د. سعدي جواد مسلم/مركز البحوث التربوية والنفسية – جامعة بغداد
أنزل الله تعالى شريعة الاسلام وكانت كاملة لتنظيم حياة الانسان، وأرسل هداة للإشراف على تطبيق تعاليمها، ولم يدع البشر هملا "من غير راع، كما لن يترك أمر الالتزام بها وفقا" لأهوائهم، بل شرع قوانين رادعة لمن تجاوز حدودها بعد أن ألزمهم الحجة البالغة، قال تعالى (لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب إن الله قوي عزيز) الحديد:25.
وتمتلك شريعة الاسلام نظاما" أخلاقيا" لتعزيز الالتزام بأحكامها، ويمكن أن نطلق عليه بالنظام الاخلاقي في العلاقات الاجتماعية، وهو نظرية متكاملة للإسلام في العلاقات الاجتماعية يشمل الآداب والسنن والواجبات والنواهي والإطار الذي ينظم هذه العلاقات بين أبناء المجتمع.
كما أن التوازن في الاسلام من الظواهر العامة التي نجده في مختلف الحقوق، والتصور الاسلامي عن الواقع، والتوازن الحكيم في موقع الانسان من الواقع وفي المجال التشريعي، ونظرية خلق الكون وكون التشريع حكمة تشريعية تنسجم مع الحكمة الكونية هي من أوضح النظريات القرآنية التي يتكرر التصريح والاشارة اليها في مختلف الآيات القرآنية؟، كما جاء بوصف (حكيم) هو من الاوصاف التي يؤكد عليها ويكررها القرآن لله تعالى بعد عرض آية، أو ذكر نعمه، أو تقرير حكم أو بيان جانب كوني وامثال ذلك آيات كثيرة كما جاء في قوله تعالى (فريضة من الله إن الله كان عليما" حكيما) النساء:11.
ومن السمات الرائدة والعظيمة التي جاءت بها الشريعة السمحاء هو ثقافة الإعتدال والوسطية في الاسلام قال تعالى (وكذلك جعلناكم امة وسطا" لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا") البقرة: 143.
ان الدين الوسط هو الطريق الذي سلكه أهل الفضل والشرف، ممن أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين، والشهداء والصالحين. والاعتدال والوسطية تقابلهما بالضد منهما التعنت والغلو والتطرف والتفريط والتقصير والتي نهى عنها الاسلام بتعاليمه السمحاء والتي تحمل منهاج الاعتدال والوسطية ومن ابرز معالم الاعتدال والوسطية: التيسير على الناس والرفق بهم، الموازنة بين متطلبات الروح والبدن، ومحبة الناس كافة واشاعة مبدأ التسامح.
ان بناء مجتمع اسلامي موحد، خال من الظلم والتعالي والاعتداء على الانفس البريئة والاموال والأعراض، لايوجد فيه تعصب مذهبي أو ديني وتنعدم فيه الفتن والخلافات والنعرات الطائفية يجب ان تتوفر فيه مبدأ الاعتدال والوسطية لبلوغ الطريق السالك نحو بناء مجتمع يسود فيه العيش الآمن وتتجسد فيه اسس المحبة والتعاون والاخاء والتعايش السلمي وفق مبادئ الحوار البناء والهادف والوفاق ونبذ ثقافة العنف والتطرف الديني والمذهبي والبدء في زرع التعاليم السمحاء لبلوغ التقريب في المذاهب، والتي نادى بها القرآن في الاعتدال والوسطية، بعد الرجوع الى الحق والصراط المستقيم طبقا" لما ورد في كتاب الله وسنة رسوله وما سار عليه الاولياء والائمة الصالحين وبعيدا" عن الاهواء والامزجة والآراء المتطرفة والمنحرفة عن الكتاب والسنة النبوية الشريفة.
ان مفهوم الوحدة الاسلامية والتقريب بين المذاهب الاسلامية والتعايش السلمي بين الاديان السماوية، يعد من ضرورات الامن القومي الاسلامي واستقرار الاوطان والشعوب، وخاصة في هذا الظرف العصيب الذي نعيشه في داخل العراق والامة العربية والاسلامية، وبعد تصاعد حالة التوتر الطائفي ونشوء فصائل ارهابية تدعي الاسلام وتمارس ابشع الجرائم في التفجير والقتل، وممارسة الأعمال المرفوضة من التشريع الاسلامي، ومما يتطلب وقفة جادة من الجميع، علماء وحكومات ومنظمات مجتمع مدني ومؤسسات حكومية وجامعات ومراكز دراسات من خلال بذل قصارى الجهود للحد من ظاهرة التطرف والارهاب المتلبس بالدين زورا" والتعاون بين كل اطراف المرجعيات الدينية لعقد المؤتمرات والاتفاق على ميثاق وطني وحدوي لتقريب المذاهب ونبذ الفتن والتطرف الطائفي والبدء بتطبيق مبادئ الاعتدال والوسطية والتعايش السلمي بين الشعوب والأديان.
ولقد جاء فب البحث توصيات ومقترحات بهذا الخصوص نرجو من الله ان تساهم في ترسيخ منهج الاعتدال لبناء الدولة المدنية المعاصرة وتحقيق المصالحة والاستقرار الامني وبناء البلدان على اسس صحيحة وفق المبادئ العظيمة للشريعة السمحاء والقرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة وسيرة الاولياء والائمة الصالحين.
اضف تعليق