التحقيقات القضائية في فضيحة شركة لافارج عملاق الصناعات الاسمنتية الفرنسية، شهدت في الفترة الاخيرة كما نقلت بعض المصادر تطورات مهمة ومتسارعة، حيث أعلن مصدر قضائي فرنسي توجيه تهمة تمويل الارهاب للمدير العام السابق لشركة لافارج للإسمنت الفرنسية السويسرية، إريك أولسن، في إطار تحقيق حول تمويل الفرع السوري للشركة تنظيم داعش بصورة غير مباشرة. وفي إطار هذا التحقيق الذي اصبح محط اهتمام الرأي العام في فرنسا وغيرها من الدول الاوروبية، تم وضع أولسن تحت مراقبة قضائية حسب المصدر نفسه وهناك موقوفان آخران هما نائب المدير العملاني السابق في الشركة كريستيان هيرو ورئيس مجلس إدارتها السابق برونو لافون.
وكانت الشرطة القضائية قد داهمت مقر الشركة في باريس، للقيام بعمليات تفتيش مرتبطة بتهم تمويل الإرهاب الموجهة للشركة، على خلفية الاشتباه في دفعها أموالاً غير شرعية لجماعات ارهابية من أجل ضمان عدم تعرّض المتطرفين لمصنعها الواقع في بلدة قرب الرقة. ويشتبه بأن الشركة عقدت ترتيبات مع مجموعات متطرفة ولا سيما تنظيم داعش الارهابي فاشترت النفط في انتهاك للحظر الأوروبي المفروض منذ 2011، ودفعت لها مبالغ مالية من خلال وسطاء. واستمعت هيئة القضاء الجمركي في مطلع 2017 إلى عدد من المسؤولين في الشركة وأقر ثلاثة منهم بينهم كريستيان هيرو بتسديد مبالغ مثيرة للشكوك. وفي تشرين الأول/أكتوبر 2010، بدأت "لافارج" بتشغيل مصنع للإسمنت في الجلابية في شمال سوريا وأنفقت عليه 680 مليون دولار.
لكن وبعد اندلاع الاضطرابات الأولى في البلاد، سارع الاتحاد الأوروبي إلى فرض حظر على الأسلحة والنفط السوري وأعلنت الأمم المتحدة أن البلاد في حالة حرب أهلية. وانهار إنتاج الإسمنت اعتبارا من 2013 تزامنا مع فرض التنظيم وجوده في المنطقة، إلا أن "لافارج" قررت البقاء خلافا لشركة النفط "توتال" وغيرها من المجموعات المتعددة الجنسيات. وقام فرعها السوري بدفع ملاين الدولارات لفصائل مسلحة عدة بينها تنظيم داعش بحسب تقرير أعده مكتب "بيكر ماكنزي" الأمريكي بطلب من شركة "لافارج هولسيم".
شهادات متناقضة
وفي هذا الشأن أدلى برونو لافون الرئيس السابق لمجلس إدارة مجموعة لافارج للإسمنت، ونائبه كريستيان هيرو بشهادتين متناقضتين بشأن الاتهامات الموجهة للشركة بدفع أموال لتنظيم داعش في سوريا. ففي حين قال المدير إنه لم يعلم بما دفعته الشركة للتنظيم المتطرف من أموال إلا عام 2014، أكد نائبه أنه أبلغه بالأمر قبل ذلك بوقت طويل. وقال برونو لافون الرئيس السابق لمجلس إدارة شركة الإسمنت الفرنسية لافارج أنه لم يعلم أن المجموعة التي يديرها دفعت أموالا إلى تنظيم داعش إلا في 2014، في حين أكد نائبه أنه أبلغه بذلك قبل ذلك بكثير، حسب مصدر قريب من الملف لوكالة الأنباء الفرنسية.
ولمواصلة تشغيل مصنعها في سوريا على الرغم من النزاع، دفعت لافارج 12,946 مليون يورو لفصائل مسلحة بينها تنظيم داعش بين 2011 و2015، كما ورد في تقرير داخلي طلبته المجموعة الفرنسية قبل اندماجها مع السويسرية هولسيم. وفي هذا التحقيق الخارج عن المألوف الذي يشتبه فيه للمرة الأولى بأن أرباب عمل كبارا مولوا الإرهاب، تبدو التناقضات بين روايات مختلف الأطراف كثيرة.
فقد اتهم برونو لافون رئيس مجلس إدارة لافارج من 2007 إلى 2015، وكريستيان هيرو النائب السابق للمدير العام للشركة الذي كان مكلفا دولا عدة بينها سوريا، في الثامن من كانون الأول/ ديسمبر "بتعريض حياة آخرين للخطر" و"تمويل منظمة إرهابية". وقال المصدر القريب من الملف إن برونو لافون أكد أمام قضاة التحقيق أن هيرو "أعلن عن الاتفاق مع داعش خلال اجتماع للجنة التنفيذية للافارج في آب/ أغسطس 2014.
وأضاف هيرو "لم أدل بأي تعليقات على الفور باستثناء أن هذا الاتفاق ليس فكرة جيدة"، مؤكدا أنه قرر في تلك اللحظة إغلاق المصنع الذي سيطر عليه في نهاية المطاف التنظيم في 19 أيلول/سبتمبر 2014. لكن هيرو أكد أنه أطلع باستمرار لافون على الوضع الميداني منذ صيف 2012 وقال له بين أيلول/ سبتمبر وتشرين الأول/ أكتوبر 2013 إن لافارج تمول جماعات جهادية بينها تنظيم داعش. وأوضح مجددا أنه دفع للتنظيم الجهادي "مبلغ خمسة ملايين ليرة سورية (حوالى عشرين ألف دولار شهريا) اعتبارا من تشرين الثاني/ نوفمبر 2013" لأن كل "الأطراف المعنية مهتمة بأن يستمر هذا الاستثمار ويعمل".
وقال برونو لافون "هناك الكثير من الأمور التي لم أبلغ بها وأخفيت عني ربما". ونفى رئيس المجموعة السابق أن يكون رغب في البقاء في سوريا بأي ثمن لأسباب مرتبطة "بمصالح تجارية" بينما كانت المجموعة قد دفعت قبل سنوات 680 مليون دولار من أجل مصنعها في الجلابية (شمال سوريا). وأضاف "بالتأكيد هذا الأمر يؤخذ في الاعتبار لكنه ليس الأمر الوحيد"، مشيرا إلى أن "تفكيك مصنع للإسمنت أمر بالغ الصعوبة وليس من عادتنا أن نتخلى عن الناس". ولافارج متهمة أيضا بأنها لم تضمن سلامة العاملين السوريين في مصنع الإسمنت. بحسب فرانس برس.
وقال برونو لافون "في تموز/ يوليو 2013 (...) أدركت أن الوضع يتعقد. سجلت في ملاحظاتي الشخصية: ننكفئ بهدوء. ومع ذلك بقي المصنع 14 شهرا إضافيا. وعبرت سولانج دوميك محامية النائب السابق للمدير العام عن استغرابها قائلة إن "لافون لم يبلغ هيرو بأي شكوك أو رغبة بإغلاق المصنع في ذلك التاريخ وليس قبل آب/ أغسطس 2014". وتعذر الاتصال بمحامي لافون للحصول على تعليق.
دعم الارهاب
في السياق ذاته قال محامون بجماعة مدافعة عن حقوق الإنسان إن مجموعة لافارج هولسيم السويسرية الفرنسية للأسمنت دفعت بين عامي 2011 و2015 قرابة 13 مليون يورو (15.2 مليون دولار) لجماعات مسلحة منها تنظيم داعش من أجل مواصلة العمليات في سوريا. وكان المحامون يتحدثون في مؤتمر صحفي بشأن التحقيق الأولي الذي يجريه المدعون الفرنسيون في عمليات لافارج والذي بدأ في يونيو حزيران للاشتباه في ”تمويل كيان إرهابي“.
وقال المحامون الذين يعملون لصالح مجموعة شيربا الحقوقية إن قسما كبيرا من الأموال ذهب بصورة مباشرة أو غير مباشرة إلى خزائن داعش وإن المدفوعات استمرت لما بعد إغلاق مصنع لافارج في الجلابية في سبتمبر أيلول 2014. وكانوا يشيرون إلى رقم حدده مدعون يفحصون أنشطة لافارج خلال الحرب الأهلية السورية منذ 2011 وجرى استقاؤه من تقرير داخلي وضعته شركة بيكر آند ماكينزي الأمريكية للمحاماة لصالح لافارج.
وقالت ماري دوس المحامية في شيربا ”الرقم الدقيق الوارد في التحقيق هو 12946000 يورو دفعته لافارج بين 2011 و2015 لمنظمات إرهابية منها داعش“. وتحولت لافارج إلى لافارج هولسيم في 2015 بعد استحواذ هولسيم السويسرية عليها ليشكلا أكبر شركة في العالم لصناعة الأسمنت. واستقال إريك أولسن الرئيس التنفيذي السابق للافارج هولسيم بعدما اعترفت الشركة بدفع أموال إلى مجموعات مسلحة بهدف استمرار عمليات أحد مصانعها في سوريا. وقال محاميه إن أولسن سيطعن على وضعه قيد التحقيق.
ورفعت شيربا وجماعات أخرى لحقوق الإنسان في فرنسا وكذلك وزارة المالية الفرنسية دعوى ضد لافارج. وتريد شيربا وضع الشركة قيد تحقيق جنائي رسمي، شأنها في ذلك شأن أولسن، وتتهم كذلك لافارج بعدم التعاون مع السلطات ومحاولة إخفاء عناصر مهمة عن التحقيق. ورفضت متحدثة باسم لافارج هولسيم هذه الاتهامات لكنها لم تعلق على رقم الثلاثة عشر مليون يورو.
وقالت ”لافارج هولسيم تتعاون بشكل كامل مع (سلطات) العدالة. المجموعة قدمت آلاف الوثائق للقضاة أو جرت مصادرتها خلال البحث“. وأضافت ”نرفض بشدة الزعم بأن الشركة تحاول بأي طريقة كانت تقييد حق موظفيها الحاليين أو السابقين في الدفاع عن أنفسهم... أو (تقييد) قدرتهم على التعاون مع تحقيق قضائي“. بحسب رويترز.
ويعني الوضع قيد تحقيق رسمي في فرنسا أن المدعين يعتقدون أن لديهم ”أدلة جادة أو متسقة“ من شأنها أن تقود إلى ملاحقة قضائية. وهو خطوة صوب محاكمة محتملة بيد أن التحقيق لا يزال بالإمكان إسقاطه. وكان مدعي باريس وضع سلف أولسن، برونو لافون، ونائبه السابق للعمليات قيد تحقيق رسمي في أنشطة لافارج في سوريا، بحسب ما ذكره محامو الرجلين. وأظهر تحقيق داخلي مستقل أن دفع أموال عبر وسطاء، بهدف الإبقاء على عمليات مصنع الجلابية في شمال سوريا، لا يتماشى مع سياسات الشركة. وفي مقابلة مع صحيفة لو فيجارو الفرنسية أكد بيت هيس رئيس لافارج هولسيم أن الشركة وقعت في أخطاء غير مقبولة في سوريا وأنها تتعاون مع المحققين الفرنسيين.
اضف تعليق