بعد معركة كبيرة دامت ما يقرب من أربعة أشهر، أعلن تحالف قوات سوريا الديمقراطية المدعوم من الولايات المتحدة وكما نقلت بعض المصادر، تحرير مدينة الرقة من سيطرة تنظيم داعش الارهابي، والتي يسيطر عليها في أوائل عام 2014، وخسر تنظيم داعش مساحات من الأراضي في سوريا والعراق العام الجاري بما في ذلك الموصل في العراق وفي سوريا تقهقر إلى قطاع من وادي الفرات ومناطق صحراوية محيطة. واستخدم التنظيم هذه المدينة مركزا للتخطيط والعمليات لمعاركه في الشرق الأوسط وهجماته في الخارج واتخذها أيضا مركزا لاحتجاز رهائن غربيين قبل قتلهم وتصوير القتل ونشر التسجيلات على الانترنت.
ويظل النفوذ الكردي في المستقبل على مدينة أغلب سكانها من العرب قضية حساسة بالنسبة لبعض النشطاء من الرقة وبالنسبة لتركيا. التي تعتبر وحدات حماية الشعب الكردية امتدادا لحزب العمال الكردستاني الذي يشن تمردا في تركيا منذ ثلاثة عقود، الامر الذي قد يسهم في خلق صراع جديد خصوصا وان انقرة قد دخلت بشكل رسمي في هذا الصراع من اجل تأمين مصالحها الخاصة وابعاد شبح قيام دولة كردية على حدودها. وخاضت قوات سوريا الديمقراطية بدعم من التحالف منذ حزيران/يونيو معارك عنيفة داخل مدينة الرقة، التي كانت تعد أبرز معاقل التنظيم في سوريا. ودفعت المعارك منذ اندلاعها عشرات آلاف المدنيين إلى الفرار مع تقدم المعارك.
الاحتفال بالنصر
وفي هذا الشأن غرس حازم كوباني بيده الوحيدة علم قوات سوريا الديموقراطية الأصفر في ساحة في الرقة كان تنظيم داعش يستخدمها لتنفيذ عمليات اعدام وصلب وتعليق جثث اثناء سيطرته على المدينة. وقال كوباني المقاتل في هذه القوات والبالغ 23 عاما "هذه هي اللحظة التي كنا ننتظرها"، مثبتا العلم بعناية بيده اليمنى في سياج حديدي في" دوار النعيم" المروري.
وسبق ان علق تنظيم داعش رؤوس معارضيه على نفس السياج، كما احرق كتبا وعلب سجائر في منتصف الدوار، ما دفع سكان المدينة لتسميته "دوار الجحيم" اثناء سيطرة التنظيم المتطرف على المدينة التي كانت ابرز معاقله لثلاثة أعوام. واعلنت هذه القوات المدعومة اميركيا سيطرتها بشكل كامل على مدينة الرقة بعد طرد اخر عناصر التنظيم من مستشفى المدينة، والملعب البلدي، والنعيم.
وتدفق مقاتلو سوريا الديموقراطية وفي ايديهم اعلامهم الصفراء على الدوار في لحظة رمزية تسجل انتصارا عملوا على تحقيقه منذ أشهر طويلة. وفقد كوباني يده اليسرى في العام 2015 اثناء المعارك ضد تنظيم داعش في المدينة التي تحمل اسمه في شمال سوريا. وقد تحول شعره للون الرمادي بعد سنين من مقاتلة الجهاديين.
وبدا كوباني منتشيا فيما ظهرت ابتسامة عريضة على وجهه وهو يقف ضمن عشرات من مقاتلي تنظيمه يلتقط الصور ويرقص رقصة الدبكة التقليدية. وقالت قائدة حملة "غضب الفرات" روجدا فلات فيما كانت تلوح بعلم طرز عليه اسم المليشيا الكردية "هذا هو المكان الذي استخدمه داعش لقطع رؤوس الابرياء المتهمين برفض خدمة داعش".
ودمرت الرقة بشكل شبه كامل خلال أشهر من الاشتباكات والضربات الجوية للتحالف الذي تقوده الولايات المتحدة. وعبر أهالي الرقة عن سعادتهم البالغة مع خبر استعادة الدوار. وقالت ام عبد الله البالغة 44 عاما والتي هربت من المدينة قبل ثلاثة اعوام "قطعوا رأس ابن اختي هنا. جلدوني أربع مرات لمخالفات بالنقاب". واسترجعت ام عبد الله ذكريات الاشهر القليلة التي عاشتها في المدينة قبل ان تجهش بالبكاء. وقالت بصوت متهدج "اتمنى أن تعلق رؤوس مقاتلي دواعش على نفس السياج مثلما عذبونا".
وبالنسبة لاحمد حسن المقاتل في صفوف قوات سوريا الديمقراطية والمنحدر اصلا من الرقة فان تحرير الدوار يستحضر ذكريات فظائع التنظيم الجهادي المتطرف بحق اهله وجيرانه. وقال المقاتل اليافع "اتذكر اول عملية قطع لرؤوس على الطرف الغربي من الدوار. اول عملية احراق للكتب للروايات الانكليزية والفرنسية والدخان كانت في الدوار". لكن حسن لا يزال يحمل ذكريات طيبة وسعيدة عن الدوار قبل أن يسيطر التنظيم على المدينة في 2014. بحسب فرانس برس.
وقال حسن "هذا الدوار كان كله مطاعم ومقاه، وفيه احلى كافتيريا كانت فيها صالة موسيقى تشغل أغاني فيروز التي تسمع في كل الرقة"، مشيرا إلى المغنية اللبنانية المشهورة في الشرق الاوسط. ولا يزال حسن يتذكر تفاصيل شرائه الموز من بائع في الشارع والعجائن المسكرة من متجر متواضع يديره شخص يدعى ابو محمد. وقال حسن من عين عيسى في شمال الرقة "أتمنى لو نستطيع ان نعيد كل التفاصيل الصغيرة. لو نستطيع ان نعيد كل الذين كانوا هنا، في حال كانوا لا يزالون على قيد الحياة".
من جهة اخرى قالت وزارة الخارجية الأمريكية إن الولايات المتحدة ستتصدر جهود المساعدة في إزالة الأنقاض واستعادة الخدمات الأساسية بعد هزيمة داعش في الرقة معقله الأساسي بسوريا. وقالت هيذر ناورت المتحدثة باسم الوزارة في مؤتمر، "سنساعد ونكون في الصدارة في استعادة خدمات المياه والكهرباء وغير ذلك". وتابعت المتحدثة قائلة، "استعدت الولايات المتحدة وحلفاؤها للخطوات القادمة وسنواصل العمل مع شركائنا لتقديم المساعدة الإنسانية للمحتاجين ودعم جهود إرساء الاستقرار في الرقة وغيرها.
ضحايا المعارك
من جانب اخر تسببت المعارك التي خاضتها قوات سوريا الديمقراطية بدعم من التحالف الدولي بقيادة أمريكية ضد تنظيمداعش في مدينة الرقة، بمقتل نحو 3250 شخصا بينهم 1130 مدنيا خلال أكثر من أربعة أشهر، وفق ما أعلن المرصد السوري لحقوق الإنسان. وقال مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبد الرحمن إن المعارك بين قوات سوريا الديمقراطية وتنظيم داعش تسببت منذ اندلاعها داخل مدينة الرقة في الخامس من حزيران/يونيو "بمقتل نحو 3250 شخصا بينهم 1130 مدنيا على الأقل" لافتا إلى أن "270 طفلا على الأقل" هم من ضمن حصيلة المدنيين.
وأكد عبد الرحمن "وجود مئات المفقودين من المدنيين الذين يرجح أنهم تحت الأنقاض" في الرقة حيث تسببت المعارك وغارات التحالف الدولي الداعمة لهجوم قوات سوريا الديمقراطية بدمار كبير في الأبنية والبنى التحتية. بحسب فرانس برس.
ودفعت المعارك عشرات آلاف المدنيين إلى الفرار. كما قتل المئات جراء غارات التحالف الدولي، وآخرون برصاص الجهاديين أثناء محاولتهم الهرب. وتشهد سوريا منذ آذار/مارس 2011 نزاعا بدأ باحتجاجات سلمية ، سرعان ما تحول إلى حرب دامية متعددة الأطراف تسببت بمقتل أكثر من 330 ألف شخص وبدمار هائل في البنى التحتية وبنزوح وتشريد أكثر من نصف السكان داخل سوريا وخارجها.
وبحسب آخر الإحصائيات، فقد أسفرت العملية عن مصرع 2120 مسلحاً من التنظيم، فضلاً عن 311 مقاتلاً من قوات سوريا الديمقراطية، وإصابة 600 آخرين بجروح. كما فقد 1463 مدنياً حياتهم برصاص قناصة تنظيم داعش وقصف طيران التحالف الدولي، وكذلك قصف طيران روسيا والنظام السوري. وتمكنت قوات سوريا الديمقراطية خلال العملية ذاتها من تحرير 20000 نازح، فيما بلغت نسبة الدمار في مدينة الرقة 90%.
وبعد اتفاق مع قوات سوريا الديمقراطية، سلم غالبية مسلحي داعش من أهالي مدينة الرقة أنفسهم، وجرى التحقيق معهم ومن ثم تسليمهم لزعماء عشائر الرقة الذين وعدوا من جانبهم ألا تكون لهؤلاء أي علاقة بتنظيم داعش من جديد، وأن يعودوا لممارسة حياتهم الطبيعية. وكان من المتوقع تحرير مدينة الرقة منذ فترة، ولكن قادة قوات سوريا الدديمقراطية أكدوا أن العملية تأخرت حفاظاً على حياة المدنيين العالقين داخل المدينة.
على صعيد متصل اعلن ستيفان دوجاريك، المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، أن المنظمة الدولية مستعدة لإيصال المساعدات الإنسانية لمدينة الرقة السورية بعد انتهاء عملية تحريرها، وفرض الأمن هناك. وأكد دوجاريك أن الأمم المتحدة على علم بسيطرة قوات سوريا الديموقراطية على مدينة الرقة بشكل كامل، موضحا أن المنظمة مستعدة لتقديم المساعدات الضرورية، وذلك بعد الحصول على إمكانية الوصول إلى المدينة، وتحقيق الظروف الآمنة هناك. وبحسب المتحدث باسم الأمم المتحدة، فإن وضع السكان والنازحين في محافظة الرقة، وفي شمال سوريا "لا يزال معقدا".
اضف تعليق