قررت الحكومة البريطانية رفع مستوى التهديد الإرهابي في البلاد من خطير إلى حرج، إثر اعتداء إرهابي هو الأسوأ الذي تشهده بريطانيا منذ 12 عاما، تبناه تنظيم داعش الذي يتعرض لازمات وخسائر كبيرة في العراق وسوريا، و أسفر عن مقتل 22 شخصا و إصابة 59 شخصا، عند أحد مداخل قاعة مانشستر أرينا التي تتسع لنحو 21 ألف شخص في نهاية حفل لمغنية البوب الأمريكية أريانا غراندي، وأثار الهلع بين الجمهور الذي شمل عددا كبيرا من الشباب والأطفال.
حيث أذنت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي التي تواجه تحديات كبيرة بنشر الجيش دعما للشرطة المسلحة، وقالت ماي "لا يمكننا أن نتجاهل فرضية أن تكون هناك مجموعة أكبر من الأفراد على ارتباط باعتداء مانشستر. وتوعد التنظيم المتطرف بمزيد من الاعتداءات في بيان تناقلته حسابات جهادية على مواقع التواصل الاجتماعي ذكر فيه "تمكن أحد انصاره من وضع عبوات ناسفة وسط تجمعات للصليبيين في مدينة مانشستر البريطانية حيث تم تفجير العبوات في مبنى للحفلات الماجنة". وأعلنت ماي تعليق الحملة الانتخابية التي تقوم بها استعدادا للانتخابات العامة في 8 حزيران/يونيو، وكذلك فعل زعيم المعارضة جيريمي كوربن.
ويرى بعض المراقبين ان تنظيم داعش الارهابي قد نجح في الاستفادة من جملة الازمات الداخلية والخارجية، التي تمر بها بريطانيا بعد قرار خروجها من عضوية الاتحاد الاوروبي، هذا الهجوم الذي جاء قبل الانتخابات التي دعت لها ماي، ايضاً اثار الكثير من الاسئلة والتوقعات خصوصا وانه يختلف عن الهجمات السابقة التي نفذها بعض الاشخاص او ما يعرف بالذئاب المنفردة، حيث انه نفذ بعبوة ناسفة وهو ما يشير الى ان المنفذ ليس منفرداً، الامر الذي عده الكثير تحدي كبير للأجهزة الامنية، التي كشفت أن شابا بريطانيا من أصل ليبي يدعى سلمان عبيدي (22 عاما) هو منفذ اعتداء مانشستر.
وشنت الشرطة مداهمة مسلحة على موقع في مانشستر يعتقد أنه يرتبط بعبيدي، وقامت بعملية تفجير لدخول المكان. وأعلنت الشرطة القبض على شاب يعتقد أنه على ارتباط بالهجوم، وقالت في بيان إنه "في إطار التحقيق المستمر بشأن الهجوم المروع على قاعة ’مانشستر أرينا‘، يمكننا التأكيد أننا ألقينا القبض على رجل يبلغ من العمر 23 عاما في جنوب مانشستر". وصرحت ماي في زيارة إلى مانشستر أن الشرطة ستدرس أمن هذه المواقع فيما ستراجع الحكومة وضع الشرطة.
هجمات و مخططات
وفي هذا الشأن قال مصدر مطلع إن أجهزة الأمن البريطانية أحبطت 18 مخططا لمتشددين في المملكة المتحدة منذ 2013 منها خمسة عقب هجوم في وسط لندن في مارس آذار. وأبلغ المصدر شريطة عدم الكشف عن هويته أن جهاز المخابرات الداخلية البريطاني (إم.آي 5) "يدير حوالي 50 تحقيقا نشطا تتضمن حوالي ثلاثة آلاف عنصر موضع اهتمام في وقت واحد".
وتأسس (إم.آي 5) في 1909 لمكافحة التجسس الألماني قبيل الحرب العالمية الأولى، وهو مكلف بحماية الأمن الداخلي البريطاني. ويتركز معظم عمل (إم.آي 5) على مكافحة الإرهاب ويوظف حوالي أربعة آلاف شخص. وقال المصدر إن الجهاز يحاول إحباط بضعة مخططات ضد بريطانيا في وقت واحد مشيرا إلى أن سلمان عابدي منفذ التفجير الانتحاري في مانشستر كان على لائحته للمراقبة.
وأضاف المصدر قائلا "كان عابدي واحدا ضمن مجموعة أكبر من عناصر سابقة كانت موضع اهتمام والخطر الذي يمثله كان لا يزال قيد المراجعة من (إم.آي 5) وشركائه". وقال "حين يظهر أحد عناصر الاهتمام السابقة قدرا كافيا من الانخراط مجددا في الإرهاب يمكن أن ينظر (إم.آي 5) في إعادة فتح التحقيق لكن هذه العملية تعتمد بشكل لا مفر منه على اجتهادات مهنية معقدة على أساس معلومات غير مكتملة".
من جانب اخر قالت وزيرة الداخلية البريطانية أمبر راد إن التأهب الأمني في بريطانيا سيظل في أعلى مستوياته مع ملاحقة الشرطة شبكة تشتبه بأنها قدمت دعما للانتحاري الذي قتل 22 شخصا أثناء حفل في مدينة مانشستر. وتسبب الهجوم في سقوط أكبر عدد من القتلى في بريطانيا منذ يوليو تموز 2005 عندما قتل أربعة انتحاريين بريطانيين مسلمين 52 شخصا في هجمات منسقة على شبكة النقل في لندن. بحسب رويترز.
ورفع كبار مسؤولي المخابرات والأمن بالمركز المشترك لتحليل الإرهاب مستوى التهديد إلى "حرج" وهو ما يعني توقع هجوم وشيك بعد هجوم مانشستر. وأبلغت راد "تقديرات المركز المشترك لتحليل الإرهاب أن مستوى التهديد يجب أن يبقى عند حرج بينما تستمر العملية". وتحتجز شرطة مانشستر حاليا ثمانية رجال فيما تستمر عمليات البحث بينما تسعى الشرطة لتحديد إن كان المفجر الانتحاري سلمان عبيدي (22 عاما) حصل على دعم من شبكة أكبر.
ورفعت بريطانيا مستوى التهديد إلى "حرج" مرتين فقط من قبل كان آخرها في يونيو حزيران 2007 بعد محاولة تفجير فاشلة في مطار جلاسكو. وعند أعلى مستوى للتأهب الأمني يساعد الجيش الشرطة في حماية المواقع المهمة ودفع أيضا السلطات إلى وضع أفرد شرطة مسلحين في القطارات البريطانية لأول مرة على الإطلاق.
الحملات الانتخابية
الى جانب ذلك استأنفت الأحزاب السياسية البريطانية حملاتها للانتخابات العامة المقررة الشهر المقبل بينما لا تزال البلاد في حالة تأهب تحسبا لهجمات جديدة وذلك بعد أيام من هجوم مانشستر. وبعد أعنف هجوم في بريطانيا منذ عام 2005 أظهر استطلاع جديد للرأي أن حزب العمال ضيق الفارق إلى خمس نقاط مع حزب المحافظين الذي تتزعمه رئيسة الوزراء تيريزا ماي. وأصبحت ميزانية الشرطة والسياسة الخارجية على رأس القضايا المطروحة للنقاش خلال الحملات.
وساعدت قوات الجيش الشرطة المسلحة في دوريات بالمدن والقطارات وتم إبلاغ المستشفيات لتستعد. وقالت وزيرة الداخلية أمبر رود إن التهديد الأمني لا يزال "حرجا" وهو أعلى مستوياته ويعني أن هجوما قد يكون "وشيكا". وقالت الوزيرة "المركز المشترك للتحليلات الإرهابية خلص إلى أنه ينبغي إبقاء مستوى التأهب عن المستوى ’حرج’ مع استمرار العملية". وتابعت تقول "ينبغي للجمهور أن يعلم أن التهديد كبير".
وفي أول زيارة رسمية إلى بريطانيا قال وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون إن "قلوب كل الأمريكيين منفطرة" بشأن حادث مانشستر. وكانت رئيسة الوزراء تيريزا ماي دعت إلى الانتخابات المبكرة لتعزيز موقفها في المفاوضات بشأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. وتراجع التأييد للمحافظين إلى 43 في المئة بينما ارتفع الدعم لحزب العمال إلى 38 في المئة في استطلاع لمؤسسة يوجوف مما أسفر عن تراجع الإسترليني أمام الدولار واليورو أكثر من نصف في المئة. بحسب رويترز.
وفي كلمة في لندن قال جيرمي كوربن زعيم حزب العمال إن مشاركة بريطانيا في حروب خارجية تسببت في زيادة التهديد الإرهابي. وقال "العديد من الخبراء ومنهم محترفون في مخابراتنا وهيئاتنا الأمنية أشاروا إلى الارتباط بين الحروب التي نخوضها أو ندعمها ... في دول أخرى، ومنها ليبيا، وبين الإرهاب هنا في الداخل. وتابع يقول "ينبغي علينا أن نتحلى بالشجاعة ونعترف أن ’الحرب على الإرهاب’ لا جدوى منها". لكن خصوم حزب العمال اتهموا كوربن بتسييس حادث مانشستر. وقالت رود "القول إنه يوجد أي تبرير أو ارتباط بين الأحداث التي وقعت في مانشستر والسياسة الخارجية البريطانية أمر شائن". وقالت إن أجهزة الأمن أحبطت 18 مؤامرة منذ عام 2013.
غضب شعبي
على صعيد متصل تحدث ناخب بريطاني بدا عليه الغضب إلى وزيرة الداخلية أمبر راد بشأن تخفيض أعداد رجال الشرطة مما دفعها إلى نفي أن هجوما انتحاريا في مانشستر قتل فيه 22 شخصا في حفل موسيقي له صلة بنقص الأعداد. ويسلط هذا الضوء على أن ميزانيات الشرطة ستكون من القضايا الرئيسية مع استئناف الدعاية لانتخابات الثامن من يونيو حزيران بعد تعليقها عقب الهجوم.
وطرح الناخب الذي لم يذكر اسمه السؤال خلال برنامج (كويستشن تايم) الذي تبثه هيئة الإذاعة البريطانية (بي.بي.سي) "عدد رجال الشرطة أقل بواقع 20 ألفا وتحدث فظائع مثل هذه. ألا تتوقع الحكومة ذلك؟". وقالت راد إن هناك موارد كافية لمكافحة الإرهاب ونفت أن تكون التخفيضات أثرت على قدرة السلطات على منع الهجوم. وأضافت "أنا لا أوافق على ذلك... يجب ألا نلمح إلى أن هذا النشاط الإرهابي لم يكن ليحدث لو كان هناك المزيد من إجراءات الأمن". لكن الناخب رد قائلا "أعتقد أن الأمر يتعلق بأعداد رجال الشرطة لأن معلومات المخابرات على المستوى المنخفض هي التي تعطيك المعلومات". بحسب رويترز.
وتعهد حزب العمال المعارض بزيادة أعداد الشرطة بمقدار عشرة آلاف فرد بينما يستأنف هو وحزب المحافظين حملات الدعاية الانتخابية. وتشير الأرقام الحكومية إلى انخفاض أعداد رجال الشرطة بمقدار 19 ألفا بين 2010، حين عاد المحافظون للسلطة ضمن ائتلاف، و2016.
والد منفذ الاعتداء
في السياق ذاته أعلن مسؤول أمني في طرابلس ان والد منفذ اعتداء مانشستر كان عضوا في الجماعة الاسلامية الليبية المقاتلة التي كانت ناشطة جدا في تسعينات القرن الماضي. وصرح احمد بن سالم المتحدث باسم قوة الردع الخاصة التي تعتبر بمثابة قوة شرطة تابعة لحكومة الوفاق الوطني ان رمضان العبيدي الذي أوقف في طرابلس "كان عضوا في الجماعة الليبية المقاتلة".
ويشتبه بان نجله سلمان هو منفذ الاعتداء الذي اوقع 22 قتيلا وعشرات الجرحى في ختام حفل موسيقي في مانشستر (شمال غرب بريطانيا). وقتل العبيدي في الاعتداء الذي تبناه تنظيم داعش. وكان رمضان العبيدي لجأ الى بريطانيا عندما كان ملاحقا من نظام معمر القذافي كغيره من اعضاء هذه الجماعة، وعاد الى البلاد في العام 2011 للانضمام الى صفوف المقاتلين ضد القذافي، بحسب وسائل الاعلام البريطانية.
وبعد سقوط نظام القذافي، شغل رمضان العبيدي منصبا مسؤولا في ادارة شرطة طرابلس، بحسب بن سالم الذي تعذر عليه توضيح ما اذا كان العبيدي لا يزال في منصبه. واضاف بن سالم "التحقيق لا يزال جاريا وهو يخضع للاستجواب من قبل الاجهزة المعنية ولا يمكنني اعطاء مزيد من التفاصيل". وكان بن سالم اعلن توقيف والد وشقيق منفذ اعتداء مانشستر. وقال ان شقيقه هشام الموقوف كان على علم بمخطط مانشستر.
وتم تشكيل قوة الردع في ليبيا من سلفيين وتتمركز اساسا في شرق العاصمة. وهي موالية لحكومة الوفاق الوطني وتتولى مهام الشرطة في طرابلس ومطاردة تجار المخدرات والكحول والاشخاص الذين يشتبه في انتمائهم إلى تنظيم داعش. وكانت الجماعة الليبية المقاتلة تشكلت في تسعينات القرن الماضي في افغانستان من ليبيين ارادوا قتال السوفيات وظلوا في هذا البلد بعد رحيل هؤلاء.
وأعلن تشكيل الجماعة رسميا في العام 1995 وكان هدفها الوحيد اطاحة نظام القذافي. وبعد ان احبطت قوات النظام السابق محاولة لاغتيال القذافي، شنت حملة مكثفة ضد الجماعة الاسلامية التي فر غالبية اعضائها خارج البلاد. وحافظت الجماعة الاسلامية الليبية المقاتلة على علاقات غامضة مع تنظيم القاعدة وقرر بعض اعضائها الانضمام الى التنظيم الجهادي على غرار أبو انس الليبي احد قياديي الجماعة الذي اوقفته الولايات المتحدة في طرابلس لدوره في اعتداءات 1998 ضد سفارتي الولايات المتحدة في تنزانيا وكينيا.
وكان تنظيم القاعدة أعلن في العام 2007 انضمام الجماعة الاسلامية الليبية المقاتلة الى صفوفه وهو ما نفته الاخيرة مؤكدة ان نشاطها يقتصر على ليبيا. كما سلمت الاستخبارات الاميركية زعيم الجماعة عبد الحكيم بلحاج الى القذافي في العام 2014. وانضم بلحاج الذي افرج عنه القذافي قبل بضعة اشهر من ثورة 2011 الى المقاتلين ضد النظام قبل ان يصبح الزعيم العسكري في العاصمة. واعلن بعدها تخليه عن النشاط العسكري وتأسيس "حزب الوطن". بحسب فرانس برس.
يتهمه منتقدوه بانه لا يزال ناشطا على غرار اعضاء سابقين في الجماعة وبانه على اتصال مع مجموعات اسلامية ليبية. وفي اواخر العام 2011، تقدم بلحاج بشكوى ضد الحكومة البريطانية واتهمها بالعمل مع وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية "سي آي ايه" من اجل ترحيله الى ليبيا في 2004. ورفضت المحكمة العليا في لندن الدعوى بحجة ان ملاحقات اخرى يمكن ان تمس بالامن القومي. الا ان المحكمة العليا في بريطانيا عادت وسمحت له في كانون الثاني/يناير 2017 بالتقدم بشكوى.
اضف تعليق