مع استمرار سلسلة اعمال العنف والتفجيرات التي استهدفت رجال الامن والاقباط في مصر، والتي أعلن تنظيم داعش مسؤوليته عنها، تفاقمت حالة القلق في هذا البلد الذي يعيش جملة من المشكلات والازمات الامنية والاقتصادية، ازدادت بشكل كبير بعد الاطاحة بالرئيس محمد مرسي المنتمي لجماعة الاخوان المسلمين وما تبعها من تطورات سياسية، ويرى بعض المراقبين ان الحكومة المصرية تواجه اليوم تحدي كبير ومعركة مهمة ضد الارهاب والتنظيمات الاسلامية المتشددة، التي تسعى الى زعزعة امن واستقرار مصر والمنطقة بشكل عام، خصوصا وان الهجوم الاخير يعد ايضا رسالة قوية من تنظيم داعش الارهابي الذي استطاع و للمرة الثالثة استهداف مواطنين أقباط، ويقتلهم على أساس هويتهم الدينية، وذلك بعد جريمتي تفجير كنيسة البطرسية في 12 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، وتفجيرات أحد السعف التي وقعت في كنيستي مار جرجس في طنطا ومار مرقس في الإسكندرية في التاسع من إبريل/ نيسان الماضي، وراح ضحيتهما حوالي 46 شخصا، فضلاً عن عشرات المصابين.
هذا الهجوم ايضا دفع الحكومة المصرية الى اتخاذ اجراءات وخطط امنية جديدة، وقالت بعض المصادر إن الرئيس عبد الفتاح السيسي دعا لاجتماع أمني مصغر وقال مجلس الوزراء إن المهاجمين “لن ينجحوا في شق النسيج الوطني. وحذر السيسي من أن الهدف من هجمات المتشددين هو إسقاط الدولة المصرية. وأضاف أن الهجوم الذي أوقع 24 مصابا أيضا لن يمر دون رد متوعدا باستهداف أي معسكرات في الداخل أو الخارج يجري تدريب مسلحين فيها لضرب مصر. وقال مخاطبا المصريين رسالتهم إنهم يقولوا إن الدولة مش بتقوم بحمايتكم بالشكل الكافي. وطالب بمعاقبة الدول التي تدعم الإرهاب دون مجاملة أو مصالحة مضيفا أن هناك جهات تسعى لضرب الاقتصاد والسلام الاجتماعي في مصر.
وشهدت مصر العديد من الهجمات الإرهابية، التي نال الأمن والجيش فيها النصيب الأكبر من الاستهداف، بينما تعرضت دور عبادة ومدنيين لهجمات أخرى. يذكر أن وتيرة أعمال العنف ارتفعت في مصر بشكل عام خلال السنوات الأربع الماضية، منذ إطاحة حكم الإخوان في يونيو 2013، عقب احتجاجات جماهيرية حاشدة.
حرب متواصلة
وفي هذا الشأن تبنى تنظيم داعش الارهابي الاعتداء على اقباط مصر الذي اوقع 29 قتيلا وقالت وكالة اعماق التابعة للتنظيم ان "مفرزة امنية من الدولة نفذت هجوم المنيا الذي استهدف حافلة تقل اقباطا". وشن مسلحون هجوما على حافلة كانت تقل اقباطا في طريقهم الى دير في المنيا بوسط مصر ما اوقع 29 قتيلا وعشرات الجرحى. واعلن الرئيس عبد الفتاح السيسي ان القوات الجوية وجهت ضربة الى معسكرات "تدريب ارهابيين" مسؤولين عن تخطيط وتنفيذ الاعتداء. واوضحت وزارة الدفاع المصرية ان الضربة وجهت الى اهداف داخل الاراضي الليبية من دون ان تحددها.
واكد بيان على الصفحة الرسمية للمتحدث الرسمي باسم القوات المسلحة على فيسبوك أن "القوات الجوية نفذت عددا من الضربات المركزة نهاراً وليلاً إستهدفت عددا من العناصر الإرهابية داخل الأراضي الليبية بعد التنسيق والتدقيق الكامل لكافة المعلومات". واضاف ان "الضربة اسفرت عن تدمير كامل للأهداف المخططة التي شملت مناطق تمركز وتدريب العناصر الإرهابية التي شاركت في تخطيط وتنفيذ الحادث الإرهابي الغادر" ضد الاقباط. وتابع البيان ان القوات المشاركة في الضربة "عادت إلى أرض الوطن بعد تنفيذ مهامها بنجاح".
من جهته، قال محمد المنصوري المتحدث باسم "مجلس شورى مجاهدي درنة" (شرق ليبيا) في شريط فيديو ان الطيران المصري شن " ثماني غارات على مدينة درنة لم تسفر عن اي استهداف لاي موقع من مواقع" المجلس "انما استهدفت مواقع مدنية". واكد ان "الاضرار كلها مادية، ولم تتسبب بأضرار بشرية". وقد اعلن السيسي ان الاعتداء على الاقباط "لن يمر" دون رد، مستطردا "وانا اتحدث اليكم تم توجيه ضربة لاحد المعسكرات التي يتم فيها تدريب هذه العناصر" الجهادية التابعة لتنظيم داعش.
وفي اتصال مع بابا الاقباط تواضروس الثاني، اكد السيسي أن "اجهزة الدولة لن تهدأ" الا بعد ان ينال المسؤولون عن الاعتداء "عقابهم". وتم تشييع جثامين ضحايا الاعتداء في محافظتي المنيا وبني سويف وسط مشاعر من الغضب والقلق من تكرار مثل هذه الاعتداءات. وطالبت الكنيسة القبطية السلطات ب"اتخاذ الاجراءات اللازمة لتفادي خطر هذه الحوادث التي تشوه صورة مصر وتتسبب في آلام العديد من المصريين".
وقال الانبا اغاثون اسقف مغاغة ان "الناجين من الحادث رووا ان الارهابيين طلبوا من ابنائنا ان ينكروا ايمانهم ولكنهم قالوا لهم عشنا مسيحيين وسنموت مسيحيين". واعتداء المنيا هو الرابع خلال اقل من ستة اشهر ضد الاقباط في مصر الذين يشكلون اكبر طائفة مسيحية في الشرق الاوسط ويمثلون قرابة 10% من 90 مليون مصريا. بحسب فرانس برس.
ففي ديسمبر/ كانون الاول الماضي قتل 29 قبطيا في تفجير داخل كنيسة ملاصقة لبطريركية الاقباط الارثوذكس في قلب القاهرة. وفي نيسان/ابريل، سقط 45 قتيلا في اعتداءين استهدفا كنيستين في طنطا (دلتا النيل) وفي الاسكندرية (شمال) اثناء احتفال الاقباط بأحد الشعانين. وخلال الاشهر الاخيرة توعد تنظيم داعش بمضاعفة الهجمات على الاقلية القبطية في مصر. ونفذ التنظيم هجمات استهدفت الاقباط في شمال سيناء ما ادى الى مقتل عشرات منهم ودفع بالمئات الى النزوح.
وقال أحد سكان درنة إن طائرات حربية شوهدت تقصف منطقة ظهر الأحمر في الجزء الجنوبي من المدينة وامتنع المتحدث العسكري المصري عن التعليق على الموجة الثانية من الغارات. وأخطرت مصر مجلس الأمن بأن الضربات لمواقع "الإرهابيين" في شرق ليبيا جاءت في إطار الدفاع عن النفس. وقال المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية إن بعثة مصر الدائمة لدى الأمم المتحدة سلمت رسالة إلى رئيس مجلس الأمن أخطرت فيه المجلس "بأن الضربات الجوية التي استهدفت مواقع التنظيمات الإرهابية في مدينة درنه بشرق ليبيا تأتى اتساقاً مع المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة المعنية بالحق الشرعي في الدفاع عن النفس ومع قرارات مجلس الأمن المعنية بمكافحة الإرهاب". ولدرنة تاريخ من التشدد الإسلامي وشهدت أول وجود لتنظيم داعش في ليبيا في 2014 لكن مقاتلين محليين وإسلاميين منافسين طردوا التنظيم من المدينة فيما بعد. وقال الجيش المصري في بيان "نفذت القوات الجوية عددا من الضربات المركزة نهارا وليلا استهدفت عددا من تجمعات العناصر الإرهابية داخل الأراضي الليبية بعد التنسيق والتدقيق الكامل لكافة المعلومات".
مؤامرة الاخوان
من جانب اخر كشف تقرير لمجلة فورين بوليسي الأمريكية، حمل عنوان «حرب المؤامرة على أقباط مصر»، عن أن الإخوان حتى وإن كانوا غير متورطين بشكل مباشر في الجريمة إلا أنهم أشعلوا نيران الكراهية والعنف في البلاد ضد الجميع خاصة الأقباط. ويقول الباحث الأمريكي المتخصص في شئون الجماعات الإسلامية إريك تريجر، إن تنظيم الإخوان لا يقف دائمًا وراء الأحداث الإرهابية التي تحدث ضد الأقباط في مصر، إلا أنهم عامل مساعد في إشعال نيران الكراهية والعنف تجاههم.
ويشير الكاتب، إلى ما قاله الإسلاميون البارزون في مصر، تعليقًا على حادث المنيا الإرهابي، إنهم زعموا أن الحكومة المصرية وراء الهجوم، وإن المسيحيين نالوا ما يستحقونه، مؤكدًا أن خطاب جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية له دور كبير في هجوم المنيا الإرهابي. وينقل الخبير في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، عن البيانات التي أصدرتها الجماعة بعد الهجوم الإرهابي، والتي تقول «كيف عرف المهاجمون أن هناك حافلة تقل أطفالًا ونساء وأرواحًا بريئة؟»، في إشارة إلى تنسيق الحكومة مع الإرهابيين، وهو ما اعتبره الكاتب نوعا من أنواع الافتراءات التي يقدمها الإخوان، ويمثل نظرية المؤامرة التي يروجون لها.
ويرى:«إن الإخوان ليسوا وحدهم من يقومون بالترويج والدفع لهذا النوع من نظريات المؤامرة، بل إن هناك مجموعة من الشخصيات التابعة أو المؤيدة لها، مثل الإسلامية المقيمة في أمريكا آيات عرابي، ولديها أكثر من 400 ألف متابع على صفحات التواصل الاجتماعي، والتي قالت إن القصة برمتها كانت ترمي إلى أن تخلق قمعًا سطحيًا ضد مسيحيي مصر، وتحاول أن تصدر الصورة بأن الاقباط يتعرضون للاضطهاد، وأن البابا تواضروس الثاني متورط في هذه المؤامرة».
ويضيف:«إن الإخواني البارز أحمد المغير كتب يقول إن المسيحيين يدفعون ثمن تحالفهم مع النظام المصري وليس أمامهم إلا التصالح مع المسلمين وإلا ستستمر دماؤهم في أن تسيل مثل الأنهار ولا أحد سيهتم، وهو ما يعتبر جزءا من المؤامرة التي يدفع بها الإخوان النابعة من رغبتهم في الانتقام»، على حد قوله.
وينوه إلى:«أن الإخوان يحاولون نشر العديد من المنشورات التي تحتوى على تحريضات مستمرة ضد الأقباط في مصر، ومن بينهم القيادي الإخواني عبدالمقصود الدرديري، الذي نشر منشورًا بعد أحداث أحد السعف الإرهابية في أبريل الماضي، يشير فيه إلى أن المسيحيين هم المسئولون عن الحادث، وأن العنف لن ينتهي إلا باصطفاف المسيحيين بجوار المسلمين، وأن البعض الآخر من الإخوان يصورون المسيحيين على أنهم أعداء للدين الإسلامي، وهو ما ينتقده الكاتب تمامًا».
ويلفت إلى«أن العنف ليس عشوائيًا بل إنه جزء من استراتيجية سياسية شريرة، فهو يرى أن تحريض الإخوان المسلمين ضد المسيحيين في مصر يخلق بيئة تجعل من قتلهم أمرًا شرعيًا، وأن الإخوان دائمًا ما يصورون المسيحيين على أنهم ليسوا ضحايا للعنف، بل كمستفيدين من الحكومة المصرية التي يرون أنها تقمع الإسلاميين».
ويقول مختار عوض، الأستاذ بجامعة جورج واشنطن: «إن تنظيم داعش يعتقد أن استهداف وإرهاب المسيحيين، سيؤدي إلي حالة من عدم الاستقرار في مصر، وهو ما يفعله التنظيم الإرهابي في هجماته ضد الشيعة في العراق». ويواصل حديثه: «الإخوان يقومون بنوع من أنواع الدعاية الطائفية، التي تخدم موقفهم، وأبرز مثال على ذلك القيادي الإخواني جمال حشمت، الذي زعم كذبًا أن الرئيس عبدالفتاح السيسي ألغى التعليم الديني في المساجد، إلى جانب المزاعم الأخرى التي تقول إن المتطرفين من المسيحيين واليهود الذين يحكمون العالم، هم المسئولون عن عدم استقرار الحكومات بقيادة إسلامية».
اضف تعليق