لا يمكن لبغداد ان تستقر على حال اذا لم تتغير طبيعة القوى الفاعلة فيها، والعنف والقتل احد اساليب الحوار المتبعة بين الخصوم الذين لا يتوانون عن البكاء على ضحاياهم بغية التقدم خطوات نحو الامام وتحقيق نصر فوق ركام البنايات المحترقة والجثث المتفحمة.
استيقظت بغداد صباح الاثنين، على وقع اعتداء ارهابي مزدوج اودى بحياة ٢٦ مواطنا واصابة ٩٤ اخرين اغلبهم من العمال الفقراء الذين يتخذون من منطقة ساحة الطيران في الباب الشرقي مقرا لهم، لعلهم يحصلون على فرصة عمل ليوم واحد يسد رمق اسرهم التي تعيش غالبا في بيوت الصفيح.
الاعتداء الارهابي ورغم فضاعته الا ان اي جهة لم تتبناه لحد الان، حتى داعش الارهابية التي اتهمت الحكومة خلاياها النائمة بارتكاب هذه الجريمة لم تصدر اي بيان او تصريح بهذا الصدد، وهو ما يضع الكثير من علامات الاستفهام حول ما يجري في بغداد وما يحضر لها في الايام القادمة لا سيما وان اعتداء ارهابيا استهدف الاسبوع الماضي احد اعضاء مجلس محافظة بغداد ما يعني ان العاصمة مقبلة على موجة من الاعتداءات من هذا النوع.
توقيت الاعتداء ليس بريئا_ وهي بالعادة كل التوقيتات ليست بريئة_ الا انه جاء في فترة قد تكون تاريخية بالنسبة للعراق والمنطقة باسرها، فالتحالفات الانتخابية التي اعلن عنها لا تخص العراق وحده انما بعدها الاقليمي والدولي اكبر بكثير مما يتوقع بعض من يحصرون القضية بالداخل.
منطقة الشرق الاوسط تمر بتحولات تاريخية والعراق احد اكبر ساحات الصراع في هذا التحول الذي يجري الان، وكل دولة من الاقليم او الدول الكبرى لها مصالح وهذه المصالح يقوم بتنفيذها وكلاء يلبسون الثوب الوطني العراقي، واذا ما دققنا في واقع التحالفات الانتخابية نجدها ممثليات للدول الاقليمية وبالتحديد معسكري السعودية وايران يضاف لهما المعسكر الامريكي.
المعسكر السعودي بدت عليه ملامح الهزيمة بعد اعلان التحالفات الانتخابية الجديدة، فقد فشلت الرياض في جمع القوى السنية في قائمة موحدة او على الاقل فشلت في تحديد قائمة كبيرة، في المقابل جاءت قائمة الحشد الشعبي المعارضة للتطلعات السعودية هي الاقوى تحت اسم "تحالف الفتح المبين"، والذي تحالف مع قائمة رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي تحت اسم "نصر العراق".
هذا التحالف زاد من الجرح السعودي وبطبيعة الحال الامريكي، ومن اسمه اتخذ تحالف الحشد من الحرب على داعش وانتصاره عليها اهم مرتكزات برنامجه الانتخابي القائم على تحقيق الاستقرار في البلاد والحفاظ على مكتسبات النصر التي تحققت خلال ثلاث سنوات. هذاالنصر الذي لم تحتفل به الرياض او واشنطن لانهما يقولان انه مثل هدية ثمينة للنفوذ الايراني في المنطقة.
الصحافة السعودية وصفت الحشد الشعبي بانه "بيضة القبان" في الانتخابات وتحالفاتها، ووضع كهذا يعني ضرورة وجود مقاومة سريعة، لان الحشد يعني ايران وهذه الاخيرة تعني الهيمنة على بلد طالما شكل هاجسا للصراع الطائفي بين الطرفين.
وقالت صحيفة عكاظ في تقرير لها، إن "رئيس ائتلاف دولة القانون نوري المالكي اجتمع مع صديقه وحليفه السابق هادي العامري أمين عام منظمة بدر وأحد أبرز قيادات الحشد، لصياغة تحالف واضح يعرقل تحركات العبادي داخل الحشد".
وأضافت الصحيفة، أن "لعبة الانتخابات في العراق حولت الحشد الشعبي إلى (بيضة القبان) في هذه الانتخابات، وباتت القوى والأحزاب السياسية تسعى لتحالفات انتخابية معه".
اذا هل هناك علاقة بين الاعتداءات في منطقة الباب الشرقي واعلان التحالفات الانتخابية؟ نعم هناك علاقة وثيقة جدا لكن يبقى الفاعل غير واضح لحد الان الا ان ملامح الخاسرين قد تضع الكثير من علامات الاستفهام، وتحالف النصر، ومعه تحالف الفتح المبين، هما المستهدفان من هذا الاعتداء الارهابي الذي يتخد من الفقراء "ورقة" للضغط على الخصوم، وهنا لا يمكن تحديد الفاعل كما قلنا سلفا.
اليمن والبحرين ولبنان وسوريا والعراق، كانت ولا زالت هذه الدول هي ساحة النزال بين الرياض وطهران، تحولت سوريا الى رماد واليمن الى صومال في نسخة محدثة، والعراق نجى قليلا بفضل عوامل لا يسمح المجال لذكرها، الا انه يبدو عائدا بقوة ليقدم القرابين لكبيري الشرق الاوسط.
استراتيجيات الدول تنفذ في العراق، والانتصار في الموسم الانتخابي الحالي يعني الهيمنة على الوضع العام في البلد لمدة اربع سنوات مقبلة وربما على مستقبل العراق السياسي، وهو ما يجبر اغلب الاطراف الى استخدام كافة الوسائل اللازمة لضمان تحقيق اكبر عدد من مقاعد البرلمان سواء بالدعايات الانتخابية او باللجوء الى الطرق غير المشرعة كالتزوير او حتى التفجيرات لافشال نصر انجز بعد ثلاث سنوات من العذابات والشهداء والجرحى.
اضف تعليق