الهجوم الأخير الذي وقع وسط باريس قبل أيام من الانتخابات الرئاسة وقتل فيه شرطي فرنسي بالرصاص وأصيب اثنان آخران، ما يزال محط اهتمام واسع خصوصا وانه قد جاء بحسب بعض الخبراء في وقت ومكان مهم وحساس ومع انتشار الآلاف من الجنود وأفراد الشرطة في المناطق السياحية في العاصمة الفرنسية. وكانت فرنسا قد شهدت الشهر الماضي محاولة للهجوم على مطار أورلي في جنوب العاصمة باريس، وأعلنت وزارة الداخلية الفرنسية آنذاك أن الشرطة قتلت المسلح بعدما حاول سرقة سلاح من شرطية جُرحت في الحادث، وتفرض فرنسا حالة الطوارئ منذ عام 2015 وقد شهدت سلسلة من هجمات نفذها إسلاميون متشددون معظمهم شبان نشأوا في فرنسا وبلجيكا وتسببت في سقوط أكثر من 230 قتيلا في العامين الأخيرين.
وأعلن تنظيم داعش مسؤوليته عن الهجوم واكد في بيان ان منفذ الهجوم في منطقة الشانزيليزيه وسط باريس هو أبو يوسف البلجيكي وهو أحد مقاتلي داعش". وذكرت مصادر بالشرطة أن الرجل كان معروفا لأجهزة الأمن. وقالت شبكات تلفزيونية فرنسية إنه مواطن فرنسي عمره 39 عاما وإنه ارتكب جرائم عنف سابقة. وقال فرانسوا مولان مدعي باريس إنه تم التعرف على شخصية المهاجم لكن المحققين ما زالوا يسعون لمعرفة إن كان له شركاء. وكانت الشرطة قد أصدرت أمر اعتقال في وقت سابق. وتحذر الوثيقة من شخص خطر أتى إلى فرنسا بالقطار قادما من بلجيكا. ولم يتضح إن كان ذلك الشخص هو المهاجم نفسه أو إن كان له صلة بالهجوم. وقال مصدر بالشرطة إن منزل المهاجم القتيل الواقع في بلدة إلى الشرق من باريس خضع للتفتيش.
وقال وزير الداخلية ماتياس فيكل الشعور بالواجب لدى شرطتنا الليلة حال دون مذبحة... حالوا دون حدوث حمام دم في الشانزيليزيه". وقال بيير هنري برانديه المتحدث باسم وزارة الداخلية "بعد التاسعة مساء بقليل توقفت سيارة بجانب مركبة للشرطة كانت متوقفة. وفي التو نزل رجل وأطلق النار على مركبة الشرطة فأصاب شرطيا في مقتل."
ويرى بعض المراقبين ان الاجراءات الامنية في فرنسا غير فعالة وسهلة الاختراق، كما ان الحادث الاخير قد استغل بشكل جديد من قبل بعض المرشحين لتحقيق مكاسب سياسية ، حيث اكد إيمانويل ماكرون المرشح إن على فرنسا ألا تستسلم للخوف وإن على المرشحين للرئاسة أن يتفادوا المزايدات بعد مقتل ضابط شرطة في هجوم أعلن تنظيم داعش المسؤولية عنه. وقال في بيان صدر من مقر حملته "لا تستسلموا للخوف .. لا تستسلموا للتقسيم والترهيب. على جيلنا أن يكون أهلا لهذا التحدي."
وذكر ماكرون أنه ألغى تجمعين انتخابيين لتفادي زيادة العبء على كاهل قوات الأمن لكنه قال إنه رفض تعليق حملته. وقال "الديمقراطية أقوى". وأضاف "إضعاف أجهزة المخابرات المحلية قبل نحو عشرة أعوام كان خطأ" في انتقاد على ما يبدو للإدارة السابقة التي كان يقودها رئيس الوزراء المحافظ السابق والمرشح الرئاسي فرانسوا فيون.
استغلال الهجوم
وفي هذا الشأن هاجم رئيس الوزراء الفرنسي برنار كازنوف بشدة المرشح اليميني للانتخابات الرئاسية فرانسوا فيون، ومرشحة اليمين المتطرف مارين لوبان، وذلك ردا على تصريحاتهما التي انتقدا فيها الحكومة في أعقاب هجوم الشانزليزيه، والذي أسفر عن مقتل رجل شرطة وإصابة اثنين آخرين.
واستهزأ كازنوف في مؤتمر صحفي، بتصريحات فيون الذي كان قد أعلن عن نيته توظيف 10 آلاف شرطي إضافي قائلا "كيف يمكن أن نجزم بمصداقية مرشح حين يتعهد بتوظيف 10 آلاف شرطي إضافي في حين أنه قام هو نفسه بإلغاء 13 ألف منصب في صفوف قوات الأمن حين كان رئيسا للوزراء؟.
وانتقد كازنوف كذلك اقتراح فيون مراجعة اتفاقية "شنغن" في الوقت الحالي بينما لم يتخذ أي إجراء بخصوص هذا الأمر حين كان رئيسا للحكومة. ونالت مرشحة اليمين المتطرف مارين لوبان بدورها قسطا وفيرا من انتقادات كازنوف الذي اتهمها باستغلال "حالة الخوف" داخل المجتمع الفرنسي لأغراض سياسوية., وقال كازنوف إن "مستقبلنا لا يمكن أن يكون في الشكل الذي يريده المحرضون على الكراهية من داخل الجبهة الوطنية، وردنا يجب أن يكون الاتحاد" في مواجهتهم.
"الجبهة الوطنية" ردت على هذه التصريحات على لسان الرجل الثاني في الجبهة فلوريان فيليبو الذي علق قائلا "كان يجب على برنار كازنوف أن يستقيل منذ زمن بسبب فشله وسطحيته في معالجة الأمور". وكانت زعيمة "الجبهة الوطنية" والمرشحة للانتخابات الرئاسية مارين لوبان قد انتقدت الحكومات الفرنسية المتعاقبة "لقد عملت الحكومات اليسارية واليمينية المتعاقبة طيلة السنوات العشر الأخيرة على إفشالنا" في "الحرب" على الإرهاب. كما دعت لوبان إلى تشديد الحراسة والمراقبة فورا على الحدود الفرنسية. بحسب فرانس برس.
وحاول كازنوف تفنيد اتهامات "الجبهة الوطنية" مدافعا بشدة عن الإجراءات التي اتخذتها الحكومة والتي أدت إلى " تفتيش نحو 105 مليون شخص على المعابر الحدودية وإبعاد 80 ألف آخرين. أما المدرجين على قائمة "إس" (والتي تضم الأشخاص الذين يمكن أن يمثلوا خطرا محتملا على الأمن الوطني) لدى أجهزة الاستخبارات، فقد تم طرد 117 شخص منذ عام 2012. وتم كل ذلك في إطار القانون.
الى جانب ذلك قالت مارين لوبان مرشحة اليمين المتطرف إنه يتعين على فرنسا أن تعيد العمل فورا بإجراءات الفحص على الحدود وطرد الأجانب المدرجة أسماؤهم على قوائم المراقبة الأمنية. وحثت لوبان الحكومة الاشتراكية على التنفيذ الفوري لهذه الإجراءات التي يتضمنها برنامجها الانتخابي. وتركز لوبان حملتها على سياسات معادية للهجرة ومناوئة للاتحاد الأوروبي.
وقالت لوبان "لا يمكننا تحمل خسارة هذه الحرب. لكن على مدى السنوات العشر الماضية فعلت الحكومات اليمينية واليسارية كل ما بوسعها لنخسرها. نحتاج إلى رئاسة تتصرف وتحمينا." ووصفت لوبان الرئيس الاشتراكي الحالي فرانسوا أولوند بأنه "بات مشهورا بضعفه" وأضافت "أطلب منه بذل مسعى واحد أخير قبل أن يغادر السلطة: أطلب منه رسميا أن يعيد فرض القيود على حدودنا.
البحث عن شركاء
في السياق ذاته قال مدع عام باريس إن المحققين يحاولون تحديد إن كان هناك شركاء للرجل الذي قتل شرطيا في باريس مضيفا أن المهاجم لم تظهر عليه أي مؤشرات للتطرف رغم تاريخه الجنائي الطويل. وكان المهاجم الذي يدعى كريم الشرفي فتح النار على سيارة للشرطة في شارع الشانزيليزيه مما أسفر عن مقتل ضابط وجرح اثنين آخرين قبل أن يقتل بالرصاص.
وقضى الشرفي (39 عاما)، وهو مواطن فرنسي عاش مع أمه في شرق باريس، نحو 14 عاما في السجن منذ 2001 في جرائم منها هجمات بأسلحة نارية على ضباط أمن. وقال فرانسوا مولان مدعي باريس في مؤتمر صحفي "التحقيقات ستركز الآن على تحديد ... المساعدة التي يحتمل أنه استفاد منها."
وأضاف قائلا " لم يكن على قائمة المراقبة الأمنية ولم تظهر عليه علامات تطرف رغم قضائه سنوات طويلة في السجن." لكنه أكد عثور الشرطة قرب جثته على رسالة بخط اليد تدافع عن داعش وعناوين لمؤسسات أمنية ومصحف في سيارته. وقال مصدر مقرب من التحقيق إن الشرطة تعتقد أن المهاجم "فتح النار على الضباط بمجرد أن عرف أنهم سيقتلونه." وقال مولان إنه بجانب البندقية الآلية المستخدمة في الهجوم عثر على سلاح ناري آخر وسكاكين في سيارته. وقالت وزارة الداخلية الفرنسية إن ثلاثة من أسرته وضعوا رهن الاحتجاز.
وقضى الشرفي 10 سنوات في السجن بتهمة إطلاق النار على ضابطين كانا يرتديان ملابس مدنية حاولا اعتقاله أثناء وجوده في سيارة مسروقة عام 2001. وخلال احتجازه أصاب ضابطا بالرصاص في السجن بعد انتزاع سلاحه الناري. وحصل على إطلاق سراح مشروط بالمراقبة في 2015 بعد عقوبة أخرى بالسجن عامين في جرائم أصغر وألقي القبض عليه مجددا في فبراير شباط بعد تهديده بقتل ضباط شرطة لكن أخلي سبيله لنقص الأدلة. بحسب رويترز.
وقال مولان إنه قبل إلقاء القبض عليه سافر إلى الجزائر لنحو شهر رغم خضوعه لشروط مراقبة تحرمه من مغادرة البلاد مشيرا إلى أن القاضي آثر عدم إرساله مجددا إلى السجن. ولم يعلق مولان على أي مشتبه بهم آخرين محتملين لكن متحدثا باسم وزارة الداخلية أكد في بادئ الأمر أن السلطات تبحث عن رجل ثاني بناء على معلومات من الأمن البلجيكي. وقال بيير هنري برانديه "من المبكر جدا تحديد كيف أو هل كان مرتبطا بما حدث في الشانزيليزيه." وقال برانديه في وقت لاحق لمحطة (بي.إف.إم) التلفزيونية إن رجلا بنفس الاسم سلم نفسه لنقطة شرطة في انتويرب ببلجيكا ولم تعد السلطات تبحث عنه بعد. ويقع الهجوم بعد أيام فقط من إعلان الشرطة أنها أحطبت هجوما آخر واعتقلت رجلين في مدينة مرسيليا.
أخطر شبكة جهادية
على صعيد متصل بدأت في فرنسا محاكمة 20 رجلا من المتهمين بالانتماء إلى شبكة جهادية خطيرة نسب إليها اعتداء على متجر يهودي في 2012 والتخطيط لاستهداف عسكريين والقيام بزيارات إلى سوريا، بعد إحباط مخطط هجوم كان يستهدف الانتخابات الرئاسية. ويتوقع أن تشمل المحاكمة 53 جلسة استماع حتى 7 تموز/يوليو، لفهم كيفية تشكل المجموعة وطريقة عملها. وكان عدد من أعضائها المعجبين باعتداءات الجهادي محمد مراح المتحدر من تولوز في آذار/مارس 2012، يستعد لهجمات محددة الأهداف في فرنسا وكذلك للقتال في سوريا.
وقبل ثلاث سنوات على اعتداءات باريس في 2015 أكدت أجهزة مكافحة الإرهاب أن هذه الشبكة هي أخطر الشبكات التي تم تفكيكها في فرنسا منذ اعتداءات "الجماعة الإسلامية المسلحة" الجزائرية في 1995. وتألفت الشبكة من شبان من تورسي (منطقة باريس) وكان (جنوب شرق)، وشكلت نواة تحول الإرهاب الفرنسي إلى أعمال قتل جماعي باسم الجهاد المستوحى، وحتى الموجه من الخارج، والذي كان وراء سلسلة الاعتداءات التي أدمت البلاد (238 قتيلا) منذ كانون الثاني/يناير 2015.
وصرح ستيفان غيكيل أمين عام "الاتحاد الوطني لضحايا الاعتداءات" الذي اتخذ صفة الادعاء الشخصي أن "هذه المحاكمة تشكل فرصة كبرى للتعلم لأن مخططات الاعتداءات التي جرت في 2015 كانت قد صيغت. بالتالي سنفهم أساليب العمل والهواجس". ويحاكم المتهمون الذين تتراوح أعمارهم بين 23 و33 عاما أمام محكمة جنايات خاصة مكلفة النظر في الجرائم الإرهابية ومشكلة حصرا من قضاة محترفين. حاليا تعتقل السلطات احترازيا عشرة من المتهمين فيما سبعة منهم طليقون تحت مراقبة قضائية، كما صدرت مذكرات توقيف بحق ثلاثة، أحدهم فار فيما يشتبه في وجود الاثنين الآخرين في سوريا. بحسب فرانس برس.
وفي قفص الاتهام علت البسمة وجوه عدد من المتهمين الذين أسعدتهم رؤية زملائهم، فيما بدا الآخرون واجمين. وتواجه أغلبية المتهمين عقوبات تتراوح بين السجن 30 عاما ومدى الحياة. وأكد جوزيف بريهام محامي أحد المتهمين "ليست شبكة على الإطلاق، إنهم مجموعة أصدقاء ومعارف قديمة ارتكب بعضهم حماقات". والمتهمون أصدقاء طفولة أو ارتادوا المساجد نفسها وتجمعوا حول جيريمي لوي سيدني، المجرم الذي قتل في أثناء توقيفه وكان يتمتع بكاريزما واسعة بحسب أقاربه. وشكلت معاداة السامية دافعهم الرئيسي وسط تشدد سريع غالبا عززته زيارة إلى الجنوب الفرنسي في صيف 2012.
اغلاق مسجد
من جانب اخر أمرت السلطات الفرنسية باغلاق مسجد في تورسي في المنطقة الباريسية كان أئمته يلقون خطبا "تشرع الجهاد المسلح". وقال وزير الداخلية ماتياس فيكل في بيان ان المسجد "بات مكانا للترويج للفكر المتطرف والحض على الجهاد. بعض الخطب المعادية علانية لقوانين الجمهورية تحرض على الكراهية ضد المجتمعات الدينية الأخرى ولا سيما المسلمين الشيعة واليهود".
واضاف ان "الرسائل الموجهة التي ترفض سلطة الدولة والعلمانية والديموقراطية كانت معارضة لقيم الجمهورية وكفيلة بتوفير ارضية للهجوم على الأمن والنظام العام". وافاد قرار الشرطة الصادر بإغلاق المسجد ان اثنين من أئمته "اعلنا تأييدهما للمصلين المترددين على المسجد الذين اتهموا في قضية خلية +كان تورسي+ الإرهابية".بحسب فرانس برس.
وقالت اجهزة مكافحة الارهاب ان هذه الخلية من الاكثر خطورة في فرنسا منذ اعتداءات 1995 على ان تبدأ محاكمة أعضائها في 20 نيسان/ابريل. وكانت "جمعية الرحمة" تدير مسجد تورسي الذي كان يؤمه حتى 500 مصل الجمعة وهو ثالث مسجد يغلق في فرنسا منذ بداية 2017. وكانت فرنسا تعد 2500 مسجد ومصلى العام 2016 بينها 120 تروج الفكر السلفي المتزمت. ويعيش في فرنسا خمسة ملايين مسلم يعدون اكبر تجمع للمسلمين في أوروبا. وتفرض فرنسا حالة الطوارىء منذ اعتداءات 2015 التي اوقعت 238 قتيلا.
اضف تعليق