بعد اعلان النصر النهائي على تنظيم داعش الارهابي في العراق، يرى بعض المراقبين ان هذا البلد المثقل بالأزمات والمشكلات بسبب الصراعات السياسية، ربما سيواجه تحديات اخرى أكثر اهمية من معركة التحرير تتمثل في قدرة ونجاح حكومة رئيس الوزراء حيدر العبادي في التصدي للتحديات الخاصة في الحفاظ على وحدة العراق وعزمها اعلان الحرب على الفساد، وإعادة إعمار مدن وتطبيق القانون، وفرض الامن والنظام وتطبيق الدستور والقانون وحصر السلاح في يد الدولة، هذه التحديات المعقدة تحتاج الى تفعيل قوة القانون العراقي، ومشاركة كافة التشكيلات المجتمعية مع مؤسسات الدولة التي يجب ان تطهر بشكل تام من العناصر الفاسدة وتتحرر من قيود المحاصصة.
ويرى البعض ان العبادي، الذي نجح خلال فترة حكمه في مسك العصا من الوسط في الملفات الشائكة وتجنب الانخراط في خصومات مع الكتل السياسية، والإرادات الدولية المتصارعة خصوصا بين اميركا وإيران، يدخل الان في مرحلة الحسم، وعليه اتخاذ قرارات مصيرية قبل انتهاء ولايته، ومنها انهاء الأزمة السياسية مع إقليم كردستان بعد استفتاء الانفصال عن العراق، وتنظيم الانتخابات التشريعية والمحلية، والموازنة العامة في البلاد في ظل أزمة مالية خانقة، إضافة الى مستقبل الحشد الشعبي الذي اسهم وبشكل واضح في هزيمة الإرهاب وتحرير البلاد، وهذه القرارات قد لا تعجب الجميع، بينما يسعى الرجل للحفاظ على شعبيته استعدادا لخوض الانتخابات المقبلة لانتزاع ولاية جديدة.
وفي هذا الشأن أعلن رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي النصر النهائي على تنظيم داعش بعد أن طردت القوات العراقية آخر فلول التنظيم من البلاد بعد ثلاث سنوات من سيطرة التنظيم المتشدد على نحو ثلث أراضي العراق. ويأتي الإعلان بعد إعلان الجيش الروسي هزيمة التنظيم المتشدد في سوريا المجاورة التي تدعم فيها موسكو قوات الحكومة السورية.
وقال الجيش العراقي إن القوات العراقية استعادت السيطرة على آخر المناطق التي كانت تحت سيطرة داعش على الحدود مع سوريا. وقال العبادي في خطاب بثه التلفزيون فيما كانت خمسة أعلام عراقية مرفوعة خلفه وعشرات الجنود من فرق مختلفة يقفون وراءه ”أيها العراقيون: إن أرضكم قد تحررت بالكامل وإن مدنكم وقراكم المغتصبة عادت إلى حضن الوطن.. وحلم التحرير أصبح حقيقة وملك اليد“.
وأضاف ”لقد أنجزنا المهمة الصعبة في الظروف الصعبة وانتصرنا بعون الله وبصمود شعبنا وبسالة قواتنا البطلة... وبدماء الشهداء والجرحى أثمرت أرضنا نصرا تاريخيا مبينا يفتخر به جميع العراقيين على مر الأجيال“. وتابع قائلا ”نعلن لأبناء شعبنا ولكل العالم أن الأبطال الغيارى وصلوا لآخر معاقل داعش وطهروها ورفعوا علم العراق فوق مناطق غربي الأنبار التي كانت آخر أرض عراقية مغتصبة.. وأن علم العراق يرفرف اليوم عاليا فوق جميع الأراضي العراقية وعلى أبعد نقطة حدودية“.
وأعلن العبادي أن العاشر من ديسمبر كانون الأول أصبح عطلة وطنية سيتم الاحتفال بها كل عام. وبث التلفزيون الرسمي أغنيات وطنية تحتفي بقوات الحكومة والفصائل المسلحة وعرض لقطات لاحتفالات في شوارع بغداد والمحافظات الأخرى. ورحب التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة والذي دعم القوات العراقية في مواجهة تنظيم داعش بهذه الأنباء وكذلك بريت ماكجورك المبعوث الأمريكي الخاص للتحالف.
وقال في سلسلة تغريدات ”نهنئ رئيس الوزراء والشعب العراقي كله على هذا الإنجاز الكبير الذي اعتقد كثيرون أنه مستحيل“. وأضاف ”نشيد بتضحيات الشعب العراقي وقواته الأمنية والبشمركة الكردية ونسجل إعجابنا بوحدة صفوفهم التي جعلت هذا اليوم ممكنا“. وأصدرت الخارجية الأمريكية بيانا هنأت فيه العراق بتحقيق النصر على التنظيم. واستعادت القوات العراقية السيطرة على الموصل، المعقل الرئيسي للتنظيم في البلاد، في يوليو تموز في حملة ضارية استمرت تسعة أشهر وحظيت بدعم التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ولحق خلالها الدمار بمعظم أنحاء المدينة الواقعة في شمال البلاد.
كما خسر التنظيم المتشدد في سبتمبر أيلول الرقة معقله الرئيسي في سوريا إثر حملة شنها تحالف يقوده أكراد ومدعوم من الولايات المتحدة. وتتوقع الآن كل القوات التي تقاتل التنظيم في الدولتين أن تبدأ داعش مرحلة جديدة من حرب العصابات وهو أسلوب أظهر التنظيم بالفعل أنه قادر على انتهاجه. وقال العبادي “نحن الآن في مرحلة ما بعد الانتصار على داعش” وعلى البلاد الاستعداد لتهديدات محتملة في المستقبل“. وأضاف ”حلم داعش انتهى ويجب أن نزيل كل آثاره ولا نسمح للإرهاب بالعودة مرة أخرى فقد دفع شعبنا ثمنا غاليا من أمنه واستقراره ومن دماء خيرة شبابه ورجاله ونسائه وعانت ملايين العوائل من مصاعب التهجير والنزوح.. ولابد أن نطوي هذه الصفحة إلى الأبد“.
وتابع قائلا ”إننا وعلى الرغم من إعلان الانتصار النهائي يجب أن نبقى على حذر واستعداد لمواجهة أية محاولة إرهابية تستهدف شعبنا وبلدنا.. فالإرهاب عدو دائم والمعركة معه مستمرة.. ولابد أن نحافظ على هذه الوحدة التي هزمنا بها داعش فهي سر الانتصار الكبير“. وخلفت الحرب تأثيرا مروعا على المناطق التي كان التنظيم يسيطر عليها. وقال بيان صادر عن الأمم المتحدة إن نحو 3.2 مليون شخص لا يزالون مشردين بسبب الصراع.
وأشاد العبادي بقوات الحشد الشعبي وبالمرجع الشيعي الأعلى آية الله علي السيستاني الذي أصدر فتوى تدعو للتطوع لمحاربة داعش أدت إلى تشكيل قوات الحشد الشعبي. لكن رئيس الوزراء العراقي قال إن على الدولة أن تكون المحتكر الشرعي للسلاح. ويعتبر نزع سلاح الحشد الشعبي أصعب اختبار للعبادي. وقال ”إن حصر السلاح بيد الدولة وسيادة القانون واحترامه هما السبيل لبناء الدولة وتحقيق العدالة والمساواة والاستقرار“.بحسب رويترز.
وفي خطاب أمام مؤتمر للإعلام العربي في بغداد قال العبادي ”الانتصارات تحققت بالوحدة والعزيمة“ في إشارة لمشاركة طوائف مختلفة بما يشمل مقاتلين من عشائر سنية. لكن العراق يواجه صراعا داخليا جديدا بعد أن ردت بغداد بإجراءات اقتصادية وعسكرية على إجراء إقليم كردستان العراق استفتاء على الاستقلال على الرغم من معارضتها للخطوة. وقال العبادي في خطاب النصر ”إن فرحة الانتصار اكتملت بالحفاظ على وحدة العراق الذي كان على حافة التقسيم.. وإن وحدة العراق وشعبه أهم وأعظم إنجاز“.
الحشد الشعبي
في السياق ذاته قال المرجع الشيعي العراقي آية الله علي السيستاني إن فصائل الحشد الشعبي التي شاركت في الحرب ضد تنظيم داعش المتشدد يجب أن تصبح جزءا من الأجهزة الأمنية في العراق. وفي رسالة ألقاها أحد مساعدي السيستاني نيابة عنه خلال خطبة الجمعة في مدينة كربلاء المقدسة قال المرجع الشيعي إن كل الأسلحة التي استخدمت لمحاربة المتشددين ينبغي أن تصبح تحت سيطرة الحكومة العراقية.
ويتفق موقف السيستاني مع رئيس الوزراء حيدر العبادي الذي يريد الحيلولة دون أن يستخدم قادة قوات الحشد الشعبي السلطة والنفوذ، اللذين اكتسبوهما في فترة الحرب، خلال الانتخابات المقررة في 12 مايو أيار. وأصدر السيستاني فتوى تحث العراقيين على التطوع في الحرب ضد تنظيم داعش في 2014 مع اجتياح التنظيم لمناطق واسعة من العراق ليصل إلى مشارف بغداد. وقال الشيخ عبد المهدي الكربلائي ممثل السيستاني ”إن النصر على داعش لا يمثل نهاية المعركة مع الإرهاب والإرهابيين“ محذرا مما وصفها بالخلايا النائمة.
وأضاف ”المنظومة الأمنية العراقية لا تزال بحاجة ماسة إلى الكثير من الرجال الأبطال الذين ساندوا قوات الجيش والشرطة الاتحادية خلال السنوات الماضية“. وتابع قائلا ”من الضروري استمرار الاستعانة والانتفاع بهذه الطاقات المهمة ضمن الأطر الدستورية والقانونية التي تحصر السلاح بيد الدولة“ مضيفا أن الفتوى لا يجب استغلالها لتحقيق أغراض سياسية. ورحب العبادي بسرعة بتصريحات السيستاني في بيان صدر عن مكتبه.
وقال البيان ”نرحب بدعوة المرجعية الدينية بعدم استغلال المتطوعين والمقاتلين في الحشد سياسيا وهو ما يؤكد أهمية إبعاد المؤسسات الأمنية عن الانخراط في العمل السياسي“. ويدعو سياسيون سنة وأكراد العبادي الذي أعلن الانتصار على التنظيم إلى نزع سلاح فصائل الحشد. وأعلن اثنان من أبرز قادة الفصائل وهما هادي العامري وقيس الخزعلي أنهما سيضعان فصائلهما تحت إمرة العبادي. وقد يمهد قرارهما بالفصل الرسمي بين الأجنحة المسلحة والسياسية الطريق لهما للمشاركة في الانتخابات ربما في إطار تحالف موسع مقرب من إيران.
على صعيد متصل دعا الزعيم الشيعي العراقي البارز مقتدى الصدر قواته إلى "تسليم السلاح" الثقيل إلى الدولة، مطالبا باقفال غالبية المقار المسلحة التابعة له، بعيد إعلان "انتهاء الحرب" ضد تنظيم داعش. وقال قائد التيار الصدري في كلمة بثها التلفزيون إن على "سرايا السلام" التابعة له "تسليم سلاح الدولة للدولة، وحل جميع المقار عدا المركزي منها". و"سرايا السلام" فصيل عسكري يتمركز في مناطق عدة ويتولى حماية المراقد المقدسة أبرزها ضريح الإمامين العسكريين في سامراء في وسط العراق، ويشكل جزءا من قوات الحشد الشعبي التي تقاتل الى جانب القوات الحكومية. ولسرايا السلام مقار مركزية في النجف وبغداد وسامراء.
وأكد الصدر في كلمته "استمرار سرايا السلام بالامساك بالأرض في سامراء (شمال بغداد) فقط". وتقيم تلك الفصائل حواجز عند مداخل ومخارج سامراء بهدف فرض الأمن. وادلى صفا التميمي المتحدث باسم سراي السلام في سامراء بتصريح اوضح فيه مسألة السلاح الذي سيسلم الى الدولة. وقال التميمي "عند بداية العمليات ضد داعش لم يكن لدى سرايا السلام تجهيز كامل من الحكومة، وبعد التنسيق مع هيئة الحشد الشعبي، تم تجهيزنا من قبل الدولة بالسلاح الثقيل للمعارك، وهذا هو السلاح الذي سيتم تسليمه". واضاف "سنحتفظ بسلاحنا المتوسط والخفيف الذي يعتبر سلاحاً فرديا".بحسب فرانس برس.
وبالنسبة الى المراكز التي ستقفل قال التميمي "لدينا عدد من المقرات المركزية للفرق والالوية منها ابنية حكومية ومساجد وباحات، وأبرزها في بغداد، ستبقى لمتطلبات المرحلة المقبلة"، قبل ان يوضح ان "كل الوحدات التي ستسلم سلاحها ستنخرط في العمل الخدمي". بالنسبة لخصوصية سامراء قال "لن تنسحب القوات من سامراء لأنها موجودة للدعم بطلب من قيادة عمليات سامراء، بسبب الضغط على المدينة اذ انها تعتبر وجهة سياحة دينية. لذا فوجودنا هناك ضروري". من جهة أخرى، دعا الصدر إلى "منع مشاركة أي جهة تنتمي للحشد الشعبي في الانتخابات" البرلمانية المرتقبة في أيار/مايو المقبل. وأضاف "مستعدون للتعاون مع (رئيس الوزراء حيدر) العبادي وتقوية الحكومة المركزية والقضاء على الفساد".
انتقادات حادة
الى جانب ذلك أثارت دعوة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى حل فصائل الحشد الشعبي العراقية انتقادات حادة من قبل شخصيات سياسية شيعية في العراق اعتبرت الأمر "تدخلا" فرنسيا في شؤون البلاد. وخلال لقائه رئيس حكومة إقليم كردستان نيجرفان بارزاني في باريس، دعا إيمانويل ماكرون العراق إلى "نزع سلاح تدريجي (على أن يشمل ذلك) خصوصا (قوات) الحشد الشعبي التي تشكلت في الأعوام الأخيرة مع تفكيك تدريجي لكل الميليشيات".
وقال المالكي عبر مواقع التواصل الاجتماعي "يفاجئنا الرئيس الفرنسي بتدخل مرفوض في شؤون العراق الداخلية ويطالب بحل مؤسسة رسمية قانونية هي هيئة الحشد الشعبي المجاهد". وأضاف أن "هذه المواقف من فرنسا مرفوضة بشدة وهي تمس سيادة العراق ومؤسساته، وتتعارض حتى مع الدستور الفرنسي". وتابع المالكي "لا نريد لأية دولة أن تفرض إرادتها على الحكومة العراقية وإرادة شعبنا العراقي البطل".
من جهته، صرح نائب رئيس مجلس النواب العراقي همام حمودي في بيان أن "العراقيين كانوا ينتظرون من المجتمع الدولي، لا سيما فرنسا، الإشادة بالمقاتلين الذين ضحوا بأرواحهم الزكية نيابة عن كل فرد موجود في هذا العالم". وأضاف "لولا الحشد الشعبي لوصلت داعش الى قلب باريس". بحسب فرانس برس.
أما القيادي في الحشد الشعبي أحمد الأسدي، فقال إن "أي حديث عن حل الحشد الشعبي مرفوض وغير مقبول وتدخل سافر في الشأن العراقي"، معتبرا أن ذلك "لا يختلف عن (الحديث) حول حل الجيش العراقي". ويقدر عدد مقاتلي الحشد الشعبي، بحسب البرلمان العراقي، بـ110 آلاف، بينما يتراوح، بحسب خبراء، بين 60 الفا و140 ألفا. وفي تشرين الثاني/نوفمبر 2016، أقر مجلس النواب العراقي قانون الحشد الشعبي الرامي إلى وضع تلك الفصائل تحت الإمرة المباشرة للقائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء حيدر العبادي. وبموجب ذلك القانون، تعتبر فصائل وتشكيلات الحشد الشعبي "كيانات قانونية تتمتع بالحقوق وتلتزم بالواجبات باعتبارها قوة رديفة وساندة للقوات الأمنية العراقية ولها الحق في الحفاظ على هويتها وخصوصيتها ما دام ذلك لا يشكل تهديداً للأمن الوطني العراقي".
اضف تعليق