بعد صراع طويل مع المرض توفي في سجنه الأمريكي، الذي كان يقضي فيه عقوبة السجن مدى الحياة، الزعيم الروحي للجماعة الإسلامية بمصر الشيخ عمر عبد الرحمن، وقد أفادت وزارة العدل الأمريكية في بيان وفاة عبد الرحمن لأسباب طبيعية عن سن 78 عاما في سجن في كارولاينا الشمالية. وهذا القيادي الجهادي الضرير حكم عليه في 1995 بالسجن المؤبد في الولايات المتحدة بتهمة التآمر لشن اعتداءات في نيويورك. وكان عبد الرحمن يقود تنظيم الجماعة الإسلامية في مصر قبل الهجرة إلى الولايات المتحدة. وأصبح هذا الرجل الذي ولد في العام 1938، شخصية معروفة في الأوساط الجهادية والإسلامية التي حملت السلاح ضد الحكومة المصرية في التسعينيات. وذكر اسمه أيضا بأنه كان مرشدا روحيا لمنفذي أول الاعتداءات على مركز التجارة العالمي في نيويورك عام 1993، والذي أسفر عن مقتل ستة أشخاص وحوالى ألف جريح.
وفي أواخر العام 2006، أنذرت السلطات الأمريكية بحالته الصحية المتقلبة، إذ كان يعاني أساسا من مشاكل السكري والقلب. وبعيد فوزه في الانتخابات الرئاسية في العام 2012، طالب الرئيس المعزول محمد مرسي بالإفراج عن رجل الدين، وفاة الضرير وكما يرى بعض المراقبين ربما تكون لها تداعيات خطيرة، خصوصا وان بعض الجماعات المتشددة قد تسعى الى تنفيذ بعض العمليات الانتقامية في الولايات المتحدة الأمريكية و مصر التي تعاني أصلا من مشكلات أمنية،، وكان مكتب التحقيقات الفدرالي قد أعرب في وقت سابق عن قلقه من تنفيذ عمليات انتقام "إرهابية" في حال موته.
وهدد تنظيم القاعدة الإرهابي الذي يتزعمه أيمن الظواهري، بارتكاب أعمال إرهابية ضد الولايات المتحدة الأمريكية، ردًا وفاة عمر عبد الرحمن، وحرض التنظيم الإرهابي عناصره حول العالم على ما أسماه "الثأر" لوفاة عمر عبد الرحمن، وعدم نسيان وفاة الشيخ وتنفيذ وصيته بالانتقام لموته. وقال التنظيم الإرهابي فى رسالة نشرتها المواقع التابعة للتنظيمات التكفيرية، كما نشرته مواقع تابعة للإخوان، إنه سعى طيلة السنوات الماضية إلى إخلاء سبيله، عبر خطف رهائن غربيين وأمريكيين، إلا أن الولايات المتحدة كانت متمسكة ببقائه في السجن.
وكان عبد الرحمن كما نقلت بعض المصادر، وجها للإسلام المتشدد في الثمانينيات والتسعينيات. ودعا في خطبه النارية إلى قتل أشخاص وإسقاط حكومات يعارضها وإقامة نظام حكم إسلامي في مصر. وارتبط أتباعه بأعمال قتل وهجمات بقنابل لمتشددين في مختلف أنحاء العالم. وقال بروس هوفمان خبير مكافحة الإرهاب في جامعة جورج تاون في واشنطن "كان عبد الرحمن في قلب بعض من أعنف الحوادث الإرهابية التي ترتب عليها تداعيات ضخمة في عقد التسعينيات .. وهي حوادث حددت أنماط الإرهاب العالمي التي لا تزال تحيق بنا حتى اليوم." وأضاف هوفمان الذي عمل في لجنة تابعة للحكومة الأمريكية راجعت هجمات 11 سبتمبر أيلول 2001 في نيويورك وواشنطن وبنسلفانيا "كان متحمسا بلا كلل في إبراز رسالة العنف والكراهية."
وعُرف الراحل بأنه الزعيم الروحي للجماعة الإسلامية التي حملت السلاح ضد النظام المصري في التسعينيات، وكان قبلها قد اعتُقل عام 1981، وحوكم في قضية اغتيال السادات، ثم حصل على البراءة وخرج من الاعتقال عام 1984، ووضع قيد الإقامة الجبرية مدة عامين، ثم سافر إلى الولايات المتحدة فاعتُقل بتهمة التورط في تفجير مركز التجارة العالمي في نيويورك عام 1993 رغم إعلانه رفض الهجوم.
أدين أيضا بالتخطيط لاعتداءات أخرى، وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة في الولايات المتحدة مع قطع الاتصالات عنه، وكانت إصابته بالسرطان وكونه ضريرا واحتجازه مدة طويلة في حبس انفرادي دافعا لحملة تضامن دولية معه، حيث دافع عنه وزير الدفاع الأميركي الأسبق رمزي كلارك. في عام 2012 تعهد الرئيس المصري المخلوع محمد مرسي أمام الجماهير في ميدان التحرير ببذل جهده لإطلاق سراح الشيخ عبد الرحمن، كما ناشد حزب البناء والتنمية الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما قبل مغادرته البيت الأبيض العفو الصحي عن عنه.
تشيع الضرير
وفي هذا الشأن شيع بضعة آلاف من المصريين جثمان الشيخ عمر عبد الرحمن. ووصل جثمان عبد الرحمن الزعيم الروحي للجماعة الإسلامية والمعروف بلقب "الشيخ الضرير" إلى مطار القاهرة على متن طائرة قادمة من الولايات المتحدة صباح. ونقل الجثمان إلى مسقط رأسه بمدينة الجمالية بمحافظة الدقهلية بدلتا النيل التي ولد فيها عام 1938 ليدفن هناك تنفيذا لوصيته.
وكانت السلطات الأمريكية أعلنت أن عبد الرحمن توفي عن عمر 78 عاما لأسباب طبيعية في مركز طبي اتحادي بمجمع سجون اتحادي في بوتنر بولاية نورث كارولاينا. وكان يعاني من داء السكري ومرض الشريان التاجي. وظل عبد الرحمن المصري المولد زعيما روحيا للإسلاميين المتشددين حتى بعد أن قضى ما يزيد على 20 عاما في السجن. وسجن عبد الرحمن واتهم بإصدار فتوى أدت إلى اغتيال الرئيس المصري محمد أنور السادات عام 1981 بعد أن عارضه لسنوات. وقال عبد الرحمن إنه علق من قدميه في سقف وضرب بالعصي وتعرض للصعق بالكهرباء عندما كان محتجزا إلى حين إطلاق سراحه والذهاب إلى منفى اختياري في عام 1990.
وتمكن من السفر إلى نيويورك بعد أن منحته السفارة الأمريكية في السودان تأشيرة سياحة عام 1990 على الرغم من حقيقة أنه على قائمة وزارة الخارجية الأمريكية للأشخاص المرتبطين بجماعات إرهابية. وبعد انتقاله للولايات المتحدة عمل عبد الرحمن على نشر رسالته المتشددة وعاش في بروكلين بمدينة نيويورك بالقرب من جيرزي سيتي وأكتسب أتباعا من الإسلاميين المتشددين. وكان يواجه احتمال الترحيل عندما انفجرت شاحنة ملغومة في ساحة لانتظار السيارات أسفل مركز التجارة العالمي في 26 فبراير شباط 1993 مما أسفر عن مقتل ستة أشخاص وإصابة ما يربو على ألف في هجوم دفع الأمريكيين لإدراك أنهم ليسوا بمنأى عن الإرهاب الدولي.
وبعد أربعة أشهر اعتقل عبد الرحمن قدم للمحاكمة مع عدد من أتباعه في عام 1995 واتهم بالتآمر لشن هجوم إرهابي في الولايات المتحدة وتنفيذ عمليات اغتيال وتفجيرات متزامنة في مقر الأمم المتحدة ومنشأة حكومية اتحادية رئيسية في مانهاتن وأنفاق وجسر يربط مدينة نيويورك بولاية نيوجيرزي. وبعد إدانته ظل في السجن حتى وفاته. وفي الجمالية التي تقع على بعد 175 كيلومترا شمالي القاهرة كان مشيعون من أهل المدينة ومحافظات مصرية مختلفة ينتظرون وصول الجثمان وأقيمت عليه صلاة الجنازة قبل أن يدفن في مقابر العائلة.
وعند وصول الجثمان للمدينة ردد المشيعون هتافات من بينها "الله أكبر" و"بالروح والدم نفديك يا إسلام". وطالب رجال دين المشيعين بالالتزام بآداب وقواعد الجنازة والكف عن ترديد الهتافات. ورفعت نساء يرتدين النقاب ورجال ملتحون لافتات كتب عليها عبارات من بينها "أهلا بك في بلدك رغم انف الحاقدين" و"نتقابل في الجنة" و"أمريكا بلد الحريات تقتل الدكتور عمر عبد الرحمن". ووصفته بعض اللافتات "بالشهيد". بحسب رويترز.
وقبل وصول النعش إلى المسجد نقل الجثمان إلى منزل شقيق عبد الرحمن حيث أعيد تغسليه. وشارك في الجنازة تلاميذ لعبد الرحمن من محافظات مختلفة وعدد من قيادات ورموز الجماعة الإسلامية مثل عبد الآخر حماد مفتي الجماعة ومحمد الظواهري شقيق زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري وعبود الزمر الذي أدين في قضية اغتيال السادات. وقال مشاركون في الجنازة إن عبد الرحمن تعرض للظلم من الحكومات المتعاقبة في مصر والولايات المتحدة بسبب إصراره على مواقفه ومبادئه.
عزاء مختصر
في السياق ذاته قال محامي الجماعة الإسلامية منتصر الزيات، إن سلطات الأمن المصرية اشترطت عدم التجمهر عند استلام جثمان الشيخ عمر عبدالرحمن، الذي وصل من الولايات المتحدة إلى مصر، في وقت سابق، لدفنه في مسقط رأسه. وأكد الزيات، في تصريحات، أن عزاء أسرة الشيخ عمر عبد الرحمن سيقتصر على وقت دفنه في المقابر فقط ولن تقيم الأسرة مجلس عزاء بعدها، مشيرا إلى جثمان الشيخ عمر عبد الرحمن سيدفن في مسقط رأسه بالجمالية في محافظة الدقهلية.
وقال الزيات بشأن تلقى أسرة الشيخ للعزاء في المقابر: "في تقديري بأنه نوع من المضايقات الأمنية، ولكن حزب البناء والتنمية الذراع السياسية للجماعة الإسلامية سيقيم سرادق عزاء لأسرة الشيخ". وأضاف: "سلطات الأمن أيضا اشترطت بألا يكون هناك تجمهر أو أعداد كبيرة من أنصار وأسرة الشيخ بالمطار". وتابع الزيات بالقول إنه "لم يحضر سوى نحو 100 شخص فقط من قيادات الجماعة الإسلامية وأسرة الشيخ خلال استقبال الجثمان"، غير أنه توقع مشاركة أعداد أكبر في تشييع جثمان الشيخ الراحل بمسقط رأسه بقرية الجمالية بمحافظة الدقهلية.
ونعت جماعات إسلامية عديدة ومتباينة المواقف عبد الرحمن بداية من جماعة الإخوان المسلمين التي تنفي صلتها بأي أعمال عنف وحتى تنظيم القاعدة المتشدد. وقال تنظيم القاعدة في بيان نشره على تليجرام: "لقد رحل الشيخ الإمام المجاهد العابد الزاهد الفقيه المفسر عمر عبد الرحمن بعد صراع مع طواغيت الأرض دام قرابة ستة عقود من حياته لم يتنازل فيها يوما عن مبادئه ولم يتخل عن ثوابته."
ووصف البيان عبد الرحمن بأنه "جبل نفخ فيه الروح". وتوعد التنظيم الولايات المتحدة بشن هجمات تنفيذا لما قالوا إنها وصية عبد الرحمن. وقال البيان "يا شباب الأمة وليوثها هذه وصية الشيخ بين أيديكم. اجتهدوا في تنفيذها ولا تدعوا الأمريكان ينعمون بالأمن والأمان. اقتلوهم. أقعدوا لهم كل مرصد. أزرعوا الخوف في قلوبهم. اثأروا لشيخكم. دمروا مصالحهم في كل مكان. أشعلوا الأرض نارا تحت أقدامهم. خذوا من دمائهم واشفوا صدور قوم مؤمنين."
اضف تعليق