دائماً مايدور تساؤل في أذهاننا، وهو لماذا لاتنجح التجارب الدولية والتي حققت نجاحاً عالمياً في العراق؟، ولماذا نعاني على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي؟، أين يكمن الخلل؟، ولماذا لن نحقق الاهداف المنشودة، على الرغم من كل الامكانيات الهائلة التي يمتلكها البلد؟، وهل فعلاً ان الخلل يكمن في الفساد وفي النخب السياسية؟، ام ان الخلل يرجع الى طبيعة المجتمع؟، واذا ماأسلمنا ان السياسية هي انعكاس للمجتمع، فهذا معناه ان الخلل هو إجتماعي، ولكن كيف ان الخلل اجتماعي؟، وكيف يمكن معالجته؟، قد يطرح الكثير من المختصين حلول ومقترحات عديدة لاحصر لها، ولكن هل تحقق شيء لحد الأن؟، أعتقد أن الجواب واضح وهو كلا، اذن مالذي يجب فعله، لحل هذه المسألة الشائكة في البلد؟، فعلى الرغم من الطروحات والاراء والمقترحات كانت كثيرة، الا انه لم يحدث لحد الان تقديم معالجة حقيقية، تصيب كبد المشكلة وتعالجها بشكل جذري، اذ لم يقدم أي مشروع لربط مشاكل المجتمع بالجانب الاقتصادي الذي انعكس بصورة مشوهة سياسياً واجتماعياً ومن ثم اجتماعياً، فمثلا لم يتم تناول مسألة الاستهلاك سواء على المستوى الجزئي او على المستوى الكلي على انها مشكلة اجتماعية وليس مشكلة اقتصادية وحسب، على الرغم من الدراسات في هذا المجال كانت اقتصادية احصائية بحته تسعى لتقدير دوال الاستهلاك، ظناً منها انها بتقديرها لذلك ستقدر على حل المشكلة، ونعم هي تحل المشكلة، ولكن ليس كل المشكلة، فقضية الاستهلاك هي مسألة اجتماعية قبل ان تكون اقتصادية تنطلق ومن على اساس البيئة التي ينشأ منها المجتمع، لا على اساس القوانين الاقتصادية المشتقة من بيئة تختلف كل الاختلاف عن البيئة الموجودة في العراق او غيره من الدول، وان جزء كبير من المشكلة الاقتصادية، يكمن في جوانب الاستهلاك والادخار، بل وانها ترتبط حتى بمسألة معالجة الفسادى الاداري والمالي، وتحقيق التوازن والاستقرار الاقتصادي، ففهم طبيعة الاستهلاك وتوجه نحو مجالات وقنوات معينة نابع من انعكاس اجتماعي لااقتصادي نظري، وعليه فأن معالجته، تكمن في معالجته اقتصادياً ولكن بشكل اجتماعي، فمثلاً وعلى سبيل المثال لاالحصر، يتميز استهلاك الفرد العراقي في معظمه بغياب العقلانية فيه والرشادة، وهو اقرب لأن يكون مظهري وترفي في كثير من قنواته، وهذا يرجع للبيئة التي يعيش فيها الفرد العراقي، اذ تحكم استهلاكه منظومة القيم الاجتماعية السائدة والتي من الصعب التعامل معها او التخلي عنها او معالجتها اقتصادياً، اذا لم تعالج بالاول اجتماعياً والا فالمشكلة الاقتصادية لن يتم حلها، وتبقى معلقة بل وتستفحل اكثر فأكثر مع مرور الزمن، ولحل هذا المشكلة، يجب ان يكون الحل اقتصادي ولكن ضمن إطار اجتماعي.
وهو أن نبدأ بتربية ابناءنا تربية اقتصادية، فمثلما نعلمه عدم الكذب والسرقة وغيرها، علينا ان نعلمه أيضاً كيف الاهتمام بمصروفه اليومي وانفاقه، ومالذي يجب ان ينفق عليه من السلع، وكيف يدخر جزء من مصروفه، وان يشمل ذلك ايضاً نوع الانفاق، اي يرتب سلم اولوياته في الانفاق، هذه العملية، هي أشبه بما يعرف بالتنظيم الاقتصادي الاجتماعي، وهو ماسارت عليه معظم دول العالم المتقدمة، من خلال مايعرف بـ (التنظيم الاسري) او (تنظيم ميزانية الاسرة)، اذ تفتقد العائلة العراقية غالباً الى التنظيم في كل شيء، لاسيما الجانب المالي الذي يشكل حلقة مهمة في تكوين الاسرة وتلبية احتياجاتها واستهلاكها، هذا التنظيم هو سر تطور المجتمعات، ومثلما تنظيم الوقت مهم، فتنظيم الاستهلاك مهم ايضاً، وهذا يحتاج الى نبدأ به من الاطفال حتى يكون أشبه بمايعرف بـ (الاستهلاك الاخلاقي)، اي الاستهلاك الاعتيادي الذي يضمن تحقيق المتطلبات الاساسية وادخار الباقي من المصروف او الدخل، اذ ان المسألة وان كانت مرتبطة بالدخل سواء في حالة ارتفاعه وانخفاضه، الا ان ذلك ليس هو المقياس الوحيد، فقد أثبتت التجارب انه حتى في ظل ارتفاع الدخل فأن هناك تشوه في الاستهلاك، وانه حتى في ظل انخفاض الدخل فأن الاستهلاك الاعتيادي لن يتأثر بصورة كبيرة، طالما يوجد التنظيم الاقتصادي لعملية انفاق الدخل .
وبالتالي نفهم مما تقدم ان المشاكل الاقتصادية في المجتمع والتي نتفاجىء، انه لماذا لاتنفع معها الحلول الاقتصادية، فأن السبب الحقيقي يعود، الى ان الحل ليس اقتصادياً بشكل مطلق، وهنا نؤكد على ضرورة ان تكون ضمن المنظومة الاخلاقية للمجتمع منظومة اقتصادية اجتماعية، والا فأن المشاكل لن يكون لها حل ابداً، والبداية تكون من الاستهلاك، وذلك لأهميته ولأن أغلب المشاكل التي نواجهها سواء كانت اقتصادية او اجتماعية او سياسية، فأن مصدرها الاستهلاك، الا انه يجب النظر الى الاستهلاك ومعالجة الخلل فيه وفق ماذكرنا سلفاً، والا فأن الحل سيكون قاصراً ولن يحل المشكلة.
اضف تعليق