الغارات الجوية الأخيرة التي نفذتها تركيا ضد مواقع حزب العمال الكوردستاني وحدات حماية الشعب في اﻟﻌﺮاق وﺳﻮرﻳﺎ، يمكن ان تسهم وبحسب بعض المراقبين في خلق حرب جديدة في المنطقة التي تعاني اصلا من حالة عدم استقرار امني كبير، حيث اكد البعض ان الرئيس التركي رجب طيب إردوغان الذي استطاع اليوم الحصول على دعم واسع بعد الاستفتاء الأخير، أصبح أكثر قوة وسيعمد في الفترة المقبلة الى تصعيد حملته العسكرية ضد الأكراد، مستفيدا من حالة الحرب الحالية ضد تنظيم داعش الارهابي في العراق الذي يعاني من ايضا من صراع سياسي كبير اثر سلبا على دور الحكومة المركزية، يضاف الى ذلك حالة الفوضى والاقتتال في سوريا، وهذه التطورات ايضا اثارت قلق ومخاوف بعض الحلفاء ومنهم الولايات المتحدة الأمريكية الداعم الأساسي لقوات سوريا الديمقراطية، كما انها أثارت غضب جهات ودول اخرى في التحالف الدولي ضد التنظيم، خصوصا وان البعض يرى ان ما يقوم به الرئيس التركي في هذا الوقت بذات سيكون سببا في إعاقة وتأخر العمليات العسكرية ضد هذا التنظيم الارهابي، الذي خسر الكثير من قوته.
كما تمثل التحركات التركية وبحسب بعض المصادر، تهديدًا كبيرًا للحرب الدائرة على داعش في مدينة الموصل، خاصة أنها ستربك الحكومة العراقية المركزية المعنية بقتال داعش في العراق، ويبدو أن الضربة التركية لسنجار مفتعلة، فسنجار تبعد عن الحدود التركية مسافة 115 كم، وبالتالي هي لا تشكل منطقة تهديد للأمن التركي، كما أن تواجد العمال الكردستاني فيها كان موجهًا في الأساس ضد داعش عندما هجموا على الأزيدية.
ويبقى الموقف الأمريكي ملتبسًا، خاصة أن المنطقة التي قصفتها تركيا لا يغيب عنها التواجد الأمريكي، وبالتالي من غير المنطقي أن تحلق الطائرات التركية فوق هذه المناطق التي تعج بالمقاتلات الأمريكية ومقاتلات التحالف، وتقصفها من دون توافر الحد الأدنى من التنسيق على الأقل لسلامة الحركة الملاحية للطائرات، وهنا لا يجب أن ننسى أن واشنطن تحرص على رضا أنقرة أيضًا كحليفة رئيسية لها في حلف الناتو. ويرى مراقبون أنه قد يكون للضربة التركية تداعيتها الخطيرة على الوضع الأمني بالمنطقة، في ظل مطالبة الأكراد لواشنطن بتأمينهم من ضربات الطائرات التركية، وهو الأمر الذي قد يشعل جبهة تركية كردية في حال قررت واشنطن تزويد الأكراد بمضادات طيران.
وفيما يخص اخر تطورات هذا الملف فقد أعلنت تركيا انها أبلغت مسبقا الولايات المتحدة وروسيا بالضربات التي نفذتها ضد مواقع كردية في سوريا وأخرى في العراق. وكانت الولايات المتحدة التي تقود التحالف الدولي ضد تنظيم داعش في العراق وسوريا عبرت عن "قلقها العميق" بعد القصف التركي. وقال وزير الخارجية التركي مولود تشاوش اوغلو لوسائل اعلام تركية من اوزبكستان حيث يقوم بزيارة "قبل ساعتين من هذه العملية وكما تنص عليه اتفاقاتنا، تقاسمنا المعلومات مع الولايات المتحدة وروسيا". وأضاف "في الاسابيع الماضية، ابلغنا أصدقاءنا الاميركيين وحلفاءنا عبر القنوات العسكرية والدبلوماسية باننا سنشن عملية في هذه المنطقة".
وقال الناطق باسم الخارجية الاميركية مارك تونر "نشعر بقلق عميق ازاء قيام تركيا بشن ضربات جوية في شمال سوريا وشمال العراق من دون تنسيق مناسب سواء مع الولايات المتحدة او التحالف الدولي الاوسع لهزيمة داعش". وأضاف "لقد عبرنا عن هذا القلق للحكومة التركية مباشرة". وقال إردوغان "نحن ملتزمون باتخاذ إجراءات وينبغي علينا اتخاذ خطوات ولقد أبلغنا الولايات المتحدة وروسيا بذلك والعراق أيضا". وتابع يقول "إنها عملية أبلغنا بها (رئيس إقليم كردستان العراقي مسعود) البرزاني".
الأكراد والتحالف الدولي
من جانب اخر طالبت وحدات حماية الشعب الكردية التي تقاتل مع فصائل عربية منضوية في صفوف قوات سوريا الديمقراطية لطرد تنظيم داعش من الرقة، التحالف الدولي بقيادة واشنطن بالتدخل لوقف "التعديات" التركية، إثر غارات شنتها أنقرة على مقر تابع لها في شمال شرق سوريا قتل فيها 18 شخصا على الأقل. وقال القيادي رافضا الكشف عن اسمه "نطالب التحالف الدولي بالتدخل لوقف هذه التعديات التركية"، معتبراً أنه "من غير المعقول أن نحارب على جبهة بأهمية الرقة (معقل تنظيم داعش في سوريا) ويقصفنا الطيران التركي في ظهرنا".
وأضاف القيادي "نحن بحاجة إلى ضمانات أكثر من قوات التحالف وإلى موقف واضح ومعلن (...) في أنه بإمكاننا إكمال عملية الرقة من دون أن نكون مستهدفين في خطوطنا الخلفية". وجاءت تلك التصريحات في وقت تفقد فيه مسؤول عسكري أمريكي من التحالف الدولي المقر المستهدف، برفقة قياديين من الوحدات أبرزهم المتحدث الرسمي ريدور خليل.
وقال خليل في تصريح لوكالة الأنباء الفرنسية من موقع القصف "بالتأكيد لا يمكن السكوت عن هذا الهجوم الغادر ونملك الحق في الدفاع عن أنفسنا". وشدد على أن التحالف "يتحمل مسؤولية كبيرة وعليه أن يقوم بواجبه في حماية المنطقة كوننا شركاء في محاربة داعش". وتخوض وحدات حماية الشعب الكردية مع فصائل عربية منضوية في صفوف قوات سوريا الديمقراطية منذ تشرين الثاني/نوفمبر، عملية عسكرية واسعة بدعم من التحالف الدولي لطرد ال تنظيم من الرقة. بحسب فرانس برس.
وتتلقى هذه القوات دعماً عسكرياً من التحالف الدولي بقيادة واشنطن بعدما أثبتت فعالية في قتال تنظيم "الدولة الإسلامية" وتمكنت من طرد الجهاديين من مناطق عدة. وتصنف تركيا في المقابل الوحدات وجناحها السياسي منظمة "إرهابية" وتعتبرها امتدادا لحزب العمال الكردستاني الذي يقود تمردا ضدها منذ ثمانينات القرن الماضي على الأراضي التركية.
من جانب اخر اعتبرت قوات البشمركة الكردية العراقية قصف المقاتلات التركية لمواقعها في شمال العراق والذي أسفر عن مقتل ستة من عناصرها قرب جبل سنجار، "غير مقبول". وقالت وزارة البشمركة في حكومة اقليم كردستان العراق في بيان ان "استشهاد البشمركة محل أسف كبير لنا، وقصف البشمركة من قبل المقاتلات التركية، غير مقبول". ونددت بغداد بالغارات التركية، وقال المتحدث باسم الحكومة سعد الحديثي في بيان ان "الحكومة العراقية تدين وترفض الضربات التي تقوم بها الطائرات التركية على الاراضي العراقية". واضاف ان العراق يعتبر الغارات "انتهاكا للقانون الدولي والسيادة العراقية وتؤثر سلبا على جهود العراق والمجتمع الدولي في الحرب ضد الإرهاب". واضاف الحديثي ان "حل مشكلة وجود حزب العمال الكردستاني في الأراضي العراقية يجب أن يتم بالتنسيق مع الحكومة العراقية".
وقال جبار ياور أمين عام وزارة البشمركة "استشهد ستة اشخاص، هم خمسة من قوات البشمركة والسادس من قوات الاسايش (الامن)، وأصيب تسعة آخرون بجروح" جراء القصف. واضاف ان الغارة كانت تستهدف مقاتلين أيزيديين متحالفين مع حزب العمال الكردستاني تعتبرهم أنقرة "إرهابيين"، وبالتالي، أصابت عن طريق الخطأ البشمركة التابعة لحكومة اقليم كردستان. وأضاف ان القصف "وحدات مقاومة سنجار" القريبة من حزب العمال الكردستاني، والمؤلفة من مقاتلين أكراد وأيزيديين. وينتشر عناصر البشمركة إجمالا في مناطق متفرقة من سنجار.
وقال المتحدث باسم وحدات مقاومة سنجار زردشت سنغالي ان "الطائرات التركية قصفت خمسة مواقع للايزيدين في غارات استمرت ثلاث ساعات". وأشار الى ان "القصف طال مجمع الايزيدين في جبال سنجار ومحطة اذاعة جرا شنغال، ومنطقة كلي شلو ومركز الايزيديين القريب من منطقة سنوني". ورأت وزارة البشمركة ان سبب المشاكل هو "تواجد" حزب العمال الكردستاني الذي رفض الانسحاب من جبل سنجار رغم ان جميع الاطراف طالبته بالمغادرة. ودعت الوزارة في البيان حزب العمال الكردستاني الى "سحب قواته من جبل سنجار والمناطق المحيطة به".
إردوغان والأسد
من جانب اخر أكد الرئيس التركي رجب طيب إردوغان أنه ما من سبيل للتوصل إلى حل للصراع في سوريا ما دام الرئيس بشار الأسد في السلطة وقال إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أبلغه أنه ليس ملتزما بصفة شخصية بالرئيس السوري. وقال إردوغان "الأسد ليس عنوانا لحل منتظر في سوريا. ينبغي تحرير سوريا من الأسد لكي يظهر الحل". وأضاف "ما دام الأسد في السلطة لن يمكن على الإطلاق التوصل لحل في سوريا".
ومضى قائلا "لقد هاجم شعبه بالدبابات وبالمدافع وبالبراميل المتفجرة وبالأسلحة الكيماوية وبالطائرات المقاتلة. هل تعتقدون أنه يمكن أن يكون السبيل إلى التوصل لحل؟". ولمح إردوغان أيضا إلى تخفيف الدعم الروسي للأسد. وأضاف أن بوتين قال له "‘إردوغان.. لا تفهمني خطأ. لست أدافع عن الأسد ولست محاميه‘. هذا ما قاله. بوتين أبلغني بذلك". وقال إن هناك تطورات بشأن سوريا لا يمكن لبوتين "أن يتقاسمها معنا... لكن الآن بوتين و(الرئيس الأمريكي دونالد) ترامب وأمريكا وإيران والسعودية وقطر.. كلنا نقوم بدور نشط في الجهود الرامية إلى التوصل لحل في سوريا.
بإمكاننا أن نتجمع وبإمكاننا مساعدة الشعب السوري على اتخاذ قراره". ونفي إردوغان بشدة أن البديل الوحيد للأسد سيكون تولي سنة متشددين مثل تنظيم داعش السلطة في سوريا وقال "داعش لن يحل محل الأسد. "داعش ليس ممثلا للإسلام... إنهم خارجون عن الدين وليس لهم صلة بالإسلام وهذا أمر علينا أن نتفق عليه جميعا". وقال إردوغان إنه تحدث عن هذا الأمر مع ترامب وبوتين بعد أن أخفق في تحقيق أي تقدم مع الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما. وأضاف أنه سيتحدث الآن مع الإدارة الجديدة "عن هذه الجوانب وسندعوهم لاتخاذ الخطوة التالية معنا حتى يمكن أن يقرر الشعب السوري مصير بلاده." ومضى قائلا "الأسد قتل مئات الآلاف. ولدي ثلاثة ملايين لاجئ في بلدي ويوجد حاليا 1.5 مليون لاجئ في لبنان وهناك نحو مليون لاجئ في الأردن وهؤلاء الناس فروا من وطنهم. بحسب رويترز.
"لماذا؟ الأسد هو السبب الوحيد. لا نستطيع التحدث بعد الآن عن حل مع الأسد وإلا ستكون جهودنا بلا طائل. ولذلك علينا أن نتيح لشعب سوريا اختيار زعيمه". وقال إردوغان إنه على يقين من وجود بدائل عديدة للأسد. وأضاف "ليس لدي أي تردد. ليس لدي أي تحفظات. هناك أسماء مثالية كثيرة يمكن أن تتولى الزعامة."
عملية مباغتة
الى جانب ذلك لوّح الرئيس التركى رجب طيب أردوغان، بإمكانية تنفيذ بلاده عملية عسكرية "مباغتة" ضد الإرهابيين خارج الأراضى التركية. وقال أردوغان، تعليقا على عملية عسكرية محتملة خارج حدود بلاده: "نعلم جيدا ما نفعله عندما يحين الوقت، قد نأتى بغتة فى ليلة ما" ، وذلك خلال كلمة ألقاها فى المؤتمر العام لجمعية الصناعيين ورجال الأعمال الأتراك فى إسطنبول ، بحسب وكالة الأنباء التركية (الأناضول).
وحول العمليات العسكرية التركية شمالى سوريا، قال الرئيس التركي: "قلنا إن مدينة منبج هى هدفنا المقبل فى سوريا ، ونؤكّد أننا على استعداد لتنفيذ عملية الرقة بالتعاون مع قوات التحالف الدولى بقيادة الولايات المتحدة ، لكن نقول للأصدقاء الأمريكيين لا تشركوا معكم فى العمليات منظمات إرهابية" ، فى إشارة لحزب الاتحاد الديمقراطى الكردى فى سوريا.
كما اعتبر الرئيس التركى رجب طيب إردوغان أن تركيا والولايات المتحدة يمكنهما اذا وحدتا قواهما، تحويل الرقة، المعقل الرئيسى لتنظيم داعش فى سوريا، الى "مقبرة" لداعش. وقال أردوغان ان "أمريكا الهائلة، والتحالف وتركيا قادرون على توحيد قواهم وتحويل الرقة الى مقبرة لداعش" وكان الجيش التركى أكد أن أحد مواقعه فى بلدة جيلان بينار بجنوب شرق البلاد على الحدود مع سوريا تعرض لهجوم صاروخى، من أراض سورية تحت سيطرة وحدات حماية الشعب الكردية.
وذكر الجيش أنه رد على الهجوم بالمثل وقتل 11 من أفراد وحدات حماية الشعب. وتعرضت مواقع الجيش فى منطقة الحدود مع سوريا لنيران كثيفة خلال الأيام القليلة الماضية بعد أن قصفت الطائرات الحربية التركية أهدافا لحزب العمال الكردستانى فى منطقة سنجار العراقية وفى شمال شرق سوريا.
اضف تعليق