقلق. وقال وزير العدل البلجيكي كوين غينز "نعيدهم بقدر ما تتيح لنا الظروف القيام بذلك، عادة عبر طريق تمرّ بتركيا يحميها عناصر شرطتنا"، مشيرا الى وجود نقطة تجمع داخل الأراضي التركية للراغبين في العودة.
وتقدر الحكومة البلجيكية أن مئة طفل بلجيكي على الاقل دون اثني عشر عاما موجودون حاليا في سوريا، ولدوا هناك أو غادروا مع مقاتلين في السنوات الأخيرة. على خط مواز، أعلن وزير الداخلية البلجيكي جان جامبون ان "14 طفلا" عادوا من بينهم "11 يبلغون أقل من ست سنوات". واوضح جامبون أمام نواب ف انه يمكن القول ان نسبة تلقينهم العقائد في هذه السن "محدودة" عموما مع تهديد "ضئيل" لأمنهم، على ان يخضعوا لعلاج نفسي واجتماعي في بلجيكا اثر الصدمات التي تعرضوا لها.
واعتبر مدعون عامون من اربع دول (فرنسا وبلجيكا واسبانيا والمغرب) تتعاون في مكافحة الارهاب، أن "متابعة" الأطفال لدى عودتهم، ضرورية. ولم تعالج دوائر مساعدة الشباب في المنطقة البلجيكية التي ينطق سكانها بالفرنسية الا أربع أطفال استقبلهم مركز تربوي متخصص. اما مكتب قاضي الأحداث فمعني فقط بالمراهقين الذين لا تقل اعمارهم عن 12 عاما والمشتبه بارتكابهم "جرما" في مناطق القتال. ولم يسجل اتحاد والونيا - بروكسل أي حالة مماثلة حتى الساعة.
هذا الأمر يجعل بعض المراقبين يقولون ان الحكومة لا تستخدم كل وسائلها المتاحة لمحاولة استرجاع مواطنيها. وكان رد السلطات الرسمية ان بلجيكا تشارك في التحالف الدولي ضد تنظيم داعش، ولكن عبر ضربات جوية فقط من دون قوات على الأرض. وقال مسؤول أمني كبير طلب عدم كشف اسمه "المشكلة معقدة. ما العمل؟ ارسال فرق ميدانية للتعرف على الأطفال؟ وماذا لو توفي الأهل، اثبات الجنسية سيكون صعبا في حال مماثلة".
لبلجيكا في تركيا خدمات قنصلية لتسهيل الترحيل، وهو أمر غير متوافر في سوريا ولا في العراق. من هنا، اهمية أن يتمكن القاصر في هذه الحالة من عبور الحدود. ويرى الباحث البلجيكي باهار كيميونغور، المتعاون مع مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، أن الرئيس التركي رجب طيب اردوغان يملك جزءا من الحل لمساعدة الأطفال المحتجزين في محافظة إدلب.
ويؤكد الخبير أنه في هذه المنطقة الواقعة في شمال غرب سوريا والمتاخمة لتركيا، "يتمتع اردوغان بدعم الفصائل التركمانية (...) وللسلطات التركية علاقات كثيرة وهامش مناورة"، مذكرا بأنه من المفترض أن ينتشر الجيش التركي قريبا في إدلب الى جانب الروس والايرانيين لتأمين حماية هذه المحافظة تطبيقا لاتفاقات أستانا. وساعد كيميونغور، بفضل علاقاته وخصوصا العائلية على جانبي الحدود التركية-السورية، والدتين بلجيكية وفرنسية لتتمكنا من اخراج طفل من المنطقة. واثار ما يقوم به اهتمام وسائل الاعلام في بلجيكا وتعاطفا شعبيا. بحسب فرانس برس.
وكان جهادي بلجيكي اصطحب في أيار/مايو طفلته البالغة ثلاث سنوات معه الى سوريا من دون علم والدتها التي كان انفصل عنها. وقد عبرا الحدود في حافلة فيما كان الوالد يخضع لمراقبة الكترونية في اطار ملف حق عام. وانضمت مراهقة تبلغ 14 عاما الى الوالد وابنته، وهي حامل حاليا وباتت على وشك وضع مولودها.
فرنسا
على صعيد متصل لا تزال قضية "عودة الجهاديين" إلى أوروبا تؤرق الساسة في فرنسا، وفي آخر تصريحات حول هذا الموضوع، أكد وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان أن مقاتلي داعش المتطرف الفرنسيين المسجونين في العراق سيحاكمون في هذا البلد في حين ستعالج حالات الأطفال من بينهم كل حالة على حدة. وقال لودريان على إذاعة "أوروبا 1"، "إذا كان هناك سجناء في العراق، فالأمر بسيط: يعود للسلطات العراقية أن تعالج وضع الرجال والنساء المقاتلات (...) لقد كانوا يعرفون تماما لماذا توجهوا إلى هناك، أي للقتال مع داعش. هم إذن أعداء، لقد حاربوا فرنسا. لقد ساهموا بطريقة ما في تنفيذ اعتداءات في هذا البلد".
وبشأن أبناء الجهاديين، كرر لودريان تصريحات الرئيس إيمانويل ماكرون الذي قال إن احتمال عودتهم إلى فرنسا يتوقف على بحث "كل حالة على حدة". وقال "وفي الوقت الراهن، عندما يعودون إلى فرنسا، سيوضعون تحت وصاية قاضي الأطفال الذي يقرر بشأنهم". وأضاف "هذا الأمر ينطبق على العراق (...) لكن الصعوبة تكمن في سوريا، لأنه لا يوجد حكم فاعل وبالتالي فإن فرنسا تلجأ في الوقت الحالي كلما ظهرت حالة إلى الصليب الأحمر الدولي". بحسب فرانس برس.
وتقدر الاستخبارات الفرنسية أن هناك اليوم 690 جهاديا فرنسيا في العراق وسوريا بينهم 295 امرأة و28 قاصرا. وتتعامل الحكومة الفرنسية بتريث مع المسألة في حين لا تزال اعتداءات 2015 ماثلة في الأذهان والتي شارك في تنفيذها "عائدون" من سوريا. وحذر النائب العام الباريسي فرنسوا مولانس من التعامل "بسذاجة" مع الموضوع. وقال لإذاعة "فرانس أنفو"، "لم الحظ لدى عودة البعض ندما فعليا في ما سمعته. لقد تدرب بعضهم على استخدام السلاح ونداءات الجهاد توجه في الوقت نفسه إلى النساء والقاصرين". وكانت تصريحات للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أثارت قلق عائلات دعته إلى إعادة النساء والأطفال من سوريا والعراق حتى لا يتحولوا إلى "قنابل موقوتة".
روسيا
بحسرة، تروي شيشانيات وداغساتانيات وانغوشيات فقدن أثر بناتهن اللواتي غادرن للالتحاق بأزواجهنّ المقاتلين في صفوف تنظيم داعش في سوريا أو العراق، المشقة التي يواجهنها وكيف لم يتركن بابا إلا طرقنه بحثا عنهن. وغالبا ما تتشابه قصصهنّ: فقد غادرت بناتهنّ، الحائزات على شهادات وبعضهن صغيرات السنّ، سراًّ إلى العراق أو سوريا خلف أزواجهنّ للعيش في ظل التنظيم المتطرف حيث أسسن عائلة قبل اختفاء أثرهن وانقطاع أخبارهن مع تكبد التنظيم هزائم.
وتشكي باتيما اتاغاييفا التي غادرت ابنتها زالينا الى سوريا قبل ثلاث سنوات مع طفلها البالغ عشرة أشهر، همّها فتقول "كانت فتاة جميلة وذكية. كانت الأحسن في العائلة. كيف أمكنها فعل ذلك؟" أما زيارة مدرّسة اللغة الانكليزية في مدرسة في داغستان، فسافرت الى تركيا عام 2015 لتمضية ما اعتقدت أنه إجازة مع زوجها على شاطئ البحر.
وتروي والدتها جنات ايريغيبوفا بصوت مرتجف ، "كنت سعيدة من أجلها. لكن بعد شهر، تلقيت رسالة من رقم هاتف مجهول تقول: أمي، لا يمكنني العودة الى المنزل". وتضيف جنات التي أتت إلى موسكو لطلب مساعدة السلطات الروسية والصليب الأحمر والمنظمات الدولية مثل أمهات أخريات، "حاولت التواصل مع زوجها لأطلب منه إعادة ابنتي ولأسأله لماذا (فعل ذلك)، لكنه لم يشأ التكلم معي".
وبعد أشهر، أخبرتها ابنتها أن زوجها قتل في مدينة الموصل. وقالت جنات إنها "كانت حاملا مع طفلين صغيرين. بكت وطلبت مني السماح". وخف التواصل مع تقدم القوات العراقية في مواجهة التنظيم. وتلقت جنات رسالة أخيرة في تشرين الثاني/نوفمبر جاء فيها "أمي، وضعنا صعب. اذا لم تسمعي مني خبراً، أرجوك أن تجدي وتنقذي أطفالي". وتقول المرأة المسنة وهي تبكي "منذ ذلك الحين وأنا أبحث عنهم".
ونجحت باتيما الشيشانية، من جهتها في عام 2015 في لقاء ابنتها وأحفادها في منبج السورية، التي كانت لا تزال تخضع لتنظيم لداعش. وتروي الجدّة "كان وضعهم صعبا. لم يكن لديهم كهرباء ولا ماء ساخنة (...) توسلت إليها لتعود معي الى روسيا لكنها قالت ان زوجها لن يدعها ترحل أبدا. خاب رجائي". وتابعت "لم تكن تريد العيش في سوريا، لكنها كانت مرغمة على أن تتبع زوجها. كانت في التاسعة عشرة".
وبعد أربعة أيام، غادرت باتيما سوريا بعد أن فشلت في إعادة ابنتها التي أبلغتها لاحقاً ان زوجها قتل. بعدها لم تتلق أية أخبار منها "لم يعد لدينا غير الانتظار والأمل". ولم تكن الأنغوشية عزة خيورينا قد اختبرت السفر بعد، لكن بعد أن أبلغتها ابنتها في 2015 أنها في العراق، ذهبت فورا الى اسطنبول بالباص، آملة في تسقط أخبارها. وتروي عزة "لم يكن بامكانها الخروج من المنزل من دون زوجها، لكنه ذهب للقيام بتدريبات (عسكرية). وبعد ثلاثة أيام، قيل لها أنه قتل فيما كانت حاملا".
ومذاك، ذهبت عزة سبع مرات الى تركيا آملة في استعادة ابنتها عبر الاستعانة بمهربين، تبين في كل مرة أنهم نصابون. وفي رسالتها الأخيرة، قالت ابنتها إنها فقدت نظرها بنسبة 70%. وقالت الأم محاولة كبت دموعها "أرسلت لي صورة تبدو فيها نحيلة للغاية، إنه منظر فظيع. كانت تشبه امرأة في الثمانين من عمرها". والتحق آلاف الروس، وغالبيتهم من الجمهوريات الإسلامية في القوقاز، بالجماعات الإسلامية المتطرفة في سوريا والعراق، بحسب تقديرات الاستخبارات الروسية. بحسب فرانس برس.
وفي مطلع أيلول/سبتمبر، أعلن الزعيم الشيشاني رمضان قادروف إعادة نحو عشر نساء وأطفال الى روسيا من أراض عراقية طُرد تنظيم الدولة الاسلامية منها. ولجأ المئات، خصوصا من الجدّات والأمهات، الى السلطات سعيا للعثور على أثر عائلاتهنّ لكن نادرا ما نجحن في ذلك. وتروي لاريسا التي ذهبت ابنتها كفى إلى الموصل قبل سنتين، "نكاد نُجن. لم نعد نعرف الى من نلجأ. لم نعد قادرين على النوم، فأنى نظرنا نرى وجوههم أمامنا".
اضف تعليق